أخبار السودان

رسالة استباقية إلى وزير العدل الجديد

دكتور عبدالعليم محمد إسماعيل

ثلاث قضايا هي معيار ومؤشر لأي أمة للسير في طريق الحياة الكريمة، هي: العدالة، المساواة، الحرية، والثلاثة مسارات لا تنفصل عن بعضها، فأي إصلاح من قبل سلطة حاكمة، أو نضال أو ثورة من قبل تيارات معارضة (سلمية أو مسلحة) لن تشكل فارقا في تاريخ الأمم ما لم تكن هذه القضايا الثلاث هدفاً محوريا لجميع الخطط والاستراتيجيات التي يجب تنفيذها عاجلا؛ والصبر على مواجهة الصعوبات التي تعيق تثبيتها كغاية في ذاتها عبر صيرورة طويلة من تفاعل المؤسسات كافة؛ فالخلل الاقتصادي أو السياسي نتائج عرضية في تاريخ الأمم؛ محركها الأساس هو الخلل في موازين (العدالة، المساواة، الحرية) التي تعتبر من الإشكالات البنيوية في جسد أي أمة، فلن تنفع ? مع اختلالها- أي معالجات أو إجراءات سياسية أو اقتصادية أو غيرها؛ فقضايا انعدام المعيشة الكريمة والفقر والجهل وانفراط الأمن وعدم الاستقرار والبطالة….إلخ هي أعراض لخلل في المحاور التي ذكرناها (العدالة، المساواة، الحرية)؛ لذا فإن أي إصلاح سياسي أو ثورة أو نضال يجب أن يكون هدفه الاستراتيجي هو تحقيق العدالة والمساواة والحرية؛ لأن هذه مبادئ عليا يترتب على كيفيتها حال الواقع.

من هنا- لقد قرأت هذا الخبر بتعيين (د.إدْريس إبراهيم جَميل) الذي لم أعرف عنه شيئا قبل هذا الخبر؛ ورغم الجدل الذي دار حول سيرته، وخاصة موضوع الدكتوراه- فقد صار وزيرا للعدل؛ أمامه قضية مركزية هي (موازين العدالة) التي تحتاج منه التعاون مع الكفاءات والخبرات القانونية السودانية المميزة قبل المساومات السياسية التي تبحث عن معايير عدلية على مقاسها ومصالحها؛ مع علمنا أن الموقع الذي يحتله وزير العدل هو موقع سياسي؛ لكنه من المواقع التنفيذية التي لها ارتباط قوي بالسلطات التشريعية والعدلية في دائرة الأنظمة الشمولية التي تقلب وتخلط – في العادة ? هذه السلطات حيث يهيمن الجهاز التنفيذي ويحرك الجهازين (التشريعي والعدلي) ويجعلهما جهازين تحت الطلب لإرادة الحزب الحاكم (قضية تجميد النشاط لرياضي في السودان أنموذجا). إذا على وزير العدل الجديد الذي سيسير في حقل من الألغام أن يقود دفة هذا المحور المرتبط بتصحيح مسار تاريخي من الفشل والإحباط الذي قاد إلى من نحن فيه اليوم.

على الوزير أن يمتلك وعيا بالحس التاريخي، ليس البعد النوستالجي منه، وإنما الدرس الذي يقدمه للإنسان حتى يفيد من قانونه. والدرس الأول الذي يحب أن نستوعبه- جميعا- أن التحولات الكبرى وبناء المؤسسات الراسخة والأنظمة المستقرة والفاعلة ارتبط بالقرارات الحاسمة حول مسارات العدالة، الحرية، المساواة. والقرار الأساسي الذي تتأثر به بقية المسارات هو بناء منظومة عدلية تكون الحارس الأمين لكل المؤسسات والأفراد، فأوربا- والغرب عموما- نجحت في حماية ثورتها وبناء الدولة؛ لأنها اتخذت القرارات المهمة حول (العدالة، المساواة، الحرية) فصارت أساس العقد الاجتماعي الذي ضمن الاستقرار والتقدم والرضا لهذه الشعوب، وفي السودان فشلنا مرارا وتكرارا في بناء دولة الموطنة رغم الثورات الكبيرة التي أنجزها الشعب السوداني خلال مسيرته بعد الاستقلال الذي تحول إلى (استغلال)؛ ثورة اكتوبر 1964/ ابريل 1985م؛ وهما من أعظم الثورات في التاريخ الحديث؛ لكن أجهضهما وأطفأ بريقهما من شارك بقوة في إنجازهما. فلم يُسمح لأي منهما أن تكمل دورة برلمانية واحدة حتى تنجز دستورا دائما يشكل عمادا لبناء دولة المواطنة التي أساسها (العدالة، الحرية، المساواة). إذا يجب التأكيد على أنّ المسارات الثلاثة لن تنفصل عن بعضها دون عرج في حركة سير الدولة؛ على أن العدالة هي البعد الحاسم في تحقق المساوة والحرية.
من هنا فعلى السيد الوزير الجديد إن أراد أن يسهم في تغيير هذه المسيرة المضطربة للدولة والأمة السودانية، أن يتابع ملف العدالة بصدقية وأمانة؛ فتصحيح مسار العدالة كفيل بتصحيح كل المسارات المضطربة في الدولة؛ وليس لدي شك في أن الوزير يعي العلاقة العميقة بين منظومة العدالة وبناء الدول المحترمة والقوية.

لا أود تنبيهك إلى ما ستواجهه من مشكلات كبرى في تحقيق رسالة العدالة، لأن رأس المال الرمزي في السودان- عبر تاريخه- يتمثل في ثلاث قوى: سياسي، اقتصادي، أمني، وأنا على ثقة أن خطوات الإصلاح في منظومة العدالة ستصطدم بهذه القوى الثلاث؛ لذا رسالتي الجانبية لهذه القوى الثلاث إذا أرادت المساهمة في تغيير هذا الهرج الذي يشهده السودان، عليها أن تدعم? بما تمتلكه من رأسمال رمزي وخطوات إجرائية مؤثرة- مسار العدالة بدعم الوزير في بناء مؤسسات عدلية تحقق العدالة والمساواة وتصون الحرية كحق أصيل للإنسان، وأن لا تستغل النفوذ لإعاقة بناء منظومة عدلية قوية؛ وقد خَصَصتُ هذه القوى الثلاث؛ لأنّ أي خطوة في بناء أو تصحيح مسار منظومة عدلية سيكون له التأثير الآني على مكتسبات هذه القوى؛ لكنها ستكتشف على المستوى الاستراتيجي أن أعظم هدية تلقتها في مسيرتها هي قرارات بناء منظومة عدلية قوية.

وأخيرا: أنت مقدم على مهمة يشيب لها الرأس، وتحتاج من الشجاعة والضمير الحي ما يجعلك في موقف صعب، والخيارات أمامك مفتوحة؛ فإما أن تختار أداء مهمتك التي يتطلبها الموقع وهي(بناء منظومة عدلية حقيقية) وإلا فنصيحتي لك أن تترك الموقع بلا أسف أو حسرة؛ فصن ضميرك برفض كل المساومات والعراقيل التي أعرف أنك ستواجهها؛ بل هي مطروحة كقضايا أمام مكتبك؛ وتتصارع حول مساراتها العامة القوى السياسية والمنظمات المدنية المنقسمة ما بين (الحكومة والمعارضة).
أمنياتي لك بالتوفيق
د.عبدالعليم محمد إسماعيل علي
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أوافقك تماماً فقد أوجزت مبحثاً عميقاً للكاتب الهندي خبير البنك الدولي (أمارتيا صن) والمنشور في كتابه (التنمية حريّة) إلّا أنّ ذلك يتطلب ارضاً مستوية لم تعبث بها ايادي العابثين أو ارضا خاماً قابلة للتشكيل الذي اردته . لكن وخلال 28 عاماً تشكلت ارضيّة الساحات العدليّة بأهواء السلطة حتى صار من الصعب إنزال أيّ إصلاحات مقترحة على أيّ مستوى من المستويات وفي أيّ مكان في بلادنا فالشرفاء إنزووا وهاجروا وماتوا ونسوا حتى ماذا كانوا يقولون وهلل وكبّر المنافقون على مسارح الواقع ثم خلا لهم الجوّ فغنوا ورقصوا واستباحوا كل القيم .
    إذن التنمية حريّة والحريّة عدالة مطلقة

  2. بما تمتلكه من رأسمال رمزي وخطوات إجرائية مؤثرة- مسار العدالة بدعم الوزير في بناء مؤسسات عدلية تحقق العدالة والمساواة وتصون الحرية كحق أصيل للإنسان

    ___

    المثل بقول : ( اليد الواحدة ما بتصفق) والكاتب جاءنا من الآخر المؤسسات الأخرى المؤثرة فى سير العدالة هى قد تكون جزء من الإشكال العام فى البلاد واناأرى أن الوزير الجديد سيعمل موظف توقعيات بناء على التقارير والتحقيقيات التى تأتى عليه ( جاهزة) محملاً المسؤولية غيره أو المقولة التى نسمعها من كثير من المسؤولين أو لسان حالهم يقول: ( يا أخوانا دى تقارير رسمية للجان مفوضة العندو حاجة غير كده يجيبا لينا نشوفه) هذه الجمل هى دباجة كل وزراء الحكومات ذات القبضة الواحدة والناس هلى دين ملوكهم ..

    السياسة العليا وطريقة تصريف الأعمال فى البلاد هى التى تحدد مسار حركة كل وزير فى الدولة .. إذاً الخلاصة نظام الدولة واستراتيجيتها هى التى تعمل ويطبقها الوزير وليس الوزير الذى سيغير.. لا اتوقع من الوزير الجديد أى تغيير يذكر وانتم صحفيين أسالوا من سبقهم فى هذا المنصب..

  3. شكرا ابواشرف

    تحقيق الحرية في المجتمع هو الهدف النهائي والأساسي لعملية التنمية التي ما هي إلا عمل يتيح توسيع فرص ومجالات الاختيار أمام البشر، بما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة، وبما يعزز حرية الفرد في التعبير والمشاركة واتخاذ القرارات وحرية الاختيار والحرية الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية على هذا الأساس (منقووول)

    *******تستلزم إزالة جميع المعوقات التي تؤدي إلى افتقاد الحريات، مثل القوانين والتشريعات التي تعطي الحكام سلطات مطلقة*******،(منقوووول)

    ******والتدخلات غير المبررة، وغير القانونية في مؤسسات المجتمع المدني**********،(منقوووول)

    *****والاشراف الشخصى واليومى (24) ساعة من وزير العدل (تحمل ليكرمك الله في الاخرة) على كيان عدلى همه الأول وهدفه الأول التحقيق في ***الفسااااااد ** ***الفسااااااد**** لاسترجاع الأموال المنهوبة العينية والمنقولة

  4. أوافقك تماماً فقد أوجزت مبحثاً عميقاً للكاتب الهندي خبير البنك الدولي (أمارتيا صن) والمنشور في كتابه (التنمية حريّة) إلّا أنّ ذلك يتطلب ارضاً مستوية لم تعبث بها ايادي العابثين أو ارضا خاماً قابلة للتشكيل الذي اردته . لكن وخلال 28 عاماً تشكلت ارضيّة الساحات العدليّة بأهواء السلطة حتى صار من الصعب إنزال أيّ إصلاحات مقترحة على أيّ مستوى من المستويات وفي أيّ مكان في بلادنا فالشرفاء إنزووا وهاجروا وماتوا ونسوا حتى ماذا كانوا يقولون وهلل وكبّر المنافقون على مسارح الواقع ثم خلا لهم الجوّ فغنوا ورقصوا واستباحوا كل القيم .
    إذن التنمية حريّة والحريّة عدالة مطلقة

  5. بما تمتلكه من رأسمال رمزي وخطوات إجرائية مؤثرة- مسار العدالة بدعم الوزير في بناء مؤسسات عدلية تحقق العدالة والمساواة وتصون الحرية كحق أصيل للإنسان

    ___

    المثل بقول : ( اليد الواحدة ما بتصفق) والكاتب جاءنا من الآخر المؤسسات الأخرى المؤثرة فى سير العدالة هى قد تكون جزء من الإشكال العام فى البلاد واناأرى أن الوزير الجديد سيعمل موظف توقعيات بناء على التقارير والتحقيقيات التى تأتى عليه ( جاهزة) محملاً المسؤولية غيره أو المقولة التى نسمعها من كثير من المسؤولين أو لسان حالهم يقول: ( يا أخوانا دى تقارير رسمية للجان مفوضة العندو حاجة غير كده يجيبا لينا نشوفه) هذه الجمل هى دباجة كل وزراء الحكومات ذات القبضة الواحدة والناس هلى دين ملوكهم ..

    السياسة العليا وطريقة تصريف الأعمال فى البلاد هى التى تحدد مسار حركة كل وزير فى الدولة .. إذاً الخلاصة نظام الدولة واستراتيجيتها هى التى تعمل ويطبقها الوزير وليس الوزير الذى سيغير.. لا اتوقع من الوزير الجديد أى تغيير يذكر وانتم صحفيين أسالوا من سبقهم فى هذا المنصب..

  6. شكرا ابواشرف

    تحقيق الحرية في المجتمع هو الهدف النهائي والأساسي لعملية التنمية التي ما هي إلا عمل يتيح توسيع فرص ومجالات الاختيار أمام البشر، بما يؤدي إلى تحسين جودة الحياة، وبما يعزز حرية الفرد في التعبير والمشاركة واتخاذ القرارات وحرية الاختيار والحرية الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية على هذا الأساس (منقووول)

    *******تستلزم إزالة جميع المعوقات التي تؤدي إلى افتقاد الحريات، مثل القوانين والتشريعات التي تعطي الحكام سلطات مطلقة*******،(منقوووول)

    ******والتدخلات غير المبررة، وغير القانونية في مؤسسات المجتمع المدني**********،(منقوووول)

    *****والاشراف الشخصى واليومى (24) ساعة من وزير العدل (تحمل ليكرمك الله في الاخرة) على كيان عدلى همه الأول وهدفه الأول التحقيق في ***الفسااااااد ** ***الفسااااااد**** لاسترجاع الأموال المنهوبة العينية والمنقولة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..