أحداث الدمازين وتحول الجيش إلى حركة مسلحة

صلاح شعيب

ما حدث مؤخرا في أبيي ثم جنوب كردفان فالنيل الأزرق، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن مخاض ما يسمى بالجمهورية الثانية سيشهد نوعا جديدا من التوظيف المتهور لمصادر قوة البلاد، المتمثلة في الجيش الذي صار بالفعل حركة مسلحة للمؤتمر الوطني، والمتمثلة أيضا في أجهزة الأمن والإعلام التي تطيع رغبات الحكوميين في قمع الأصوات الوطنية. وبرغم أن الأمل في أخذ العبرة من الجمهورية الأولى التي وظف فيها عتاد الجيش بكل سلبية ما يزال حيا إلا أن آمالنا السياسية أكبر من الواقع. ولهذا يبدو أن تراكما من الفشل المستقبلي سيعقب هذا التوظيف الجديد لتهور قوة، أو قوة تهور، الجمهوية الثانية التي لم يستهل مؤسسوها بإستخلاص العبر، والدروس.
لقد أهرق الكتاب الوطنيون بسخاء حبرا كثيفا في محاولتهم لتأكيد فشل حتمي لسلطة القوة منذ مثول الإنقاذ، وما يزال العقلاء الذين يتخذون مواقف وسطى يطالبون بتحكيم صوت العقل بالنسبة لكل الفرقاء، ومع ذلك تتباعد المسافة عند كل صباح بين الرغبات الوطنية الصادقة لمعالجة قضايا البلاد والواقع على الأرض، وهل لا تسيطر عليه عسكريا، وإقتصاديا، وإعلاميا، إلا فئة محدودة تقول هي صوت الله، وهي السودان وما عداها هو الكفر، والتآمر، والعمالة؟.
إن أحداث الدمازين الأخيرة، والتي أوجدها المؤتمر الوطني بسياسة السلطة المتهورة بغية الإنتصار على خصم عنيد، وشرس، لسياسته كان لا بد أن تبرز إلى السطح. فلم يكن هناك ما يمنع إعادة الإصطدام، يوما، بين الحركة الشعبية، قطاع الشمال، والحزب الحاكم ما دام أنهما طرفان نقيضان بمرجعية نظر كل منهما إلى الآخر، وإلى قضايا السودان، وإلى كيفيات حلولها. ومن هنا لايمكن للمراقبين إدانة أحد الطرفين دون معرفة الخلفيات التي إرتبطت بتفكيرهما، وكذلك الملفات العالقة بينهما، والتي لم تحسم بعد، ومنها وضعية الحركة الشعبية كتنظيم في شقه الشمالي الباقي، له ما له من حقوق وواجبات كما للقوى السياسية الأخرى.
وفق سياسة التهور كان من السهل جدا للحكومة أن تحمل الحركة الشعبية، بقطاعيها الجنوبي والشمالي، مسؤولية ما حدث ويسندها في ذلك إعلام قائم على إتباع السلطة بالتلفيق والكذب عوضا عن إبراز الحقائق وإعمال النقد. ولقد أعادنا الإعلام الحكومي والخاص التابع إلى الحكومة إلى أجواء حرب الجنوب، حيث آنذاك تم إهدار طاقات الإعلاميين الحكوميين في توصيف الحركة الشعبية كتنظيم يتلقى دعمه من إسرائيل ومجلس الكنائس في معركته ضد صيف العبور وتلك الحملات التي راح ضحيتها شباب سوداني من الطرفين، ومع ذلك لم تتنتصر (الأمة) في حربها، بل وتم التنازل، في خاتم المطاف، عن جزء عزيز من الوطن.

المعارضون مثلنا، وهم قانعون برؤاهم الموضوعية حيال الأزمة الوطنية، لا يجدون مهما بحثوا عن جذور هذا الإضطراب في الاقاليم المهمشة في القرار السيادي، إلا فرص التنديد بسياسات المؤتمر الوطني المعهودة، والتي لا تجلب إلا أعمال العنف، والأخرى المضادة على مستوى حجمها او تتضاعف. والحقيقة أن هذا الشكل من التنديد لم يكن وليد اليوم فحسب، وإنما هو إجراء راتب للكتاب، والمحللين، والذين يصرحون للصحف والقنوات الفضائية من أقطاب الأحزاب، والإستقلالية.
وإذا كانت هذه النشاطات المعارضة تثمر لأمكن للبلاد تلافي المخاطر التي تحدق بها، غير أنه ليس بإمكان الحكومة، وهي سادرة في ديكتاتوريتها، أن تفعل باحسن مما فعلت. وليس في مقدور الناقدين المعارضين والناصحين أن يتحولوا بضربة لاذب من مرحلة التنديد إلى مرحلة الإسهام بالفعل السياسي المؤثر، وبالتالي خلق الفعل الحكومي ورده حالة من إهدار طاقات الحاكمين والمحكومين.
ما يلحظ في أعمال العنف التي شهدتها مدن أبيي، وكادقلي، والدمازين، هو أن إستخدام جيش البلاد، المفترض فيه القومية، كان لا يختلف عن إستخدامه في حربي الجنوب ودارفور، ولعل هذا الأمر طبيعي بالنسبة للمؤتمر الوطني. فهو قد تمكن حزبيا من تحويل المؤسسات القومية إلى حظائر حزبية تدعم كوادر الحزب في مخططاتهم الرامية إلى تمكين آيديلوجيا الجبهة القومية الإسلامية سابقا.
ولكل هذا ليس هناك ما يثبت أن إختلافا كبيرا بين الحركات المسلحة والقوات المسلحة، إذ أن الأولى تستخدم قواتها لهزيمة المؤتمر الوطني الحاكم، بينما يوظف المؤتمر الوطني القوات المسلحة للحفاظ على وجود الحزب وليس السودان، كما يشاع. ولسنا في حاجة للقناعة بأن تسريح جيش قطاع الشمال وبقية الجيوش سيجلب الإستقرار، والسلام، في ظل سحق المؤتمر الوطني لمعارضيه بواسطة القوات المسلحة، والأمن.
ورغم أن هذا التوظيف السلبي لجيش البلاد من ما يؤسف له إلا أن تحول الجيش إلى ضيعة إسلاموية الآن يستند على ماضي حكوماتنا. فتاريخنا السياسي يدل على أن الجيش مثله مثل الخدمة المدنية، بما فيها من مؤسسات إقتصادية، وتربوية، وإعلامية، ولذلك يسير وفق هوى القوى السياسية المسيطرة، وليس بناء على دور متفق عليه دستوريا. ولعل النخبة العسكرية قد عرفت هذا السر فوجدتها تحتاز على إمتيازاتها في ثكناتها مقابل غض الطرف عن الأخطاء السياسية التي يدركها عامة المواطنين، فما بالك بالذين هم في مرتبة الملازم وما فوق.

إن المؤتمر الوطني، وهو قد سيطر على عوامل قوة الدولة، قد وضع كوادر الأحزاب الحريصة على البلاد في موقف محرج ولم يصبح امامهم إلا تحشيد الناس إلى الإنتفاض على غرار إكتوبر وأبريل، أو الرضا بمنازلته عسكريا كما تفعل الحركات، أو القبول بمراوغاته الحوارية بشأن التحول دستوريا من جمهورية سيئة التاريخ إلى أخرى ستكون أسوأ إذا إستمرت سياسة الديكتاتورية. وللاسف أن الخيارات الثلاثة مكلفة للغاية، ويبقى الاسهل منها هو الصمت والرهان على الزمن، وهذا ما توصلت إليه مجاميع معتبرة من النخبة السودانية. يقال إن المضطر يركب الصعب.
على كل، لا يحسب المرء أنه سيكون لمادة هذا المقال إعتبارا عند السلطة، مهما تدثرت الأفكار بحكمة مظنونة، وذلك في وقت يرى فيه الحكوميون أن الإستماع إلى الرأي الآخر يمثل ضربا من الغباء السياسي الذي يؤثر على تلك السيطرة الحكومية التي أجادها الذين ينفرون خفافا وثقالا لتحقيق التمكين الإسلاموي. فمنذ متى إستمع الإنقاذيون إلى الآخر حتى يتغير واقع سلطة التهور إلى سلطة جماعية يشارك فيها السودانيون لتدارك المخاطر التي تحيط بالوطن من كل حدب، وصوب، وأولها وسببها التمكين الذي إبتدرته الحركة الإسلامية ثم أوردتنا لاحقا إلى هذه الخيبة الوطنية.
الأمل، كل الأمل، أن يستجيب السيد الصادق إلى نداء الاستاذة رباح، وعاش أبو هاشم، وخالص تمنياتنا بالشفاء للحاج نقد، وكذلك للحاج نقد الله.

صلاح شعيب
[email protected]

تعليق واحد

  1. بالله يا سادة ماذا تتوقعون من عصابة إستولت على البلاد بليل مظلم وكذب كريه وظلم فادح . كان شعارها فاليعد للدين مجده أو ترق كل الدماء ،،، فلم يعيدو للدين مجده بل أراقو كل الدماء . دماء شعب السودان الغالي واهانة كرامتة وزلوا إنسانة ومن لم يريقو دماءه اراقوا ماء وجهه ذلة .

  2. الكاتب الكبير صلاح شعيب .. افتفدنا كثيرا قلمك الشجاع .. الجيش واجهزة الامن اصبحت تابع ذليل لخنازير الجبهة وتجار الدين الممسحين الناعمين .. وسمعت هيئتهم المرتشيه تنادى بالجهاد … اذن لماذا لا يذهب اعضاء هيئة علماء السودان للجهاد فى مجاهل ومهالك النيل الازرق وجنوب كردفان برفقة اولادهم … الا يحبون عبير الجنه ورائحة المسك ؟ الا يريدون ان يغبروا ويطينوا عربات البرادو الرشوة فى سبيل الله ؟ … الحمد لله هناك شباب رفعوا البندقيه فى مواجهة الخنازير وبدات ثورة الهامش وشد الاطراف .. اين ستهرب الخنازير المكتنزة البدينه ؟ المجد للثوار كلنا معك ياعقار والحلو وياسر وخليل ومنى اركو .. الحريه ثمنها غال ونفيس ..

  3. الكلام هذا كيف يا ناس الموتمر الوثني أفيدونا علما …..
    يا عالم الدجل و الكذب و النفاق

    قيادات المؤتمر الوطني تتذمر وعمر البشير يغمى عليه بعد اتصال من ديبي
    September 11, 2011
    ( حريات خاص)
    أبلغ (حريات) مصدر مطلع وموثوق بأن عمر البشير أغمى عليه اثر اتصال هاتفي من الرئيس التشادي ادريس ديبي يوم الثلاثاء 6 سبتمبر .
    وأكد المصدر لـ (حريات) بأن الاتصال تضمن معلومات صاعقة لعمر البشير تتعلق بحركة العدل والمساواة ، وامتنع المصدر عن اضافة أية معلومات اخرى ، ذاكراً بأن اوانها لم يحن بعد ، وربما يحين قريباً .
    وأضاف بأنه مما فاقم أزمة عمر البشير وأدى الى دخوله في (الكوما) ، ورود تلك المعلومات في وقت اندلعت فيه الحرب في النيل الأزرق ، وجبال النوبة ، فضلاً عن تنامي السخط في أوساط قيادات المؤتمر الوطني النافذة على طريقة ادارة الحرب السياسية والعسكرية في المنطقتين .
    وقال ان ما يؤكد معلوماته عن اغماء البشير غيابه عن اجتماع المكتب القيادي للمؤتمر الوطني يوم الثلاثاء 6 سبتمبر ورئاسة الاجتماع بواسطة علي عثمان محمد طه .
    وأضاف بانه للتأكيد فان غياب عمر البشير عن المكتب القيادي يختلف عن غيابه عن اجتماع مجلس الوزراء يوم الاثنين 5 سبتمبر ، ففي الحالة الأولى كان الأمر يتعلق بضرورة دفع علي عثمان لاتخاذ موقف واضح من الحرب في النيل الأزرق وقيادته للتعبئة حتى يقطع عليه الطريق من ادعاء انه مع السلام ، خصوصاً وان قرار الحرب اتخذته المجموعة التي ترى بان الحرب سببها نيفاشا كاتفاقية وليس التنصل من تطبيقها وانكار حق القوميات المهمشة في حقوقها السياسية والتنموية والثقافية ، ويقودها الطيب مصطفى في تحالف بين اسرة البشير وعبد الرحيم محمد حسين وتهدف للاطاحة بعلي عثمان .
    وأكد بأن غياب عمر البشير عن اجتماع المكتب القيادي لم يكن لأسباب سياسية تكتيكية وانما لأسباب صحية .
    ومن جهة اخرى ولكن ذات صلة أضاف المصدر ان قيادات المؤتمر الوطني النافذة لم تعد تخفي امتعاضها ، فيقول نافع علي نافع بأنه غير مقتنع بما يجري ولهذا رفض الظهور في المؤتمر الصحفي لكمال عبيد وسناء حمد السبت 3 سبتمبر وتركهما لوحدهما رغم اعلان حضوره في البداية .
    و يقول غازي صلاح الدين انه نقل لعمر البشير بأن الحملة الدولية حول الأوضاع في جبال النوبة والنيل الأزرق تتصاعد ، وان هناك أنباء عن نشاط في الشرق لفتح جبهة عسكرية جديدة ، وان قيادات عربية نصحته بأن ما يجري في المنطقة ربما ينتقل الى السودان ، واقترحوا اجراء معالجات سريعة . وبحسب رواية غازي فان عمر البشير قال له بان ( الخواجات) ( حيكوركو ويسكتو) ، فلا تهتموا لامرهم ، ولكن أريد منكم الاهتمام بالقوى السياسية وبالاعلام .
    وأضاف المصدر بان توجيه البشير بالاهتمام بالقوى السياسية يهدف الى ارباكها بحيث لا تترافق أي تحركات لهذه القوى مع الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ، فينفرد المؤتر الوطني بالحركات المسلحة وظهره مؤمن في الخرطوم .
    وقال ان هذا السبب فيما يتسرب حالياً عن مشاركة حزب الأمة واعطاء 50% أو 60% من المقاعد للمعارضة ، فالهدف ارباك هذه القوى وجعلها تناقش هذا الأمر الزائف وتنشغل به الى حين تحقيق انتصارات عسكرية في المناطق الساخنة حالياً . وقال ان هذا الأمر زائف لأن السلطة الحقيقية لدى عمر البشير شخصياً ، وحتى قيادات المؤتمر الوطني ليس لديها حالياً سلطات معتبرة. هذا اضافة الى سيطرة عمر البشير والمؤتمر الوطني على الأجهزة العسكرية والأمنية والخدمة المدنية والقضاء والمال والاعلام وغيرها من مصادر السلطة مما يعني انه حتى لو تم اشراك قوى اخرى وبنسبة تصل الى 80% من مجلس الوزراء فانها لا تعدو كونها ( مكياج) لسلطة الانقاذ الحقيقية التي تريد تخفيف الضغط عليها وتخشى من اندلاع انتفاضة ضدها في وقت انشغالها بالمعارك العسكرية الساخنة .
    وأضاف المصدر المطلع والموثوق لـ (حريات) بأن قيادات نافذة عديدة في المؤتمر الوطني ، من بينها علي عثمان ونافع وغازي صلاح الدين ومصطفى عثمان ، اضافة الى أعداد كبيرة من القيادات العسكرية صاروا يعلنون ضيقهم بالدور المركزي الذي يشغله الطيب مصطفى ، ويرون بأنه مع عمر البشير ، يتحمل المسؤولية الرئيسية عن انفجار الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق .
    وصارح غازي صلاح الدين عمر البشير بذلك ولكنه رد عليه بان الحرب قررتها القوات المسلحة وغير قابلة للمناقشة ، ولم يجرؤ غازي على الرد بان كثيرين من ضباط القوات المسلحة يرون نفس آرائه وغيره من المدنيين ، ولكنه يتهكم للمقربين منه بأن الطيب مصطفى بعد ان اشعل الحرب لم يتقدم الى طليعة (الجهاد) وازور وترك الأمر لسناء حمد ( وزيرة الدولة للاعلام، حديثة التخرج من الجامعة وتعمل الى وقت قريب كرئيسة تحرير للصحيفة الطلابية للمؤتمر الوطني ) .
    وعلق محلل سياسي لـ (حريات) بأن هذه المعلومات مهمة من جهة معرفة المناخ المعنوي في المؤتمر الوطني ، ولكن لابد من أخذها في اطار ان هؤلاء يتذمرون وفي ذات الوقت يتزلفون ويتبعون عمر البشير .

  4. يا جماعه في جهاد في عقر الدار الناس دي بتلعب بي افكارنا ولا شنو ما خلاص الناس كلها عرفت الحاصل شنو ولسع بي يكزبو انتو شفتو حاجه شوفو ليكم مخرج لعد ده

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..