2013 .. والطريق الى جهنم … !!

2013 .. والطريق الى جهنم … !!
بقلم/ أبكر يوسف آدم
[email][email protected][/email]
كثيرا ما يرددالسياسيين أقولا نسبت لقادة أفارقة ، بأنهم كانوا يودون لو أن السودان تولى قيادة الأمم الأفريقية ، بدلا من أن يرضى لنفسه التبعية الذيلية للعرب !!..
وهى مقولة تحدث رنينا مستمرا كلما جلسنا للمقارنة ما بين إمكانيات السودان واقعه.
فلو كنا أمة ناجحة ، لما أحدثت العبارة كل هذه الصدى ، ولتحولت إلى واحدة من آلاف العبارات المبتذلة من مقولات الأقدمين .
السودان بموارده يفترض أن يكون سلة لغذاء العرب والأفارقة معا ، لما يتمتع بها من أراض زراعية وسيعة وعالية الخصوبة ، ومجارى مياه طبيعية دائمة ، لكن القاصى والدانى ، يعرف حاليا بأن السودان أضحى من أفقر بلاد العالم ، وفى حاجة دائمة لمن يساعده فى تدبير طعامه اليومى ، ولمن يدافع عنه ويتكفله ، وربما سيضطر قريبا الى دفع بعض العملات الصعبة على شحها ثمنا لأغذية تأتيه من بلدان صحراوية كانت تعتقد حتى وقت قريب أن السودان بدخوله إلى منظومتهم العربية سيجعل من أمنهم الغذائى مستقرا دون اللجوء الى إتخاذ تدابير إقتصادية معقدة لتحقيق ذلك..
لقد إعتقد أعضاء الجامعة العربية وهم محقون ، أن السودان ليس إلا مارد إقتصادى فى غيبوبة مؤقتة ، وسيستيقظ قريبا ليجلس على كرسيه الريادى ، فباتوا يضخون فى شرايينه كثيرا من المحاليل الوريدية من قروض مالية ومساعدات فنية ودعومات إجتماعية ، على خلفية ذكريات الخوالى عندما كان فقراء الدول من حوله يشدون إليه الرحال طلبا للعمل والثروة ، أوعندما كان ينتج الكثير من الطعام والقطن فيتهافت الشعوب الأخرى علي بضائعه فى الموانئ ومرابط السفن والقاطرات ، قبل أن ينقلب الحال ليستجدى السودانيين الرحمة من شعوب كان أفرادها يتسولون فى بورتسودان !!
تباهى الإنجليز عند خروجهم ، بما حققوه من أعمال جليلة فى السودان ، وراهنوا على أن كل من الهند والسودان سيصبحان دولا عظمى قريبا ، وحتى أقوى من بعض الدول الأوربية ..
لقد إمسك رجل ثمانينى خليجى بيد سودانى فى القاهرة ، ليعبر له عن أساه الشديد لما ذهب إليه حال السودان ، وهو ممن جعلت منه المنتجات السودانية رجلا ثريا بعد أن كان فقيرا يقبل بتصدق الآخرين عليه ، ويبيت جائعا فى بعض الليالى ، فيتسآءل !! ماذا حل بكم أيها السودانيون ؟! هل إنقطع جريان النيل ؟! أم تسممت أراضيكم ؟!. إنها أسئلة إستنكارية تعجبية بالطبع !!
ونحن أيضا نتسآءل !! ماذا حل بنا ؟؟
فعلا ! أى نازلة نزلت بأمة كانت تعمل على المعادن والرى وتبنى أهرامات ومساكن على شكل طبقات قبل سبعة آلاف سنة ، لتأتى اليوم وتمد يدها مستجدية طعاما أو وقودا أو قرضا ، فى صور تجردها حتى عدسات المصورين ، لمسؤولين كبار ؟!
المثل يقول أن الشقى يراى الشقاء فى نفسه ، والمحظوظ يراه فى غيره . ونحن نرى الشقاء والتعاسة فى أنفسنا ويراها فينا الآخرون ..
كثيرا ما نسمع فى خطابات قادة دول بما فيها الغربية ، حثا ، وتأكيدات على ضرورة الوحدة الوطنية وهى دول تتهددها إضطرابات إجتماعية أقل مما للدول الشرق أوسطية ، وما كنا نعرف أن أزمة الوحدة الوطنية تساهم بصورة مباشرة فى تحطيم وتدمير وتأخير ، بل وتشتيت كيان الدولة ، وتجلب الفقر والإهانة والإذلال ،، بل أنها خطيرة قد تساهم فى توسعة دائرة الأزمات لتطال دولا أخرى ، وتجربة السودان خير دليل ،، وقد رأيناه فى أنفسنا ، ورآه فينا الآخرون !!
إن تدهور وإضمحلال وتهاوى الحضارة السودانية وسقوطها الحر من عليائها لمئات السنين كان مصحوبا ومرافقا بصورة دائمة لأزمة الوحدة الوطنية متجلية على شكل تنافر داخلى ، وقوقعة مناطقية طلبا للحماية ، وهجرات وعيش فى الحصون طلبا للأمن ، وإستعداد دائم للهرب والنجاة ، ومثل هذه الأوضاع تجعل من الإبتكار والإبداع والبحث والتخصص مجرد أفكار مترفة أمام أولويات وإلتزامات الواقع ، وأى محاولات للرقى والمدنية يحكم عليها بالموت فى مرحلة الشرانق ، وحق علينا القول أن أكثر الفترات حرجا هى التى تلت إنهيار مملكة سوبا عام 1505 ليتمزق السودان بعدها إلى شكل إقطاعيات عشائرية أشبه بصومال اليوم ، وفترة خمسمائة عام سلبية كافية لتوجيه أى أمة مهما علت شأنها ، ودفعها نحو الحضيض وتذيل الأمم ..
إن غياب روح الوحدة وإحساس إنتماء السودانيين بعضهم إلى البعض مكن من سيادة مفاهيم تعويضية لتقسيمات وحدة بدائية ، محدودة الفعالية ، مستندة على العرق واللون على حساب باقى المعايير الأكثر أهمية كبنية الأقتصاد والدفاع ووحدة المصير، مما يجعل الأبواب مشرعة لتمكين العناصر الأجنبية التى تتميز برسوخ الوحدة والقوة الإقتصادية المسنودة بالتراكمات المعرفية والتقنية المطورة فى بيئات أكثر معافاة مما يشهده محيطنا ..
قليلة هى المحطات المشرقة من بعد إنهيار سوبا ، التى تحكى عن قصة وحدة وطنية ، فاللونية والعرقية ظلتا سيدتا الموقف ، وقد سبق أن رسختهما الثقافة التجارية المستندة على تصدير البشر كبضائع إلى جانب المنتجات الغابية من أبنوس وسن فيل وريش نعام وأشياءا كهذه !!
المسألة كلها بيع فى بيع ، سيادة ثقافة البيع والإتجار فى كل شيئ ، وربما بيعا للطرق القومية مستقبلا ..!!
حتى أن القوة الدافعة للبنية الإحتجاجية للثورة المهدية إستندت على التهديدات التى تعرضت لها المواعين الإقتصادية التى أشرنا إليها ، وقادتها الأحلام التوسعية المستندة على عوامل غيبية روجت على أنها تطلب منها الصلاة فى كل من الخرطوم ومكة وبغداد والقاهرة وإستنبول ، مما جعلت من وحدتها الوطنية المؤقتة مشروطة وقائمة على الخضوع والإيمان بالنظرية المعلنة ، وتشمير السواعد إستعدادا للموت فى سبيل تحقيق أحلام هى فى النهاية أحلام . وهى نفس معايير القبول التى بنيت عليها محاولات الوحدة لاحقا ، فإما الإصطفاف خلف العقلية الطفولية بإعادة صياغة الدولة السودانية بالطريقة التى تتيح تسويقها لدى مركز العروبة ، أو الإصطفاف خلف قيادة دولة تسلك سلوكا متطرفا جراء إخفاقها فى الإندماج التام غير الإستثنائى فى المجتمع العربى ومن ثم اللجوء إلى مواقف متطرفة على شاكلة الغلو فى الإظهار النفاقى للمظاهر الدينية ، سعيا للإتيان بما عجز عنه من يلفظونه ، ومن الأمثلة المعاصرة ، قضية فلسطين ، والحرب العراقية الإيرانية ، والإنتشار الواسع والمتعدد لأحزاب القومية العربية بالسودان ، والإندفاع اللاعقلانى ولا المتريث نحو العداولات غير المحسوبة لقوى عظمى يصعب التصدى لأمرها وإعتراضها على ضوء راهن الدولة. وفى كل الأحوال لا نر شيئا من هذه المواقف تخدم بشكل أو آخر قضايا الوحدة الوطنية ..
لقد مهد البريطانيون لخروجهم تمهيدا جيدا لتفادى عودة الفوضى إلى دولة السودان ، فأسسوا جيشا يحل محل جيشهم المنسحب وسموه قوة دفاع السودان ، فدربوه تدريبا ووصقلوا خبرات قياداته بالإنتداب لتلقى تدريبات فى كل من مصر وبريطانيا ، وأجروا إنتخابات فى أنحاء السودان وأتوا بالنواب إلى البرلمان بغرض القرار فى شأن السودان وإستلام السلطة ، ودربوا الموظفين والمهنيين على كيفية إدارة المشروعات الزراعية والخدمة المدنية والقضاء والشرطة والسكة حديد والنقل النهرى، وتأكدوا من قدرتهم على الإدارة بمساعدة بعض خبرائهم لفترة محدودة ، ثم رحبت بإنضمام السودان لدول الكمنولث لتبادل الخبرات وفرص التعليم والتدريب والتبادل الإقتصادى على نطاق أوسع ، وقبلها عقد مجلس العموم البريطانى جلسة قررت فيها الإنسحاب من السودان بحلول 1/1/1956 ، وبعده إتخذ البرلمان السودانى بالتنسيق التام مع الحاكم العام قرارا بإعلان إستقلال السودان فأنزل العلم البريطانى وسلم للحاكم العام ، ورفع العلم السودانى (ليدنس فيما بعد)..
ومرحبا بكم بعد ذلك إلى عالم الفوضى والخراب !!!
وبقية القصة معروفة بالتأكيد …
فى عشية الإستقلال الذى نحتفى به لأكثر من أربعين عاما ، كشف السودانيون من سوءاتهم ، وإجتروا تأريخهم الفوضوى الهمجى القبلى ، وعادوا إلى سيادة حكم الخرافات والقداسات الشخصية واللونيات والدينيات ، وكأنهم لم يتعلموا من البريطانيين شيئا مما تعلموه من فنون إستدامة الإستقرار ، ولا كيفية بناء الأمم .. فعلاوة على أنه أتى مجانا ونفذ بطريقة متريثة وممنهجة ودون نضال ولا سفك دماء ولا عمليات إستشهادية ، وبلا وعود بالجنة ولا مضاجعة حور عين ، ولا غزلان أتت تتهادى وترقد على جنبها أن إذبحونى وكلوا من لحمى !! إلا أن هناك من إستثمره وإدعى عليها بطولات كاذبة ونضال مستميت (إعلان الإستقلال من داخل البرلمان بناءا على رغبة الإنجليز بطولة ) ليتولى بعد ذلك إرغام الشعب السودانى على سداد فواتير الإستقلال من دمه وماله وعرضه وأرضه ومعيشته ومستقبله وكرامته أمام الشعوب الأخرى ..
رغما أن تجارب الشعوب علمتها أن لا جدوى من دولة دينية ، إلا أن منا من يصمم على إعادة إكتشاف العجلة ، والتشكيك فى حقيقة دوران الأرض حول الشمس ، وربما التشبث بأن الشمس هى التى تجرى لتشرق وتغيب !! وذلك هو مثل الدولة الدينية التى فشلت تطبيقاتها فى كل الإمكنة والأزمان وتفادتها الأمم الذكية ، فلم يقدم عليها لا الطليان رغم إحتضانهم للفاتيكان ، ولا إسرائيل رغم أنها أنشئت خصيصا لأصحاب الديانة اليهودية ، ولا دولة الباكستان رغم أنها أقتطعت من الهند إقتطاعا لتصبح دولة صرفة للمسلمين ، ومن حسن حظ هؤلاء أن يرون اليوم مثالا حيا لتداعى وأنهيار وسقوط حر لدولة دينية متخلفة متزمتة لئيمة غبية وفاشلة كغباء عرابيها .. وإسمها السودان !
وقد تشابهت اليوم آراء كل من مجموعة الأزمات الدولية ومجلة فورين بوليسى الأمريكية ، فى أمر السودان ، وأنه الأول فى تهديد الأمن العالمى ، وأنه لا يثير الدهشة أن مشكلة السودان لم تنته مع انفصال الجنوب في 2011 ، وأن البلاد لا تزال تعاني من حرب أهلية ، مدفوعة بتركيز السلطة والموارد في يد نخبة صغيرة ، تهدد بأن تؤدي إلى مزيد من التفكك ، وإن الانقسامات داخل حزب المؤتمر الوطني الحاكم ، والغليان الشعبي المتزايد ، وانهيار الاقتصاد الوطني المطرد ، عوامل تنذر بإخراج قاطرة البلاد من قضبانها !! (وهذه عبارات منقولة) ..!!
إذن ، فالسودانيون موعودون بجهنم 2013 !!
ولن يأت مستعمر أوربى آخر ليملى وحدة وطنية جديدة على السودانيين..
ولن يأت نبى ، ولا مهدى منتظر آخر لإنقاذ السودان..
ولن تهبط ملائكة من السماء لتتخطف الخيرين ، فيتنزل العذاب حصرا على من دونهم .
إذن !!. ما الحل …
لنعد على الأقل إلى أداء ذلك الواجب المنزلى الذى طالما أهملناه والمسمى بالوحدة الوطنية..
ولنشرع فى بنائها حجرا حجرا , وطوبة طوبة ، حتى وإن كان فى الزمن الضائع ..
ولتكن وحدة سودانية فقط دون أى أحكام مسبقة دينية كانت ولا عرقية ..
فلا العروبة تستطيع توحيدنا !!
ولا الأفريقية المضادة للعروبة تستطيع توحيدنا !!
ولا الإسلام يستطيع توحيدنا !!
ولا المسيحية تستطيع توحيدنا !!
لكن السودانية تستطيع توحيدنا !!
أو كما قال المفكر الراحل جون قرنق ….
والسلام عليكم ……
كلام رائع
الموضوع طويل جدا لكنه شيق وجاذب للقراءة والتأمل ، وهو يلامس الحقيقة والواقع المرير الذي نعيشه الآن
لك التحية والتقدير أستاذ أبكر آدم ، فقد أصبت كبد الحقيقة … الذين حكموا السودان منذ استقلاله فشلوا فشلا ذريعا في إدارة الدولة ، وتوجها ابالسة المؤتمر الوطني ، فضيعوا ما تبقى من السودان ، ( ودو البلد في ستين ألف داهية )
أليس من الممكن أن يكون متذيل قائمة خير من متصدر قائمة أخرى. لتقريب الصورة متزيل الدوري المصري لكرة القدم أحسن مستوى من متصدر دوري غامبيا، ولو تباريا فسوف يهزمه شر هزيمة
غض النظر عن اتفاقنا او اختلافنا معه، الاستاذ ابكر يوسف يكتب مقالاته عن معرفة عميقة وافكاره تستحق النقاش الهادف للاستفادة من الايجابيات وتفادي السلبيات