خانة أليك والألسن النتنة!!

خانة أليك والألسن النتنة!!

تيسير حسن إدريس
[email][email protected][/email]

(1)
يبدو الواقع اليوم أمام ناظري النظام الحاكم في الخرطوم شديد الإظلام فقد وصل بعد ربع قرن من الإخفاقات والفشل المتواصل إلى حائط مبكاه الأخير حيث وصلت “غلوطية” محاورته لنظام جوبا والتي كان يعول على نتائجها علها تحدث انفراجة في عزلته السياسية وأزمته الاقتصادية إلى نهاياتها المتوقعة بالفشل نتيجة لموقفه المتعنت من موضوع فك الارتباط المزعوم بين جوبا والحركة الشعبية قطاع الشمال فحين استطاعت القوى المعارضة بعد عناء من التقاط أنفاسها وتجميع أطرافها ونجحت في صياغة مشروع وطني حقيقي مقنع لمعظم أطيافها مما يعد اختراق سياسي مهم وعظيم يجعل من عملية تغيير النظام المترنح أكثر سلاسة وأمان بعد أن تجاوزت بنود الميثاق الموقع عليه برشاقة محاذير المزالق التي انجرت إليها حركات التغيير الثورية في بعض الدول القريبة والمجاورة.

(2)
فميلاد ميثاق “الفجر الجديد” الذي وقعت عليه كافة القوى المعارضة يجعل للتغيير القادم في السودان طعم ورائحة ونكهة سودانية خالصة تميزه عن كافة ثورات المنطقة التي أطلق عليها اصطلاحا مسمى “الربيع العربي” حتى تلك التي نجحت في إحداث التغيير بأقل الخسائر في كل من مصر وتونس قد أهملت قواها الثورية وأحزابها السياسية أهداف وبرامج من بعد التغيير ففتحت الباب بذلك أمام جماعة سياسية بعينها لاحتكار جني ثمار الحراك الثوري وهي علة تم علاجها في ميثاق “الفجر الجديد” حيث جاء مفصلا وموضحا لمراحل التغيير والآليات الرافعة لكل مرحلة مع الاتفاق على طبيعة بناء وتوجه الدولة والدستور الانتقالي الحاكم لها خلال الفترة الانتقالية التي حددت بأربع سنوات، يمكن خلالها انجاز برنامج إسعافي يخرج البلاد من عنق الزجاجة ويضع أرضية ملائمة لانطلاقة مشروع نهضة وطنية شاملة.

(3)
وقد أكد الميثاق اتفاق القوى الموقعة على جملة أهداف ومبادئ أهمها الهوية الوطنية وشكل نظام الحكم وقضية تحييد الدين في الحياة السياسية التي كانت تعتبر من أكثر القضايا حساسية. ففي جانب الهوية أكدت الوثيقة على أن السودان وطن متعدد الثقافات والأعراق والأديان واللغات ، تتأسس هويته على رابطة مستمدة من مكوناته الثقافية واندياحه الجغرافي وارثه الحضاري الضارب في القدم، وأن النظام الأمثل لحكمه هو النظام الفدرالي الديمقراطي ألتعددي المؤسس على عدم الإقصاء والمساواة المطلقة بين مواطنيه حيث تعتبر “المواطنة” هي أساس الحقوق والواجبات والضمانة الأكيدة لحرية الفرد والجماعة. كما جاء التأكيد بلغة واضحة على موضوع فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة كضمان لعدم استغلال الدين في السياسة.

(4)
ومن أهم ما ورد في الميثاق موضوع التوزيع العادل للثروة والسلطة والمحاسبة العادلة لكل من أجرم في حق الوطن والمواطن ورد الظلمات وتعويض من ظلم. كما تم التأكيد على قومية مؤسسات الدولة وانتهاج سياسة حسن الجوار والتعايش السلمي وكفالة كافة حقوق المرأة والحريات العامة. كما عالجت الوثيقة ترتيبات الفترة الانتقالية وحددتها بأربع سنوات يحكمها دستور انتقالي وحكومة وحدة وطنية انتقالية ذات مهام محددة أهمها إعادة الاستقرار في مناطق النزاعات المسلحة ووضع الترتيبات الأمنية الانتقالية والتشريعات والقوانين والحلول للمعضلات الاقتصادية والتنموية والخدمية والبيئية لكافة البلاد خاصة المناطق المتأثرة بالحروب والنزاعات والعمل على انعقاد المؤتمر الدستوري القومي.

(5)
والبند الأهم والأخطر في الميثاق ذاك الذي حدد وسائل إسقاط النظام وهو بند يحتاج على ما اعتقد لمزيد من المداولة والاتفاق الملزم على مرشد عمل واضح ودقيق يوضح طبيعة مشاركة السلاح في عملية التغيير وكيف ومتى وتحت أي ظروف تتم هذه المشاركة لضمان عدم الانزلاق نحو الفوضى التي شهدناها مؤخرا في بعض التجارب الثورية “ليبيا” ليكون معلوم ومتفق عليه بصورة جازمة وحاسمة أن المراد والهدف المنشود من مجمل عملية التغيير هو إسقاط النظام الذي رفض كافة مساعي الحوار والتأسيس لسلطة العدل والقانون وليس إسقاط الدولة وجرها للانهيار والانفلات الأمني وارتكاب المزيد من المآسي التي نثور اليوم رافضين لبشاعتها ومستنكرين على النظام أمر ارتكابها.

(6)
ومن البنود الهامة أيضا التي يجب أن يتواصل الحوار حولها واخذ كافة الضمانات التي تجعل أمر تنفيذها واقعا وليس موقفا تكتيكيا مرحلي يتم التنصل منه بند تحييد الدين منعا لاستغلاله في السياسة، خاصة من طرف الأحزاب ذات المرجعية الدينية حيث لا نريد أن يلتبس موقفها من جديد بعد الإطاحة بالنظام وتعود للالتفاف حول هذه القضية الهامة سعيا وراء مكاسب انتخابية أو انصياعا لابتزاز تيارات من مكوناتها، فنعود من جديد لدائرة الجدل السفسطائي الذي يصرف المجتمع عن قضايا البناء والتنمية والأعمار ويقود لإهدار الوقت والجهد وإحداث الفرقة والاستقطاب السلبي في لحظة الوطن في حاجة لكافة جهد وطاقات بنيه.

(7)
وهناك نقطة هامة أخرى يجب أن تضمن كبند ويتم التأكيد عليها من جميع القوى الموقعة على الميثاق وهي ضرورة أن تبقى الوسائل المتفق عليها للتغيير سودانية صرفة وبعيدة كل البعد عن عبث الأيادي الأجنبية إقليمية كانت أو دولية ضمانا لاستقلالية القرار ومنعا لاختراقات الأمنية وصونا للسيادة الوطنية. فالتجربة قد أثبتت أن الدعم الخارجي لا يقدم إلا مشروطا بأجندة وإملاءات تخدم مصالح الدول الداعمة بغض النظر عن مصالح الشعوب المدعومة والتي يستجير قادتها في لحظة ضعف برعونة من الرمضاء بالنار. فالتأكيد في الميثاق على سودانية الوسائل والحلول هو حصافة سياسية وضمانة لمستقبل حر وزاهر يجنب الوطن شرور الارتباط بسياسة المحاور ويتيح له الاستقلالية المطلقة التي تمكنه من الاستفادة من اكبر مظلة من العلاقات الدولية والعون الخارجي القائم على مبدأ تبادل المنافع بمنأى عن الأجندة السياسية والشروط المجحفة التي تنتقص من هيبة وسيادة الوطن.

(8)
حقا لقد جاء التوقيع على ميثاق (الفجر الجديد) تلبية لأشواق شعبنا في توحيد قواه الحية من أجل إسقاط نظام المؤتمر الوطني المتجبر الذي أذل شعبنا وقسم بلادنا وأرتكب جرائم الحرب والإبادة الجماعية وشرد ملايين السودانيين مهاجرين ونازحين ولاجئين وفصل أعز جزء من بلادنا ودمر وحدتها ونسيجها الاجتماعي . وكان لابد من الوحدة والاتحاد والتطلع بعزيمة وثبات نحو مستقبل وضاء وفجر جديد وفي غمرة فرحي الغامر وأنا أراجع بنود الميثاق داهمني تساؤل عن ماهية القراءة التي سيتحفنا بها جهابذة النظام لهذا الاختراق السياسي التاريخي وهل ستتواصل النتانة اللفظية ولغة التهديد والوعيد وهم يروا بأم العين القوى المعارضة تضع نظامهم في “خانة أليك” أم ستأكل الهرة الألسن الذفرة فلم يخيب المدعو نافع سوء ظني فيهم وفاضت بالوعته بنتانة المعهودة.

** الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..