دعوة لاحتضان الألم

*(فبعضي لدي وبعضي لديك..
وبعضي مشتاق لبعضي.. فهلا أتيتِ..).
– محمود درويش-
**(اعذريني أن انشغلت عنك وامنحي
قلقي بعض الثبات فأنا أقرأ في عينيكِ الخوف..).
.. من أين تسرب إليَّ وجهكِ في زحمة هذا الحزن الخريفي؟..
من أين عادت هذه الملامح والمطر يُغرق نافذتي؟..
وكيف أكتبُ إليكِ، وفي ذاكرتي مواسم كثيرة للحزن؟..
كان حلمي أن أستقبل هذا الفصل البارد معكِ.. أن أدفن رأسي في أحضانكِ حين يهطل المطر،.. ولكن ها هو البرد يهزمني، وتأتي كلّ الفصول ولا زلت وحدي!!..
كان حلمي أن أستقبل مع بداية هذه السنة بطاقةً بغير اللون الرمادي، وها أنا حزينٌ ووحيدٌ ككلّ رأس سنة ولا شيء يستوطنني غير الغربةِ والتشظي على أرصفةِ المدنِ الكبيرةِ، وها أنتِ تبحرين نحو جزر الصقيع، تقيمين بمدنٍ غريبةٍ ومساكن غريبة، وأظلُ وحدي حزيناً،… أجوب ذاكرتي الموصدة بحثاً عن ملامح وجهكِ.. وحدها تلك الملامح لم تغادرني، وكلما تساءلت: أين يمكن أن تكوني عندما يهطل المطر… يسجنني الخوف من ألاّ أراكِ،.. الريح تعصف بنفسي.. تحرّك أغصان القلب المصلوب على شهوة الفرح.. تلج كوامن الجرح النابض كلحظة ألمٍ سابحة في فجوة الضياع الذي لا يكبح كوامن الحبّ المنشطر في زوايا الروح.. وصلتني كلماتكِ يومها.. ابتسمتُ بحزنٍ قاتلٍ تمدد بداخلي كرعب الليالي الحالكة حين تنقضُّ على أرواح الحائرين صمتت كلّ الأشياء من حولي، وشدّت الوحدة على أعماقي المتصلبة كشرايين الصقيع.. كم يشعرني البرد بالخوف في ليالي الأرق الممتدة في نبضات الدفء الذي أشتهيه.. ممزقاً كنتُ أرنو إليكِ بعيون الفرح الطاغي، وضائعاً كنتُ كعمق المسافات السابحة في بحر الظمأ،.. وأذكركِ كطفلٍ يعشق التحديق في متاهات العدم.. يمتطي أحزانه الصغيرة ليقيم في الفراغ.. يتململ الصمت في رهبة،… أشعر بثقل جروحي المتراكمة التي تنمو بصدري كألوانٍ قزحيةٍ في صلب الأرض،… كلّ شيء يمتد في الأفق الشاسع كعمق هذه المدينة التي لا تقيم وزناً للفرح، والتي تلتهمُ الأجساد الهائمة في امتداد الصمت الزائف،.. وكلّ شيء في هذا العالم بحاجة إلى إعادة تشكيل ليبدو أكثر جمالاً،.. وها أنا أحلم بحبٍّ كبيرٍ يمزق ضباب السديم لينبلج الميلاد الجديد، ينعش اختلاج الأنفاس في أوراق الشجر، في قلبي طفلٌ يعشق بعنف ويحاول أن يبتسم بفرحٍ لا يموت!!..
لماذا يهزمنا الألم مع إشراقة الفجر الراكض في عيون الأمل؟.. لماذا يهرب الحلم كومضة دفء تحتفي في تعاقب فصلٍ من فصول الحبِّ الذابل في أقبية الأشياء العادية؟..
ولماذا تموت لحظات الفرح ونحن على مشارف الصدق؟..
أسئلةٌ كثيرةٌ تتزاحم على مخيلتي… ماذا لو اندفعت مرةً واحدةً إلى سطح الكلمات ليخف الحبّ، وأنفذ من هذا الكم الأحزاني الرابض على روحي والذي يرافقني في رحلة العمر المصبوغ بالخوف والتشظي على أرصفة الورق والكلمات؟!..
أشعر بفرحٍ غامرٍ يستوطنني حين أتخيل أنكِ ستكونين معي، وأنّ الصمت سيبرعم ياسميناً يسبح في قطرات الندى، وفجأةً ينشب الألم مخالبه بقلبي فأحزن حتى النخاع… الليلُ والبردُ ودموعٌ تختلط بنبضات الحلم تتمدد كذراتٍ يمتصها القلق والخوف.. لا أدري.. لم البكاء بكلِّ هذا الحنين عندما أحس بقسوة الألم..
القسوة لا تخمدها إلاّ رغبتي في الركض.. الركض بلا توقف،.. ولا أدري لم يطعنني الفرح وتخذلني كلّ المحطات التي أظل أنتظر أن تحتضن ركام تعاستي، وكنتِ يا أنتِ أجمل محطاتي برغم شراستي، وبرغم بداوتي..أضعف أحياناً وأحتاجُ إلى جبالٍ من الدفء لكي تذيب تصلب أوردتي الضاربة في الجليد المتدفق من طيات القلب المقيّد بالدمع الساخن المحترق في غبار الرياح الهائجة… مسكونٌ أنا باحتضان أخطاء الآخرين وجراحاتهم… فقلبي البدوي واسعٌ كامتداد القمر في مساحاتِ الظلمةِ والصمت…
وقلبكِ يغريني بالبوح في امتداداته بكلِّ هفواتي… يغريني بالركض في جنباته وممارسة جنوني وعنادي المرفوضين من قبل عالمي الذي يدينني بقراراته المسموحة واللا مسموحة… أشعر برغبةٍ في امتطاء صهوة هدوءكِ والغوص في أمواج صدركِ… جموحي كجموح الشمس في استقطاب خيوط القمر لتكمل مملكة الفرح الأبدي محاولة الشمس في إدراك القمر محاولة أزلية، وبيني وبينكِ مسافاتٌ تذيب مقاومة الصخر في أحقاب الزمن.. فليتني أمتلك قوة الشمس!!
وليتني أستطيع اختلاس ذرة من شلال الدفء الذي أراه بعينيكِ أُزيل بها احتراق الذات في غياهب الظمأ المكدّس على حواف القلب المشحون برغبة التحليق على قمة المستحيل…
كم كانت تبهرني ليالي الشتاء الماطرة حين كان ينام بقلبي طفلٌ يتوسّد دواوين الشعر والروايات الخرافية التي تحمله في رحلةٍ خرافيّة!!.. وكم صارت تشعرني بالغربةِ نفسها تلك الليالي!! برد الخوف يثقب جدارات الوجع فتستحيل أمنياتي اختناقاً في سراديب الظلام وحشرجات الصمت المخيف…
لأجل ضياعي وغربتي وجنوني أقول لكِ بملء جوارحي التي تنشقُّ في كلِّ لحظةٍ عن حزنٍ جديدٍ.. أُحبّكِ.. لا تتركيني وحيداً اغني انهياري.
[email][email protected][/email]
هي البداوة … اعيت من يداويها !
رحلة في ذاكرة الأمل في كلمات أنيقة و شاعرية.
رحلة في ذاكرة الأمل في كلمات أنيقة و شاعرية.