المعادن ما بعد العقوبات.. في ندوة وزارة المعادن حول آثار رفع العقوبات الأمريكية على قطاع التعدين رسم المشاركون صورة زاهية للمستقبل الاقتصاد السوداني

الخرطوم ? نازك شمام
بمنتصف نهار الأمس كانت وزارة المعادن تستقبل ضيوفها في مقدمتهم رئيس القطاع الاقتصادي ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الاستثمار مبارك الفاضل، وذلك لمناقشة أثر رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية على قطاع التعدين. وبتنظيم من الشركة السودانية للموارد المعدنية، كانت الندوة التي رسم خلالها المشاركون صورة زاهية للاقتصاد السوداني ولقطاع التعدين في الفترة المقبلة.
وأشار وزير المعادن بروفيسور هاشم علي سالم إلى معاناة قطاع التعدين خلال مدة الحصار الاقتصادي التي تمثلت في الاعتماد على التعدين التقليدي بنسبة 80% الذي اعتمد على آليات بسيطة وبدائية، إلى جانب عدم القدرة على الحصول على الأجهزة المعتمدة الحديثة لختم الذهب. وقال إن ?التقنيات المتاحة محدودة فيما واجه القطاع مشكلة التمويل، حيث كنا محرومين منه في الوقت الذي يحتاج فيه القطاع إلى ما لا يقل عن 100 مليون دولار?. وقال هاشم ?عانينا أيضا من عدم وجود عربات مؤمنة لنقل المعادن إضافة إلى كاميرات الإنتاج الدقيقة، وتقنيات حديثة في المناجم وأجهزة رصد التهريب ومعامل التحليل المتقدمة، حيث يفتقر السودان إلى المعامل الحديثة مما يضطر إلى إرسال العينات إلى خارج البلاد?. وأكد أنها مخاطرة، خاصة وأن المعادن تُعد سراً من أسرار الدولة. وأشار هاشم إلى أهمية توطين التصنيع التعديني وفقا لتوصيات الحوار الوطني. وأوضح أن ?التوطين يتطلب تقنيات حديثة واستجلابها من أحد المشاكل التي كانت تواجهنا خلال مدة الحصار?، بيد أنه أشاد بجهود المعدنين التقليديين في إخراج البلاد من أزمة الحصار خلال العشرين عاما. وأبان أنهم أدوا عملاً ممتازاً، مستخدمين (أظافرهم) في استخراج الذهب. ولفت وزير المعادن إلى ضرورة الاستعداد لمرحلة ما بعد رفع الحظر من خلال تغيير التفكير النمطي الاقتصادي. وقال ?يجب أن نضع خططا استراتيجية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى?. ونبَّه إلى الهجمة الاستثمارية الكبيرة التي ستدخل البلاد والتي يجب التروي في اختيار التقنيات المستجلبة لها. ولفت إلى ضرورة وضع استراتيجية واضحة لعايدات الصادر الذي يجب استخدامه في الاستثمار التنموي مع جذب مؤسسات التمويل للقطاع، وتغيير بعض السياسات، وتعديل القوانين لاستيعاب المرحلة الجديدة، وإنشأ بنك التعدين التنموي، خاصة وأن البنوك التجارية لا تستطيع تمويل القطاع. ونادى بنك السودان المركزي بوضع سياسات جاذبة المنتجين، منبهاً إلى أهمية تكاتف الجهود لعبور المرحلة الجديدة. وربط ازدهار مستقبل السودان بتحسّن إدارة الاقتصاد. وزاد ?سيكون السودان دولة قوية?.
وانتقد نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس القطاع الاقتصادي، وزير الاستثمار مبارك الفاضل عدم ثبات السياسات الحكومية. وعزا الأمر إلى التسرُّع في الحصول على الأمر. وأكد أن المشكلة الكبرى التي تجابه الاقتصاد عدم ثبات السياسات، كما أكد أن هناك تشوهات تحتاج لإزالة وكبح جماح معدل التضخم بالتركيز على الإنفاق في قطاع الإنتاج، والحد من الإنفاق لغير ذلك. وشدد مبارك على ضرورة تحرير سعر الصرف، لافتا إلى أن هناك ثلاثة موارد زراعية تم تقديرها بـ (٢،٨) مليار، بالإضافة إلى الصادرات التي تواجه بارتفاع التكلفة بسبب ضعف إنتاج الفدان لعدم استخدام تقنيات حديثة وأسمدة كافية. ودعا إلى تطوير الاقتصاد وانتشاله من التقليدية التي تلازمه الآن. ورهن تحقيق الناتج المطلوب الذي ينعكس إيجاباً بأسعار مجزية على المنتجين رهنه بتحرير سعر الصرف. وانتقد سياسة شراء الذهب، مبينا أن فرق سعر الكيلو بلغ (٦) آلاف دولار ما يجعل المنتج يخسر الكثير. وجدد تأكيده بضرورة تحرير سعر الصرف لتحقيق إنتاج ذهب (١٥٠) طناً. وأضاف مبارك أن المورد الثالث للاقتصاد هو المغتربون، الذي يبلغ نحو (٥) مليارات دولار، كاشفا أن السياسات السابقة أدت إلى شراء البعض مبالغ المغتربين، وتتأثر به في دول خارج السودان. ورأى الفاضل أن المشكلة كانت تكمن في صعوبة التحاويل تم تجاوزها برفع الحظر عن السودان. ورهن بلوغ الغايات بتصحيح السياسات، مشيرا إلى أن تحريك سياسة الذهب في الربع الأول لعام الحالي ٢٠١٧ بدفع سعر مجزٍ للمعدنين أدى إلى تحرك الإنتاج من ٣٨ إلى ٥٠ طناً، كاشفا وجود انعكاس إيجابي على ميزان المدفوعات مباشرة، إذ حقق (١،١) مليار دولار مقارنة بذات الفترة العام الماضي (٢،٢) مليار، وجزم بأن تحريك سعر الصرف يضمن تغطية العجز في الميزان التجاري. وأقر بأن الأمر في البداية على المدى القصير سيؤدي إلى ارتفاع الأسعار لمنافسة المضاربين، بيد أنه أكد حدوث استقرار على المدى المتوسط والطويل. وقال مبارك إن المستثمر يحتاج إلى توفر الثقة وإرجاع عائد رأسماله المستثمر، وضمان عدم انخفاض قيمة العائد، مبينا أن ذلك مرهون بثبات السياسات واستمرار الميزات الممنوحة، ورأى أن شروط الامتياز في الذهب تحتاج إلى مراجعة، لجهة أنها موضوعة وفق نظرية (أكل الجدادة قبل ما تبيض). وانتقد فرض ضريبة على الذهب، بجانب الرسوم المفروضة، واستهجن منع صاحب الامتياز من إدخال الكرتة مع حجر الذهب، لجهة الحرص على تحصيل رسوم منفصلة نصف مليون دولار لرخصة الكرتة وحمل المعادن مسؤولية تعطيل طاقة الإنتاج، لأنك تريد أن تأكل الجدادة ولا تنتظر بيضها.
ودعا إلى الاكتفاء بالرسوم وترك الضريبةوأوصى ببناء الثقة مع المستثمرين. وتعهَّد بالعمل من أجل تصحيح السياسات. وطالب بتصحيح سياسات الرسوم التي تقوم عليها.
من جانبه، أكد بنك السودان المركزي استعداده لمراجعة السياسات والجلوس مع الأطراف كافة، بغية دفع الإنتاج والإنتاجية. وأقرّ بالدور الذي لعبه قطاع التعدين التقليدي خلال سنوات الحصار الاقتصادي. وعزا ممثل الإدارة العامة للسياسات المالية بدر الدين سليمان عدم استقرار السياسات لعدم الاستقرار السياسي، وأحيانا لتغيير الوزير، مؤكداً عدم وجود ما أسماه بمستودعات للفكر تحرس القيم في الوزارات، رغم العمل الذي تم في ما يخص السياسات وتحرير الاقتصاد.
اليوم التالي.