مدير سكر النيل الأبيض حسن ساتي (1-2): نحن أول وأكبر ضحايا العقوبات الأمريكية ولسنا مشروعاً فاشلاً

حوار ? عادل الباز ? نازك شمام
تصوير ? بدر الدين أحمد
** قبل رفع العقوبات الأمريكية عن السودان، كان الحديث عنها لا يأتي إلا مقترناً بحادثة تأجيل افتتاح مصنع سكر النيل الأبيض، كمثال ساطع للآثار السالبة للعقوبات، بالطبع هناك أمثلة أكثر إيلاما، ولكنه الحدث الأكثر تدوالا من قبل وسائل الإعلام الدولية والمحلية، وتعود تفاصيل سبب التأجيل إلى أن البرنامج التشغيلي للمصنع مملوك لشركة أمريكية ورفضت السماح به للسودان الخاضع حينها للعقوبات الأمريكية، والآن تغير الوضع، تبعاً لقرار رفع العقويات، وباتت صناعة السكر في السودان موعودة بطفرة، وبالتالي كان لابد من الجلوس إلى المدير العام لشركة سكر النيل الأبيض، حسن ساتي، للإجابة على عدة تساؤلات في قضايا ارتبطت بمشروعه وبصناعة السكر في السودان، على وجه العموم، وبتداعيات قرار رفع العقوبات، وعلى مدى ساعة ونصف الساعة كان الحوار معه صريحاً، هذا نصه على حلقتين..
*سكر النيل الأبيض أحد المشروعات التي تأثرت سلباً بالعقوبات الأمريكية، الآن بعد رفعها كيف سيكون الوضع؟
الفرضية القائمة أن الحظر الأمريكي أثر على الشركة هذه حقيقية واضحة، لأنه في ظل إنشاء مشروع مثل سكر النيل الأبيض بتقنيات متطورة وحديثة تتطلب التواصل مع شركات كبيرة ومهمة، كان طموحنا أن يكون المشروع في الأساس من ناحية تصميم من أحدث التصميمات في العالم، وكان الهم كيف نصنع من سكر النيل الأبيض مصنعا يكون الأقل تكلفة في العالم، فكان لابد أن يهتم بقضية الطاقة واستخداماتها، لذا في كل المصنع استهدينا بآخر التقنيات المتعلقة بالطاقة واستخداماتها، الآن يمكن أن نوصف مصنع سكر النيل الأبيض بأنه الأقل استخداما للطاقة في العالم، والتنافس في صناعة السكر مبني على استخدامات الطاقة، فكان الدافع امتلاك تقنيات حديثة، وهذه واحدة من الإشكاليات التي جابهتنا في فترة العقوبات.
*كيف أثرت هذه الإشكاليات الناجمة عن العقوبات عليكم؟
من ناحيتين؛ الناحية الأولى أننا نتعامل مع شركات في جميع أنحاء العالم، فهذا المصنع جلبنا له أجزاء من البرازيل وأخرى من اليابان وإنجلترا وفرنسا والهند، لذا فإن العمليات المتعلقة بالدفعيات في ظل العقوبات المفروضة كانت بالنسبة لنا أزمة كبيرة جداً في أن نستخدم وسائل الدفع مثل خطابات الاعتماد أو أي وسيلة أخرى، كان بالنسبة لنا تحديا كبيرا جدا، وفي بعض الأحيان حتى يصل خطاب الاعتماد بمبالغ كبيرة وفقا لحجم المشروع وحجم التقنيات، مما جعل المصنع يضطر لأن يمر خطاب اعتماد واحد على خمسة بنوك، وهذا ساهم في ارتفاع التكلفة، يعني أي بنك لازم يأخذ نصيبه من الاعتماد، وهذا في إطار مجموعة من التعاقدات وصلت في مجملها أكثر من (25) تعاقداً بحجم كبير، جميعها عانت من هذه المشاكل، وهذا ساهم في تأخير المشروع .
*بعد حادثة التأجيل بعدم امتلاك البرنامج من الشركة الأمريكية استخدمتم برنامجاً بديلاً لتشغيل المصنع، الآن بعد رفع العقوبات هل ستسعون إلى امتلاك البرنامج الأصلي؟
نحن استخدمنا البرنامج البديل وفي نفس الوقت حركنا إجراءات قانونية ضد الشركة التي تسببت لنا في هذا الضرر، وذهبنا في إجراءات المطالبات، وبعد ذلك تواضعنا للوصول إلى التحكيم ووصلنا إلى توسط بأن تعود الشركة الأمريكية وتسلمنا البرمجيات الأصلية وتعطينا قطع الغيار الضرورية لأربع سنوات، وتعوضنا عن الخسائر التي تكبدناها بسبب التأجيل، وكل هذا تم تحقيقه، وأيضا اتفقنا على مواصلة الدعم الفني لفترة عشر سنوات، والآن بعد رفع العقوبات أصبح الطريق ممهدا للتعاون الفني.
*ما هو الأثر الإيجابي المتوقع لرفع العقوبات على صناعة السكر في السودان؟
الأثر الإيجابي يحتاج إلى زمن ولن يظهر بشكل مباشر، أتوقع أن يظهر الأثر الإيجابي من خلال (6) أشهر إلى عام، حتى تظهر النتائج، مثلا التحويلات البنكية بين البنوك السودانية والعالمية هذه عمليات طويلة جدا وإجراءتها معقدة حتى تعود لمستواها الأول، وحتى البنوك العالمية حركتها بطيئة وقوتها في الدفع تكون أقل من نظيرتها السودانية، فهي لا تذهب بهذه السرعة.
*كيف يكون تقليل التكلفة في مجال الطاقة؟
هذا يحدث في التصاميم الأولى للمصنع، وفي اختيار التقنيات والمعدات يجب مراعاة استخدام الطاقة، ولكن الأهم من ذلك ما يسمى بمحركات السرعات المتغيرة في كل المصنع باستخدام طاقات أقل، حيث يكون هنالك تغيير في استخدامات الطاقة مما يقلل التكلفة، وهذا مربوط بالعقوبات الأمريكية من حيث التصميم الأولي وبرمجيات محطة الطواحين، كانت مرتبطة بمحركات السرعات المتغيرة، وهذا كان الإشكالية الأساسية عندما بدأنا عمليات تشغيل وتعاقد، وكانت الشركة خارج الملكية الأمريكية، مملوكة لفرنسا وبريطانيا، ولم تكن هنالك إشكالية في التعامل، فقبل عملية التشغيل بحوالى خمسة أشهر استولت عليها شركة (جي إل) الأمريكية، وبالتالي أصدروا تعليمات لكل الموظفين بتوقف التعامل مع السودان، وفي ذلك الوقت كان المصنع قد استلم كل الماكينات وتبقت فقط عملية التشغيل وإدارتها، فمنع الموظفين من الشركة التي تم معها التعاقد في الأصل كان إحدى المشاكل التي تسببت في تأجيل افتتاح المصنع.
*هل يعني أن الشركة رفضت إعطاءكم ?السوفت وير?؟
هو ليس (السوفت وير) بالمعنى، إنما هو برنامج تشغيلي مثل البرمجيات، وهو برنامج متخصص لعمل متخصص لمعدات معينة لابد أن يتم تصميمه وصياغته وكتابته وفقاً للاحتياجات المعنية التي يستفيد منها النيل الأبيض، ولا يوجد له مماثل في كل العالم، لذا فإن تصميمه لابد أن يكون بواسطة مختصين، وهذه هي الإشكالية.
*هل أنتم أول أم أكبر ضحايا العقوبات في السودان؟
يمكن أن نقول ذلك، ولكن أريد أن ألفت الانتباه لشيء، حيث إن قضية تأجيل افتتاح المشروع تناولها الإعلام بشكل سلبي، غير أن هنالك نجاحا لم يظهر، وهو أنه في خلال ستة أسابيع فقط تم تشغيل المصنع بنفس التصور الأساسي دون الاستعانة بالشركة الأمريكية، بعد الاستعانة بكوادر من خارج السودان وتم افتتاحه.
*يتوقع دخول استثمارات كبيرة في قطاع السكر خلال الفترة المقبلة بعد رفع العقوبات، هل سكر النيل الأبيض مستعد للمنافسة؟
أنا على ثقة أن هنالك منافسة عادلة سواء في السودان أو خارجه بالتقنيات الموجودة في سكر النيل الأبيض، فهو قادر على منافسة أي سكر أتى من داخل أو خارج السودان، وهذا هو الأساس الذي بنينا به سكر النيل الأبيض.
*كيف يكون قادراً على المنافسة داخلياً وعالمياً وهو لا يستطيع منافسة سكر كنانة؟
أنا أتحدث من ناحية تكلفة إنتاج، فاليوم أنا منافس لكنانة حتى عبر إنتاجي البسيط، أستطيع أن أنافسها، ففي سوق غرب السودان لديّ زيادة في السعر بمقدار (60) جنيه على سعر سكر كنانة.
*ولكن على مستوى العاصمة لا وجود لسكر النيل الأبيض؟
نعم هذا صحيح، سكر النيل الأبيض غير موجود بالعاصمة، لأننا في الخطة التسويقية مركزون على الولايات خاصة على ولايات دارفور وكردفان، ففي أسواق دارفور إذا دخل سكر النيل الأبيض السوق لا يشتري الناس غيره.
*ما هي الميزات التفضيلية التي يشعر بها الناس عن باقي منتجات مصانع السكر؟
بلورة سكر النيل الأبيض أكبر من بلورة المنتجات الأخرى، وهذا ما يجعله مرغوباً لدى مواطني الولايات.
*كم تبلغ إنتاجية مصنع سكر النيل الأبيض الآن؟
إنتاجية المصنع الآن أقل من الطاقة وأقل من الخطة، بسبب تنفيذ الخطة التمويلية الأساسية للمشروع والمتغيرات التي حدثت بها وأثر عدم تنفيذ الخطة التمويلية على وضع الشركة، بجانب إعادة هيكلة الاقتصاد السوداني التي تمت في العام الأول من عمر الشركة، وأثرت سلبيا عليها وحرمتها من كل التدفقات النقدية التي كان يمكن الاستفادة منها لتوسيع الإنتاج.
*ما هي أبرز هذه التحديات تأثيراً على الشركة؟
أبرز تحدٍّ يتمثل في تمكين الشركة من الحصول على تمويل لتمكينها من استكمال مزرعة إنتاج القصب وزيادة الإنتاج، هذا هو التحدي الأساسي، فالشركة عانت في الثلاث سنوات الماضية من عجز في رأس المال التشغيلي سواء كان المساهمون أو مجلس الإدارة أو الدولة يساهمون في معالجته، حتى يعمل المشروع بطاقته القصوى ويحقق أهدافه.
*لماذا لم يوفِ مجلس الإدارة بالتزاماته في التمويل؟
مجلس الإدارة قرر زيادة رأسمال المشروع بغرض تغطية العجز، وفي الاجتماع الأسبوع الماضي قرر المجلس زيادة رأس المال.
*كم نسبة زيادة رأس المال المقررة؟
بنسبة زيادة تساوي (20 %).
*متى سينفذ المجلس قرار زيادة رأس المال؟
أتوقع أن يصلنا الجزء الأول من المبالغ خلال الثلاثة أشهر المقبلة، ويفترض أن نبحث عن مصادر أخرى للتمويل لتغطية هذا العجز إلى أن يصلنا الجزء الأول من المبالغ.
*هل التمويل كان التحدي الوحيد في عدم وصول المشروع إلى الإنتاج المستهدف؟
مشروع مثل شكر النيل الأبيض مشروع حساس وعائد رأس المال يأخذ زمنا طويلا، لأن المشروع طبيعته تنموية في الأساس، لذا فإن الخطة التمويلية للمشروع سواء كان رأس المال أو التمويل لابد أن يأتي بفترات سماح طويلة، وحتى العام 2008 كانت الخطة تسير بشكل جيد وجزء كبير من التمويل تم تأمينه، لكن بعد الأزمة المالية العالمية واجهت الشركة مثلها مثل الشركات الأخرى إشكالية في التمويل والسيولة، وهنالك فقدان زمن من (2008- 2010)، المشروع كان متوقفا تماما واضطررنا بالتنسيق مع بنك السودان أن تدخل البنوك السودانية في التمويل، وفعلا دخلت وكانت أول تجربة بأن تدخل المصارف في تمويل التنمية في السودان، لكن البنوك مقدراتها ضعيفة وفي نفس الوقت فترة السماح قصيرة والتكلفة عالية، وهذه أثرت في خطة التمويل الرئيسة وزادت تكلفة التمويل، لكن الإشكالية كانت في التأخير وحلول سداد بعض الديون، مما جعل الشركة مضطرة لأن تقابلها من سيولة الكاش، أما قاصمة الظهر فكانت في حدوث إعادة هيكلة للاقتصاد السوداني في (2013-2014)، وكان أول موسم لنا في (2012-2013) وسعر الصرف تغير من (2.5) إلى (5.75)، وبعده بفترة وجيزة أصبح (6.5) مما جعل الديون التي كانت لإنشاءات بالعملة الصعبة تتضاعف إلى ثلاثة أضعاف خلال تلك الفترة، فكل السيولة التي لدينا ذهبت في اتجاه تسديد الديون وخسائرها من سعر الصرف، وهذا حرم الشركة من استثمار سيولة كافية في العمليات الزراعية، وهي كانت الضحية لكل المشاكل، لذا فإن إنتاجيتنا لم تصل للمستوى المستهدف.
*بعد زيادة رأس المال، ما هي الخطة الموضوعة للوصول إلى الإنتاج المستهدف؟
وضعنا خطة للوصول في فترة زمنية (خمس سنوات)، تصل إلى طاقتها القصوى، وهي (450) ألف طن.
*وكم الإنتاجية الآن؟
الإنتاجية الآن في حدود (60- 80) ألف طن.
*وزير الصناعة أمام البرلمان وسم مشروع سكر النيل الأبيض بالفاشل، هل ترون ذلك صحيحاً؟
الوزير لم يقل هذا الحديث بهذا المعنى، الكلام الذي قاله إن هنالك بعض الأخطاء الفنية صاحبت المشروع، لكن لم يصفه بالفاشل، ثم ما هو الفشل؟ يمكن أن نتحدث عن الفشل حال عدم قيام المشروع من الأساس، لكن المشروع قام وموجود والناس مستفيدة منه، والمنطقة حوالى المشروع استفادت وحدث تغيير في وجه المنطقة وهذا لا يُنكر.
*كم تبلغ مديونية المصنع؟
في الصحف حدث خلط بين المبلغ الذي قاله الوزير وما أُعلن عنه في الصحف، المديونية ليست (980) مليون دولار، هو كان يتحدث عن تكلفة إنشاء المشروع، والمديونية أقل من ذلك بكثير، وهي في وثائقنا تقل بـ(40 %) عن المبلغ المذكور في الصحف.
*المبالغ الجديدة الموضوعة في رأس المال هل ستخصص لسداد المديونية؟
لا هذه المبالغ خاصة بالعمليات الإنتاجية للوصول إلى الإنتاج المستهدف، وخاصة العمليات الزراعية كما هو موضوع في الخطة.
*ومن أين تسدد المديونية؟
المديونية معظمها أخذنا فيها فترة سماح جديدة وهي ثلاث سنوات حتى 2021، ولا توجد علينا ديون تجاه المؤسسات الإقليمية، وهذا موضوع في خطة مجلس الإدارة الجديدة، وفي السنة الرابعة يمكننا أن نسدد المديونية عبر الاستثمارات الزراعية.
اليوم التالي.