مئات المواطنين راحوا ضحاياه طريق جبل أولياء.. الأرواح “تروح” بين الأسفلت والحديد

السرعة الزائدة والتخطي الخاطئ أهم أسباب الحوادث

خبراء: الطريق يفتقر للمواصفات المطلوبة

مواطن: زحمة السوق والباعة الجائلون سبب الأزمة

الأطفال الأكثر عرضة للحوادث

جبل أولياء: بدور مبارك

بينما كان الطفل (آدم) يلاحق (كرة القدم) ذات اللون الأصفر التي أبعدتها عنه الرياح بطريق طيبة الحسناب، كان هناك القدر المكتوب الذي لا بد منه، فقبل أن يصل منتصف الشارع دهسته عربة (بوكس ) محملة بالبضائع، فتناثرت الدماء التي ملأت الأسفلت، وهناك على بعد مترين منه، تمددت والدته التي حاولت إنقاذه على الأرض تلفظ أنفاسها الأخيرة بعد أن دهستها شاحنة في الرأس وتسببت في قطع أرجلها، وسط ذهول المواطنين الذين ذرفوا الدموع على الأم وابنها .

حادث آخر

لم يكن ذلك الحادث الوحيد بطريق جبل أولياء، فقد سبق وأن تعرض عدد كبير من المواطنين للإصابات الجسدية به، فسبق أن لقي «37» شخصاً مصرعهم وأصيب «26» آخرون بجراح متفاوتة في حادث مروري وقع بمنطقة الصفاء جنوب جبل أولياء بالخرطوم، إثر اصطدام بص سفري قادم من الأبيض بحافلة ركاب كانت متجهة من الخرطوم لقرية الدرادر، ونجا من الحادث «16» شخصاً فقط، وقد استقبلت مشرحة الخرطوم الجثث في مشاهد مؤلمة جداً، وأرجع تقرير شرطة المرور الحادث إلى التخطي الخاطئ من قبل البص السفري القادم من مدينة الأبيض لعربة «بطاح» حاول تفاديها .

ضحايا آخرون

وقبل أن تبارح ذاكرة المواطنين تفاصيل ذلك الحادث ، عاشوا مأساة أخرى بسبب حادث وقع بطريق جبل أولياء عند تقاطع الشقيلاب (حي مودة)، راح ضحيته (12) شخصاً، واصيب (9) آخرون إصابات متفاوتة ، وتمثلت أسباب الحادث في الانشغال بالموبايل وعدم التركيز في الشارع بالإضافة إلى التخطي الخاطئ، وفي وقت سابق شهد ذات الطريق في يونيو الماضي مصرع 38 شخصاً نتيجة اصطدام بين حافلة وشاحنة، وكانت السرعة الزائدة السبب في وقوع الحادث.

زيادة مستمرة

يبدو أن حوادث طريق جبل أولياء أصبحت في زيادة مستمرة خاصة طريق الخرطوم جبل أولياء، ورغم التوعية المرورية والتواجد المكثف لرجال المرور إلا أن الحوادث لم تختف، ومؤخراً شهد طريق الموت هذا أكثر من فاجعة بمناطق طيبة الحسناب والشقيلاب والزهراء راح ضحيتها المئات من المواطنين، مع وجود إصابات جسمية بليغة وإعاقة قد تؤدي إلى النوم السريري أو العجز عن القيام بأي عمل به ناهيك عن فقد الأسرة لفرد من أسرتها واحتمال قد يكون هو المسؤول عن أسرته التي يعولها.

أضرار متعددة

تعد حوادث السير المروري بمحلية الجبل، من أكبر الحوادث التي سجلت أرقاماً قياسية في ولاية الخرطوم ، ومن الأسباب المؤسفة التي تحصد أرواح كثيرة جداً من البشر، إلى جانب وقوع العديد من الجرحى والأضرار الجسيمة والممتلكات، قامت الصيحة بزيارة ميدانية إلى محلية جبل أولياء، ومن خلال زيارتها لاحظت أن هنالك مشكلة في سفلتة الطريق نسبة لمساره الواحد والتهور الذي يقع من جانب السائقين، إضافة إلى عدم إنارة الطريق، وهنالك نساء بائعات الآسكريم والتسالي والحلوى وأطفال يعملون على بيع الأكياس البلاستيكية، وعدد من التجار الذين يفرشون الخضروات على الأرض، وهم أكثر الناس الذين يروحون نتيجة للحوداث نسبة لقربهم من الطريق .

زحمة في زحمة

استفسرنا عن أسباب كثرة الحوادث بهذا الطريق، هنا يقول المواطن محمد الذي يعمل في سوق جبل أولياء ، وصاحب مغلق يقع بالقرب من الطريق، إن حوادث السير أصبحت في زيادة، مبيناً أن زحمة السوق والباعة المتجولين تسهم في كثرة الحوادث، وأوضح أن من الممارسات الخاطئة التي تقود إلى حوادث مرورية كثيرة، وسرد قصة وقال: حضر صاحب مركبة الى ميكانيكي لصيانتها، إلا أن الميكانيكي قام بفك العربة جوار الطريق الريئسي فأتت عربة في الطريق المعاكس وهو تحت العربة فدهسته وأردته قتيلاً، وأضاف أن أحد البائعين كان واقفاً في مكانه يشاهد المنظر، بينما أتته إحدى العربات مسرعة وانحرفت عن مسارها ولم ينج ومات في الحال. ويقول: الأطفال أكثر عرضة للحوادث نتيجة للتسابق فيما بينهم لبيع ما يحملون سواء كان أكياساً أو مساويك أو مناديل وغيرها، وأشار إلى حادث آخر مؤلم شاهده سابقاً، نتج عنه مصرع (أم وابنتها وطفلها) الرضيع، بعد أن دهستهم عربة في الطريق، وحذر من هذا الطريق، وناشد بضرورة مراجعته.

أسباب متنوعة

المعز الفاتح سائق عربة توزيع بضائع، يقول إن الأسباب التي تؤدي إلى الحوادث هي القيادة بتهور، وعدم أمان الطريق نسبة لضيقه، وعدم السفلتة التي انتهت مع مرور الزمن، ويشير إلى أن الحكومة ليست المسؤولة وحدها عن حوادث المرور، بل السائق أكبر عائق لنفسه ولمستخدمي الطريق، وقد يؤدي إلى موت عدد من المواطنين بإصابات وجروح بليغة، وأردف بقوله إن بعض كبار السن لم يستغنوا عن العمل ولكنهم يفضلونه نتيجة لتعاملهم بحذر مع السير، وناشد المسؤولين عدم إعطاء رخصة القيادة لشباب في أعمار صغيرة لسلامتهم والمارة والممتلكات، لافتاً إلى أن السرعة الزائدة والتخطي لبعض السائقين تسبب في موت الكثير من المواطنين الذين راحوا ضحية التهور، وأردف: الحوداث في شارع جبل أولياء باتت تمثل خطرًا داهماً وهاجسًا لا بد من التعامل معها بجدية ومسؤولية، وطالب الجهات المسؤولة بتوسعة الطريق، وتركيب الإنارة والمراقبة .

خطة مشتركة

من جانبه يقول الأستاذ علم الدين لـ(الصيحة)، إن طريق جبل أولياء هو الطريق القومي الذي يتبع وزارة النقل، ويوكد أن ولاية الخرطوم عملت على تأهيله أكثر من مرة وفقاً لإمكاناتها المحدودة، رغم أن هذا ليس دورها وواجبها لأن الطريق قومي، مرجعاً الحوادث الكثيرة التي ظل يشهدها الطريق إلى ضيق مساحته ومساره الواحد في ظل كثافة مرورية تمضي في زيادة يوماً تلو الآخر لجهة أن هذا الطريق هو المعبر إلى عشر ولايات، ويشدد على أهمية وضع خطة عاجلة من قبل وزارة النقل والطرق والجسور لتأهيل الطريق حتى يتمكن من استيعاب الحركة الكبيرة للمركبات، ولخفض نسبة الحوادث المميتة.

المرور في الميدان

أحد رجال المرور وجدناه واقفاً في منتصف الطريق يعمل على تسهيل انسياب حركة المرور، وكانت الساعة الثالثة ظهرًا والازدحام بلغ ذروته، وقفنا ننظر إليه، وفي ذات الوقت كنا مشفقين عليه، وقد نجح في فك الاختناق وترك مكانه لزميله لمواصلة ذات المهمة فتوجهنا ناحيته، وسألناه عن أسباب الحوادث الكثيرة في هذا الطريق فاعتذر بعد أن عرف أننا صحفيون وقال إن الشرطة والمرور لها مكاتب صحفية لأخذ التصريحات، وتحت إلحاحنا استجاب غير أنه طلب حجب اسمه، وأشار إلى أن الأسباب التي تقود إلى كثرة الحوادث في هذا الطريق كثيرة منها ضيق وسوء الطريق بالإضافة إلى عدم التزام السائقين بالقانون، وتهور بعضهم بالتخطي الخاطئ والسرعة الزائدة، وقال إن شرطة المحلية والمرور رغم ذلك يبذلون جهودًا مقدرة لتقليل الحوادث وإسعاف المصابين حال وقوعها، مناشدا مستخدمي الطريق بضرورة الالتزام بضوابط المرور، حفاظاً على سلامة المواطنين، وقال: إذا كان السائق ملتزماً بالرقابة الذاتية لنفسه فلن يحتاج للقوانين، وتمنى رجل المرور أن تتم توسعة الطريق وتحويله إلى مسارين.

جهود مبذولة

ويؤكد مواطنون تحدثوا لأ(الصيحة) أنه رغم الجهود المبذولة لتأهيل الطريق، إلا أن الحوادث لم تختفِ، ويؤكدون أن بعض السائقين لا يلتزمون بالقواعد المرورية، ما أسهم في زيادة الحوادث، ويشيرون إلى أن القيادة بإهمال والسرعة الزائدة فوق المعدل والتسابق المحموم بتخطي الشوارع من أبرز أسباب وقوع الحوادث البشعة التي يروح ضحيتها من المواطنين الذين يقطعون بأنهم يدفعون أرواحهم ثمناً رخيصاً نتيجة لتهور السائقين.

ويقول التاجر عثمان إن الرقابة من شرطة المرور مطلوبة ويرى أن تواجدها ليس بحجم كثافة المرور على هذا الطريق، ويرى أن وجود اصحاب الزي الأبيض يبث الرعب في نفوس السائقين ويجعلهم أكثر انضباطاً وتقيُّداً بالقوانين، ويشدد على أهمية وضع نقاط ارتكاز ثابتة على الطريق من الكلاكلة حتى جبل أولياء، ويعتبر الحل النهائي لمشاكل هذا الطريق في توسعته وإخضاعه لتأهيل كامل حتى يتحول إلى مسارين.

خطأ في التصميم

انتقد عدد من الخبراء في مجال هندسة الطرق تصميم الطرق الخارجية ذات السرعات العالية، ووصفوها بأنها طرق تفتقر للمواصفات المطلوبة، مشيرين إلى أن ولاية الخرطوم تتصل بشبكة طرق مع بعض المدن الرئيسة في البلاد، لكن تلك الشبكة تفتقر للعلامات الإرشادية، كما أنها طرق مفتوحة وبالإمكان اقتحامها من قبل الحيوانات في أية مساحة منها مما يعرض سالكيها لمخاطر عظيمة.

وقال المهندس كمال صالح إن هناك مشاكل كثيرة في طرق وشوارع العاصمة الرئيسية يجب الاهتمام بها والالتفات إليها، ومعالجتها بالكامل.

من جانبه ناشد معتمد محلية جبل أولياء خلال مشاركته في مراسم دفن سابقة لعدد من ضحايا الحوادث بمقابر الشقيلاب الحسانية، مرتادي الطريق بضرورة الالتزام بقواعد السلامة المرورية.
الصيحة.