أخبار السودان

شباب في موكب التشييع

صلاح حامد هباش

تفاعل شباب من أعمار ومراحل دراسية مختلفة مع حدث تشييع المناضلة أبداً المربية الدكتورة فاطمة أحمد إبراهيم؛ وشاركوا من قرب ومن بعد في الحدث. اصطفوا مع المصطفين وتدافعوا مع المتدافعين؛ وبين هذا وذاك فإنك تلمح عمق التأملات والنظرات الحيرى المليئة بالأسئلة والاستفسارات, تتفرّس في وجوه المشيعين وتحاول جاهدة أن تقرأ في وجوههم بعض الإجابات. تتساءل في إصرار ممزوج بأرواح متوثِّبة تواقة إلى سبر غور هذا الإجماع الفريد غير المسبوق؛ هذا الاحتشاد؛ هذه الجموع المتدافعة الثائرة. فقد رسخ في الأذهان بأنّ هذا استفتاء وإجماع على عظمة هذا الجسد المسجى. حيث جاءت وتوافدت من كل صوب وحدب؛ كل ألوان الطيف الجميلة بكل أبعادها وأعماقها؛ لترفع القبعات إجلالاً وإكراماً لهذه القامة السامقة وتشهد الوداع الأخير لأم النضال وشيخة المتاريس.
شباب نضر في غضاضة العمر يعيد التأمل كرات ومرات ويغوص في تفكير يزداد عمقاً كلما علت الهتافات وكلما تدافعت الجموع لتتقافز الأسئلة الحيرى ثانيةً وثالثةً. من أين لهذه الأنسانة كل هذا المجد؟ من أين لها كل هذا الخلود؟ وكيف أنها وفي هذه اللحظات تحفر اسمها في ذاكرة الأمة وفي وجدانها وتسطِّر تاريخاً ناصعاً مليئاً بالمجد والبطولات وبأحرف من نور تتلألأ في سماوات الوطن العريض الفسيح الحدادي مدادي. هذه السير العاطرة الذاكية والتي تمطر مجداً وفخراً وشموخاً وكبرياءً؛ ستقود الأجيال القادمة؛ ستتقدم الصفوف وجحافل الثوار؛ ستكون نبراساً مضيئاً يهدي التائهين في صحاري الحياة ويرشد الغافلين بل الغارقين في لجج الذاتية والأنانية.
هؤلاء الشباب يمنون النفس بحسن الخاتمة ويشتهون بأن يكرمهم الله جلّ وعلا بذات السيرة وذات التاريخ وأن ينضموا إلى ركائب الخالدين من أبناء هذا الوطن الجريح الذي يزفر الآهات تلو الآهات. لعلهم أدركوا وقتئذٍ بأن المحامد لا تتأتى إلا بالحمل على النفس ولا تُكتسب إلا بالجهاد الأكبر وبإيثار الآخرين والغوص عميقاً فيما ينقِّص عليهم حياتهم. فيا أيها الشباب المعجب بهذا الحشد؛ عليكم أن تسلكوا الطريق وتبايعوا هذه الشيخة الماجدة الزاهدة في متاع الحياة وأن تلتمسوا سعادتكم في الدنيا والآخرة في سعادة الآخرين وفي إيثارهم ورفع الظلم عنهم. طريقة صوفية المحتوى للتبتل في محاريب المشردين والمفصولين وأطفال الشوارع. لا كما يرى أهل الإنقاذ الذين يلتمسون سعادتهم في مصارع المواطن الأعزل عندما يرونه مضرجاً بدمائه؛ وعندما يشرفون على حرمانه من العلاج والتعليم إشرافاً ممنهجاً. لا يمكن حصر جرائم هذا النظام وتناولها؛ فهي معلومة للجميع ويعايشها المواطن في تدمير مؤسسات سبل كسب العيش على مستوى الفرد وعلى المستوى القومي. فمشروع الجزيرة والميناء وتدمير نظامي الصحة والتعليم وتقتيل الطلاب واغتصابات………..والقائمة تطول.
لعل كل ذلك يتم وبدم بارد ومن دون أن يرتجف لهم جفن. تحوّلت أموال البلد “الما عندها وجيع” إلى خزينة الحزب الحاكم وتحولت إلى جيوب عصابته؛ لإقامة المؤتمرات في الفنادق ذات الخمسة نجوم وإلى امتلاك الفلل والعقارات والأصول الثابتة في الداخل والخارج وتحويل الأرصدة في البنوك الأجنبية. كل ذلك ينعكس في حياة المواطن ليعاني المجاعات وتحصد حياته الأمراض ويرزح في الأمية والتخلف. حوالي ثلاثة عقود تنسلخ من عمر شعب أدمن الانتظار حتى ماتت أمنياته وتراجعت طموحاته في العيش الكريم.
فهي لله هي لله هي لله؛ لا للسلطة ولا للجاه. طريق الله الواحد الأحد؛ والذي سارت عليه هذه الشيخة؛ متمثلة بالحديث القدسي ” يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا.” هذا الطريق؛ أيها الشباب الناهض؛ وفي عهد هؤلاء المجارمة طريق شاق ووعر, محفوف بالمخاطر وملئ بكل ألوان الرعب والعنف والإرهاب والتعذيب. هو طريق الموت غير الرحيم, تصطف على جانبيه وحوش كاسرة في هيئة بني آدميين ذوي طباع وحشية غير مروّضة, ممعنة في الجلافة وعدم التحضر وغاية في الفظاظة واللا إنسانية؛ لا يعرفون من المصطلحات الحديثة غير الغسيل للأمخاخ والأموال. من يسلك هذا الطريق بمبايعة هذه الأم الشيخة؛ فإنه لا محالة سيعيش التشرد ومفارقة الأوطان والأحباب؛ سيكون مطلوباً لأجهزة الأمن القمعية والبحر خلفكم والعدو أمامكم. هذا الطريق هو ذات الطريق الذي سارت عليه الشيخة طيلة حياتها؛ بكل العزم والإصرار؛ فلم تلن لها قناة في خوضها معارك فاصلة في مصير المرأة وانتشالها من وهدة الضياع والتخلف.
وأنتم تواصلون النضال ضد كافة أشكال الظلم, سينتهي بكم المطاف في مكاتب أجهزة الأمن ومكاتب ومسالخ سيئة الذكر بيوت الأشباح. في مكاتب وسلخانات هذه الأجهزة سيجهزون عليكم بقسوة لم تسمعوا بها ولم تصادفكم في كتب التاريخ وأفلام تصفية الحسابات. سينشبون أظفارهم السامة في أجسادكم وسترون العجب العجاب من عينات وأنواع أدوات التعذيب المستوردة من دول حليفة. من أبرز هذه العينات براميل الثلج التي ستوضعون بها لا محالة لتتجمد أطرافكم وستضربون ضرباً قاسياً بالعصي المكهربة وغيرها من أنواع البساطين الرفيعة وسياط العنج. وكل ذلك يتسبب في أنواع من الإعاقات الدائمة النفسية والجسدية وقد يؤدي إلى بتر الأعضاء. فالهدف هو عدم فاعليتك في الحياة مرة أخرى. هذا إذا كتب الله لك الحياة وخرجت حياً من براثن هؤلاء المأزومين.
هذه الأجهزة متعطشة للتنكيل بالخصوم متشوقة لاهتبال الفرص واغتنام السوانح للتشفي وإفراغ شحنات الغل والحقد المتراكم والذي تربوا عليه في معسكرات التنظيم وفي أروقة الحزب. انعدام المرؤة والتجرد من الأخلاق هو نهج هذه الأجهزة وهو ديدنها في ممارساتها الفاضحة. أيها الشباب الفتي أبقوا عشرة على المبادئ؛ وأرفعوا عالياً ذات الشعارات التي رفعتها الشيخة للدفاع بشراسة عن الحقوق الديمقراطية.
فهذه الشيخة وهبت كل عمرها وحياتها مدافعة عن المظاليم والضعفاء. فقد ظلت تداوس ومنذ أن كانت طالبة وحتى توفاها الله في تثبيت الحقوق والاعتراف بها من قبل الأنظمة المتعاقبة “ديمقراطية كانت أم شمولية”. فهي ورفقاء ورفيقات دربها من انتزعوا حقوق المرأة في التصويت وفي الترشيح والتمثيل البرلماني؛ وحقوقها في التعليم والأجر المتساوي بل والمشاركة في كافة مجالات العمل وبدون استثناء، بما في ذلك القضاء والجيش والشرطة؛ وما الحقوق التي تتمتع بها المرأة اليوم إلا من ثمرات نضالها الدؤوب ومصادماتها لأشكال الحكومات المتعاقبة. تمثيل المرأة بالنسبة لعصابة الحكم هو تقديم اللواتي يجدن الهتاف ويسبحن بحمد السلطة ويضعن في أرجلها خضاب الزيف والنفاق. هؤلاء لم يذقن عذابات المنافي ولا فقد الأزواج شهادة وجسارة ولا صقيع الغربة أو ظلم الناس. بل فضلاً عن ذلك تحوّلن إلى سيدات أعمال يمارسن التصدير والاستيراد وتُعطى لهن الأولوية في التصديقات الصادرة من وزارة التجارة وبنك السودان بتوفير النقد الأجنبي بل وتقدم لهن كافة التسهيلات في الجمارك ورسوم الانتاج. ولذلك فلا غرو أن يصبحن نِداً للرجل في الفساد والإفساد وأن يساهمن بشكل كبير في تحويل القطاع العام وممتلكات الدولة إلى قطاع خاص.
أحرّ التعازي لكل الشرائح المغبونة ولكل النازحين في البوادي والأحراش؛ للمعتقلين والمفصولين ولأطفال الشوارع ولكل فرد في المهاجر ولكافة قطاعات الشعب الصابر الصامد القابض على الجمر.
رحمك الله رحمة واسعة وتغشت قبرك سحائب الرحمة الهتون وإنا لله وإنا إليه راجعون.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال رائع استاذ صلاح وتستاهل ام احمد . ارجو من اللجنة القومية للتأبين الحرص على جمع كل ماكتب عن فاطنة وطبعه فى كتاب .كما ارجو من اللجنة القومية العمل على تحقيق حلم فاطنة فى أقامة ملجأ لاطفال الشوارع يسمى بإسمها والطلب من الشعب السودانى كل واحد يتبرع بمائة جنيه وماكتير على فاطنة السمحة التى جاء يوم شكرها . لك الرحمة والمغفرة فاطنة بقدر إنحيازك لشعبك وشبعك هم الغلابة الغبش التعابة واطفال الشوارع .

  2. الان علي اللجنه القومية ان تشرع في جمع كل ما كتب عن فاطمه وتدوين سيرتها الزاتيه الي الكتاب والشعراء والفنانين والساسه ومطابع السودان لإخراج هذا الكتاب وإلحاقه ليدرس في المدارس من الأساس الي الجامعات كماله أساسيه
    في مادبه التربيه الوطنيه سيره نضال وكفاح منذ الاستعمار وضد الدكتاتوريات العسكريه من عبود الي نميري الي البشير أمراءه شعبه من النضال اول برلمانيه في افريقيا والشرق الأوسط تزين مقدمه الكتاب بالنعي الرائع في جريده التايمز اللندنية
    أرجو انلاتتقاعس هذه اللجنه القومية في أجاز هذا الواجب الوطني الجبار لتخليد رمز الامه السودانيه هذه الأيقونة العظيمه اسكنها الله فسيح جناته

  3. هؤلاء المشيعون كلهم في نظر الحكومة شيوعيون وفي مكان تاني يقولوا ليك حزب لايملا افراده حافلة هههههههه

  4. مقال رائع استاذ صلاح وتستاهل ام احمد . ارجو من اللجنة القومية للتأبين الحرص على جمع كل ماكتب عن فاطنة وطبعه فى كتاب .كما ارجو من اللجنة القومية العمل على تحقيق حلم فاطنة فى أقامة ملجأ لاطفال الشوارع يسمى بإسمها والطلب من الشعب السودانى كل واحد يتبرع بمائة جنيه وماكتير على فاطنة السمحة التى جاء يوم شكرها . لك الرحمة والمغفرة فاطنة بقدر إنحيازك لشعبك وشبعك هم الغلابة الغبش التعابة واطفال الشوارع .

  5. الان علي اللجنه القومية ان تشرع في جمع كل ما كتب عن فاطمه وتدوين سيرتها الزاتيه الي الكتاب والشعراء والفنانين والساسه ومطابع السودان لإخراج هذا الكتاب وإلحاقه ليدرس في المدارس من الأساس الي الجامعات كماله أساسيه
    في مادبه التربيه الوطنيه سيره نضال وكفاح منذ الاستعمار وضد الدكتاتوريات العسكريه من عبود الي نميري الي البشير أمراءه شعبه من النضال اول برلمانيه في افريقيا والشرق الأوسط تزين مقدمه الكتاب بالنعي الرائع في جريده التايمز اللندنية
    أرجو انلاتتقاعس هذه اللجنه القومية في أجاز هذا الواجب الوطني الجبار لتخليد رمز الامه السودانيه هذه الأيقونة العظيمه اسكنها الله فسيح جناته

  6. هؤلاء المشيعون كلهم في نظر الحكومة شيوعيون وفي مكان تاني يقولوا ليك حزب لايملا افراده حافلة هههههههه

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..