قانون الصحافة الجديد.. الحُرية على المحك!!

سلمى التيجاني: قضايا الفساد الكُبرى بدأ الطَّرق عليها في مواقع إلكترونية واتّجهت الحكومة نحو التشريع لخنق وسائل النشر الإلكتروني
????????????
عبدالحميد عوض: السمة العقابية في القانون يُراد بها تخويف الصحفيين ومُطاردتهم في أرزاقهم
??????????
محمد وداعة: القانون الجديد أسوأ من قانون النظام العام
????????????
علاء الدين محمود: الخيار الأول للصحفيين هو رَفض أيِّ قانون للصحافة والاكتفاء بميثاق الشرف الصحفي إذ أنّ الصحفي ظَلّ يُعاقب بعدد من القوانين وكذلك الصحف
???????????
هنادي الصديق: هذا القانون يتجسّد في أساليب الأنظمة الديكتاتورية والقَمعية التي تخشى من الصحافة الحُرة وتعمل على تكميم الأفواه والصحف لحماية نفسها ومصالحها
شَبّه صَحفيون وإعلاميون، قانون الصحافة الجديد بحصان طروادة، تلك القِصّة الشّهيرة في الأُسطورة الإغريقية التي تتجسّد فيها الخبث والمُكر والحيل، وذهب البعض منهم إلى أن القانون الجديد أسوأ من قانون النظام العام، ويعتبرون أنّ المواد المُتضمِّنة في القانون الجديد هي آخر مُسمار في نَعش الصّحافة السُّودانية، ومن أسوأ قوانين الصحافة التي مرّت على البلاد.
ومن أبرز التّعديلات التي تضمنها القانون، إضَافَة عقوبات ?إيقاف الصحفي من الكتابة للمدة التي يراها مناسبة?، ?الإنذار بتعليق صدور الصحيفة? و?سحب الترخيص مؤقتاً لمدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر?. ومنح القانون المَجلس سُلطة الترخيص لمُزاولة النشر الصحفي الإلكتروني رَغم وُجُود قانون المَعلوماتية، فيما وصلت العُقُوبات في موادٍ أخرى إلى ?إلغاء ترخيص الصحيفة?، وسحب القانون الجديد سلطات منح السجل من اتحاد الصحفيين ووضعها بين يدي ?لجنة السجل? والتي تتشكّل من المجلس والاتحاد.
تقرير: محمد إبراهيم
المجلس يستعرض!!
استعرض المجلس القومي للصحافة والمطبوعات أمس الأول الخميس برئاسة رئيسه فضل الله مُحمّد بالتفصيل، التعديلات المُقترحة في قَانون الصحافة للعام 2009م، بينما كَشَفَ مَصْدرٌ عن وُجُود نُسخة أخرى مُعدّلة من قانون الصحافة للعام 2009م، زيدت عليها التعديلات الأخيرة التي حَاول وزير الإعلام تمريرها عبر مجلس الوزراء، لكنها أُرجأت لمزيدٍ من التشاور.
وأشار مَصدرٌ مطّلعٌ لـ(التيار) إلى أنَّ التعديلات الأخيرة اكتنفها الغُمُوض من حَيث الجهات التي تقف وراء التعديلات ودوافعها الخفية، لافتاً إلى موقف وزير الصناعة د. كرامة الذي رفض المُساهمة في تمرير تعديلات القانون بدون توزيع نسخةٍ من القانون نفسه، وأبدى مجلس الصحافة في اجتماعه يوم الخميس، بعض المُلاحظات حسب تعميم صحفي صادر عنه أمس الأول (الخميس) حول هذه التعديلات، مُؤكِّداً ضرورة الحفاظ على هامش الحُرية المُتاح للصحافة حالياً.
وقال الأمين العام للمجلس عبد العظيم عوض، إنَّ المجلس وجّه بمزيدٍ من الحوار حول التعديلات المُقترحة قبل رفعها للجهات المعنية لإجازتها، وأقرَّ في هذا الصدد بقيام ورشة (الأربعاء) القادم بمباني المجلس.
هتلر الصحافة السودانية!!
الصحفية سلمى التيجاني في مقال لها بـ (فيسبوك) بعنوان: ?هتلر حاضراً في قانون الصحافة الجديد?، اعتبرت أنّ مواقع النشر الإلكتروني شكّلت رأس الرمح في كشف الفساد داخل الحكومة وتمّ تسليط الضوء على بؤر الصراع داخل مجموعات النظام وتقاطع مصالحها ومعاركها، ونوّهت إلى أن أغلب قضايا الفساد الكُبرى بدأ الطَّرق عليها في مواقع إلكترونية بعيدة عن مُتناول يد الحكومة، لذلك وجدت نفسها عارية أمام وسائل الإعلام الجديد، ولأنها لا تثق في مُؤسّساتها للسيطرة على التسرب المعلوماتي، اتّجهت نحو التشريع لخنق وسائل النشر الإلكتروني.
وقالت التجاني إنّ مسودة القانون الجديد تعيدنا للقرن السادس عشر أيام نظرية السلطة الإعلامية، حيث يرى الحاكم أن لديه حق التَّحكُّم فيما يُنشر للشعب، والآن قيَّد القانون حُرية الصَّحافة بعبَارات فَضفاضة كحماية الأمن القومي والنظام العام والسَّلامة والصحة العَامّة، وقيَّد الحُصُول على المَعلومات بالمصلحة العَامّة والأخلاق العامّة، أي أطلق يد القانون لمُعاقبة الصحافة ?ورقية وإلكترونية? من أيِّ مَدخلٍ أراد، فكل خبر أو تحقيق أو مقال يُمكن أن يُعتبر مُخالفاً لهذه التعميمات، فما أشبه ليلتنا ببارحة هتلر.
الأسْــوأ على الإطلاق!!
المُحرِّر العام بالزميلة (السوداني) عبد الحميد عوض قَطَعَ بأنّ القَانون الجَديد هُو الأسْــوأ على الإطلاق، وفسّر السمة العقابية في القانون التي يُراد بها تخويف الصحفيين ومطاردتهم في أرزاقهم، وتابع عبد الحميد: مَشروع القانون الجديد يُؤكِّد أنّ الصحافة في كل عام ترذل بما هو أسوأ لأنّ هذا المشروع ? الذي سعت له السُّلطة دون مُشاورة الوسط الصحفي ? يمس عصب مبدأ حُرية التعبير وحق الحُصُول على المَعلومة ويتعامل مع الصحافة كجريمة، فبدلاً من ان يكون القانون داعماً للحرية الصحفية وملزماً لأجهزة الدولة بحصولها على المعلومات، جاء مُخيِّباً للآمال في تشديد العقوبات التي تصل حد منع الصحفي من الكتابة وهو أمر نادرٌ في العالم، وأبدى عوض دهشته من رفض اتحاد الصحفيين الموالي للحكومة لهذا القانون، واعتبر في حديثه مع (التيار) أمس أنّ هذا الرفض يَستحق عليه الاتحاد الإشادة مهما كان اختلاف الناس مع الاتحاد في جوانب أخرى، وقال: فضل الله محمد بكل تاريخه هو رئيس اللجنة التي وضعت هذا القانون، وطالب، فضل الله محمد بتحمُّل مسؤوليته التاريخية.
فشل حوار الوثبة!!
الصحفي محمد الفكي سليمان قال لـ (التيار) أمس إنّ القانون الجديد يأتي تتويجاً للحوار الذي استمر زهاء الثلاث سنوات ولم يفضِ إلى أي تغييرات حقيقية في المشهد السياسي بالبلاد وتمهد لانتخابات حُرة في2020، ويُشير الفكي إلى أن النظام يحتاج لهذا القانون بشدة في هذا الوقت، لأنه يُمهِّد لمرحلة حكم جديدة تتخلّق وفيها يتم تحييد حزب الحكم، فالرئيس يُريد التجديد لدورة قادمة وهو يتحسّب أن تأتيه المُعارضة من جهاتٍ مُختلفةٍ بما فيها حزبه، وستلعب الصحافة دوراً مُقدّراً مثلما فعلت في الأزمنة الصعبة.
ويمضي الفكي قائلاً: ?خلقت لها هذه القوانين التي تصل للإغلاق بدون مسوغات وبالتالي للاخراج من السوق في ظل أوضاع اقتصادية هشّة ومصاعب لا محدودة تواجه صناعة الصحافة، فإذا أضفنا لنص القانون المصاعب السابقة مثل السيطرة على الإعلان والابتعاث وتنسيب الموالين في وظائف حكومية وتعيين رؤساء التحرير بالإيحاء حيناً وبفرضه أحياناً كثيرة، فإنّ الحكومة تُمهِّد بذلك للعودة إلى عصر صحافة السودان الحديث والإنقاذ الوطني.
لا قانون للصحفي سوى ميثاق الشرف!!
رفض الصحفي علاء الدين محمود وجود أيِّ قانون يَحد من حرية الصحافة ويضع العراقيل أمامه واكتفى بميثاق الشرف الصحفي، وقال: ?ظللت أدعو ضمن آخرين في شَبكة الصحفيين إلى أن يَكون الخيار الأول للصحفيين هو رَفض أيِّ قانون للصّحافة والاكتفاء بميثاق الشّرف الصحفي، إذ أنّ الصحفي ظَلّ يُعاقب بعددٍ من القوانين وكذلك الصحف?، وزاد علاء الدين: ?حتى قانون 2009 الذي وافقت عليه المعارضة كان يجول فيه شبح الرقابة مُرتاحاً في كل بنوده ومواده بعبارات فضفاضة وخادعة يكمن فيها شبح الرقيب مثل: الأمن القومي والأخلاق العامة وغيرها من عبارات صُمِّمت لتقييد حريات الصحافة والتعبير?.
ويَضيف لـ (التّيّار) أمس: ?شبح الرقابة الآن يجول كذلك مُرتاحاً في مشروع القانون الجَديد الذي نَشرته (التّيّار) من خلال هذه التّعميمات والعبارات الفَضفاضة ويحتوي كذلك على عُقُوبات إضافية أخطر تصل لحد إيقاف الصحفي عن الكتابة?.
خنق حُرية التعبير!!
الصحفية أمل هباني ابتدرت حَديثها بالإشارة إلى الذي يجرى لا يرتقي إلى مسودة تعديل قانون، مُعلِّلة ذلك إلى أن المسودة يجب أن تحوي القانون بعد التعديلات التي تُجرى عليه ويصبح قانوناً جديداً.
وتقول هباني: لو صحت هذه التعديلات فالسلطة تسعى لسد منافذ حُرية الهواء بعد أن وضعت يدها على الصحف، فمُحاولة تقييد الصحافة الإسفيرية تبدو كَمَن يُحاول حجب ضوء الشّمس بيده، فالصحافة على الهواء عابرة للمكان وليست مُقيمة فيه حتى تحتاج لإذنٍ وتقييدٍ من سُلطات همّها الأول هو خَنق حُرية التّعبير، وتُعتبر الكاتبة الصحفية أنّ الذي يجري الآن لمزيدٍ من القمع لحق المُجتمع في حُرية التّعبير بإيراد كلمات وجُمَل فضفاضة مثل النظام العام، وتَتَساءل أمل: ما هي مَقاييس هذا النّظام العَام؟ التي تَجعله خطاً أحمر لحرية التعبير فمَا تَراه أنت يتجاوز الذوق العام لا أراه أنا كذلك وهذا هو الحق في الخلاف والاختلاف الذي يَقوم عليه مَبدأ الحُريات والحُقُوق.
أسوأ من قانون النظام العام!!
اعتبر الكاتب بصحيفة ?الجريدة? مُحمّد وداعة أنّ القانون الجديد لهو أسوأ من قانون النظام العام وتَجاوزه من ناحية السُّوء من حيث احتوائه لكلمات وعبارات فضفاضة مثل الأخلاق العامة وغيرها من العبارات التي لا تشبه روح القانون، وعدّ أنّ هذا القانون غير دستوري لتعارضه الصريح مع الدستور الذي يقر بأهمية الصحافة كسلطة رابعة وجهة رقابية فعالة للسلطة، وان القانون الجديد أتى كي يقتل الصحافة تماماً، ولفت إلى أن الصحافة في ظل هذا القانون لا يوجد لديها أيِّ دور ومستقبل ويُعد القانون بمثابة التشييع للسلطة الرابعة وحرية الرأي والصحف إلى مثواه الأخير، وزاد: القيود الموجودة في القانون الجديد مُتعسِّفة جداً وسوف تقيد الهامش القليل المتوفر في القانون القديم، وأشار وداعة إلى أنّ القانون به عُقُوبات مُغلظة تستهدف الصحفي والصحيفة، وامتعض من وجود جهات تمثل الصحافة والصحفيين ليست لها علاقة بالمهنة وتكون في المجلس، واعتبر أن هذه الجهات قد زادت الأمر سوءاً، ودعا الصحفيين ممثلين في اتحاد الصحفيين كجهة رسمية والناشرين الامتناع عن الدخول في المجلس، واعتبر أن مُشاركة الصحفيين والناشرين في هذا المجلس أمرا مرفوضا، وعدّه ردا قويا ضد هذا القانون والمجلس المشبوه، وقال: يجب أن تنفذ الحكومة وفي حال مشاركة الصحفيين والناشرين في المجلس سوف يعطيه شرعية.
وطالب وداعة الذي استفسرته (التيار) أمس، الصحفيين لمناهضة القانون بالوسائل كافّة، وقال إنّ القانون في خلط ودمج لموضوع النشر الإلكتروني، وتابع: ?لدينا تجارب في هذا الجانب عندما ننشر موضوعاً في الجريدة الورقية يقوم المجلس بفتح بلاغٍ ضد الجريدة، وإذا تَمّ نشره في جريدة إلكترونية يتم فتح بلاغٍ عن طريق جرائم المعلوماتية?.
أساليب الأنظمة القمعية!!
رئيس تحرير صحيفة ?أخبار الوطن? هنادي الصديق قالت لـ (التيار)، إنّ هذا القانون يتجسّد في أساليب الأنظمة الديكتاتورية والقمعية التي تخشى من الصحافة الحُرة، وتعمل على تكميم الأفواه والصحف لحماية نفسها ومَصالحها، وتُؤكِّد هنادي أنّ عقلية النظام في التبرير لمثل هذا القانون هو الزعم الأجوف ?مصلحة البلد?، وتشير إلى أن التبرير يعمل على حماية مصالح أفراد ويضر بالبلاد، وتتابع: الصحافة هي التي تكتب وتُراقب، وهي العين الساهرة لحماية حُقُوق المُواطنين، وعندما تكشف الخلل في أجهزة الدولة، إذا كانت حكومة رشيدة تعمل على دعم الإعلام وتقوية مكانته وليس العكس، وتقول هنادي إن القانون الجديد أتى بشكلٍ خبيثٍ جداً وقمعي بصورة كبيرة جداً، وأشارت إلى أن الخبث يكمن في العمل على تجفيف الأقلام ولم تشهده الصحافة قبلاً وان هذا ضد الدين وضد العرف وقواعد وأسس العمل الديمقراطي، وحذّرت من تشريد الأُسر جَرّاء هذا القانون، وطالبت المُجتمع بشكلٍ عامٍ والصحفيين والناشطين بشكلٍ خاصٍ لمُناهضة هذا القانون بكل الوسائل والسُّبُل المُتاحة، واعتبرت أن الخطر الداهم ليس على الصحافة فحسب، بل على كُل المُجتمع وسوف يفرز مُجتمعا مقيدا قائما على الكبت والخوف لا يعرف عمّا يدور في بلده، وتخوّفت من تعامل القانون بشكلٍ انتقائي حتى تبرر الإنقاذ قمعها للصحافة عبر هذا القانون.