أخبار السودان

نبذة تاريخية عن الأجور ومستويات المعيشة (1)

مختار عبدالله

كان إنشاء المصانع والمؤسسات الصناعية الكبيرة هي النتيجة الحتمية لقيام الثورة الصناعية في أوربا ومنها انداحت لبقية بلدان العالم. ومع إنشاء تلك المصانع والمؤسسات وتشغيل عشرات ومئات العمال فيها، نشأت ظاهرة الأجور والعمل المأجور. ومن حينها بدأ الصراع حولها بين اولئك العمال وأصحاب تلك المصانع والمؤسسات. لقد بدأ ذلك الصراع بأشكال وطرائق بدائية منها تحطيم تلك الآلات نفسها كأسلوب للاحتجاج على نقص الأجور وطول ساعات العمل.

بعد قيام التنظيمات النقابية واستخدام سلاح الإضراب والتوقف عن العمل كأسلوب حضاري للاحتجاج، اتخذ الصراع منحى آخر بإعلاء مبدأ التفاوض وعقد الاتفاقيات الجماعية بين التنظيمات النقابية وأصحاب العمل؛ لرفع الأجور وتحسين بقية شروط الخدمة بما فيها تخفيض ساعات العمل.

منظمة العمل الدولية ومنذ إنشائها في العام 1919 اهتمت بموضوع الأجور باعتباره أكبر أسباب الصراع بين العمال وأصحاب العمل، وركزت بشكل خاص على الكيفية التي يتم بها تحديد مستويات كافية للأجور حيث جاء في ديباجة دستورها: إن الميزان الأساسي في تحديد الأجور هو الحاجة إلى تزويد العمال وعائلاتهم بأجر معيشي وذلك بالتحديد النظري للاحتياجات الحيوية للعامل وأسرته من (طعام، وسكن، وملبس) وفي سبيل ذلك قامت بوضع خمس اتفاقيات تتعلق بالأجور:-

الأولى: الاتفاقية رقم (26) لعام 1928 بشأن إنشاء آلية لوضع الحد الأدنى للأجور،

حيث جاء في المادة (1) ينبغي أن تتعهد كل دولة عضو في منظمة العمل الدولية بأن تقييم أو تعمل على وجود طرائق لتحديد المستويات الدنيا لأجور العمال، حيث لاتوجد ترتيبات لتنظيم الأجور فيها تنظيما فعالا أو تكون فيها الأجور منخفضة بصورة غير عادية.

المادة (3) (أ) لكل دولة الحرية في أن تقرر طبيعة وشكل وطرائق تحديد المستويات الدنيا للأجور على أنه يجب أن يستشار ممثلي أصحاب العمل وممثلي العمال المعنيين بما في ذلك ممثلي منظماتهم وكذلك أشخاص تعينهم مؤهلاتهم وترى السلطة المختصة أن من المناسب استشارتهم في هذا الشأن وذلك قبل تطبيق تلك الطرائق.

(ب) أن يشترك العمال وأصحاب العمل المعنيين في تنفيذ هذه الطرائق على أن يمثل الطرفان في جميع الأحوال بأعداد متساوية.

(ج) أن تكون المعدلات الدنيا للأجور التي تحدد ملزمة لأصحاب العمل وللعمال المعنيين بحيث لايجوز تخفيضها باتفاق فردي أو جماعي.

ثانيا: الاتفاقية رقم (95) لعام 1949 بشأن حماية الأجور.

المادة (8) لا يجوز الاستقطاع من الأجور إلا بالشروط والمدى الذي تقرره القوانين أو اللوائح الوطنية أو تحدده الاتفاقيات الجماعية أو قرارات التحكيم.

المادة (10) (1) لا يجوز الحجز على الأجور أو التنازل عنها إلا بالطريقة والمدى الذي تحدده القوانين واللوائح الوطنية.

تحمى الأجور من الحجز او التنازل بالقدر الذي يعتبر ضروريا لحياة العامل وأسرته.

المادة (11) (1) عند إفلاس منشأة ما أو تصفيتها قضائيا يعامل عمالها كدائنين ممتازين سواء بالنسبة لما لهم من أجور عن الخدمة التي أدوها في الفترة السابقة أو فترة تحددها القوانين واللوائح الوطنية.

(2) تدفع الأجور التي تشكل دينا ممتازا بالكامل قبل أن يطالب الدائنون العاديون بنصيب من الأصول.

(3) تحدد القوانين واللوائح الوطنية الاولوية بالنسبة للأجور التي تشكل دينا ممتازا.

المادة (12) (1) تدفع الأجور دوريا وتحدد القوانين واللوائح الوطنية أو الاتفاقات الجماعية أو قرارات التحكيم فترات دفع الأجور ما لم توجد ترتيبات مناسبة أخرى تكفل حق دفع الأجور على فترات منظمة.

(2)عند انتهاء عقد استخدام تجري تسوية نهائية لكل الأجور المستحقة وفقا للقوانين أو اللوائح الوطنية أو الاتفاقيات الجماعية أو قرارات التحكيم أو خلال فترة زمنية معقولة.

المادة (13) 1- يجري دفع الأجور النقدية في أيام العمل وفي مكانه أو في مكان قريب منه ما لم تنص على غير ذلك القوانين واللوائح الوطنية أو الاتفاقيات الجماعية أو قرارات التحكيم أو ترتيبات أخرى معروفة للعمال المعنيين أكثر ملاءمة.

ثالثا: الاتفاقية رقم (94) جاء في المادة (2) (1) تتضمن العقود التي تنطبق عليها الاتفاقية شروطا تضمن للعمال المعنين أجورا بما فيها (العلاوات) وساعات عمل وشروط عمل أخرى لا تقل مؤاتاة عن تلك المقررة بأحدى الطرق التالية لعمل ذي طبيعة مماثلة في المهنة أو الصناعة المعنية وفي نفس المنطقة التي يؤدى فيها هذا العمل:

منها الاتفاقيات الجماعية أو آلية معتمدة أخرى للتفاوض بين منظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال الممثلة لنسبة كبيرة من أصحاب العمل والعمال في المهنة أو الصناعة المعينة.

رابعا: الاتفاقية رقم (100) المادة (2)(1) تشجع كل دولة عضو بوسائل تتلاءم مع الأساليب السائدة في تحديد معدلات الأجور على كفالة تطبيق مبدأ مساواة العمال والعاملات في الأجر عن عمل ذي قيمة متساوية على جميع العاملين أن تضمن تطبيق هذا المبدأ في حدود عدم تعارضه مع تلك الأساليب.

خامسا: الاتفاقية رقم (131) المادة (1) (1) تتعهد كل دولة عضو في منظمة العمل الدولية بوضع نظام المستويات الدنيا للأجور تغطي جميع العاملين بأجر الذين تقتضي شروط خدمتهم هذه التغطية.

تحدد السلطة المختصة في كل بلد بالاتفاق أو بالتشاور الكامل مع المنظمات الممثلة لأصحاب العمل وللعمال المعنيين المجموعات المغطاة من العاملين بالأجر.

المادة (2) (1) يكون للأجور الدنيا قوة القانون ولا يجوز تخفيضها، ويترتب على عدم تطبيقها تعرض الاشخاص المعنيين للعقوبات الجنائية أو غير الجنائية المناسبة. على أن تشمل العناصر التي تؤخذ في الاعتبار لتحديد المستويات الدنيا للأجور بقدر الإمكان وما يتفق مع الممارسات والظروف الوطنية للأتي:

احتياجات العمال وعائلاتهم مع مراعاة المستوى العام للأجور في البلد وتكاليف المعيشة وإعانة الضمان الاجتماعي ومستويات المعيشة النسبية للمجموعات الأخرى.

ومنذ قيام الثورة الصناعية وحتى الآن ظهرت نظريات عديدة حول الأجور منها:-

نظرية الأجر العادل: نادى بها توما الاكويني قبل القرن التاسع عشر، وقد عرف الأجر العادل بأنه القدر الذي يكفي ليعيش الفرد في طبقته.

نظرية الكفاف: طورها ريكاردو الاقتصادي الانجليزي، وهذه النظرية قد تأثرت باراء مالتوس الذي كان يرى في زيادة السكان كارثة، كما تأثرت بالفقر الشديد الذي عانى منه العمال في غرب اوربا في مطلع الثورة الصناعية.

نظرية مخصص الأجور: أسس هذه النظرية استيوارت ميل 1816 ? 1873 حاول أن يجد فيها تفسيرا لتغيير معدلات الأجور من حين لآخر.

نظرية الناتج الحدي: كان من أبرز انصارها مارشال 1842 ? 1924 وهي إن أجر العامل يساوي قيمة انتاجه الصافى أو القيمة الصافية التي يضيفها العامل بعد خصم كل نفقات الانتاج.

نظرية العرض والطلب: تحدد الأجر على ضوء قوة أو ضعف العرض والطلب.

من جانب آخر فقد عرف بعض الاقتصاديين الأجر بأنه ما يدفع للعامل مقابل عمله. غير أن الاقتصاد السياسي الماركسي قد عرف هذ المسالة على النحو التالي:-

إن عمل العامل الذي يتجسد في شكل سلع ليس للعامل علاقة به وإنما يخص صاحب العمل. وإن كل ما يملكه العامل هو قوة عمله التي يبيعها لصاحب العمل كسلعة. ولذلك فإن قوة العمل قيمة تبادلية تتحدد مثل كل القيم التبادلية الأخرى بوقت العمل الكافي لانتاجها وإعادة انتاجها أيضا.

إن قيمة قوة العمل هي قيمة وسائل البقاء الضروري لصيانة مالكها والحفاظ عليه في حالة طبيعية من القدرة على العمل. وإن الحفاظ على العامل يتضمن بالإضافة لذلك وسائل الحياة اللازمة للتعويض عنه بإنجاب الأطفال ويضيف ماركس: إن الحد الأدنى لقيمة قوة العمل هي وسائل البقاء الجسدية الضرورية ما دامت القيمة تفترض قوة عمل من نوع طبيعي وليس من نوع كسيح.

ويضيف أيضا: وبما أن قوة العمل لا تتقاضى أجرها إلا بعد استهلاكها فإن العامل في كل مكان يقوم بأغراض صاحب العمل في الفترة ما قبل الدفع.

لذلك كانت أكثر الدراسات علمية هي معرفة وحدات الطاقة الحرارية اللازمة للبالغين ولمن أقل منهم في السن. وقد أظهرت تلك الدراسات أن الذين يعملون أعمالا عضلية شاقة يحتاجون إلى عدد من الوحدات الحرارية أكبر مما يحتاجه الذين يعملون في المكاتب أو في أعمال يدوية خفيفة. كما اجريت الأبحاث لمعرفة كمية الطعام اللازمة لتقديم هذه الوحدات الحرارية وكذلك كمية البروتين والكاربوهيدرات والفايتمينات اللازمة للإبقاء على الصحة بشكل جيد.

وقد وضح من كل ذلك أن الوحدات الحرارية اللازمة لمن يعملون أعمالا عضلية شاقة هي 3000 وحدة حرارية في اليوم. و2500 وحدة حرارية لمن يعملون أعمالا خفيفة.

وعلى ضوء هذه الأسس يتم تقدير إجمالي الاحتياجات الغذائية للعامل وأسرته وذلك بتحديد الأطعمة التي يكثر استخدامها وتوضح الكميات المطلوبة من الخبز، واللحم، واللبن، والخضروات، والزيوت النباتية، والفواكه للصحة، والطاقة المطلوبة للعمل. إن إجمالي أثمان هذه الاحتياجات في الأسواق والمحلات التجارية هو المبلغ الذي يجب أن ينفقه العامل على غذائه هو وأسرته.

ولذلك فإن الأجر المعيشي يجب أن يكون كافيا لدفع هذه الأثمان مضافا إليها نفقات الإسكان والاساسات وغيرها من الحاجات الضرورية بما في ذلك الثقافة والترفيه.

وقد نصت المادة (41) من دستور منظمة العمل الدولية على الآتي: إن المجتمعات الصناعية قاطبة عليها أن تكفل أجور للعمال كافية للاحتفاظ بمستوى معقول من المعيشة بالمعنى المفهوم في كل بلد وقت تنفيذ ذلك.

بينما تضمن إعلان حقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة (حق كل واحد يعمل في أجر عادل ومناسب يكفل له ولأسرته وجودا جديرا بالكرامة الإنسانية).نواصل

الميدان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..