أخبار السودان

السودانوية كما أراها

محور اللقيا

د. عمر بادي

القومية السودانية أو السودانوية كانت و لا زالت محطاً لآمال الكثيرين من الكتاب و المفكرين في سودانِ موحّد و معافى و خالِ من أمراض المناطقية و الإحتراب و التشرذم و التسلط و الهيمنة . لي مقالاتِ عدة في شأن الهوية السودانوية معظمها متواجد على الإنترنت و يمكن الوصول إليها من خلال محرك البحث (قوقل) , و لا بأس أن أردد بعضا من أفكاري عن الهوية السودانوية.
في صحيفة (الخليج) التي كنت أكتب فيها متعاونا , و بعد إنتفاضة أبريل 1985 كتبت دراسة في صفحة و نصف الصفحة تم نشرها على جزأين بتاريخ 2 و 9 أغسطس 1985 بعنوان (السودان ? طبخة الخضار المشكّل .. لم تنضج بعد) و لا زلت أحتفظ بها ضمن أوراقي , و قد كان عنوانها مستوحىً من تعليق أحدهم أننا نشبه طبخة الخضار المشكل بإختلاف ألواننا . لقد كانت عبارة عن دراسة إجتماعية لوضعِ على وشك النضوج على نار هادئة فوق أثافي التاريخ و الإنثروبلوجيا و الثقافة ! فيها تحدثت عن الزنوجة كمذهب و تطورها في مراحلها الثلاثة كما عند سنجور و جين برايس مارس و إيمي سيزار , و تحدثت عن السودان القديم منذ ممالك كوش و دخول العرب , و تحدثت عن الغابة و الصحراء و جماعة أبادماك , و تحدثت عن القومية السودانية التي تجمع بين العروبة و الأفريقانية كفكر و كتطبيق لمدىً تفاعلي إنصهاري بين المواطنين , كما في طبخة الخضار المشكّل , فالسلالة النقية قد صارت خرافة بحكم الهجرات و الإختلاط , و تحدثت فيها عن الهجرات الحديثة و إنعكاساتها في إثراء التدامج بالتصاهر و التجاور .
لقد توافق المثقفون السودانيون على تعريف الهوية السودانية بالسودانوية , و قد أورد هذا المصطلح الأستاذ أحمد الطيب زين العابدين الذي أبان من خلال كتاباته منذ عقد السبعينات أن للسودان خصوصيته الذاتية التي شكلت هويته من مجموع خصوصياته العرقية و اللغوية و الدينية في أقاليمه المختلفة . لقد كان السودان متنازعا ما بين الغابة و الصحراء , أي ما بين الأفريقانية و العروبة , لكن إذا ما وضعناهما معا في مكانيهما الصحيحين كوجهين لعملة واحدة هي السودانوية , زال الإلتباس . فإنه و منذ عام 651 ميلادية حينما أبرمت معاهدة ( البقط ) بين عبد الله بن أبي السرح قائد جيش والي مصر عمرو بن العاص و بين الملك كاليرات ملك مملكة المقرة النوبية , بدأت هجرة العرب الجماعية و السلمية إلى السودان , و الأعراب عادة عندما يهاجرون يأخذون معهم أسرهم و مواشيهم , و لذلك فإن إزدواجية العروبة و الأفريقانية قد تجلت في جغرافية و تاريخ السودان خلال الألف عام التي أعقبت معاهدة ( البقط ) إما بالتجاور السلمي المقبول أو بالتصاهر و الإندماج المأمول , و لم يعرف الناس حينذاك معنى للعنصرية أبدا , و هذا ما يتجسد في السلطنة الزرفاء و في مملكة الفور و في مملكة المسبعات و في مملكة تقلي , حيث كانت كلها نتاجا لخليطٍ بين المكونين العربي و الأفريقاني للمجتمع السوداني . لم تظهر العنصرية في السودان إلا في القرنين الأخيرين بعد الغزو التركي للسودان , حيث أدخلوا معهم ثقافة البحر الأبيض المتوسط الطافحة بالعنصرية و بالعبودية , و قد كتبت عن كل ذلك بإسهاب في مقالات لي سابقة .
سيدنا إبراهيم عليه السلام كان بابليا و السيدة هاجر كانت أميرة نوبية و إبنهما سيدنا إسماعيل صار جدا للعرب المستعربة الذين يمثلون معظم العرب الحاليين كالعدنانيين و المضريين و القيسية و أبناء نزار , لأن العرب البائدة قد تلاشوا كعاد و ثمود و طسم و جديث و العماليق و جرهم , أما العرب العاربة فإنهم لا يتواجدون إلا في دواخل اليمن كالقحطانيين , و هذا دليل حي على عدم نقاء السلالات و على التقارب الذي ينكره البعض بين العروبة و الأفريقانية . لقد جبلت منذ قرابة الأربعة أعوام أن أختم مقالاتي السياسية بفقرة أخيرة أكررها كل مرة , في منحىً تذكيري للقراء و لنفسي بطبيعة السودان و مكوناته و أن في العودة إليها و المتمثلة في السودانوية يكمن حل كل قضايا السودان , و هأنذا أحس أن هنالك صدى لكتاباتي و هذا مبتغى كل كاتب أن يجد صدى لكتاباته .
كان الإستهلال الذي ورد تحت عنوان الهوية في وثيقة الحوار الوطني كالآتي : ( إننا سودانيون , و هويتنا إكتسبت بُعدها من الثقافات و الأعراق المشتركة في تكوينه , و إمتزاجها أعطى هذا الكيان المتفرد من أهل السودان رسمه و سمته , و هو بُعد ذو خصوصية لموقعنا الجغرافي حيث أدت لتلاقح بين الثقافات أطّر ثقافتنا السودانية بمكوناتها و أجزائها المتنوعة , منحدرين عبر تاريخ طويل تعاقبت فيه الحضارات المبدعة فشكّلت ذاكرته و تراثه و غذّته الأديان السماوية المتعاقبة بالقيم الفاضلة التي يعمر بها وجدان أهله , و في هذا الإطار تصبح المواطنة ولاءً وجدانياً و إنتماءً شاملاً للوطن الذي يعكس و يجسّد مكوّناته الحضارية و القيمية و الثقافية و تقاليده و أعرافه المرعية و تقوم عليها قاعدة المساواة ( الإثنية و القبلية و الجهوية و الطائفية و المذهبية ) و الإرتقاء بمفهوم الإنتماء الوطني الأرحب المستصحب لكل الأبعاد السياسية و الثقافية و الإجتماعية و تحقيق معنى الإنتماء للوطن و الولاء له و عدم المساس بحرماته أو الإساءة إليه و العمل على إبراز الصورة المشرفة له في الداخل و الخارج ) . كانت توصيات لجنة الهوية كالآتي : 1- تضمين تعريف الهوية في الدستور بأنها المجموع المتكامل للتعدد و التنوع الديني و الثقافي و اللغوي و العرقي لشعب السودان . 2- إنشاء مفوضية قومية مستقلة للهوية . 3- إنشاء مفوضية قومية للإعلام تؤكد على نشر كل الثقافات السودانية المتنوعة . 4- الإعتراف الكامل بكل المكونات الأساسية للهوية و التعبير المتوازي عنها في الخطاب السياسي و الثقافي للدولة . 5- تضمين تاريخ المجموعات السكانية السودانية قديما و حديثا في مناهج التعليم لإثراء التنوع و تعزيز الهوية .
توصيات لجنة الهوية في الحوار الوطني كانت في صالح الوطن و لكنها حتما كانت سوف تكون أكثر مصداقية لو أن أحزاب المعارضة كانت مشاركة في الحوار الوطني بعد تلبية الحكومة لمطلوبات مشاركتها و هي الآن لا يهمها مخرجات هذا الحوار الذي من الإستحالة أن نطلق عليه وطني , و تظل الفجيعة الكبرى للمشاركين فيه أن معظم توصياتهم لم تتم إجازتها , و منها توصية لجنة الهوية هذه , و بعضها الآخر قد تم تحريفه !
أخيرا أكرر و أقول : إن الحل لكل مشاكل السودان السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية يكون في العودة إلى مكون السودان القديم وهو التعايش السلمي بين العروبة و الأفريقانية و التمازج بينهما في سبيل تنمية الموارد و العيش سويا دون إكراه أو تعالٍ أو عنصرية . قبل ألف عام كانت في السودان ثلاث ممالك أفريقية في قمة التحضر , و طيلة ألف عام توافد المهاجرون العرب إلى الأراضي السودانية ناشرين رسالتهم الإسلامية و متمسكين بأنبل القيم , فكان الإحترام المتبادل هو ديدن التعامل بين العنصرين العربي و الأفريقاني مما أدى لتمازجهم و كان نتاجه نحن , و أضحت هويتنا هي السودانوية . إن العودة إلى المكون السوداني العربي الأفريقي اللاعنصري تتطلب تغييرا جذريا في المفاهيم و في الرؤى المستحدثة و في الوجوه الكالحة التي ملها الناس!

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. إن التعريف الذي توصلت اليه هو الطبخة التي نضجت ولغاية هنا انتهينا والمطلوب ليس عودة للوراء لتأكيد مكونات هذه الطبخة والاعتداد بعناصرها مجددا لافي مفوضية هوية ولا نصوص في دستور – فالدستور يجب أن يتعامل مع الواقع الماثل وهو مزيج هذه الطبخة التي أصبح الكل سوداني كامل الدسم بغض النظر عن أصوله تلك الاصول التي ساهمت مجتمعة في انتاج الفرد السوداني الحالي ويجب أن يتعامل الدستور وكافة القوانين مع هذا الفرد كفرد سوداني مكون للشعب السوداني ويجب أن تتمركز كل الحقوق والواجبات نحو هذا الوطن حول هذا الفرد غض النظر عن لونه ودينه وجندره وعلى هذا ينص في الدستور فقط على المساواة وكفالة الحقوق الانسانية والمكتسبة وفق القانون ولا تمييز إلا من حيث المؤهلات والأولويات التي يتطلبها القانون والوضع بما لا ينتج عنه أي تمييز في الأمور التي يتساوى فيها الأفراد بموجب الدستور – انتهت مسألة الهوية ورفعت الأقلام وجفت الصحف ! وعليه فإن كل عمل سياسي حزبي أو فردي يجب أن ينحصر في مجال تحقيق المصلحة العامة لعموم أفراد المجتمع من برامج وخطط تنمية لموارد البلاد واستغلالها لهذا الغرض ويحظر الدستور أي نشاط حزبي لغير هذا الهدف فلا أحزاب دينية ولاقبلية ولا جهوية على ألا يمنع ذلك الأفراد من ممارسة قناعاتهم الدينية في مجموعاتهم أو خاصة أنفسهم حتى ولو تكتلوا لذلك داخل مؤسسات الدولة لتمرير قناعاتهم على أن تتعامل معهم تلك المؤسسات بصورة فردية

  2. كلام خارم بارم
    السودانيين مشكلتهم الكيزان الطلعو زي الجرذان من شقوق الارض بعد ما رش لهم شيطانهم الكبير (الفطيسة الترابية النتنة) السكر عشان يطلعو وهجمو على كل شي جميل في السودان, القصة ما قصة قبيلة واهام زي ما يتتخيلو انتو, العنصرية طلعت من ناس علي الحاج انفسهم.

  3. إن التعريف الذي توصلت اليه هو الطبخة التي نضجت ولغاية هنا انتهينا والمطلوب ليس عودة للوراء لتأكيد مكونات هذه الطبخة والاعتداد بعناصرها مجددا لافي مفوضية هوية ولا نصوص في دستور – فالدستور يجب أن يتعامل مع الواقع الماثل وهو مزيج هذه الطبخة التي أصبح الكل سوداني كامل الدسم بغض النظر عن أصوله تلك الاصول التي ساهمت مجتمعة في انتاج الفرد السوداني الحالي ويجب أن يتعامل الدستور وكافة القوانين مع هذا الفرد كفرد سوداني مكون للشعب السوداني ويجب أن تتمركز كل الحقوق والواجبات نحو هذا الوطن حول هذا الفرد غض النظر عن لونه ودينه وجندره وعلى هذا ينص في الدستور فقط على المساواة وكفالة الحقوق الانسانية والمكتسبة وفق القانون ولا تمييز إلا من حيث المؤهلات والأولويات التي يتطلبها القانون والوضع بما لا ينتج عنه أي تمييز في الأمور التي يتساوى فيها الأفراد بموجب الدستور – انتهت مسألة الهوية ورفعت الأقلام وجفت الصحف ! وعليه فإن كل عمل سياسي حزبي أو فردي يجب أن ينحصر في مجال تحقيق المصلحة العامة لعموم أفراد المجتمع من برامج وخطط تنمية لموارد البلاد واستغلالها لهذا الغرض ويحظر الدستور أي نشاط حزبي لغير هذا الهدف فلا أحزاب دينية ولاقبلية ولا جهوية على ألا يمنع ذلك الأفراد من ممارسة قناعاتهم الدينية في مجموعاتهم أو خاصة أنفسهم حتى ولو تكتلوا لذلك داخل مؤسسات الدولة لتمرير قناعاتهم على أن تتعامل معهم تلك المؤسسات بصورة فردية

  4. كلام خارم بارم
    السودانيين مشكلتهم الكيزان الطلعو زي الجرذان من شقوق الارض بعد ما رش لهم شيطانهم الكبير (الفطيسة الترابية النتنة) السكر عشان يطلعو وهجمو على كل شي جميل في السودان, القصة ما قصة قبيلة واهام زي ما يتتخيلو انتو, العنصرية طلعت من ناس علي الحاج انفسهم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..