مع من سيحل المؤتمر الوطني قضية دارفور؟ا

مع من سيحل المؤتمر الوطني قضية دارفور!؟

سليمان حامد الحاج

أكدت الحكومة أنها لن ترهن سلام دارفور بالاتفاق مع الحركات المسلحة، وهو حديث ممعن في الغرابة. فالمؤتمر الوطني وقبل توقيع اتفاق السلام لدارفور في ابوجا في 5 يوليو 2005، راهن على الاتفاق مع الحركات المسلحة في دارفور. واتبع القول بالعمل عندما وقع الاتفاقية في ابوجا مع فصيل واحد هو التنظيم المسلح المسمى حركة/ جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو ميناوي. وعندما فشلت وساءت العلاقات مع مني لم يفكر حزب المؤتمر الوطني في المقترحات المقدمة من أهل دارفور التي توافقوا عليها في مؤتمراتهم المختلفة، ولا تلك المقدمة من قوى المعارضة بعقد مؤتمر دارفوري/ دارفوري يشرك أهل دارفور في حل مشكلتهم وينتقدهم من المأساة التي يعيشونها. بل ولم يفكر حتى في المؤتمر الجامع الذي اقترحته الأحزاب السياسية الممثلة في تجمع قوى المعارضة للخروج بالبلاد من أزمتها العامة وضمنها مأساة دارفور كأحد القضايا التي أصبحت خنجراً مغروساً في خاصرة الوطن يصعب الحراك معه، فقضية دارفور قضية قومية تستوجب حلاً قومياً يشترك فيه الجميع كل بما يتيسر له من أراء ومقترحات عملاً بالحكمة التي صيغت شعراً:

رأي الجماعة لا تشقي البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها

وهذا هو حال المؤتمر الوطني الحاكم الذي يصر بكل العنجهية والصلف على سيادة رأيه وعدم إشراك الآخرين- رغم أن رأيه يرهن في التطبيق العملي على أنه ممعن في الخطأ وغارق في لجته لأنه ينطلق من مصالح فئة طبقية ضيقة لا يهمها أمر البلاد وما تؤول إليه. وداوم على السير في الطريق ذي الاتجاه الواحد التفاوض فقط مع الحركات التي تحمل السلاح. ولهذا عمل قسم الحركات التي لا تستجيب له ليخلق من بينها تلك التي تتفاوض وتوقع معه اتفاقاً وفق شروطه ليعلن على العالم أنه نجح في حل مشكلة دارفور. وعندما يفشل في ذلك يلد من رحمه حركات مسلحة ليفاوضها. ومع ذلك، ونيجة لالتصاق هذه الحركات بأهلها في دارفور والذين يمثلون عمقها الأساسي، رغم التفاوت النسبي لذلك، في نهاية المطاف إلى الضغوط التي يمارسها أهلهم، إلى جانب غيرها من الأسباب الداخلية والخارجية التي جعلت معظمها إن لم يكن جميعها ترفض عروض الحزب الحاكم.

السؤال الذي يفرض نفسه بموضوعية تامة، لماذا تستمر مفاوضات الدوحة وقد حدد المؤتمر الوطني سلفاً أنه لن يرهن سلام دارفور بالاتفاق مع الحركات المسلحة؟! وماذا تسمي مايجري الآن في الوحدة ومع من؟! مع ذلك يناقض التصريح نفسه في ذات الأسطر عندما يقول إنّ الحكومة تؤكد جديتها للوصول إلى سلام دائم نهائي، وإنّ الباب مازال مفتوحاً لانضمام الفصائل المنسحبة من منبر الدوحة؟! (راجع صحيفة الصحافة بتاريخ 23/10/2010)

وكيف يستقيم هذا الطرح عقلاً ومنطقاً مع ماصرحت به الحكومة من قبل على لسان المسؤول الأول عن ملف دارفور أنهم اختاروا طريقاً آخر هو طريق التنمية والاستقرار كاستراتيجية جديدة للتنفيذ، وبدأوا فيه كما قبل بالفعل. ألا يؤكد هذا التناقض عدم مصداقية الحكومة في ماتطرح من حلول؟ ألا يصل هذا حد الحيرة والربكة في خطابها السياسي؟ هذا ما يصفه أهلنا في دارفور بأن (الدرب دخل في ألمي)؛ أي أنّ خط السير لمتابعه دخل في الماء ولم يعد من الممكن متابعة وبمعنى اخر (رأيه تلف).

مع كل ذلك وبالرغم منه، فإنّ الحركات المسلحة تصر على عدم التفاوض مع الحكومة إلاّ في إطار جبهة عريضة تضم عدداً من الحركات بهدف التنسيق الواسع النطاق في حالتي السلم والحرب. وقد بلغت موقفها هذا في 22 اكتوبر 2010 إلى الوسيط المشترك للأمم المتحدة والإتحاد الأفريقي جبريل باسولي.

ما يؤكد أنّ مفاوضات الدوحة تسير في طريق مسدود هو، ووفقاً لتصريحات رئيس الحركة التي تفاوض الآن د. السيسي أنّ هنالك قضايا لازالت عالقة ويأتي في صدارتها أحد المطالب الجوهرية لأهل دارفور وهو مطلب الإقليم الواحد. فجميع أهل دارفور في مؤتمراتهم والحركات المسلحة جميعها متفقة على هذا المطلب. ووصفه د. السيسي بأنه مطلب حاسم يرتبط نجاح أو فشل المفاوضات بالاستجابة له، وهنالك العديد من المطالب التي لم تحسم بعد. وأكدّ أنّ الحكومة مطالبة الآن باتخاذ قرارات شجاعة.إننا في الحزب الشيوعي نؤكد ماذهبت إليه كافة قوى المعارضة.

إنّ قضية دارفور مسألة قومية ويستحيل حلها دون وفاق قومي، وحتى لو نجت المفاوضات الحالية في الدوحة في التوصل إلى حلول إنقاذية فإنها ستواجه مصير كافة الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها مع كافة القوى السياسية من قبل والحركات المسلحة، كما حدث مع ابوجا واتفاقية السلام الشامل ( نيفاشا) نفسها وغيرهما.

يؤكد ذلك أنّ الحكومة قد قررت سلفاً الحل وأعلنته كإستراتيجية جديدة وشرعت في تنفيذه من دارفور بالفعل. هذه الاستراتيجية الجديدة هى الاسم السري للحل العسكري.

مرة أخرى نؤكد أنّ الفشل الذريع سيكون مصير كل الاتفاقيات التي تعقد من وراء ظهر الشعب، بصرف النظر عن المكان وعدد الشهود الذين يحضرون حفل التوقيع.

لم ينج ذلك أبوجا من الفشل رغم حضور أربعة عشرة شاهداً رفيعاً من أهم التنظيمات العالمية ومناديب البلدان العظمى، ولم يقل حتى اتفاقية نيفاشا من العثرات رغم حضور عدد أكبر من ذلك حفل توقيعها.

الحل بيد الشعب ممثلاً في حضور من يخولهم لمؤتمر جامع تطرح فيه كافة قضايا الأزمة التي عبّر عنها وعددها البيان المميز لأحزاب قوى المعارضة. وحضور ممثلوه للمؤتمر الوطني الحاكم، تطرح فيه كافة قضايا الأزمة التي تعاني منها البلاد وتهدد وحدتها واستقرارها.

تنفيذ ذلك رهين بتصعيد العمل الجماهيري اليومي عبر الندوات والكتابة في الصحف والمظاهرات والندوات في عمل لا يعرف الملل بل يتسم بالشجاعة والمثابرة. وقد أكدت كل التجارب أنّ القول الفصل بيد الشعب عندما يصمم، عن وعي وتنظيم.

الميدان

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..