المنتجون يخسرون كثيراً بتدني الأسعار “مافيا” المحاصيل.. “فوبيا” تسيطر على مزارعي القضارف

مدير بنك: السماسرة سبب المضاربات ويضرون بالمنتج
القضارف: تحقيق: صديق رمضان.. عمار الضو
في هذا التوقيت من كل عام، فإن معظم المزارعين في القضارف وغيرها من ولايات الإنتاج تأتي فرحتهم منقوصة وابتسامتهم باهتة، فمهما أنتجت لهم الأرض من محاصيل، فإن الهواجس تظل تسيطر عليهم، وهذه الحالة النفسية المعقدة فسرها لنا مزارع بالقضارف، أكد أنه أيضاً مصاب بها، ويرجعها إلى أن المزارعين باتت تتملكهم نظرية وجود مافيا تتحكم في أسعار المحاصيل، وأن أفرادها على تنسيق كامل ويعمدون دائماً إلى خفض الأسعار باتفاق مسبق لإجبار المنتج على البيع لإدراكهم حاجته إلى المال. ما جهر به المزارع ربما كان صائباً، وقد يكون خاطئاً، ولكن في كل الأحوال فإن المزارعين وبقدر انتظارهم لفترة الحصاد على أحر من الجمر، فإنهم في ذات الوقت لا يتمنونها خوفاً من البيع مكرهين” بالخسارة”.
إنتاج وفير:
قبل أن نغوص في قضية كل عام ونتحرى حقيقة وجود مافيا للمحاصيل بالقضارف، لابد أولاً من زيارة أكبر أسواق المحاصيل بأفريقيا، وذلك لمعرفة حركة الوارد والصادر من المحاصيل التي شاهدنا ونحن هذه الأيام بالقضارف الشاحنات محملة بها في طريقها إلى سوق المحاصيل، وقد كشف مدير أسواق محاصيل بالقضارف أحمد المصطفى عن انطلاقة قوية وجادة لموسم التسويق في ظل ارتفاع نسبة الواردات والأسعار، مشيراً إلى أن متوسط الأسعار منذ انطلاقة الموسم في أواخر أكتوبر ظل في تصاعد ما بين 950 ? 1000 جنيه لقنطار السمسم، عكس الموسم السابق في ظل وجود أكثر من 45 شركة سوف تصل إلى 65 شركة لهذا الموسم، مبيناً أن نسبة الواردات تتراوح ما بين 30 ? 40 ألف جوال يومياً فيما تتراوح نسبة المباع من الوارد ما بين 20 ? 22 ألف جوال في ظل وجود واردات من ولايات النيل الأزرق وسنار وكسلا، وأبان المصطفى أن إدارته قد أكملت جاهزيتها لعمليات التسويق بوجود أكثر من 35 ميزان إلكتروني و12 نقطة خارجية للحد من عمليات تهريب المحاصيل والمخالفات المترتبة على ذلك، وكشف أن إدارته وضعت خطة محكمة للتجاوزات والتهريب في ظل وجود بعض المزارعين الذين وصفهم بالمستعجلين الذين يقومون ببيع المحاصيل عبر الوسطاء من أجل مبلغ معين للربح .
تحذير ومخاوف:
غير أن مدير أسواق القضارف أحمد المصطفى وبعد أن كشف عن حجم الوارد والصادر بأسعار المحاصيل اقترب بعض الشيء من قضيتنا مثار هذا التحقيق، فقد حذر من تكدس المحاصيل في ظل وجود الوسطاء وتأخر عمليات الصادر، وقال إن هذا الأمر دفع إدارته بإلزام التجار والوسطاء بعمليات البيع خلال 48 ساعة داخل البورصة، ومن ثم الخروج إلى التخزين بجانب التمسك بإجراءات الضريبة، واقترب أكثر حينما كشف عن فرضهم الرقابة على التجار الذين يسعون للتحكم في عمليتي البيع والشراء في ظل استمرار تصاعد الأسعار التي وصفها بالجيدة والمجزية للمزارع حسب تأكيده، مشيراً إلى أن معظم الواردات لمحصول السمسم قادمة من المناطق الغربية والجنوبية.
ضعف أسعار:
الأسعار التي أشار مدير سوق المحاصيل أنها جيدة لم ترض عدداً مقدراً من المنتجين الذين تحدثوا لـ(الصيحة) وعبروا عن رفضهم القاطع بيع إنتاجهم وفقاً لما هو متاح من أسعار خاصة المتعلقة بمحصول السمسم، قلنا لأحد المنتجين ولكن الكثير من المزارعين لن يجدوا أمامهم غير بيع محصولهم للإيفاء بديون تكلفة الإنتاج، فأقر بهذه الحقيقة، وقال إن هؤلاء من يقعون ضحايا لانخفاض الأسعار، وحينما سألناه عن أسباب الانخفاض هل متعمد أجاب قائلاً “في كثير أحيان يتحكم في السعر العرض والطلب، وفي أحيان أخرى فإن من يشترون المحاصيل يتسببون بعزوفهم من دخول البورصة في انخفاض الأسعار، وقال إن المنتجين المقتدرين لا يسارعون ببيع محاصيلهم وينتظرون ارتفاع الأسعار حتى تكون مجزية أو في أسوأ الفروض تغطي تكلفة الإنتاج .
ابتعاد وتأخير:
ما ذهب إليه المنتج الكبير الذي “فضل حجب اسمه ” يؤكده مدير أسواق محاصيل القضارف أحمد المصطفى الذي يعود للحديث ويكشف عن وجود بعض المزارعين الذين لم يعجبهم السعر الحالي مما دفعهم لتكملة الإجراءات ثم التخزين عقب إحضار شهادة من الزراعة الآلية وإجراء عمليات مقارنة للإنتاج، ومن ثم إحضار شهادة إعفاء من الضرائب، ولفت المصطفى إلى أن إمكانيات عمل البورصة عبر الموازين الرقمية والبيع تستوعب ـكثر من 60 ألف جوال، وطالب المصطفى بضرورة فتح الصادر لضمان التدفقات النقدية في ظل ارتفاع عمليات البيع التي تمتص السيولة داخل البورصة.
البنوك والشركات في الواجهة:
عدد من المنتجين بسوق المحاصيل بلقضارف أكدوا أن شركات الصادر والبنوك تعزف عن شراء المحاصيل حينما ترتفع الأسعار خاصة السمسم وحينما تنخفض فإنها تشتري أكبر كمية من السمسم لتصديره ولتحقيق أرباح مجزية، غير أن مدير بنك ينفي هذا الاتهام ويستشهد بتجربة بنك الاستثمار بالقضارف في العام الماضي، ويقول الرجل الذي فضل حجب اسمه، إن سعر قنطار السمسم في العام الماضي كان يبلغ 432 جنيهاً وعند دخول بنك الاستثمار للشراء ارتفعت الأسعار إلى 500 جنيه للقنطار، غير أن مدير شركة محاصيل يعترف بوجود مضاربات تضر بالمنتج، ويكشف عن وجود وسطاء وسماسرة يشترون من المزارعين المحاصيل ثم يبيعونها للشركات، وقال إن هؤلاء يتحملون مسؤولية عدم جني المزارع لأرباح كبيرة، مبينًا أن بعض السماسرة يتحكمون في البورصة برفع أو خفض الأسعار، ويعتقد أن فتح باب صادر السمسم قبل فترة كافية من بداية الحصاد يسهم في استقرار الأسعار ويعود بفائدة كبيرة على المنتجين والشركات.
شكوى:
فيما يتفق أصحاب شركات ومنتجين على أن الحكومة تتحمل جزءاً من مسؤولية عدم تحقيق الطرفين لأرباح، وهذا ما كشف عنه أحد المزارعين “فضل حجب اسمه” الذي شكا من ارتفاع عمليات الضرائب والجباية والرسوم المفروضة داخل البورصة التي بلغت 2 جنيه لدمغة الصادر في الجوال الواحد مقابل 1.5 جنيه للوزن و10% للزكاة و1.5 جنيه ضريبة أرباح أعمال فضلاً عن العتالة والترحيل مما دفع المزارعين للهروب من البورصة وبيع المحاصيل داخل الحقول والأسواق الفرعية.
دفوعات:
وضعنا الاتهامات الموجهة ناحية الشركات المتعلق بتعمدها خفض الأسعار منضدة أحد مديري الشركات الكبيرة بالقضارف العاملة في مجال المحاصيل، وهنا يشير معاوية أحمد سر الختم وكيل شركة محجوب أولاد لشراء المحاصيل والحبوب الزيتية عن ارتفاع عمليات الشراء من قبلهم ما بين 2000 ? 3000 جوال يومياً مما أدي إلى ارتفاع الأسعار، ولفت إلى وجود أعداد كبيرة من المزارعين يبيعون محاصيلهم خارج البورصة (على الواقف بالأردب) حيث بلغ سعر الأردب 4000 جنيه دون رسوم وضرائب، وهذا بدوره يؤثر علي عمليات الواردات والتسويق داخل البورصة، مبيناً أن المزارعين الذين يرتادون البورصة يمثلون نسبة 5% فقط في ظل تأخر إجراءات المخالصة من قبل الضرائب والزكاة.
عقود صادر:
إلى ذلك كشف رئيس اللجنة الزراعية بمجلس تشريعي ولاية القضارف وليد حسن علي عن تأخر دخول بعض الشركات لعدم حصولها على عقود صادر في البيع الخارجي في ظل تأخر فتح اعتمادات صادرات المحاصيل، ولفت إلى أن بعض المزارعين يبيعون محاصيلهم لتجار ووسطاء ووصفهم بأصدقاء المزارع في ظل استعجال المزارع لكسب الوقت والزمن لإكمال الحصاد، وحذر وليد من انهيار الأسعار في ظل عدم فتح الصادر وتأرجح أسعار الدولار، مبيناً أن السعر الحالي يغطي مع المزارع والتاجر.
غياب سياسات:
وضعنا ما تحصلنا عليه من إفادات منضدة وزير المالية الأسبق بالقضارف والخبير الاقتصادي،معتصم هارون، الذي أشار في بداية حديثه لـ(الصيحة) إلى أن السبب الجوهري لتدني أسعار المحاصيل وتأرجحها يعود إلى عدم وجود سياسات واضحة من الدولة، معتقداً أن علاقة الدولة بالمنتج ظلت تمثل مشكلة مزمنة بداعي غياب الاستراتيجيات المحددة، وقال إن المنتج تغيب عنه الرؤية واضحة المعالم عن السياسة التي تتعامل بها الحكومة مع الزراعة، فهو عند بداية الموسم لا يعرف كيف يتحصل على التمويل ومتى، وعند الحصاد تظل الأسعار وكل ما يتعلق بها مجهولاً بالنسبة إليه، وقال إن الحكومة أكدت هذا العام تشجيعها لزراعة زهرة الشمس، ولكن حينما حاول المزارع تنفيذ توجهها تفاجأ بارتفاع مدخلاتها من تقاوي وتقانة وأسمدة وآليات وغيرها، ويرى هارون أن الدولة ليست لديها قناعة بأن الزراعة هي قاطرة الاقتصاد، وإذا كان الأمر بخلاف ذلك ـ حسب معتصم ـ لوجهت إليها الموارد المالية خلال حقبة عائدات البترول قبل انفصال الجنوب .
تدخل غائب:
وحول أزمة تسويق المحاصيل التي ظلت تطل برأسها كل عام، يشير الخبير معتصم هارون إلى أن أسبابها المباشرة إلى الغياب التام للدولة التي قال إنها يجب أن تتدخل في العرض والطلب حتى لا يتضرر المنتج وليستفيد التاجر أيضاً، غير أن هارون يكشف عن وجود مجموعات ـ لم يسمها ـ بالحكومة تريد أن تظل الأوضاع كما هي، وقال إن الدولة كان عليها أن تتدخل منذ وقت مبكر وتعلن عن شرائها للحبوب الزيتية مباشرة أو عن طريق البنوك لأنها هي التي شجعت المزارعين عليها للاستفادة منها في الصادر والاستهلاك المحلي.
وحول وجود سماسرة ومافيا للمحاصيل، يقول هارون إن بعض المجموعات تظهر مع بداية الحصاد وتشتري من المزارعين بأسعار زهيدة وتحتكر المحاصيل خاصة السمسم الذي قال إن سعره أيضاً مرتبط بالأسعار العالمية، وقال إن الخسائر التي يتعرض لها المزارعون عند الإنتاج الوفير تعود بشكل مباشر الى احتكار عملية الشراء من قبل جهات وأفراد محددين، وأن المزارع ليس أمامه غير البيع بالأسعار المتاحة لمواجهة ديون تكلفة الإنتاج العالية، مؤكداً على أن الدولة تتحمل المسؤولية كاملة، وذلك لأنها تشكل غياباً تاماً عن العملية الزراعية في كل مراحلها وأهمها عند الحصاد والتسويق، ويرى حتمية ذهاب العقول التي تسببت في الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد واستبدالهم بآخرين يملكون حلولاً ورؤى لإخراج الاقتصاد من وضعه الراهن، مؤكداً على أن المزارع ظهره مكشوف ولا يجد من يقف بجانبه لجهة سيطرة أفراد محددين على التمويل الذي يذهب إليهم ويتجاوز الآخرين.
ويختم الخبير الاقتصادي معتصم هارون حديثه مؤكداً على أن المنتج ضحية لسياسات الدولة في المقام الأول لأنها جعلته عرضة للاستغلال من قبل السماسرة.
الصيحة.