أخبار السودان

في الهوى صرت يمانياً

حيدر إبراهيم علي

هذا مطلع أغنية رائعة للفنان والشاعر معتصم الإزيرق، كان يتغنى بها في ثمانينيات القرن الماضي قبل غزوة التتار للسودان في صيف ١٩٨٩، وكان يمجد فيها تلك العلاقة الفريدة بين الشعبين .. وحقيقةً لم تكن تلك العلاقة مجسدة في أغنية عذبة فقط بل كانت واقعاً يعيشه اليمنيون والسودانيون .. فقد كانا الأشد قرباً لبعضهما البعض، يشتركان في صفات التواضع والجدية وحب المعرفة والكرم ونكران الذات .. وكانت النخبة اليمنية التي حكمت بعد الاستقلال قد عرفت السودان من خلال بخت الرضا وحنتوب وجامعة الخرطوم، كما كان الشيخ القدال يجوب جبال اليمن ناشراً للتعليم. وحينها أرسل السودان المعلمين والقضاة والخبراء لدعم اليمن في مجالات التنمية وبناء الدولة الجديدة.
كان للسوداني مكانة عالية لدى اليمنيين ما حدا بالفنان الدكتور نزار غانم أن يفكر في جنسية ثنائية تجمع اليمنيين والسودانيين في صفة ومفهوم واحد هو: “السومانية” وهو مصطلح من مقطعيين: سوداني ويماني، فأخذ الجزء الأول من كل كلمة مكوناً تعبيره الجديد البديع المعبر عن مدى تلاحم الشعبين .. ولكن النظام السوداني الذي برع في تلويث كل ما هو سوداني أصيل ونبيل، أبى
إلا أن يسيء لهذه العلاقة ويرتكب خطيئة مزدوجة تتمثل في تلويث سمعة الجيش السوداني الناصعة وشرف العسكري ويحوله إلى مجموعات مرتزقة يساوم على سعر كل رأس، والخطئية الثانية أن يقتل السوداني شقيقه اليمني دون أن يكون بينهما ثأر أو خصومة .. القتل المجاني بلا سبب يمثل عقيدة قتالية غريبة ومنحرفة ومريضة يغرسها النظام من خلال هذه الحرب القذرة ثم ينقلها إلى السودان لقمع المعارضين خاصة في الأطراف.

التاريخ يشهد لعناصر الجيش السوداني أنهم حاربوا النازية في الصحراء الغربية وأوقفوا جيوش روميل واستبسلوا في “كُفرة” التي “نيرانا زي جهنم”، وفي الشرق وقف الجنود السودانيون ضد فاشية موسوليني وأوقفوا اختراق الإيطاليين للجبهة الشرقية .. ذلك الجيش صاحب القيم والتقاليد التي أدهشت العالم، يحاول النظام الآن تحويله إلى مجموعات من المرتزقة تحت الطلب .. ولا أدري كيف قبل جنودنا وضباطنا الشرفاء هذه الوضعية المهينة، وكيف ينظر إليهم أخوانهم اليمنيون في حالة القتل أو الأسر؟ وماذا تكتب عنهم الصحف اليمنية؟ وكيف تصفهم؟

هذه حرب عبثية ومذلة ليس للسودان فيها أية مصلحة. وكما هو معلوم، رفضت كل الدول المشاركة في “عاصفة الحزم” إرسال جنود مشاة لأرض المعركة، وكانت مصر واضحة وقاطعة في رفض المشاركة بجنود مشاة تجنباً للالتحام المباشر ، كما اكتفت قوات التحالف بالقصف الجوي فقط.
من الواضح أن النظام السوداني لا يعطي -كالعادة- أية قيمة لأرواح مواطنيه، وهذا موقف طبيعي لنظام قام بعملية تطهير عرقي ضد شعبه وقتل مئات الألوف وادعى رئيسه أن العدد لم يتجاوز العشرة ألف فقط!!

كانت السعودية تنوي القيام بحربٍ خاطفة (Blitz kreig) لا تستمر أكثر من أسابيع قليلة ولكن الحرب دخلت الآن عامها الثالث – وكأن السعودية لم تتعظ بتجربة عبدالناصر في الحرب الاهلية اليمنية في ستينيات القرن الماضي – وبسبب التطورات التي تعيشها السعودية والاحتجاجات الدولية تخطط السعودية لمعارك حاسمة وسريعة لهزيمة الحوثيين، وهذا يعني تصعيد المعارك خلال الأيام القليلة القادمة، وبالتأكيد سيقع العبء الأكبر علي القوات السودانية والتي لا تعلن عن خسائرها بشفافية .. الأيام القليلة القادمة ستشهد صراعاً أشد دموية خاصة بعد التدهور الصحي والمعيشي المريع والحصار الذي تفرضه السعودية على المعابر اليمنية المختلفة.

يقتضي هذا الوضع القادم مواقف سودانية جديدة خاصة وقد تعاملت القوى السياسية جميعها بلا مبالاة مخجلة مع قضية إرسال الجيش السوداني لليمن وإقحامه في اقتتال لا عقلاني .. ولكن حان الوقت لتصحيح هذه الخطيئة الشنيعة في حق جيشنا الوطني وعدم تحويله إلى مرتزقة ووقف المساهمة في زيادة معاناة الشعب اليمني وتجويعه .. لذلك تصبح الدعوة لسحب الجيش السوداني من اليمن فوراً ضرورة وأولوية ملحة، خاصة وأن الأطراف الأخرى في التحالف العربي تهمل مشاركة السودان ولا يأتي ذكره في أية مناسبة عندما تذكر الدول الاخرى، ولا تقدر دوره بسبب معرفتها لدوافع النظام السوداني.
فليكن من أول مهامنا العمل على الإنسحاب من القتال في اليمن الشقيق الذي ما زال أبناؤه يكنون المودة والتقدير للشعب السوداني.

وفي النهاية نحن مطالبون بسياسية خارجية عقلانية تراعي مصالحنا الحيوية وتحفظ الصورة الإيجابية للإنسان السوداني في الخارج والتي عُرف بها في الماضي.

للأسف، سيترك لنا هذا النظام بعد أن يزول ديوناً ثقيلة – ليس في الإقتصاد فقط – ولكن في سمعتنا وصورتنا وسوف يأخذ الأمر جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً حتى تتغير صورتنا.

“أخبار الوطن”

تعليق واحد

  1. شكرا دكتور حيدر وسؤالنا عن صحتك لعلك بكل خير …عايز اقول ..يسحبو الجيش بعد إيه ؟ الحصل خلاص حصل ..أشياء مع احبائتا اليمنيين لن تمحو آثارها الدهور ..برضو حقو نعرف الحكاية كلها كانت بكم ؟ وهل في الموضوع سمسرة أم كل راس جندي ياخد حقو؟ ولانزال في ثقة تامة في جيشنا الحارس مالنا ودمنا وجيشنا درع الوطن كله مهما عبث بقيمه العظيمة عابثون

  2. ما الفرق يا دكتور بين قتال جنودنا بالبر وقتال مصر والمغرب والاردن بطياريها من الجو ؟
    على الأقل جنودنا يقاتلون جنودا” من الطرف الآخر و لا يقتلون اطفالا” ولا نساءا” مثلما يفعل طيران الآخرين .
    هل يادكتور الأرتزاق يكون بالبر فقط ولايكون بالجو ؟
    ولكنى اتفق معك فى أننا لم يكن هنالك داعى لأشتراكنا فى هذه الحرب حتى لو كان المقابل ( طائرات سوخوى 35 )

  3. يادكتور حيدر تحياتي اليمنيون يعشقون اهل السودان كثيرا وبالطبع كان ارسال جنودنا لمقاتلتهم ضربا من الجهل بعمق علاقتنا مع الشعب اليمني الحبيب ولكن انسحاب جندنا من اليمن اليوم معناه دخول الحوثي الي مكة والمدينة في ليلة واحدة اذ لايستطيع السعوديين الدفاع عن اراضيهم ولهذا اعتقد الحل في مصالحة الاخوة في اليمن مع السعودية واذا عبدالهادي منصور يعشق كراسي الحكم خليهم يجيبوه يحكم السودان بمساعدة جنودنا في اليمن ويرتاح ونرتاح

  4. مقال رابع وشجاع
    للحقيقة يا دكتور نداء السودان في اكثر من بيان انتقد مشاركة السودان في حرب اليمن وكذلك حزبا الأمة والمؤتمر السودان .. ولكن ذلك يعتبر عملا خجولا
    المطلوب حركة ضغط شاملة لسحب جيشنا من اليمن

    متعك الله بالصحة58

  5. التحية والتقدير لك يا دكتور، كما ذكرت في مقالك، لم يترك هذا النظام للسودانيين، أي شيئ جميل إلا وقام بتدميره، لكن في رأيي اننا كشعب وخاصة القادة السياسيين المعارضين، والمثقفين، عليهم دور، وواجب، في مقاومة إجرام هذا النظام. وبالاخص في موضوع مشاركة الجيش السوداني وبعض المغرر بهم والبسطاء من الجنود، في هذه الحرب الظالمة على الابرياء من اليمنيين، علينا كسودانيين رفع اصواتنا عاليا ضد استمرار مشاركة السودان في هذا العار الذي قام به هذا النظام. سواء بجمع توقيعات او اصدار بيانات في مواقع التواصل الاجتماعي، وحشد حملات بين السودانين لادانة هذا العمل الذي اساء لكل السودانيين، وخاصة ان دول العدوان على اليمن تبحث حاليا عن أي مخرج من الورطة والكارثة التي ادخلت فيها نفسها، يجب ان نفعل شئ بدل السكوت، وشكر لك لإثارة الموضوع.

  6. كان بودي المشاركة في حملة التصعيد للمطالبة بسحب الجيش السوداني من اليمن، ثم تنبهت الى ان الحكومة ستستثمر في هذا التصعيد لا لسحب الجيش انما لزيادة سعر الجندي الذي يجد الفتات كنصيب من هذة الصفقة

  7. شكرا دكتور حيدر وسؤالنا عن صحتك لعلك بكل خير …عايز اقول ..يسحبو الجيش بعد إيه ؟ الحصل خلاص حصل ..أشياء مع احبائتا اليمنيين لن تمحو آثارها الدهور ..برضو حقو نعرف الحكاية كلها كانت بكم ؟ وهل في الموضوع سمسرة أم كل راس جندي ياخد حقو؟ ولانزال في ثقة تامة في جيشنا الحارس مالنا ودمنا وجيشنا درع الوطن كله مهما عبث بقيمه العظيمة عابثون

  8. ما الفرق يا دكتور بين قتال جنودنا بالبر وقتال مصر والمغرب والاردن بطياريها من الجو ؟
    على الأقل جنودنا يقاتلون جنودا” من الطرف الآخر و لا يقتلون اطفالا” ولا نساءا” مثلما يفعل طيران الآخرين .
    هل يادكتور الأرتزاق يكون بالبر فقط ولايكون بالجو ؟
    ولكنى اتفق معك فى أننا لم يكن هنالك داعى لأشتراكنا فى هذه الحرب حتى لو كان المقابل ( طائرات سوخوى 35 )

  9. يادكتور حيدر تحياتي اليمنيون يعشقون اهل السودان كثيرا وبالطبع كان ارسال جنودنا لمقاتلتهم ضربا من الجهل بعمق علاقتنا مع الشعب اليمني الحبيب ولكن انسحاب جندنا من اليمن اليوم معناه دخول الحوثي الي مكة والمدينة في ليلة واحدة اذ لايستطيع السعوديين الدفاع عن اراضيهم ولهذا اعتقد الحل في مصالحة الاخوة في اليمن مع السعودية واذا عبدالهادي منصور يعشق كراسي الحكم خليهم يجيبوه يحكم السودان بمساعدة جنودنا في اليمن ويرتاح ونرتاح

  10. مقال رابع وشجاع
    للحقيقة يا دكتور نداء السودان في اكثر من بيان انتقد مشاركة السودان في حرب اليمن وكذلك حزبا الأمة والمؤتمر السودان .. ولكن ذلك يعتبر عملا خجولا
    المطلوب حركة ضغط شاملة لسحب جيشنا من اليمن

    متعك الله بالصحة58

  11. التحية والتقدير لك يا دكتور، كما ذكرت في مقالك، لم يترك هذا النظام للسودانيين، أي شيئ جميل إلا وقام بتدميره، لكن في رأيي اننا كشعب وخاصة القادة السياسيين المعارضين، والمثقفين، عليهم دور، وواجب، في مقاومة إجرام هذا النظام. وبالاخص في موضوع مشاركة الجيش السوداني وبعض المغرر بهم والبسطاء من الجنود، في هذه الحرب الظالمة على الابرياء من اليمنيين، علينا كسودانيين رفع اصواتنا عاليا ضد استمرار مشاركة السودان في هذا العار الذي قام به هذا النظام. سواء بجمع توقيعات او اصدار بيانات في مواقع التواصل الاجتماعي، وحشد حملات بين السودانين لادانة هذا العمل الذي اساء لكل السودانيين، وخاصة ان دول العدوان على اليمن تبحث حاليا عن أي مخرج من الورطة والكارثة التي ادخلت فيها نفسها، يجب ان نفعل شئ بدل السكوت، وشكر لك لإثارة الموضوع.

  12. كان بودي المشاركة في حملة التصعيد للمطالبة بسحب الجيش السوداني من اليمن، ثم تنبهت الى ان الحكومة ستستثمر في هذا التصعيد لا لسحب الجيش انما لزيادة سعر الجندي الذي يجد الفتات كنصيب من هذة الصفقة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..