اقتصاديون: تجاهل توصيات تقارير المراجع العام يُضر بالاقتصاد الوطني ويثير الشكوك حول مصداقية جهود مكافحة الفساد

الخرطوم ? طيبة سرالله ? أيمن أبكر
ظل المراجع العام يكرر في تقاريره الدورية على وجود واستمرار تجاوزات مالية في الوزارات والمؤسسات الحكومية المختلفة، وهذا الاستمرار يؤكد عجز هذه المؤسسات في التصدي لمحتويات هذه التقارير السابقة وعدم معاقبة المخالفين للوائح المالية، مما يسبب أضراراً مؤثرة على الاقتصاد الوطني.
الآن تفيد الأخبار باستمرار التجاوزات المالية التي جزء منها تم بواسطة الدستوريين الذين ينتظر أن يكونوا ضمير الأمة وحماة مصالح البلاد وتطبيق القانون، حيث أشار تقرير المراجع العام أمام البرلمان إلى تجاوزات في عائدات المزادات التي يتم التصرف فيها دون سند قانوني، كما حدث في الجمارك، وهناك أيضاً مخالفات الدستوريين التي زادت عما كانت عليه في السابق حتى بلغت (1.3) مليار، وذلك دون التزام مما يؤكد أن هناك فوضى في الصرف الحكومي، وعدم التزام بقرارات مجلس الوزراء حول التصرف في المال العام دون القيد بالموازنة العامة للتمويه.
قضية الفساد أصبحت من القضايا المتكررة دون وجود حل نهائي من الجهات المعنية على الرغم من إعلان معالجتها بأشكال مختلفة، إلا أن السودان يعد من أكثر الدول التي ينتشر بها الفساد بصورة كبيرة، بحسب رأي بعض خبراء الاقتصاد الذين استطلعتهم (اليوم التالي) شددوا على ضرورة محاربة هذه التجاوزات للنهوض بالاقتصاد إلى بر الأمان، وأن مثل هذه التجاوزات تؤثر على القطاع الاقتصادي بصورة عامة، وأن هذا يتطلب الكثير من العمل لحل المشكلة، وذكروا على خلفية تقارير المراجع العام التي ظلت تتحدث سنوياً عن (تعديات على المال العام) لم تتخذ بشأنها أي إجراءات قانونية فعالة، ولكن هذا الجدل يستند إلى فهم محدود لقضايا الفساد وآليات الفساد والإفساد.
ويشير المختصون إلى أن عدم الالتزام بالضوابط المالية في ملف التسهيلات والعقودات المصرفية يؤكد عدم الالتزام بمتابعة التحصيل للشيكات المرتدة مما يؤدي لعدم نزاهة بعض العاملين في المصارف، وهذه التجاوزات في المالية العامة تؤثر في القطاع الاقتصادي بصورة عامة بحسب حسين القوني الخبير الاقتصادي الذي شدد على ضرورة تنفيذ القانون والقرارات الوزارية ومتابعة تنفيذ قرارات مجلس الوزراء بشأن تقارير المراجع العام للنهوض بالاقتصاد، كما دعا لوضع المزيد من العقوبات الرادعة لمرتكبي الجرائم المالية حفاظاً على المال العام ووقف النزيف فيه نتيجة للتجاوزات المالية المتكررة دون عقاب، وأكد القوني أن هذه التجاوزات لها آثارها السالبة على مصالح الدولة بحجم المبالغ التي تم تجاوزها وأن جزءاً من التجاوزات الفعلية التي تمت في الوزارات والولايات بعضها لم يتم البت فيه لسبب أو آخر، وأشار إلى أن السكوت عليها يشجع الآخرين على عدم اتباع النظم واللوائح المالية وتشجيع ضعاف النفوس على التمادي في اللوائح، وربما توسع في قاعدة المخالفات المالية، ويؤكد على غياب الضمير لدى المسؤولين الذين يجب أن لا يتم التعامل معهم بسياسة التحلل المتبعة في الدولة بإلزام الشخص الذي يعتدي على المال العام بإرجاعه للدولة دون فرض أي عقوبات رادعة عليه، مما يشجع على ممارسة التجاوزات المالية بلا حسب أو رقيب، وتساءل القوني ماذا تم بشأن تنفيذ القرارات السابقة حول التقارير السابقة للمراجع العام في السنوات الماضية؟.
في ذات السياق، يرى عبد الحليم إسحق، خبير ومحلل اقتصادي، أن تقرير المراجع العام يؤثر على أداء الدولة اقتصادياً مما يضعف العملية الاقتصادية، ويضيف أن الحديث عنه يوضح نسبة الفساد في حسابات الدولة، لكنه يعرب عن أسفه لعدم محاكمة المخالفين وأحياناً تكون هنالك تسويات. وقال لـ(اليوم التالي): ?الحديث أصبح ملء الفم والعين بأن المعالجة القانونية والقضائية لظواهر الفساد المؤسسي لن تكون كافية، بل لن تمس شيئاً من بنيته?، موضحاً أن هذا الفساد محمٍ قانونياً، لأن ممارسته تتمتع بغطاء قانوني وعبر مؤسسات تمارس صلاحياتها المنصوص عليها من منح العقود والتراخيص، مما يؤكد أنه محمٍ سياسياً، كما أن أجهزة الدولة المعنية لن تقدم للقضاء الوثائق المطلوبة. ويضيف عبدالحليم أن التصدي للفساد لا يمكن إنجازه عبر منشور يُصدره وزير العدل، مبيناً أن الأمر يحتاج إلى محاسبة شاملة، تتعدى وزارة العدل إلى القضاء ورئاسته، وأشار إلى أن البرلمان وصلاحياته لا علاقة له بالجهاز التنفيذي، ودعا إسحق لتوفير الحرية الكاملة للإعلام من أجل طرح الأسئلة والتنقيب فيما وراء الواجهات، للبحث عن من يقف وراء الشركات الكبرى التي تحصل على العقود الحكومية المربحة، موضحا أنه حسب بعض الدراسات الاقتصادية إذا انخفضت نسبة الفساد إلى 20 %، فإن هذا ينعكس على النمو الاقتصادي في معدلات تحسن الأداء الاقتصادي.
ومن جهته، أكد محمود آدم، خبير اقتصادي بكلية السلامة، أن كلما قامت الجهات المعنية بمحاربة هذه التجاوزات ينعكس بشكل مرادف في نتائجه الإيجابية بإعادة نشر أجواء الثقة لاستقطاب مزيد من الاستثمارات الخارجية، وبين أن أي نشاط باتجاه مكافحة الفساد سينعكس بأداء إيجابي على مستوى الاقتصاد الكلي وسيقلل من الاحتقان الداخلي الناتج عن سوء توزيع معدلات النمو الاقتصادي ومكتسبات التنمية، التي كان أحد أسبابها هذه التجاوزات، ولفت محمود إلى أن هذه التجاوزات لها نتائج سلبية في مجال استقطاب الاستثمارات، موضحاً أن في أي دولة في العالم كلما ارتفعت نسب الفساد سيترتب على المستثمرين زيادة في حجم الكلف التي ينفقونها على استثماراتهم، الأمر الذي يدفعهم إلى حالة من التذمر وإلغاء بعض لاستثماراتهم نتيجة تفشي هذه الظواهر، ولفت إلى أنه كل ما أمكن تطبيق القانون بشكل شفّاف في متابعة القضايا المتعلقة بشبهات فساد، ساهم ذلك في انخفاض معدلات الفساد.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..