الإنهاك الشامل

الإنهاك الشامل

خالد عويس

[email][email protected][/email]

إذا كان المفكر الأميركي، من أصول كينية، البروفسير علي المزروعي، قد شخّص علة الدول الإفريقية، جنوب الصحراء، بعد جلاء المستعمر، في ضعف بنى ومؤسسات الدولة الحديثة، وآفة عدم إنسجام المكونات القومية، فيمكن القول إن عوامل أخرى، إضافة لهذين العاملين، بشأن السودان، من بينها “الهوية” بتداعياتها كلها وعناصر الإشعال الكامنة في جدالاتها وتحيّزاتها، علاوة على عامل طارىء في السنوات الأخيرة، هو “الإنهاك الشامل”هذه كلها تصب المزيد من الزيت على نار السودان !

فالدولة كمؤسسات وبنى، والمجتمع كذهنية وفعل وقوة دفع وطاقات، والحزب الحاكم والقوى المعارضة، والفاعليات الثقافية والمجتمعية، كل هذه المكونات، وغيرها، تبدو بعد عقود من الصراعات، وتبديد الجهود، والدوائر الخبيثة من دورات الحكم، ديمقراطية ثم إنقلاب عسكري ثم ديمقراطية، تبدو في حال من الإجهاد الشامل غير مسبوقة، إلى درجة تكاد تعطّل التفكير الخلّاق !

ويبدو الوطن كله في حال إنسداد، لن تجدي معه الحلول المبتسرة، ولا المبادرات الرامية إلى التحايل على الأزمة الشاملة، التي إستدعت، غير مرة، تدخلاً خارجياً، من أجل إرغام الأطراف المختلفة، على الجلوس والتفاوض !

بل حتى وصفات الحلول للمشكلات الوطنية أضحت تُقدم من قبل مراكز الأبحاث والدراسات الغربية، لتتبناها الحكومات هناك، ومن ثم تفرضها علينا، دون حساب الآثار المدمرة أحياناً، لقلة دراية هذه المراكز بتشعبات الأزمة الشاملة !

والعلة الكبرى هنا ليست علة هذه المراكز، إنما علة “الإنهاك” الذي أسلم قيادنا – بيأس – إلى هذه المراكز التي تعمل بشكل أكاديمي نظري تجريدي على مشكلات قائمة على الأرض وشديدة التعقيد !

الحلُّ إزاء هذا الإنهاك البالغ والفشل الذريع الذي لابد أن نعترف به بدءً ليصح التوصيف والتحليل، هو في العودة إلى “منصة” الإنطلاق، من خلال مؤتمرات تشارك فيها القوى السودانية كلها، إضافة إلى العقول ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والثقافية، ومكونات المجتمع كلها، بهدف إعادة تركيب المفاهيم، وتحديد تشخيص علمي لأُس الأزمة، ومعالجة جذور الإشعال في أبعادها السياسية والثقافية والتاريخية والتعليمية على نحو يمثل نوعاً من “التفكير خارج الصندوق”، لإجتراح حلول شاملة بما تبقى من العقل الجمعي المنهك، ليشكل كل ذلك فضاءً وطنياً جديداً لإعادة بناء شاملة، تضعنا على خارطة الأمم القادرة على إستنهاض نفسها، وتلمُّس دروب التقدم والتنمية والثقة بالذات !

كلنا مسؤولون عن الوضع المزري الذي بلغه الوطن في مناحي الحياة كافة، فيما يمكن وصفه بالإنحطاط الشامل. وكلنا مسؤولون مسؤولية فردية وجماعية عن العمل بطاقاتنا كلها من أجل فتح كوّة ضوء في جدار العتمة التي نعيشها منذ عقود !

يكفي أننا أمسكنا برقاب بعضنا بعضاً، طيلة عقود، وخضنا حروباً عبثية لا معنى لها، وبددنا طاقات جبارة، وأفنينا الملايين من البشر، ودمرنا وطناً عظيماً كان يمكن بناؤه على نحو مختلف، وهذا كله بسبب علل كامنة في شخصيتنا الجمعية !

والآن، بوسعنا أن نؤكد، وبشكل جماعي، على رغبتنا في بداية جديدة، و”منصة” جديدة، و”عقل جديد”، لأنه إن لم نفعل، فلن يكون أمام أجيال سودانية قادمة إلا أن تشيعنا باللعنات !
جريدة “الجريدة” السودانية

تعليق واحد

  1. أعتقد أن الآوان لم تحن بعد لإستدراك مدي خطورة الحروب علي مسيرة التقدم في السودان. إن دول أوربا الغربية لم تنتقل من المواجهة إلي التعاون إلا عندما رأت شعوبها الدمار الذي تسببت به الحرب العالمية الثانية. ما لم يعي المركز أن حريق الأطراف يعني دمار الإقتصاد، فإن حروبه العبثية من أجل فرض ثقافته عنوة عليها لن تقف لأن العقل الجمعي للشعوب الداعمة للمركز ظل ينزع نحو تأييد المركز طالما كان يبدو أنه سيسحق الأطراف (حقبة الجهاد في تسعينيات القرن الماضي بالجنوب القديم). الآن تنتقل الحرب تدريجيا نحو المركز حيث تتدحرج كرة النار نحوه بقوة مهولة مما جعل الشعوب التي ظلت تستفيد من السلطة والثروة تقفز من قارب المركز وما إتفاق الجبهة الثورية مع قوي المعارضة إلا دليل علي ذلك. هذا يدل علي أن عهود الوقوف مع القوي قد ولّت بعد أن تساوت الكتوف.

  2. قولك هذا غير ضيحيح سا خالد عويس كيف تساوي بين الجلاد والضحية فنظام الانقاذ هو المسءول عن هذا الدمار ولا اعي للف والدوران
    اقتباس “كلنا مسؤولون عن الوضع المزري الذي بلغه الوطن في مناحي الحياة كافة، فيما يمكن وصفه بالإنحطاط الشامل”

  3. (إذا كان المفكر الأميركي، من أصول كينية، البروفسير علي المزروعي، قد شخّص علة الدول الإفريقية، جنوب الصحراء، بعد جلاء المستعمر، في ضعف بنى ومؤسسات الدولة الحديثة، وآفة عدم إنسجام المكونات القومية،) فهل يجوز استدراك الاستاذ عويس علي المزروعي بقوله (فيمكن القول إن عوامل أخرى، إضافة لهذين العاملين، بشأن السودان، من بينها “الهوية”) أم يري الاستاذ أن الاختلاف علي الهوية لا يندرج في قول المزروعي الذي أورده أي (… آفة عدم إنسجام المكونات القومية)!

  4. الأخ خالد عويس أولا لك الشكر على دورك الوطني الذي تقوم به إعلاميا لصالح التغيير ثانيا لا أنت ولا أنا ولا أي واحدا من جيلنا عليه أن يتحمل أي مسؤولية.. قل لي متى أعطى كهنة السياسة دورا لأي قوى شبابية إذا كانت أحزاب يسار أو يمين معتدل أو حتى يمين متطرف.. ما يا هو من قمنا الصادق المهدي هو زعيم حزب الأمة وما زال.. ونقد رحمه الله إلى أن توفاه الاجل زعيما.. ومحمد عثمان الميرغني زعيما والحبل على الجرار..وأنت الأدرى يا عويس لا يتحمل المسؤولية من لم توكل له مسؤوليات…دعهم يتحملون عار الماضي وحدهم ولا تحملنا مسؤولية غيرنا…آن الأوان أن نتحمل مسؤولية أنفسنا كلنا شرقا وغربا شمالا وجنوبا وها قد بدأ الفجر الجديد وعلى الشباب أن يكون قدر مسؤولية أمانة الوطن.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..