الخصم الشريف

زمان مثل هذا

الخصم الشريف (2)

الصادق المهدي الشريف

? كشف مولانا محمد بشارة دوسة وزير العدل، عن ترتيبات جارية لإبعاد النيابات المختصة التي وصفها بإنها خصم شريف. ? والحقيقة أنّ الرجل لا يملك إلا أن يصف تلك النيابات بأنّها (خصم شريف) فلا يمكن أن يطعن وزير العدل في جهازه العدلي… كما أنّنا أيضاً لا نملك إلا أن نصفها بأنّها كذلك، خوفاً من المساءلة. ? وكان من الممكن أن نشرح ماهية النيابات الخاصة للقراء عبر الإنترنت، إلا أنّهم أعرف منا بها. فالمغتربون أنكأ جراحاً من المقيمين بالبلد… واسألوا العنبة. ? والنيابات المختصة (أو الخاصة) هي ليست نيابات فقط، بل هي جهاز عدلي متكامل (شرطة + نيابة + قضاء) خصصتها وزارة العدل لبعض الجهات الحكومية… مثل نيابة الضرائب والجمارك والنفايات والمرور والصحافة (وقديماً سوداتل وغيرها). ? والسبب الذي تمَّ به تخصيص تلك الأجهزة العدلية للجهات الحكومية وبعض الجهات الخاصة هو (أنّ تلك الجهات تحتاج قضاياها لبتٍ سريع)… أي لتسريع إجراءات التقاضي. ? وكما ترون فإنّ العلة أقبح من المعلول، فالأصل في العدالة أن تتحقق حتى لو سارت ببطء… ولهذا فإنّ علة تسريع العدالة غير مقبولة، فعملية التسريع تأتي في كثيرٍ من الأحيان خصماً على العدالة نفسها. ? ولكن النيابات الخاصة أصبحت خَصْمَاً وَحَكَمَاً في القضايا التي تخص هذه الجهات، ويكون الطرف الآخر فيها مواطناً مغلوباً على أمره. ? ولنأخذ نيابة النفايات والتي جاءت متأخرة على رفيقاتها بعدة سنوات… لكنَّها فعلت كقول المعري (وإني وإن كنت الأخير زمانه * لآت بما لم تستطعه الاوائلُ * وأغدو ولو كان الزمان صوارمٌ * وأسري ولو كان الظلام جحافل). ? لم يدخل مواطن إلى نيابة النفايات إلا وخرج منها يتمنى الحصول على جنسية أخرى غير الجنسية السودانية. ? ورغم أنّ ثقافة النفايات ما زالت ثقافة جديدة على معظم السودانيين، أن يدفع مقابل النظافة، إلا أنّ تطبيق القانون في بعض الأحيان يأخذ مجرىً غريباً. ? فمعظم نيابات النفايات لا تقبل أيَّ عذر، وفي بعض الأحيان يرفض وكيل النيابة مجرد الاستماع إلى المواطن. ? ونيابة الصحافة أمرها عجب… فلا يوجد ما يستدعي وجود نيابة خاصة بالصحافة، لأنّ التضرر من قضايا النشر هو أمرٌ معروف لا خصوصية فيه. ? فمن يتضرر من قضايا النشر سواءٌ كانت جهة شخصية أو غعتبارية فإنّها لن تجد منصفاً أكثر من الجهاز القضائي المعتاد… وليس الخاص. ? والسيد وزير العدل وصف النيابات الخاصة بأنّها خصم شريف…. ? أنعِمْ… وأكرم. ? ولن نجادل في شرفها… ولكن نجادل في أن تكون خصماً. ? إبدأ سيادة الوزير بما يشتكي منه معظم السودانيين… إبدأ بنيابة النفايات. ? ثُمَّ تعال خطوة إلينا… إلى نيابة الصحافة التي يشتكي منها معظم (إن لم يكن كلّ) الصحافيين.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..