القطاع الصناعي.. أزمة تبحث عن الحلول

تقرير: أسماء سليمان
لسنوات ظل القطاع الصناعي يتراجع إلى الخلف، دون أن تكون هناك رؤية إستراتيجية لمعرفة أسباب تراجعه قبل وضع الحلول، (الصناعة) واحدة من الوزارات التي عرفت (تعدد وزراء)، ومع ذلك لم تُطرح رؤية واضحة لمجابهة الأسباب التي أقعدت بالقطاع الصناعي، وجل المشاكل تتراكم أمامه حتى وصل التردي في هذا القطاع إلى توقف (80%) من المصانع.خبراء اتفقوا على (التراجع المريع) الذي يشهده القطاع الصناعي، ولكنهم اختلفوا في تقييم الأسباب التي أدت إلى تراجعه، منهم من يرجع السبب إلى الضرائب والجبايات غير المقننة التي تشكل عبئاً ثقيلاً على الصناعة، وفريق آخر يرى غياب الرؤية الكلية لنهضة صناعية حقيقية، وآخرون يرجعون السبب إلى غياب البنية التحتية اللازمة، وبينهم من يعيد الأمر إلى ضعف مؤسسات التمويل الخاصة بدعم القطاع الخاص.فقد كشفت نتائج مسح ميداني لمصانع القطاعين العام والخاص في السودان، أن ألف و 125، من جملة ثلاثة آلاف مصنع في ولاية الخرطوم متوقفة عن العمل لأسباب متنوعة، وتعد الخرطوم مركزاً للثقل الصناعي في البلاد، وقال رئيس الفريق البدري الطيّب الطاهر من مركز البحوث والاستشارات الصناعية(اتضح أن ثلث المصانع بولاية الخرطوم، متوقفة عن العمل وأغلبها يشمل قطاع الصناعات الغذائية).ويعود توقف المصانع إلى عدة أسباب، منها ضعف وانعدام التمويل والتقادم التقني للآليات والمعدات المستخدمة في الإنتاج، ومنها أسباب اجتماعية كاختلاف الورثة الملاك للمصانع، وأسباب إدارية، إضافة إلى الشكاوى من الجبايات والرسوم والضرائب مما زاد تكاليف الإنتاج وأدى لتوقف الكثير من المصانع .الآن تخلق الحكم بشكل جديد، وبات الوزراء ينفذون (سياسة جماعية) خاصة وزراء القطاع الاقتصادي تحت إمرة رئيس وزراء، فهل يضفي هذا التطور على ملفات الصناعة بوصفها (قاطرة الاقتصاد)، اهتماماً نوعياً، وهل المهمة أمام الوزير الجديد موسى كرامة ستكون سهلة أم أن اسمه سيضاف إلى قائمة وزراء الصناعة العديدين وتبقى (هي) على حالها؟ تبشير بالجديدوبعد أن تسلم مقاليد الوزارة موسى كرامة ضمن التشكيل الوزاري لحكومة الوفاق الوطني، يبدو أن الأمر ماضٍ إلى تغيير جذري بحسب التصريحات التي أدلى بها الوزير الجديد في مواقع عدة، فمنذ توليه المنصب الجديد لم يكف الرجل عن التبشير بمعالجة الخلل الكامن في القطاع عبر وضع سياسات جديدة، وظل ينتقد السياسات التي ظلت الحكومة تنتهجها في السابق، ويوجه أصابع الاتهام إلى جهات عدة بأنها كانت سبباً في ذلك الخلل، والشاهد أن قرار منع استيراد الدقيق كان بمثابة عتبة أولى لتصحيح مسار القطاع الصناعي الذي تعول عليه الحكومة كثيراً.
مخاوف الإبعادإن معرفة كرامة بتفاصيل وقضايا الصناعة لم تكن وليدة الصدفة، فمنذ تخرجه في كلية الاقتصاد بجامعة الخرطوم في عام (1980)، ومن ثم شغله بمنصب الملحق الاقتصادي لسفارة اليابان بالخرطوم في (1982)، ظل الرجل يتنقل بين كثير من مؤسسات الاقتصاد العامة والخاصة وكان أشهرها شركة الصمغ العربي وبنك فيصل الإسلامي وبنك تنمية الصادرات، حديث الوزير عن تغييره لسياسات القطاع برمته، يشي بأنه يقف على أرضية صلبة مبنية على المعلومات التي جمعها خلال فترة حياته العملية من جانب، وخوضه تجربة العمل الخاص من جانب آخر، وهذا ما جاء على لسان الأمين العام لاتحاد الغرف الصناعية عباس علي السيد بعد أن وصفه بالرجل الاقتصادي والمتحمس ويعرف ما يعانيه القطاع الخاص في مجال الصناعة، ولكنه في ذات الوقت أبدى عدم رضاه لعدم إشراك القطاع الخاص والجهات الفنية فيما يخص السياسات التي يعلن عنها الوزير ويعد بتغييرها، حتى يخرج برؤية واضحة موضوعية ومقبولة، وأردف عباس (لم يتم وضعنا في الصورة بشكل واضح)، هذا لم يمنع السيد من الكشف عن مخاوفه من أن تعترض طريق الوزير الرامي لإصلاح القطاع عدة عراقيل، وقال (نحن مشفقون عليه) ونخشى أن تمارس عليه ضغوط لإبعاده عن الوزارة كلياً.
طفيليو القطاع :ـ
وفي المنحى ذاته اتهم عباس مراكز القوة بالبلاد بانتهاج سياسات خانقة أدت إلى إنهاك البلاد ومعاناة المواطنين، ولفت إلى وجود عدد كبير من الطفيليين في القطاع على حساب المواطن بحسب تعبيره، وانتقد النظرة الضيقة لحكومات الولايات والمحليات من خلال إصرارها على كسب موارد لتغطية مصروفاتها على حساب الصناعة، الأمر الذي يزرع العراقيل في طريقها، لذا نصح الرجل بأن يستصحب كرامة خلال عمله مع الحكومة، منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص، فضلاً عن المجالس التشريعية في المركز والولايات لخلق قاعدة عريضة .غياب القوانينوشدد السيد على ضرورة وضع قوانين ولوائح تضبط عملية جمع وتحصيل الرسوم، منادياً بالتأسيس لقانون ينظم الصناعات المختلفة، مؤكداً أن الصناعة هي القطاع الوحيد من بين القطاعات الأخرى الذي لا يوجد له قانون حتى الآن.
وفي السياق كشف مصدر لـ(آخر لحظة) عن اعتماد وزارة الصناعة الاتحادية على أداء وزراء الصناعة والاستثمار بولاية الخرطوم، لجهة أن (70%) من المصانع توجد بالعاصمة، واستشهد المصدر بفراغ الوزارة الولائية من وضع قانون الصناعة الخاص بها، إلا أن إجازته ظلت مرهونة بوضع القانون الاتحادي الذي لم يعلن عنه حتى الآن، مرجعاً التأخير الولائي إلى تفادي حدوث تقاطعات بين القانونين .خطط مستمرةأما المجلس الوطني فحصر مهمته في التشريع ومراقبة أداء الخطط الخاصة بالوزارة، وقال رئيس لجنة الصناعة بالمجلس عبد الله مسار إن وضع وتغيير السياسات أمر يخص الجهات التنفيذية متمثلة في الوزارة، بينما البرلمان هو الجهة المسؤولة عن إجازة الخطط ومراقبة تنفيذها، مؤكداً أن البرلمان هو من طلب من الوزير جمع معلومات عن صناعة السكر والحديد والأسمنت، واعداً بتغيير في مجال صناعة السكر والدقيق وغيرها، وأشار مسار إلى أن الخطط التنفيذية عمل لا ينتهي، لأن ارتباطها بالوزارة وليس بشخص، وتوقع في الوقت ذاته أن يمضي الوزير في الاتجاهات الصحيحة في القطاع نسبة لقدراته التي يتمتع بها في قيادة الأمر بحسب تعبيره .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..