الوزير القطري.. هل أتى بالمليارات أم مطالباً بسداد المليارات القديمة..

مصطفى عمر

مطلع سبتمبر من العام 2013 و قبل أيًام من تنفيذ الخطًة (ب) و الإجراءات التي انتجت المجزرة و رفع أسعار السلع الأساسيًة أفصح وزير مالية النظام عن خطتهم للإصلاح ..ما أسموه بأربعة محاور أساسية : محور معالجة عجز الميزانية، مُعالجة عجز الميزان التجاري ، الدعم الاجتماعي ، و محور زيادة الإنتاج بهدف تقليل الواردات وزيادة الصادرات…، الآن و بعد مرور أكثر من أربع سنوات النتيجة سالب كبير …، رغم الودائع و القروض التي ظلوا يستلمونها من قطر و الصين منذ ذلك الوقت و يزعمون أنًها ذهبت لإنفاذ المحاور المفتري عليها تزايد عجز الميزانيًة باضطراد… تعمًق عجز الميزان التجاري ليتجاوز 5 مليار دولار ، تناقصت الانتاجيًة و ارتفعت وتيرة انهيار الجنيه، كان سعر الدولار في السوق الأسود 7 ألف و اليوم كسر حاجز 25 ألف…، تبخًرت الخطًة (أ) و بقيت الخطًة (ب) تسعى..

في ذات الزمان والمكان كشف محمد خير محافظ بنك السودان عن بعض مصادر تمويلهم لإنفاذ محاورهم الأربعة … قال أنًهم استلموا ملياري دولار من دولة قطر كوديعة بالبنك المركزي، يتم سدادها خلال 4 سنوات، بجانب استقطاب 400 مليون دولار من ليبيا، 400 مليون من الصين.. أرادوها رباعيًة في كل شيء على نسق قصيدة الشيخ البرعي (لا أريد الخروج عن الإطار الذي حدًدته لهذا المقال ، سنأتي لاحقاً لقرض صيني نهاية العام 2012م بمبلغ 1.5 مليار دولار وآخر اماراتي بمبلغ 400 مليون دولار لنفس الهدف) هذا وذاك…كله حدث خلال العام 2013م.

مطلع ابريل من العام 2014م جاء أمير قطر في زيارة قصيرة للخرطوم في طريقه للجزائر وأعلن عن وديعة فوريًة بقيمة مليار دولار، أمًا الوديعة الثالثة تم الكشف عنها جزئيًاً بتاريخ 8 أغسطس 2014 عندما أوردت الراية القطريًة نقلاً عن وزير ماليًتنا قوله أنً السودان استلم الدفعة الأولى من الوديعة القطريًة بمقدار 1.5 مليار دولار، … الوديعة كاملة لم تحدد قيمتها في الخبر الذي ذكر أنً المبلغ المذكور يمثل الجزء الأكبر منها…، لا تنتهي الغرابة هنا… لا يوجد أي مصدر سوداني أو قطري أو حتًى رويترز ليخبرنا بمقدار الوديعة الكلي أو شروطها مثل الأجل والفائدة السنويًة…
ممًا ورد أعلاه يمكننا معرفة مبالغ الودائع القطريًة خلال الفترة من سبتمبر 2013 وحتًى أغسطس 2014 ?أي في أقل من عام ?حيث بلغت ما تمً كشفها أو الإفصاح عنها 4.5 مليار دولار. بالطبع توجد ودائع قطريًة وتسهيلات ائتمانيًة أخرى خلال نفس الفترة غير معروفة وأخرى معلومة في سنوات مختلفة لا يشملها هذا المقال.

واحدة من الودائع علمنا أحد شروطها بزلًة لسان محمًد خير حين قال أنً أجلها 4 سنوات، أودت به فغادر موقعه بعد أقل من ثلاثة أشهر، ما يهمنا أكثر أنً أجل الوديعة قد حلً قبل شهرين من الآن أي في سبتمبر 2017م.وقطر اليوم ليست كما كانت وقتها..، بسبب الوضع المزرى الذي تعيشه تحت العقوبات.. فهل يا ترى وزير ماليًتها جاء ليبشِر لصوصنا بوديعة جديدة أم حاملاً النُذر ومطالباً لحكومتنا رسميًاً باسترداد الودائع التي حلً أجلها؟ قد يكون حاملاً وديعة أو قرض لا شيء مستبعد..، لكن الرًاجح أنًه أتى مُناكفاً فانطبق عليه المثل الشعبي “المتحزٍم البقع علي العريان”:

خلال عهد محمد مرسي سبق وأن أودعت قطر على دفعات 6.5 مليار دولار في بنك مصر المركزي، وبعد انقلاب السيسي على الاخوان طلبت قطر رسمياً من الحكومة المصرية استرداد كل ودائعها، وضغطت بإلحاح وغلظة شديدين حتى استردتها جميعاً بنهاية العام 2015م، الفارق هو أنً قطر في ذلك الوقت لم تكن بحاجة لأموال مثلما هي الآن، وما فعلته مجرًد انتقام من الحكومة المصريًة بسبب ممارساتها ضدً الاخوان حلفاء قطر…، أمًا اخوان السودان اليوم موقفهم أقرب للضد من الحليف..

المؤكًد أنً قطر اليوم في موقف لا تحسد عليه اقتصادها يتهاوى و موجودات بنكها المركزي تنخفض بمعدلات كبيرة و تبيع أصولها الخارجيًة لتمويل الداخل و تصنيفها الائتماني انحدر إلى AA- بنظرة مستقبليًة سلبيًة، و العديد من المؤشرات تؤكد أنًها بحاجة ماسًة لكل دولار لها طرف بلد آخر حتى تتفادى الانهيار ، فما الذي يمنعها مطالبة حكومتنا رسميًاً باسترجاع ودائعها تماماً كما سبق و أن فعلتها مع مصر…، و إذا كانت قطر تبيع استثماراتها المربحة بالخارج لتوفر لها السيولة اللازمة لتسيير اقتصادها بالداخل، ما الذي يمنعها مطالبة ما هو ملكها بالخارج من ودائع قليلة العائد و عالية المخاطر؟ لا يوجد سبب…
في مقابلة أجرتها معه صحيفة فايننشال تايمز في 18 أكتوبر الماضي قال وزير مالية قطر أن حكومته باعت حصتها في بنك “كريدي سويس” وشركة “روزنفت” الروسية للطاقة و”تيفاني آند كو” الأميركية، وأنًها سحبت 20 مليار دولار من استثماراتها في الخارج لمنع بنوكها من الانهيار بعد خروج رؤوس أموال أجنبية تتجاوز قيمتها الـ 30 مليار دولار، وسبق وأن أوردت وكالة مودير في شهر سبتمبر الماضي أنً قطر ضخت 38.5 مليار دولار في اقتصادها..

أعلن إعلام النظام عن زيارة الوزير القطري على لسان الركابي يوم الاثنين 30 أكتوبر و قال أنًها ستكون الأربعاء المقبل، أي 1 نوفمبر، ثم أعلن ثانياً أنًها ستكون الأربعاء الذي يليه أي 8 نوفمبر، و أخيراً أعلنوا أنًها ستكون الأحد 12 نوفمبر، و في كل مرًة لا يبررون سبب التأجيل، أخيراً أتى الوزير القطري و لم يستقبله نظيره في المطار بل استقبله وزير الاستثمار، في السابق كان عندما يأتي وزير قطري يستقبله الرئيس أو نائبه…، إن تساءلنا لماذا تأجيل الزيارة أكثر من مرًة و لماذا لا يستقبل الزائر من يليق بمقامه في المطار لن نحتاج الكثير لنكتشف أنً الزائر غير مرغوب فيه هذه المرًة و أنً الزيارة تمًت بناءاً على طلب قطر و حاولت حكومتنا ما وسعها إفشالها بدليل أنًها ( الزيارة ) تأجًلت أكثر من مرًة أي يوجد شد و جذب ، الأهم ، لا يوجد سبب واحد لتواجد وزير مالية قطر في الخرطوم في هذا الوقت غير المطالبة باسترجاع الودائع التي ذهبت في خبر كان، في هذه الحالة سيطالب بإفراغ أراضٍ مقابلها وفي مناطق تختارها حكومته سواء كانت مرهونة بالفعل أم جديدة..، من هنا يمكن إجابة السؤال لماذا استقبله وزير الاستثمار وهو من المؤلفة قلوبهم و ليس واحداً من أهل البيت الاخواني؟ … هنالك تحليلات تفيد بأنً نظامنا استنجد بأمير قطر ليفك عنه ضائقته، هذا مستبعد وإلاً كيف يترك أسد افريقيا صيداً ثميناً بالداخل ويهرب صوب كمبالا المحفوفة بمخاطر الجنائيًة للدًرجة التي قد لا يعود منها إن لم يكن اليأس قد بلغ منه حدً الرغبة في الانتحار؟ …، في جميع الأحوال لا تستطيع قطر أن تفعل حتًى إن أرادت… فقطر اليوم لديها من المشاكل ما جعلها تبيع أصولها المربحة بالخارج ، ثمً أنًه لا توجد لديها مصلحة في فك ضائقة نظام لم يجلب لها غير السوء و التزم كليًاً دور المتفرٍج في مصيبتها مع أنًها دعمته بسخاء وقفت معه في أحلك الظروف ضدً شعبه و تعلم جيداً أنًه لا يستطيع أن يرد لها المعروف إلاً بالإساءة بدليل أنًه لم يتخذ أي موقف ضد وزير اعلامه الذي أساء لها كثيراً فهي سيد العارفين أنًه نظام هوانٍ يعيش في الذل و مواقفه دوماً معروضة للبيع لمن يدفع أكثر ..و بالطبع نالت مرادها منه بأن استولت من أراضي السودان أكبر من مساحتها و يمكنها أن تحصل على المزيد دون أن تدفع له دولاراً واحداً…

حتًى بعد لقاء الوزير القطري رئيس النظام لم يستطع الاعلام المأجور ممارسة عادته في بيع الأوهام، لم يتحدًث إلاً عن ” تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين وكيفية تطويرها في الفترة القادمة” و “أنً الجانبين توصلا خلال جلسة المباحثات المشتركة إلى عدة تفاهمات ومشاريع مشتركة في عدد من المجالات سترى النور قريباً…، وحديث مبهم لم يتطرًق لماهيًة تلك المشاريع والأهم لم تفتح سيرة أيٍ وديعة أو قرض جديد في الوقت الذي هبط الجنيه السوداني لأدنى مستوياته وتفاقمت ضائقة النظام أكثر من أي وقت مضى…

الوزير القطري ذهب مباشرةً للهدف الذي أتى من أجله، كان واضحاً عندما قال أنً اجتماعه مع البشير تناول توسيع المشاريع الاقتصادية القطرية بالسودان ومتابعتها..، تحدًث عن استحواذ وليس عطاء. توسيعها يعني إقامة مشاريع جديدة، كيف يقيمون مشاريع جديدة، لديهم ودائع حان أجلها ولم تسدًد إذاً وضحت الرسالة..، إما السداد أو إفراغ أراضي، ولسان حاله يقول إن لم نضمن نصيبنا من هذا البلد الهامل عاجلاً فلن تترك لنا الصين حتى الفتات..
بين البشير وقطر والصين الشعب السوداني لا يبالي بالضباع تتناوش وطنه وكأن ما يحدث في دولة أخرى …فهو مشغول في التساؤل عن خليفة البشير … أهو بكري أم إيلا. أم واحد من جيل حسن والطير..

[email][email protected][/email]