أزمة في السماد وبعض التقاوي الموسم الشتوي بالشمالية.. زيادة في المساحة وتراجع في التمويل

رئيس اللجنة الزراعية بالتشريعي: نعم أسعار السماد شهدت ارتفاعاً
شكاوى المنتجين من ارتفاع مدخلات الإنتاج الزراعي
وزير الزراعة: نستهدف تحقيق شعار رفع الإنتاج والإنتاجية
دنقلا:تحقيق صديق رمضان
في مشروع حوض السليم الذي اشتهر بأنتاج أفضل أنواع محصول الفول المصري بالإضافة إلى التوابل، يقف المزارع محمود حائراً وهو ينظر إلى مساحة مشروعه الخضراء، فبقدر سعادته بتمكنه من توفير معظم مدخلات الإنتاج من حر ماله، إلا أن ارتفاع سعر جوال السماد بدنقلا إلى 520 جنيهاً كان بمثابة المفاجأة غير السارة التي ضاعفت من حجم صرفه على مغروساته الشتوية، ولا يعرف على وجه الدقة هل سيتمكن بعد الحصاد من تحقيق فوائد مادية جيدة أم يكتفي بتغطية تكلفة إنتاجه، أما سليمان في جزيرة بدين بمحلية البرقيق فقد كان يخطط لزراعة مساحة مقدرة بمحصول الثوم الذي حقق له الموسم الماضي أرباحاً جيدة، إلا أن ارتفاع سعر قنطار التقاوي إلى ثلاثة آلاف جنيه جعله يعيد البصر مرتين ويتدارك أمره بالبحث سريعاً عن زراعة محصول آخر، ورغم وجود عقبات تعتري الموسم الشتوي بالشمالية إلا أن وزارة الزراعة توقعت أن يأتي ناجحاً.
حدوث تغيير
الملمح الرئيس والعنوان البارز لأجزاء واسعة من الشمالية التي تجولنا بها وسط طقس معتدل نهاراً وبارد في ساعات الليل، يتمثل في انهماك المزارعين في فلاحة أرضهم التي تتوزع بين المشاريع الكبيرة والحيازات الصغيرة التي تقع على ضفتي النيل شرقاً وغرباً، ويختلف نظام الزراعة في الشمالية عما هو سائد بالجزيرة حيث يقع العبء الأكبر على المزارعين خاصة أولئك الذين يفلحون مساحات يمتلكونها على ضفاف النيل وداخل الجزر، ويعتمدون بصورة شبه كاملة على إمكاناتهم الذاتية في تمويل عمليات زراعتهم في مختلف مراحلها.
أما المزارعون الذين تندرج مساحاتهم الزراعية ضمن مشاريع لها إدارات فيبدو وضعهم أفضل حالاً، بمحلية البرقيق ووسط مشروعها العملاق الذي تم تأسيسه في عهد المستعمر الإنجليزي، توقفنا ونحن نتفقد المنازل التي تأثرت بالطفح المائي أمام مزارع يدعى أحمد وكان يمسك في يده “طورية ” يسوِّي بها الأرض ويضع ” التيراب” في باطن التربة عالية الخصوبة، يقول أحمد الذي يكشف أن علاقته مع الزراعة ظلت مستمرة لعشرين عاماً دون انقطاع، إن المزارعين في الولاية الشمالية يمتلكون خبرات واسعة في الفلاحة، لذا فإن منتجاتهم ـ حسب قوله ـ تمتاز بالجودة والكثافة للفدان الواحد، موضحاً أن موسم الشتاء يعتبر الرئيسي والأكثر أهمية بالنسبة لهم، فصيفاً يركزون على رعاية أشجار النخيل وزراعة الطماطم وبعض من الخضروات، ولكن في الشتاء يوجهون أموالاً مقدرة ناحية الأرض لزراعة التوابل واللوبيا والأعلاف والفول المصري، ثم القمح، ويشير إلى أن هذا الموسم يبدو الاستعداد له جيداً وأنهم قد بدأوا في زراعة بعض المحصولات خاصة التوابل واللوبيا، بيد أنه يؤكد حدوث ارتفاع في التقاوي والسماد، ويرى أن هذا من شأنه أن ينعكس عليهم سلباً في المستقبل، ويضيف: نصرف أموالاً باهظة على الزراعة والحصاد، ولكن حينما نعرض منتجاتنا في الأسواق غالباً ما نتكبد خسائر فادحة بسبب تدني الأسعار، ويلفت المزارع إلى أنهم يخشون تكرار تجربة الموسم الماضي في محصول الفول الذي لم يحقق نجاحاً يذكر وأن أسباب فشله رغم اجتهادهم ما تزال مجهولة.
مطلوبات وصعوبات
في محلية دلقو التي تقع إلى الشمال من حاضرة الولاية دنقلا فإن المساحات الزراعية خاصة العروض الدنيا التي تجاور البحر شرقاً وغرباً فإنها عبارة عن بساط أخضر يسر من ينظر إليه، ورغم أن مشروع كوكا الزراعي الذي تمت كهربته أخيراً لن يدخل الموسم الزراعي الحالي كما كان يأمل المواطنون، إلا أن المزارع عبد التواب يعتقد بأن مجرد كهربة هذا المشروع تعتبر خطوة كبيرة إلى الأمام، ويقول إن دخوله دائرة الإنتاج من شأنه أن يسهم في تحقيق المزارعين عائدات جيدة، وذلك لنظام الري الحديث الذي يتمتع به بالإضافة إلى الاهتمام الحكومي، ورغم هذه الإشادة الا أن عبد التواب كشف عن عدد مقدر من المشاريع الزراعية الصغيرة لم تتم كهربتها حتى الأن ما يعني ان المزارعين سيتحملون تكلفة الوقود الباهظة، ويعقد مقارنة بين الري عبر الوقود والكهرباء ويقول: لا توجد مقارنة بينهما، وتتضح الفروقات جلية عند الحصاد، فالذي كان يعتمد على الكهرباء فإن تكلفة إنتاجه قليلة، أما الذين ما يزالون يستعملون الطلمبات التي تعمل بالوقود فإنهم يخسرون كثيراً بعد الحصاد ولا يحققون أرباحاً كبيرة كتلك التي يحققها من تتوفر لمشاريعهم طلمبات ري تعمل بالكهرباء، ويلفت إلى أن المزارع في الولاية الشمالية لا يعتمد كثيراً على التمويل البنكي خوفاً من الإعسار، وقال إن استعدادهم للموسم الشتوي جيدة رغم ارتفاع مدخلات الإنتاج وعدم توفيرها من الحكومة بالكميات المطلوبة والأسعار المناسبة، إلا أنهم ومثلما ظلوا يفعلون كل عام فإنهم لن يتخلفوا عن الزراعة في الشتاء، ويؤكد أن نقطة الضعف الحقيقية التي عجزت الحكومة عن حلها هي التسويق الذي دائماً ما يقسو على المزارع عند انفخاض الأسعار.
دنقلا وآلاف الأفدنة
تختلف دنقلا عن الكثير من حواضر الولايات التي لا توجد بها مشاريع ومساحات زراعية بداعي الزحف العمراني، بيد أن دنقلا ما تزال تحافظ على مزجها بين العمران المتنامي والمساحات الخضراء، فعلى مقربة من أمانة حكومة الولاية وعدد من المرافق الحكومية تقع مساحات زراعية غرب النيل تتمدد بطول أكثر من عشرين كيلو متراً، أما شمال المدينة فكل الأحياء مثل مراغة والجزر مثل بدين تنتشر فيها المساحات الزراعية، وهذا الواقع جعل المحلية تستعد مبكراً للموسم الشتوي حيث كشفت عن استهدافها زراعة 34 ألف فدان بمحصول القمح، ويشير معتمدها العميد أحمد أبوزيد إلى أن هذه المساحة تمثل ثلث المساحة التي ستتم زراعتها بالقمح على مستوى الولاية، حيث تستهدف الولاية الشمالية في هذا الموسم زراعة (100) ألف فدان من هذا المحصول الإستراتيجي المهم، ويكشف عن وجود مساحات مقدرة جاهزة ستزرع بمحاصيل التوابل والأعلاف والبستنة، مبيناً أن الفترة الماضية شهدت زيارات واسعة من قبل المسؤولين وقيادات العمل الزراعي للمشاريع الزراعية بمحلية دنقلا، وذلك للوقوف على ترتيبات مجالس إدارات المشاريع الزراعية لانطلاقة عمليات الموسم الشتوي الحالي، مؤكداً استمرار المجهودات لاستكمال مشروع كهربة المشاريع الزراعية من أجل زيادة الإنتاج والإنتاجية والتوسع في الرقعة الزراعية وتقليل تكلفة الإنتاج.
مروي تستعد
جنوب الولاية التي تشتهر بإنتاج التمور عالية الجودة رغم التأثيرات السالبة لسد مروي ـ كما يشير مختصون ـ الى أن مروي وكريمة ظلتا من المحليات التي تحققان إنتاجية عالية في مختلف المحاصيل بالرغم من استمرار شكاوى المنتجين من ارتفاع مدخلات الإنتاج، وتستهدف محلية مروي زراعة أحد عشر ألف فدان بمحصول القمح الذي يحظى هذا العام باهتمام كبير من قبل حكومة الولاية، وفي سبيل إنجاح الموسم الشتوي ظلت إدارة المحلية تعمل على الالتقاء بالمزارعين والشركات وإدارات المشاريع الزراعية والجمعيات التعاونية للتعرف على المشاكل وإيجاد حلول لها، وأكدت المحلية على ضرورة التوسع في المساحات الزراعية وتوفير مطلوبات الموسم الزراعي الشتوي، بتسخير الإمكانات المتاحة كافة، ومعالجة العقبات والمشكلات التي تواجه الموسم الشتوي لضمان زيادة الإنتاج والإنتاجية.
عقبات
يشير رئيس لجنة الزراعة بالمجلس التشريعي تاج السر محمد طه إلى أن شكاوى المزارعين تأتي من واقع معاناتهم في الحصول على مدخلات الإنتاج للموسم الشتوي، ورغم أن الرجل نوه إلى عدم تسجيلهم زيارات ميدانية للمحليات للوقوف على الاستعدادات للموسم الشتوي والوقوف على المشاكل التي تواجه المزارعين، إلا أنه أقر بحدوث أزمة في السماد الذي كشف عن أن سعر الجوال منه ارتفع إلى 520 جنيهاً، معتبراً هذا يمثل عبئاً كبيراً على المزارعين لحاجتهم الماسة لكميات مقدرة من السماد من أجل إنجاح إنبات المغروسات الشتوية المختلفة، مبدياً تخوفه من أن يسهم ارتفاع أسعار السماد في رفع تكلفة الإنتاج، قلنا له إن المزارعين يجأرون بالشكوى أيضاً من انعدام في تقاوي الثوم الذي يعتبر من أهم المحاصيل الشتوية، اتفق معنا حول هذا الأمر وأشار إلى أن كثيرين يؤكدون أن هذه التقاوي دخلت السودان عبر التهريب من دولة مصر وأن هذا لعب دوراً كبيراً في ارتفاع سعر القنطار إلى ثلاثة آلاف جنيه، وقال إن هذا السعر سيضع المزارعين أمام مستقبل مجهول لجهة أنهم لا يعرفون السعر الذي سيكون عليه الحال عندما يحصدون محصول الثوم، وأرجع هذه الأزمة إلى إيقاف الحكومة استيراد التقاوي من مصر، وفي ذات الوقت عدم توفيرها البديل، مبيناً أن عدداً كبيراً من المشاريع الزراعية لم تتم كهربتها حتى الآن وأن هذا يمثل أيضاً مهدداً للموسم الشتوي، مبيناً عتسجيلهم جولة متوقعة على كل المحليات للوقوف على الواقع والاستماع إلى المزارعين .
توضيح ودفوعات
بعد ذلك توجهنا ناحية وزارة الزراعة بدنقلا، وسألنا وزير الزراعة المهندس طلال عيسى عثمان عن استعداداتهم للموسم الشتوي، فطلب أولاً أن يتحدث عن الموسم الصيفي الذي قال إنه ولأول مرة يشهد إدخال بعض المحاصيل مثل الذرة الشامي والسمسم والقطن، وذلك عبر الحلول المتكاملة بالتنسيق مع وزارة الزراعة الاتحادية، مبيناً أن الهدف من وراء ذلك إحداث تغيير في التركيبة المحصولية ورفع الإنتاجية، وفيما يتعلق بالموسم الشتوي، فقد كشف الوزير أن المساحة المستهدفة تبلغ 370 ألف فدان، وقال في حديث لـ(الصيحة) إن المساحة التي تم تحديدها لزراعتها بالقمح تبلغ مائة ألف فقدان، بالإضافة إلى زراعة 60 ألفاً بالفول السوداني بالإضافة إلى زراعة المساحة الأخرى بالتوابل التي تشتهر الشمالية بإنتاجها علاوة على الأعلاف، وشدد على حرصهم الكبير هذا الموسم على زيادة الإنتاج والإنتاجية خاصة فيما يتعلق بمحصول القمح لأهميته واستراتيجيته ولتوفر كل عوامل نجاحه بالشمالية من أجواء باردة وخبرة المزارعين الكبيرة في عمليات فلاحته، ويعترف بأن الحصاد يمثل هاجساً لهم بسبب الرقعة الزراعية الواسعة وتباعد مناطقها، وهو الأمر الذي يشكل صعوبة بالغة في أن يتم الحصاد في توقيت واحد، غير أنه أكد عدم وجود مشكلة تواجههم في حصاد الفول، وفيما يتوقع بالتمويل قال إن عدم انسيابه مباشرة للمزارعين يعود إلى عدم وجود تنظيمات كبيرة مثلما هو موجود في ولاية الجزيرة، وأكد توفر مدخلات الإنتاج وحرصهم على متابعتها وتذليل كافة المصاعب التي تقف في طريق الموسم الشتوي من أجل إ نجاحه.
الصيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..