أخبار السودان

عبيد النظام بين العار والشعور بالذنب… الشعب بين اللامبالاة والخوف.. (النخب) بين الشهوة والكبرياء

مصطفى عمر

مصطفى عمر

العنوان يحكي عن حال السواد الأعظم ويعبر عنه الواقع المُعاش وهو نفسه ما أشارت إليه النتيجة التي توصلت إليه بإسقاط مقياس هوكينز للوعي على حالتنا السودانية اليوم..، الأمر أصبح فادحا لدرجة أنه يتراءى لكل من يستطيع التمييز.. وحتى المعنيين بالأمر لا ينكرون، والأمثلة كثيرة ذكرتها في مواضع سابقة…

ليس سهلا أن ينتكس الوعي لمن تجاوز درجة 200 لأنه تخطَى الحد الفاصل بين المراحل الحرجة والايجابية، لكن من السهل جدا أن يتدحرج من يقل وعيه عن هذه الدرجة ويستقر في عتبة أقل من التي كان عليها كأن ينحدر شخص في درجة 75 أو 100 ليستقر به الحال في الدرجة 20، كذلك للإعلام الموجه والمناهج التعليمية التي تستهدف تثبيط النمو الطبيعي للوعي لدى الصغار، وكل ما يستهدف طمس الحقيقة وتشويهها بما في ذلك التغبيش الذي تمارسه المساجد ودور العبادة والأنشطة الرياضية والثقافية المؤتمرة بأمر السلطة.. وبصفة أشمل لكل ما يعزِز سيطرة العقل الجمعي السلبي دور كبير في انحدار الوعي، ويعني العقل الجمعي التصورات المشتركة التي تحكم سلوك الجماعة وتفترض أن رأيها هو الصحيح دائما ويجب الانصياع إليه دون أي تفكير… كفعل شيء أو الامتناع عن فعله ليس قناعة إنما بسبب أن الآخرون يفعلون أو يمتنعون فيتحول الواجب إلى بدعة أو منكر والعكس صحيح، مثال آخر للعقل الجمعي التكبير والتهليل أثناء ممارسة فعل شنيع، في التوقيت والمكان الخطأ، لي عنق الحقيقة والدفاع عن الباطل… سبق لي الحديث عن حاكمية العقل الجمعي في جوانبه السلبية في المقال الخامس من (ماسونية الاخوان …عبادة الشيطان وتدمير السودان) …

الطريقة الأمثل لارتقاء الوعي هي التعلُم إذ ينقتل الوعي الإيجابي بين الناس من خلال التعلم المباشر تماما مثل تعلم الحروف الأبجدية و القراءة و الكتابة بطلاقة (الفرق بين المتعلم و الأمٍي و بين المتعلمين و أنصاف المتعلمين) أو من خلال التأثير المباشر عندما يكون بيننا أشخاص على درجة عالية من الوعي (المفهوم الصحيح للنخب) وكما قلنا في المقال السابق فإن تأثير شخص واحد على درجة الإرادة ( 310 ) ينعكس إيجابا على 90 ألف ممن يقل وعيهم عن 200 درجة، في الواقع لدينا الكثير من السودانيين على هذه الدرجة إلا أن معظمهم خارج السودان، من الضروري أن ينتبهوا لأهمية دورهم في نشر وتعزيز الوعي بين أبناء شعبهم بالطريقة التي يرونها لأنهم يستطيعون معرفة ما هو مطلوب منهم و كيف ، هذا واجبهم الذي يظل واجبا عليهم دونه التقصير و هو ما لا يرضى من هو في مقامهم، أضف لذلك أن نقص القادرين عيب آثاره مدمٍرة على الوطن و المواطن…. لا أريد الخوض كثيرا في هذا فقد سبق لي أن فعلت كثيرا، عوضا عن ذلك سأتناول بالشرح سمات الدرجات الدنيا من سلم الوعي وفي المقال التالي سأواصل الحديث مركزا على الدرجات 250، 310 لأنها ما نحتاج إليه فعلا، يكفينا من الدرجات العليا بضعة حكماء (درجة الحكمة) وشخص واحد في كل درجة تليها سموا.. ;

أمثلة حية على الدرجات الدنيا من سلم الوعي كما جاءت في الصفحات ” 95-104″ من كتاب د. هوكينز Power Vs Force? ?:
(1)
العار ((Shame: يقع على الدرجة 20 وهي أدنى درجة في المقياس تغطي من 20 وما دونها حتى الصفر، يمكننا معرفة أن الشخص قابع في مستوى العار إذا كان عاجزا عن اتخاذ أي خطوة إيجابية في الحياة، ، مختل نفسيا و سقيم عصبيا ، معطوب ، مأزوم ، عنيف مع الأطفال و الضعفاء و الحيوانات، يحمل الشعور بالخجل و ينقله للآخرين، بلا رحمة مجرد من الإحساس بالذنب و الوازع الديني و الأخلاقي، أسود القلب ، ملئ بالأحقاد…مثال جيد له أفراد الجداد الالكتروني و ناشري الفبركات.. أمنجية بيوت الأشباح و من يعذبون الناس بوحشية من المرضى الذين يتلذذون بضرب الفتيات و الصبية و ينتهكون أعراض الضعفاء..، غالبية عساكر الشرطة و الجنجويد و حتى الجيش يقعون ضمن هذه العتبة..(من اغتصبوا النساء في تابت هم عناصر جيش)..، و بصفة عامة كل من يدفعه شعورة بالخزي و العار للحصول على ما يتوهم أنه يغطي سوءاته كأن يشعره عدم الورع باصطناع علامة السجود الكاذبة، عدم التعليم أو محدودية الذكاء بالعار فيلجأ للشهادات المزورة أو عديمة القيمة كما فعل ويفعل الكثيرون من جند المشروع الحضاري..، أو الفراغ الداخلي (الخواء) و ماضيه المظلم بالعار فيعمل بمبدأ “حقيرتي في بقيرتي” تماما كما يفعل حارسي بوابات المطار و عساكر الشوارع و المستشفيات و جباة الإتاوات، أفراد المليشيات… الخ، لن يتحسن حال هؤلاء إلا بعد أن يبدأ الفرد منهم في تقبل نفسه أولا و هذا لن يحدث ما لم يستبدل العار بالذنب فيتراءى له مدى قبح أفعاله ، غالبا يحتاج مساعدة حتى يفعل و ينتقل لمستوى أفضل بصعود أقرب عتبة، في الواقع هذه الفئة عندنا كثيرة جدا و مشكلتها أنها تأخذها العزة بالإثم و يستقوون بما يحملونه من أسلحة و ما يحظون به من عدم مسائلة و حصانة.. حالهم تماما مثل أفراد العصابات الذين يخضعون رهائنهم من الأطفال و النساء و الضعفاء بقوة السلاح، أو القراصنة أصحاب القوارب المطاطية التي تخضع سفنا ضخمة في عرض البحر.. ، لا يشعرون بالذنب تجاه أفعالها فضلا عن أن ممارساتهم المثيرة للاشمئزاز تقلل من فرص مساعدتهم لأنفسهم حتى يكون بالإمكان مد يد العون لهم..
(2)
الشعور بالذنب (Guilt) يقع على درجة 30 وما دونها حتى 21 أهم سماته التأنيب المستمر، وطالما أنه يحس الذنب فهو بالطبع يعيش الندم والحسرة ويتآكل داخليا، يتهم نفسه بالتقصير في كل شيء ويحملها أضعاف طاقتها فتختل موازينه فيلجأ للانزواء أو يعود أدراجه لممارسة العار..، أو يبحث عن متنفس لن يزيده إلا غيا..، غير مسؤول ولا يستطيع تحمل المسؤولية ويريد الهروب منها أمام نفسه والآخرين، لا يكف البحث عن شماعات.. هدفه التدمير لكل شيء بما في ذلك نفسه. يتملكه الحقد والبغضاء، من أمثلة هؤلاء عندنا الشباب “الهايف” ممن نراهم في الشوارع “الداقين سيستم”، المشردين، مدمني المخدرات، وأطفال الشوارع وزوار الليل..، غالبية من يسخرهم النظام لخدمة أهدافه من صغار المجرمين، المروجين للإشاعات ومروجي الفضائح وناشريها، المنحرفين و الشواذ و من في حكمهم..، لن يبدأ من هم في هذه العتبة بالتحسن إلا عندما تتعزز عندهم اللامبالاة ويخففون من لوم أنفسهم والآخرين وهذا صعب عليهم دون مساعدة سيبقون لفترات طويلة على هذه الحال إن لم يجدوها، من الصعب الانتقال لدرجة أعلى دون مساعدة لأنهم خضعوا لإعادة صياغة كاملة..
(3)
درجة 50 اللامبالاة (Apathy) الخمول مسيطرا، اليأس من الحياة وعدم الاكتراث، معظم الذين يعيشون دون مستوى الفقر بأقل من دولارين في اليوم و لا يقعون ضمن العتبتين أعلاه يكونون ضمن هذا المستوى، مشفقون من الحياة ويفتقدون الأمل بالتحسن، المستقبل قاتم السواد، محتاجون لكل شيء ويفتقرون لأي شيء بما في ذلك القوة الداخلية التي تدفعهم لتغيير واقعهم..، أهم سماتهم كثرة الشكوى، يعيشون مع مشاكلهم دون العمل على حلها لأنهم بعيدون كثيرا من الشجاعة… يائسون من الحياة..، لا يهتدون للحلول ولا يطلبون المساعدة و إن قدمت لهم لا يكترثون ، مشكلة العالق هنا أنه غير مسؤول تماما و لا يلقي باللوم على أحد..، يضيع الفرص و يجد ضالته في وسائل الهروب من الواقع مثل النكات السمجة، والفرجة وكل مضيعة للوقت دون فائدة،… ، أبرز ما يميزه أنه شخص غير مؤذي، يبدو عليه الهدوء ، أكثر الحلول التي تفلح مع من هم في هذه العتبة هي تخويفهم من العواقب المترتبة على هذا السلوك حتى ننقلهم إلى عتبة الخوف..، هؤلاء هم أكبر شريحة في المجتمع السوداني اليوم من الكادحين و العمال و الطلاب، قاطني المناطق النائية و أطراف المدن، سكان الكنابي و بيوت الصفيح… جميع المتضررين من نظام البؤس والخراب ولا حول لهم ولا قوة.

(4)
درجة 75 الأسى (Greif) الواقع في هذه التعبة ينظر للحياة كما لو أنها ورطة هو عالق فيها، يرى مشكلة في كل شيء، يشعر بالأسف المستمر والتحسر على الماضي، الفجيعة، الاكتئاب، رغم أنه على درجة وعي أكبر ممن هم في مرحلة اللامبالاة إلا أن شكواه أكثر منهم يعرفها الكل يفوقهم سوءا بالاتكالية على الغير يتشارك معهم الكثير من السمات مثل الاكتئاب و الشكوى من ضياع الفرص للدرجة التي تمنعه التفكير في الراهن و المستقبل كل همه منصبا حول اللحظة ، يفتقر للتخطيط و لا يمكنه حتى التفكير في غده ناهيك عن آفاق المستقبل لذلك فهو لم يصل مرحلة الخوف من المستقبل بعد ..، يحس الفجيعة ، يعيش الذل و الهوان ، يفتقر العزيمة ، يعيش في الشك و يسيئ الظن في الآخرين..، أبرز ما يميزه عن الفئة السابقة أنه ليس خاملا، بل يبالي لكن تمكنت منه الشفقة فهو عالق في الماضي، معظم موظفي الخدمة المدنية في سودان اليوم و من كانوا في عهود سابقة يشكلون الطبقة الوسطى حالهم اليوم هنا..لن تجدي معهم المساعدة لأنهم في الواقع لا يجتهدون بمساعدة أنفسهم ، نقول على أحدهم في أديباتنا السودانية “مرمي الله الما بنرفِع ، كان حاولت ترفعه بجرك معاهو” مثلا إن مولته لمساعدة نفسه يفشل و إن منحته فرصة ثانية يضيعها، حتى الأشياء النافعة له نفعا محضا لا يتحمس لها و لا يقتنع بها و لو أظهر خلاف ذلك..، لا يعمل حسابا لمستقبله أو حاضره لا يدرك حجم المهددات التي تتربص به ليس لعدم مبالاته بها إنما لعدم إدراكه الصحيح لما يترتب على سلوكياته من فتك بنفسه و المجتمع ككل فهو شخص متبلد الأحاسيس، يهوى الصراعات و المشاكسات و لا يستطيع العيش بدونها، لديه حب الاستطلاع لكن فيما لا يفيد مثل الاشاعات و أخبار الفضائح و كل شيء بخلاف ما يتطلب منه فعلا حقيقيا لتغيير واقعه التعيس…، من واقع تجربتي الشخصية غالبية الشباب الذين ولدوا و ترعرعوا في زمن الإنقاذ و لا تشملهم الدرجات السابقة يقعون في هذه العتبة، لا يمكنهم الانتقال درجة أعلى في السلم دون المرور بمرحلة الخوف، لذلك حالهم كسابقيهم يجب أن تكون مساعدتهم بنقلهم لعتبة الخوف أولا ، إن تركناهم لن يتغير حالهم لبقية عمرهم..، من السهل جدا التعرف على العالقين في هذه العتبة…إن رأيت الشخص يشتكي كثيرا و يحكي عن الماضي .. يتكلم كثيرا فيما هو غير مفيد ولا يتحمس للفعل الإيجابي فتأكد أنه هنا.
(5)
درجة 100 الخوف (Fear) بمجرد أن يدرك الانسان وضعه الراهن …، مدى بؤسه أو سلوكياته المشينة و يعي المهددات و يفكر في الحاضر و المستقبل يبدأ الخوف ، الذي نعنيه هنا ليس كما يتبادر للأذهان لأن أي إنسان يخاف ، بصفة عامة الخوف في حد ذاته أمر محمود ، المقصود هنا الخوف كأسلوب حياة فيرى كل شيء في حياته مخيفا، بنظره الدنيا مرعبة، مليئة بالتهديدات، كل شيء من حوله مخيف يولد المزيد من المخاوف فتتجمع مخاوفه كلها في مكان واحد و تصبح غولا ضخما يفيض أثره امتدادا على الآخرين، فعندما يقاوم الشخص القادم من الأسى أو اللامبالاة السلوك المؤذي لنفسه و الآخرين يكون عنده هواجس مهولة من الحياة ككل ، يحس بالحرمان و الكبت، نظرته للأشياء تختلف عن حقيقتها ،ينقل عدواه للآخرين، المتشددين دينيا ، المتعصبين لأفكارهم الراديكالية…، المتطرفين و أرباب الغلو عند هذا المستوى، الكثير من الآباء و الأمهات و الأصدقاء قليلي الوعي في هذه المرحلة يؤثرون كثيرا على بعضهم البعض، يبدأ من هم في عتبة الخوف بالتحسن عندما يبدؤون في مواجهة مخاوفهم فيتحول الكبت لديهم إلى شهوة لإشباع ما فاتهم في حياتهم كأن تجد شاب خائف عاطل أكبر همه الحصول على عمل لا يمانع إذا كان شريفا أو وضيعا..، بمجرد أن يحصل على فرصته يتحول اهتمامه لشهوة المال بأي طريقة كانت. وهكذا…لن يكتفي فهو دوما طالبا للمزيد وبأي وسيلة كانت فيظل عالقا في الشهوة مدى الحياة…، بالمساعدة من السهل أن ننقل الشخص لدرجة الغضب قفزا على عتبة الشهوة لأنها يصعب الانتقال منها لاحقا لأعلى..، و أبعد من ذلك يقول د. هوكينز في صفحة 119 من الممكن أن يقفز الشخص حتى 100 درجة فوق عتبات السلم إلا أن الأمر يحتاج لمجهود كبير.

(6)
درجة 125 الشهوة (Desire) ، ما عناه د. هوكينز بالمصطلح المستخدم هنا هو الرغبة السلبية و ليس المطلقة لأن التركيز على الشهوة والفرق أن الشهوة غريزة غير مهذبه لا تخضع لأي أخلاقيات كما هو الحال لدى الحيوانات، أما الانسان الواعي يمكنه تهذيب شهوته لأنه يمتلك عقلا (إن كان حاضرا ولديه وازع أخلاقي) في هذه الحالة تكون الشهوة عنده إحدى الحاجات/ الرغبات يسعى لإشباعها بالطريقة الصحيحة التي تليق بالإنسان، الرغبة بمفهومها الإيجابي جاءت ضمن العتبة 310 سنتوقف عندها لاحقا.
ما يهمنا هنا أن من يقبعون في هذه العتبة لا يخافون ، همهم الأكبر شهواتهم ، يشتهون كل شيء لدرجة أن امتلاكه أهم بنظرهم من الحياة نفسها، رغباتهم الملحة تقودهم للجشع، وعيهم الذي بلغوه و إن كان متواضعا إلا أنه سلاح ذو حدين غير متكافئين تماما مثل البندقية و السونكي، يستطيعون أن يحققوا رغباتهم النبيلة (في الغالب لا وجود لها) و يعززون الإرادة و هذا احتمال أقل لأنهم عبيدا لشهواتهم التي كانت مكبوتة في مرحلة الخوف فيعملون بمبدأ “الغاية تبرر الوسيلة” ، الذين يصطدمون بالمعوقات ينتقلون لمرحلة الغضب إن كانت لديهم قوة..، و الذين ساعدتهم الظروف في التغلب عليها (المعوقات) يستمرؤون السير على نفس الطريق، كلكم تعرفون أفضل الأمثلة من واقع الحياة عن الذين أعمتهم شهواتهم ووجدوا الطريق ممهدا و استمرأوا ما يفعلون، ممن تربطهم علاقة مصالح بنظام الفساد من رموز الأحزاب السياسية البالية و الوافدين الجدد منها من عبيد النظام المطيعين الساسة الفاسدين، من انتسبوا للحزب الحاكم طمعا، المؤمنون بمبدأ التمكين، قادة الأجهزة العسكرية و تجار الحرب، العائشين على عرق الغلابة، آكلي أموال السحت… أصحاب المصلحة في التدمير الذي نعيشه و المتسببين في البؤس و المستفيدين من الفساد ، غالبية الذين يشهرون العبارة المستهلكة في وجوه الآخرين “أنا ما عندي قضية بي السياسة” .. وبطبيعة الحال أطماع الانسان الذي تسيطر عليه شهواته لا سقف لها إن لم يردعه وازع ما أو يعود لدرجة الخوف رغم إرادته..، كليهما يعنينا والوسيلة واحدة هي استخدام سلاح الوعي حتى يشعر من سيطرت عليه شهواته أنه سيعاقب على جميع أفعاله القبيحة يوما ما..، ومن لديه بصيص وازع يمكنه أيضا بالغضب أن يكتسب طاقة يمكن توجيهها لخدمة وعيه..، تتداخل الكثير من العوامل والتعقيدات والتقاطعات بين آراء الفلاسفة والمختصين النفسيين وعلماء الاجتماع حول هذا الموضوع ولست الشخص المناسب للحديث عنها…

(7)
درجة 150 الغضب (Anger) عندما يخرج الشخص من مرحلة الشفقة ويتجاوز التغلب على مخاوفه تكون حالته متقلبة وخطيرة، عندما تواجهه العقبات في إشباع شهواته يشعر بالغضب والإحباط لذلك قد يسعى للانتقام من غرمائه أو الذين كانوا متحالفين معه بالأمس و تقاطعت مصالحهم..، ينتكس للمراحل الدنيا إن بلغ به الإحباط مرحلة الكراهية، للعقل الجمعي هنا دور بارز في السلوك الجماعي كما حدث بعد المفاصلة و كما آل إليه مصير الكثير من الحركات المسلحة من تشظي و استفحال للعداء، و الاستقطابات الحادة التي نعيشها و فتكت بالتنظيمات السياسية ، و المجموعات المنسلخة من النظام، أو المتحالفين معه و قلوبهم شتى … كثيرة هي الأمثلة…، معظم هؤلاء جاؤوا لعتبة الغضب منتقلون من عتبة الشهوة و لا يرجى منهم كثيرا لأن دوافعهم معروفة نتيجة الفطام القسري.. ، لذلك الطريق الأمثل لبلوغ عتبة الوعي هو القفز على عتبة الشهوة..(من الخوف مباشرة) يستطيع القادم لهذه العتبة من الخوف التغيير إن حدد أهدافه مستفيدا من تخطيه عقبة كأداء (الخوف) و لم يقع ضحية لشهواته ،يرفعه الاحتكام للوازع و التقليل من كم رغباته و التركيز على النوعية، الجانب الإيجابي في الغضب هو الطاقة الجبارة التي يمتلكها، يكمن دور من هم في المرتبة 310 على وجه الخصوص في استغلال هذه الطاقة و توجيهها في المسار الصحيح، معظم الثوار و من يطالبون بحقوقهم بإلحاح دون خوف هم في مرحلة الغضب ممن يمتلكون الوازع، ألد الأعداء في هذه المرحلة الكراهية التي قد تجعله جانيا أو حتى مجرما..، في هذه العتبة على وجه التحديد دور من تجاوزوا 200 درجة مفصلي في تطوير وعي من هم في درجة الغضب و إرشادهم و التأثير عليهم لبلوغ أهدافهم و الارتقاء بوعيهم لمراحل عليا، كنت قد أشرت في المقال السابق إلى الآية الكريمة ” ..ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..” وأثبتت بالأمثلة أن السبب في الانحطاط الذي نعيشه حاليا في وطننا سببه غياب العددية المؤثرة ممن تجاوز وعيهم المائتي درجة…، ويغنيني عن الاستفاضة الرجوع إليه لمن أراد.

(8)
درجة 175 الكبرياء (Pride) ، رغم أنها أعلى مرتبة من درجة الغضب إلا أن من بلغ به الوعي الأخيرة إن وجد التوجيه و من يؤثر عليه إيجابا لا يحتاج التوقف عند عتبة الكبرياء لأنه يكون قد امتلك الشجاعة اللازمة في السيطرة على غضبه و هو بطبيعة الحال قد بلغ مرحلة تجاوز فيها مخاوفه، فقط يريد من يعينه على انتقاء أهدافه ما يؤهله للانتقال مباشرة لعتبة الشجاعة في سلم الوعي.
أما من لم يجد التوجيه أو من يؤثرون عليه إيجابا ولم يستقر عند عتبة الغضب حتى الممات سيجد نفسه بالضرورة في درجة الكبرياء، يمكنني أن أطلق عليها درجة التكلُس لأنه من الصعب تجاوزها بالتي هي أحسن..، من سماتها أن قاطنوها يشعرون بالسعادة لما حققوه من إنجازات كأن يكون لديه مؤيدين أو تكتل ما، أنشأ حزبا أو أصبح لديه منصبا و كلمته مسموعة، أصبح من أهل الثروات…الخ، بيد أنهم ضعفاء لا يمتلكون المقدرة على الفعل الايجابي لأنهم يعتمدون أكثر على الظروف الخارجية المتغيٍرة بدونها يمكنهم الانحدار لمستوى أقل، قد ينحدرون حتى مستوى العار إن تمكنت منهم الجوانب السلبية مثل الغطرسة والانكار كما القط الذي يرى نفسه أسدا، يرتقي من في هذه المرحلة للدرجة التالية على السلم إذا غلب اعتماده على مقدراته أكثر من الظروف الخارجية، هذا من المحتمل أن يحدث مع الوقت أو بتأثير من تجاوز وعيهم 200 درجة..، المشكلة الرئيسية في من يقبعون في هذه العتبة أنهم يصعب التأثير عليهم لأنهم يعيشون وهما كبيرا ، و كما يقول الحديث الصحيح الذي أخرجه الامام البخاري ” اثنان لا يتعلمان مستحي ومستكبر”… شمل الحديث هنا أكثر من صنف من المذكورين أعلاه..

(9)
كما هو الحال في عتبة الغضب ينطبق الأمر على عتبة الشجاعة، الأفضل أن يتم بلوغها قفزا على عتبة الكبرياء…، أولى مراحل الوعى الإيجابي تبدأ من الدرجة 200 الشجاعة (Courage) في مناطق الوعى الدنيا يرى الناس الحياة مليئة بالإحباطات و المخاوف، يشعرون بالحزن متفاوت الدرجات يتملكهم اليأس، أو قد ينالهم أسوأ ما في الخجل أو التعايش مع عقدة الذنب أو وقوعهم ضحية لأسوأ ما بداخلهم من حقد و كبرياء…الخ، الشجاعة هي الحد الفاصل حيث يمتلكون المقدرة على كبح الغضب، نبذ الكبرياء ، المواجهة، الاستفادة من الفرص المتاحة، التعلم من الأخطاء، التواضع و الاحتكام للمنطق و الأخلاقيات…الخ، من بلغ عتبه الشجاعة يعطي الآخرين بقدر أكبر مما يأخذ منهم، لديه طاقة كبيرة يستخدمها في الاتجاه الصحيح، يخلق من العقبات فرص، المهددات عنده بمثابة الحافز، لديه المقدرة على الفعل الإيجابي لكنه يفتقد الإرادة المطلوبة بمواصفاتها الواردة في العتبة 310 ، مع ذلك يقوده التحدي لمراحل متقدمة أعلى في سلم الوعي، إن وجد من يتأثر بهم إيجابا من حوله لن يحتاج الكثير ليصل درجة الاستعداد و منها قمة الايجابية عند الدرجة التي تجتمع فيها المقدرة و الإرادة ?Willingness? 310 التي إن بلغها يمكنه التأثير إيجابا على 90 ألفا..
سأتوقف هنا وأواصل من حيث انتهيت…

مصطفى عمر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. والله كلام جميل وثقافي اجتماعي سياسي مطلوب لكن اخوي مصطفى كان لخصت الموضوع ده لاكثر من كده وعملت رابط لمن يريد المزيد

  2. هذه رحلة مثيرة للاهتمام في دهاليز النفسية والعقلية السودانية ومؤثرات أكثر من ربع قرن من الزمان, نستطيع أن نسميها عقلية النكبة.

  3. من اجمل واهم المقالات التى قراتها في الفترة الاخيرة بل اميزها وافضلها …..شكرا جزيلا وشكرا كثيرا على هذه المعرفة الثرة والمعلومات القيمة التى استفدت منها في هذا المقال الرائع ….

  4. والله جطتنا جوطة شديدة كلام رائع بس كتير وما مرتب ومحتاج تلخيص …لك التحية وجهدك مقدر.

  5. شكرا على الجهد الجبار الذى قمت به اروع ماقرات نسأل الله لك التوفيق ونرجوا المزيد للفائده.

  6. تحليل نفسي اجتماعي دقيق وسبر لأغوار النفس البشرية حسب ميزان يتراوح ما بين الصفر إلى الألف درجة.
    هلا بينت لنا أستاذ مصطفى عمر درجات بعض مسؤولي النظام في هذا الميزان المستقيم؟ عمر البشير وبدرية سليمان وأحمد بلال على سبيل المثال.

  7. الموضوع تحليل نفسى لنفسيات الشعب السودانى حسب الدراسات العلميه النفسيه ولكن ما دور مشهد العروسين هنا وعبيد النظافى هذا التحلي؟ وحتى لم يوردهم الكاتب كنموذج لتحليله.

  8. الموضوع تحليل نفسى لنفسيات الشعب السودانى حسب الدراسات العلميه النفسيه ولكن ما دور مشهد العروسين هنا وعبيد النظافى هذا التحلي؟ وحتى لم يوردهم الكاتب كنموذج لتحليله.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..