الزمان زمانك.. إلغاء البكور.. الخرطوم على خط (جرينتش)

الخرطوم: الطيب محمد خير
لا شك أنها حالة انجذاب لكل ما هو قديم، لنفسر حالة الارتياح التي غمرت الأوساط السودانية في أعقاب اتجاه قوي لإصدار قرار مرتقب بإعادة العمل بالتوقيت العالمي (جرينتش +2)، وذلك بعد (17) سنة من قرار لم يبال بخطوط الطول وقدّم الزمن ساعة، أثناءها افتقد الأهالي الكثير والكثير جداً، فهل حلت ساعة إعادة الأمور إلى نصابها، والزمان لحالته القديمة، لتنتظم الخرطوم في سلك جرينتش.
وكانت قطاعات مجلس الوزراء أجازت في اجتماعها المشترك أمس الأول (الثلاثاء) التوصية الخاصة بتغيير التوقيت في السودان ليتناسب مع محيطه الإقليمي والعالمي، بإعادة الساعة لوضعها القديم وذلك بتأخيرها (60) دقيقة إنفاذًا لتوصية الحوار الوطني بإلغاء توقيت البكور الذي ظل محل خلاف وجدل بين الدولة وقطاعات المجتع السياسية والاقتصادية ومنظمات المجتمع المدني وحتى رجال الدين منذ صدوره في العام 2000م.
لوم متبادل
المشهور في الأوساط السودانية أن تجربة توقيت البكور التي جعلت السودان متقدماً عن توقيت جرنيتش بثلاث ساعات مخالفاً بذلك التوقيت العالمي مرتبطة بالمستشار الاقتصادي السابق لرئيس الجمهورية دـ عصام صديق الذي يحمله الجميع المسؤولية وتبعات قرار (جر الساعة) فيما يحاول هو إلقاء اللائمة على شخصيات نافذة في الدولة وقتها في مقدمتها النائب الأول لرئيس الجمهورية السابق علي عثمان محمد طه الذي نفذ القرار.
وقال د. عصام صديق في مؤتمر صحفي بأنه غير مسؤول عن قرار تقديم الساعة، مؤكداً أن مؤتمر البكور لم يقر هذه التوصية.
وفي الآثار خلق القرار ربكة داخل المؤسسات والدواوين الحكومية والخاصة، ووصل الأمر إلى حياة الناس.
جهل
يوم (الثلاثاء) عاود صديق السخرية، ليس من تقديم الساعة، ولكن من الاتجاه إلى إعادة عقاربها (60) دقيقة إنفاذًا لتوصيات الحوار الوطني.
وقال صديق في حديث للزميلة (السوداني) إن الأمر لا يحتاج لتعديل في عصر الانترنت، واصفاً توصية مؤتمر الحوار باعتماد توقيتين للسودان (شتوي وصيفي) بالمضحكة، لأنه ينم عن جهل كبير من جماعة الحوار، مشيراً إلى أن السودان يعمل بتوقيتين منذ نوفمبر 2000م وأن الحوار لم يأت بجديد والغرض من ذلك إلهاء الناس بحكاية جديدة عن قضاياهم الرئيسة.
وشن صديق هجوماً على مجموعة لم يسمّها وقال إنها تسعى لإلغاء نظام البكور في الصيف القادم، الأمر الذي يعكس تمسكه بتطبيق ما تبرأ منه سابقاً جراء الربكة التي أحدثها في نظام توقيت الدولة.
باطل
لا يبارح الذاكرة، كون إعلان نظام البكور وزيادة ساعة لزمن السودان التي أخرجته من توقيته الجغرافي، قد ارتبطت بمسحة دينية كانت السبب الأساسي في فرض تلك الفكرة والابقاء عليها كل هذا الزمن، وهذا ما ظل يرفضه إمام وخطيب مسجد الخرطوم العتيق الشيخ كمال زرق الذي تحدث لـ (الصيحة) قائلاً إن هذا توقيت غير حقيقي وكاذب وإن كان الأمر بيده لألغى هذا القرار وأبطل العمل به من اليوم التالي لصدور قرار العمل به، لأنه قرار كاذب لا يعبر عن حقيقة التوقيت العلمي المبني على خطوط الطول والعرض، وهذا ما يجعل هذا التوقيت قائماً على خدعة للناس لأنه يخالف التوقيت الحقيقي. ونفى رزق أن تكون لهذا القرار أي مسحة دينية، وزاد: ليست له علاقة بالدين، مضيفاً أن البكور هو أن يصحو الناس بدري بالتوقيت الجغرافي العلمي وليس بخداعهم بجر الساعة، وامتدح رزق قرار العودة للتوقيت السابق.
كانت الحكومة ممثلة في مجلس الوزراء ولجنة الخدمات بالبرلمان، قد شكلتا لجنة برئاسة عبد الدافع الخطيب عقب اعتماد البكور لتقييم التجربة، ورفعت تقريرها في بداية التجربة ولم تظهر نتائجها التي أوصت بعدم اعتماد تقديم الساعة، واعتماد بدل ذلك توقيت صيفي وآخر شتوي، لكن لم يعمل به.
وطالب الأمين العام لجمعية لحماية المستهلك غير الحكومية د. ياسر ميرغني الذي ابتدر حديثه لـ (الصيحة) بالترحيب بقرار العودة للعمل بالتوقيت الحقيقي للسودان في محيطه الإقليمي والعالمي ووصفه بالصائب رغم أنه جاء متأخراً مقراً بأنه من المتوقع أن يحدث ربكة محدودة في بداية تطبيقه، لكنه من الأفضل أن يرتبك المواطن لشهر بدلاً من استمرار الارتباك إلى ما لا نهاية.
وقطع ياسر بأن قرار جر الساعة لم يحدث أي زيادة أو تقدم في الإنتاج والإنتاجية، وذلك من واقع الدراسات التي أجرتها الأمانة الاجتماعية لمجلس الوزراء، وطالب بنشر تقرير اللجنة المشتركة للاستفادة منه حتى لا تتكرر تجربة البكور التي قال إنها أضرت بنظام التعليم وأثرت على الثقافة الاستهلاكية والغذائية بجعلها المواطن يعتمد على وجبتين بدلاً من ثلاث وجبات، وزاد: يجب أن يتبع ذلك بإزالة كل الممارسات السابقة التي تسببت في إلحاق الضرر بالمستهلك، وختم بهذا النوع من القرارات تكون حماية المستهلك وإصلاح معاش الناس.
تصحيح مسار
من جانبه نفى الخبير الاقتصادي د. محمد الناير أن القرار الخاص بالبكور وجر الساعة لـ(60) لم يضف للاقتصاد السوداني أي شيء، فقد أخرج السودان من توقيته جرينتش 2+ ووصف القرار بأنه عودة للمسار الصحيح بعد 17 عاماً، واستبعد أن يحدث هذا القرار أي ربكة في ظل التطور التقني الموجود الذي يجعل من السهل برمجة الزمن، وأضاف الناير لـ (الصيحة) أن الربكة غير واردة خاصة وأن الكثير من المواطنين في القرى والأرياف ظلوا متمسكين بالتوقيت السابق.
ونبه د. الناير إلى ضرورة أن يسبق تطبيق التوقيت الجديد حملة توعية وعلى أن يكون في وقت واحد حتى يتم تحاشي عملية التباين فتجد البعض كما حدث في العملة رغم العودة للعمل بفئة الجنيه غير أنك تجد البعض يحسب بالدينار، وهنا يظهر التباين واضحاً في التعاملات المالية رغم أن بنك السودان نجح في التعاملات النقدية، لكنه فشل في تغيير ذهنية المواطن في أن ينطق العملة الجديدة، فتجد حتى الآن البعض يتعامل مع الجنيه بفئة الدينار (1000) جنيه، لذلك على الدولة أن تجتهد في إعادة عقلية المواطن للتوقيت القديم.
وفي تعليق الناير على مقولة (تحرك الناس لأعمالهم والأطفال لمدارسهم والليل لم ينقشع بعد، فلا نوراً كسبوا ولا برداً اتقوا)، قال إن تجربة البكور لا عيب فيها، لكنها تحتاج لترتيبات حتى تنعكس على زيادة الإنتاج، مبيناً أن هذه الترتيبات أن تتخلل فترة العمل ساعة للراحة وتناول الوجبات وتوعية من قبل الدولة وأن تكون هناك توعية مكثفة لإعادة التوقيت، وختم أن ما طبق لم يحقق أي مردود اقتصادي في الإنتاج والإنتاجية.
الصيحة.