أخبار السودان

تشييع فاطمة أحمد إبراهيم.. مشاهد حزينة في اليوم الأسود!!

في مشهد حزين شيعت حشود غير مسبوقة أمس الأربعاء القيادية الشيوعية الراحلة فاطمة أحمد إبراهيم وامتدت المراسم الجنائزية لنحو (6) ساعات بدأت من مطار الخرطوم باستقبال الجثمان وانتهى الموكب بمقابر البكري بأم درمان، وفي حدث تحول لحديث المجالس بالخرطوم منع مشيعون غاضبون النائب الأول للرئيس بكري حسن صالح ووالي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين ووالي شمال كردفان أحمد هارون ومسؤولين حكوميين آخرين من المشاركة في مراسم التشييع لحظة وصول الجثمان لميدان الربيع بأم درمان لأداء الصلاة عليه، وردد الغاضبون هتافات مناوئة للنظام الحاكم، ودعوات لإسقاط الحكومة، ورشقوا المسؤولين بقوارير المياه، ما اضطرهم للانسحاب سريعاً وكان لافتاً للأنظار مشاركة قطاعات من النساء اللاتي حرصن على ارتداء الثوب الأبيض وطلاب المدارس، بجانب مُشاركة سكان أحياء أم درمان بالإضافة للقوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وارتفعت الرايات والأعلام والشعارات التي تمجد سيرة الراحلة.

أم درمان: سلمي عبد الله – محمد إبراهيم

نظرة وداع
بعد وصول جثمان الفقيدة فاطمة أحمد إبراهيم – رحمها الله – إلى أرض العباسية قُوبل بالنواح والصراخ من بعد غيبة امتدت لسنوات لم يكن أحد يظن أن تعود إبنة أم درمان إلى محل مولدها ونشأتها محمولةً على صندوق يمنع حتى أقرب الأقربين من فتحه لإلقاء النظرة الأخيرة ودخل الجثمان ليطوف به في أرجاء المنزل الذي طالما شهد صولات وجولات للقيادية واجتماعات، ولها في كل ركن ذكرى وفي كل زاوية حديث، وخرج الجسد الميمون من منزل أم أحمد لا ليعود بل هو الخروج الأخير الذي لا عودة بعده فقد اعتاد هذا المنزل على رحلات فاطمة بين المعتقل والرحلات الداخلية والخارجية فقد كان المحطة التي تحط بها الرحال لكأني بالجدار تنتحب وهي تودع (ست البيت) كأنها تعلم أنها لن تعود ثانيةً وخرجت فاطمة إلى الشارع كان في انتظارها الأهل والأحباب والأصدقاء حتى خصماء الأمس كانوا ينتحبون لوداعها.. ما أعظمها من سيدة وسار الجثمان بين شوارع العباسية كموكب ملك تسبقه الحاشية وبعض الهمسات وأصوات البكاء كلهم صحبوك إلى رحلتك يا فاطمة.
دموع وخلاف
بعد خلاف دام ثلاثة أيام بين أسرة القيادية فاطمة أحمد إبراهيم والحزب الشيوعي حول تفاصيل وبرنامج مراسم التشييع توصل فيه الطرفان إلى اتفاق جزئي، إلا أن الخلاف مازال حاضراً حتى ووريت الراحلة الثرى ووضعت في مثواها الأخير، وظلّت نظرات عدم الرضاء حَاضرةً بين الطرفيْن بعد أن رفضت أسرة الراحلة أن يمر جثمان الفقيدة بمقر الحزب الشيوعي كما كَانَ مُخطّطاً حسب برنامج التشييع، وأبدى عددٌ من أفراد أسرتها رفضهم لذلك لعدة أسبابٍ تحفظّوا عن ذكرها وإن هذا شأن داخلي بين عضوية الحزب وبينهم، لكن ظلت الأنفاس الساخنة سيدة الموقف بعد أن اختزل مؤيدو الحزب حزبهم في الحضور واستقبال الجثمان والتشييع، فقد كان أغلب الحضور من طوائف أخرى وبعض الأهل والعشيرة والجيران الذين شكّلوا حضوراً لافتاً وحضر التشييع أشخاص من مُختلف محليات الخرطوم (الديم، الخرطوم3 وبانت) وغيرها قالوا ان لا علاقة لهم بالحزب الشيوعي وإن الذي أتى بهم إعجابهم بالراحلة وإن هناك من أتى من الأقاليم المختلفة واتحاد المرأة.
من داخل المنزل
منزل من الطراز القديم (توهط) الجانب الشرقي لمنطقة العباسية ولا يبعد عن الشارع الرئيس كثيراً، كل شيء فيه بني وصمم على نظام عتيق حتى النوافذ والأثاث، وحتى تشققات الجدران تدل على أصالة المنطقة وعراقة تاريخها ورغم أن خروج الجثمان لم يمضِ عليه وقتٌ طويلٌ، إلا أن الجو بدا عادياً وجلست نساء الحزب يتبادلن الحديث واحتلت أسرة الراحلة مكاناً أمام بوابة المنزل في شقاق واضح منفصلين عن نساء الحزب، غير أن الجيران انتشروا بين هؤلاء وأولئك وتحدثوا عن الراحلة وأثنوا عليها، وقالت فاطمة إبنة أخ الراحلة إن هذا منزل العائلة وهو مغلق وكان منزل والد فاطمة إبراهيم ولم يسكنها أحد بعدها.
في سرادق التأبين!!
مع قدوم موكب التشييع القادم من المطار وعند وصوله استقبلته الجماهير بالهتافات الثورية الحماسية والدموع تملأ المآقي والأصوات تكاد تشق عنان السماء، وارتفعت الرايات الحمراء والخضراء عالياً تبكي وتودع فاطمة، ووقفت إحدى عضوات الاتحاد النسائي تتحدث بصوت رخيم قائلة للواتي يحطن بها (المهندسة إنتي فاطمة، الدكتورة إنتي فاطمة، المعلمة إنتي فاطمة …الخ)، وسيطرت الجماهير على شارع الأربعين بأم درمان وتوقفت حركة مرور السيارات، وظل أعضاء الحزب الشيوعي والمنضوون تحت لواء اللجنة القومية لتأبين الفقيدة يرددون شعارات الحزب العتيقة (ماشين في السكة نمد من سيرتك للجايين، وحرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب)، وعندما وصل الجثمان أمام المنزل تخاطفته الجموع، وظلت الجماهير مرابطة أمام المنزل، لم تردد في الشعارات الحماسية والثورية، وبلمح البصر تغيّرت تعبيرات الجموع عندما شاهدوا سيارة ضخمة يحفها الحرس الأنيق من كل الاتجاهات وثار الجمهور عندما تأكّد أنّ هذه السيارات تتبع لرئاسة الجمهورية على اللوحة المكتوبة في الأمام، وارتفع الصوت بوتيرة واحدة ينمي عن غضب من الذي يمتطي هذه السيارة الفارهة وردّدوا بصوت قاطع (فاطمة دُغرية ديل الحرامية).. (فاطمة يا دُغرية ديل الحرامية)، وعندما أُنزل زجاج السيارة تبيّن للجميع أنه النائب الأول لرئيس الجمهورية بكري حسن صالح، ودار بينه وأحد أعضاء الحزب الشيوعي حديث ويجلس بجانبه في السيارة والي شمال كردفان أحمد هارون، واحتج المُشيِّعون على حضور النائب الأول للرئيس ووالي شمال كردفان ووالي الخرطوم ودار همس بين الجموع وارتفع صوت أحدهم قائلاً (هل من المعقول أن لا تحترم الشخص وهو في حياته وتأتي في لحظة فراقه للحياة) وطوقت الجموع الغاضبة السيارة وبعضهم يرميها بالحجارة مما اضطر النائب الأول لرئيس الجمهورية، رئيس الوزراء بكري حسن صالح بصحبة والي الخرطوم عبد الرحيم محمد حسين للانسحاب ومُغادرة المنزل بعد منع الوفد الحكومي من (شيل الفاتحة).
في ميدان الربيع
وتوجّهت الجموع صوب ميدان الربيع غرب منزل الفقيدة لأداء صلاة الجنازة عليها، وعندما شاهدت ذات السيارات التي تحمل المسؤولين توجّهت إليهم وهي أكثر عزيمةً وإصراراً على ضرورة طردهم من تشييع الفقيدة ومنعهم من المُشاركة فيها، وتوجّهت إلى الشعارات اللاذعة على شاكلة (يا فاطمة يا دُغرية الكيزان يطلعوا برة).. (يا فاطمة يا دُغرية ديل الحرامية)، مما نتجت عنه مشادات حادة بعضها بين أعضاء الحزب الشيوعي وانقسامهم حيال التعامل مع الحضور الحكومي بين من يريدون طرد المسؤولين والذين يقبلون بزيارة المسؤولين الحكوميين، وبعضها بين ذوي الفقيدة وأعضاء الحزب وقام بعض المشيعين برشق مَوكب النائب الأول للرئيس بكري بالمياه وحَصبوا والي الخرطوم بالحجارة وهتفوا ضدهما ورفض والي الخرطوم الذهاب وقال (ما بمشي)، وتحدّث مع القيادي البارز بالحزب الشيوعي صدقي كبلو الذي لم يَستطع أن يوقف هتافات زملائه في الحزب، مما حدا بتدخل قوات الشرطة وتفريق المتجمهرين في الميدان بعد أن تم حمل الجنازة إلى مقابر البكري.
الموكب الحزين!!
تحركت الجموع من ميدان الربيع بعد أداء صلاة الجنازة متجهة صوب مقابر البكري بأم درمان وسارت الجماهير لأكثر من 5 كيلو مترات، كان خط سير الجموع بدأ من ميدان الربيع مروراً بمنطقة العرضة جنوب بالقرب من استاد المريخ ثم عرج بتقاطع شارع العرضة وحي العرب، ثم بموقف استاد الهلال حتى وصولها المقابر، وفي أثناء السير تجلى التنظيم الدقيق والمُترابط لأعضاء الحزب الشيوعي والمُشتركين في التأبين وتنظيمهم خط سير الموكب وسط ترديد الهتافات (عاش كفاح الشعب السوداني.. وعاش كفاح الطبقة العاملة.. يا فاطمة إنتي أساس وطنك محال ينداس).
كانوا حُضوراً
عدد من الشخصيات شكّلت حضوراً في تأبين الفقيدة كـ (القيادي بالشعبي علي الحاج وغازي صلاح الدين وميادة سوار الذهب) وغيرهم، وهنالك وفد من التنظيمات السياسية كـ (قيادات المؤتمر الشعبي، المؤتمر السوداني، الأمة القومي، حركة القوى الجديدة الديمقراطية “حق” والاتحادي الديمقراطي والبعث العربي والبعث السوداني والمؤتمر الوطني)، إضافةً إلى وفود قادمة من الولايات، وممثلين للأندية الرياضية.
استنكار!!
استنكرت أسرة الراحلة ما قام به بعض عضوية الحزب الشيوعي تجاه قيادات المؤتمر الوطني وطلبهم من قيادات بارزة الرحيل وعدم المشاركة في التشييع أو الصلاة التي تمت في ميدان الربيع، وقالوا إن فاطمة شخصية قومية وليست ملكاً للحزب، وأضافت فاطمة إبنة شقيق الراحلة لـ(التيار): إنّ الذين أتوا من المؤتمر الوطني أقرباؤنا ولا يَحق لأحد منعهم في مُشاركته الأحزان، وتابعت: هذا ليس يوم للخصام السياسي، لكن قيادية بالحزب فضّلت حجب اسمها قالت لي: إن سبب رفضهم حضور ممثل الرئيس ووالي الخرطوم للتشييع إن الراحلة غادرت البلد بسبب مضايقة نظام الإنقاذ لها، لكن إبن أخ الراحلة القيادي بحزب البعث محمد ضياء الدين قال لا استطيع أن أقول من طردوا (ناس الحكومة) “حزب أو شيوعي أم غير حزب شيوعي” كل الحضور شاركوا في منعهم.. لكن ما يتضح جلياً هو عدم التنسيق بين أسرة الفقيدة والحزب وتضارب المواقف بشأن التأبين رغم وجود لجنة لذلك، إلا أن الأسرة غير راضية عنها أو عن الحزب الأمر الذي جعل أقارب من الدرجة الأولى لم يذهبوا إلى الصلاة والدفن.
اشتباك!!
ظل فتيل الخلاف بين أسرة الفقيدة والحزب مشتعلاً عندما أصر بعض شباب الحزب على الهتاف أثناء الصلاة على جثمان الراحلة بميدان الربيع، وطلب منهم عبر مكبرات الصوت الصمت لكنهم تبادلوا الهتاف مع آخرين كانوا يتوشحون بالعلم السوداني القديم ويهتفون (الكافرة) واستمر الهتاف وحدث اشتباك بين الشرطة وشباب من الحزب فتم اعتقال أربعة منهم من قبل الشرطة حتى لا يحدث اصطدام بينهم وبين أسرة الراحلة من جهة وبين من نعتوا الراحلة بالكافرة من جهه أخرى. قريبة الراحلة رفضت ذكر اسمها ووصفت ما حدث من الحزب باستغلال مواقف، وقالت من حضروا من المؤتمر الوطني لهم صلة رحم مع عمتي وأتوا ليقوموا بواجب العزاء وطلبت من الحزب إذا أرادوا الهتاف أن يذهبوا ويهتفوا بالقصر الجمهوري لأن صلاة الجنازة ليست محلاً للهتاف وإكرام الميت دفنه.
الرفض
إبنة أخت الراحلة حنان علي يوسف تساءلت لماذا يذهب بها إلى دار الحزب، خاصة إذا كان الراحل شخصية قومية مثل خالتي وأي شخص يتوفى خارج السودان من المفترض إحضاره من المطار إلى أسرته مباشرة من مقام الأسرة إلى المقبرة (مافي داعي الناس تلف بالجثمان) إنسان توفي، ونحن بنات أخواتها وأهلها ضد (الكلام دا) ليست لدينا حساسية مع أحد بل ضد من كانوا يريدون أن يصنعوا بالجثمان، هذا لا يجوز والأشياء السياسية لا نستطيع أن نزيد أو ننقص منها لأننا داخل الأسرة هناك جزء يرى أن تشارك الحكومة في التشييع وليس فرحة بوجود الحكومة لا لكنها تستاهل أن توضع على مدفع وتسحب بالمدفع هذه رؤيتنا نحن لا نرى أن تشيع من قبل المؤتمر الوطني أو من قبل الحزب الشيوعي بل نريد للكل أن يشارك لأنها أم الشعب السوداني وأخت لهم ولها مواقف خدمت بها المرأة وتستحق كل تقدير واحترام ونحن لا يهمنا أن يشيعها الحزب أو المؤتمر الوطني، نحن ننظر إليها أنها متوفية منذ السبت الماضي، وهي موجودة بالثلاجة بالأيام حتى اكتملت الإجراءات، وشخص منذ أن توفي مكث خمسة أيام بالدنيا (كتيرة) للميت، نحن كأسرة لسنا شيوعيين (ما عندنا قضية مع الحزب الشيوعي)، ونحن كأسرة تجد بها الشيوعي والأخ المسلم وحزب الأمة والمستقل كل هذا موجود ونحمد الله أنها وصلت بين أهلها و(ناسها)، وإذا كان رب العباد يرد الروح لكنا طلبنا منها الجلوس والنظر إلى من (عزاك وأكرمك).

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..