نحن وهم.. وأنا وأنت وهو!

نحن وهم.. وأنا وأنت وهو!

رندا عطية
[email][email protected][/email]

حينما انفجر مكوك الفضاء الأميركي كولومبيا قبل عدة سنوات، لم تدهمني فرحة غامرة، كما كان متوقعاً. ولعل ذلك يرجع لتجارب المرء منا واحتكاكه بجنسيات مختلفة والعديد من القراءات وصولاً لاعترافه بـ«الآخر» تفهماً له لا إلغاء له من الوجود.

سواء أكان هذا «الآخر» يختلف عنا دينياً أو اثنياً أو ثقافياً، إيماناً مني بأن ذلك سيؤدي بنا في نهاية المطاف إلى تعايش سلمي وتفاعل حضاري إثراءً للحضارة الإنسانية، وصولاً بكوكب الأرض إلى حياة آمنة ومستقرة، دون أن يكون في ذلك ما يعد خصماً على حقوقنا الآنية والتاريخية والمستقبلية.

ولحساسية الموضوع لم أستطع أن أصرح بألمي الإنساني الذي ينبع من أن العلم ما هو إلا تراكمات لتجارب إنسانية مختلفة، فأية كارثة علمية بالضرورة تؤثر على مجمل المجتمع البشري خصماً عليه إنسانية ومعرفة، ولم أستطع أن أصرح بهذا الشعور الإنساني المشترك خشية عدم تفهم من حولي ماهية هذا الألم.

فها نحن نجد السيناتور الأميركي السابق بول فندلي يتبنى منذ ما يقارب العقدين من الزمان قضية المسلمين والعرب، ويسعى لفضح أساليب اللوبي اليهودي ممثلاً في منظمة «آيباك»، بل ويدعو الجالية الإسلامية والعربية إلى تكوين لوبي أو جماعة ضغط فاعلة لإيصال صوتهم لصانع القرار الأميركي، مطالبة بحقوقهم، الشيء الذي أدى إلى غضب يهود أميركا وسعيهم لإقصائه من مسرح الحياة السياسية الأميركية بشتى الطرق والوسائل، حتى نجحوا في ذلك.

ولكنه لم يستسلم فقام بتأليف كتابه القيم «من يجرؤ على الكلام» الذي أصبح بياناً بالعمل على ما يمكن أن يفعله اليهود بمن يفكر في معارضتهم فكرياً.

ولنا أن نتساءل ما الذي دفع السيد فندلي لاتخاذ هذا الموقف وهو يمثل لنا «الآخر» بكل تباينه معنا من اختلاف ديني واثني وبالتالي حضاري سوى ضميره.

بل ولنا أن نتساءل أيضاً ما الذي دفع بعض نجوم هوليوود لمهاجمة الرئيس الأمريكي بوش الإبن معارضة لحملته العسكرية ضد العراق في حفل جوائز أوسكار 2003م الذي كان مذاعاً على الهواء مباشرة في بداية ذاك العام، سوى الضمير الإنساني.

هذا الضمير الذي جعل بعض الأطباء الأوربيين العاملين في العراق يسعون لرفع دعوى قضائية بعد عودتهم لبلادهم ـــ بعد التحرير الديمقراطي للعراق!! ـــ ضد الجنرال تومي فرانكس قائد القوات الأميركية في الخليج العربي لاستعماله أسلحة محرمة دولياً دون أي تمييز بين المدنيين والعسكريين، بسبب شعورهم وتأنيب ضميرهم الإنساني.

والمظاهرات الرافضة لهذه الحرب التي خرجت في أغلب عواصم العالم الغربي غير آبهة بكل ظروف الطبيعة من ثلوج وأمطار، قابلها الحجر على كل أشكال المقاومة السلمية لهذه الحرب في العالم العربي والإسلامي التي تدور رحاها على أرضه ووقودها بني جلدتهم وملتهم!!

الشيء الذي يفرض علينا ضرورة الوقوف مع أنفسنا لنصل إلى النتيجة التالية، وهي أننا بوصفنا مجتمعات إنسانية يمكن أن نتعايش ــــ بعيداً عن السياسة وأساليبها غير النظيفة ـــ أي أننا لا يجب أن نحاكم المجتمع الغربي بجرائر حكوماته.

بل علينا استغلال كل وسائل التقانة والاتصال الحديثة لنصل إلى هذه المجتمعات لإقامة حوار حضاري معها، وذلك بعد اعترافنا بما للحضارة الغربية من إيجابيات يمكننا الاستفادة منها دون أن نسمح لسلبياتها أن تؤثر أو تخلخل تركيبة مجتمعاتنا الدينية والثقافية والاجتماعية، أو تشعرنا بالدونية التي يجب ألا تتلبسنا، لأننا قمنا بتقديم مساهمات ملموسة وبصماتنا واضحة على الحضارة الإنسانية.

ولكن تبقى المفارقة المبكية أنني اكتشفت أننا ينطبق علينا المثل القائل «فاقد الشيء لا يعطيه»، وذلك أن شعورنا بإلغاء «الآخر» وتهميشه وقهره معنوياً وفكرياً وأدبياً مصحوب بنظرة استعلائية تتجه نحو من هو منا ملة وديناً وعقيدة وفي أحيان كثيرة لحماً وعظماً!!

فكيف بالله عليكم الوصول لتقبل «الآخر» إذا ما كنا «أنا» و«أنت» على مستوى الوطن الواحد نصنف بعضنا بعضاً باللون أو العرق أو الفكر، حيث توجد نسبة لا يُستهان بها تتبنى هذه النظرة! ليؤثر ذلك على جوهر العلاقة الإنسانية التي يمكن أن تنشأ ما بين إنسان وآخر. وقد قال سبحانه وتعالى: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، لهذا كلف سيدنا بلال رضي الله عنه برفع الآذان، رغم أن الذي رأى رؤية الآذان صحابي آخر، وأخذ برأي سيدنا سلمان الفارسي في الخندق، فذاك التمايز هو الذي ضمن لنا الاستمرارية، فنحن في حالة إضافة دائمة وتفاعل مستمر، «وهذا ما يفترض أن يكون».

فما معنى أنني لا أستطيع وأجد استهجاناً ومعارضة من شخص في إقامتي علاقة فكرية مع آخر «هو»، ذاك لأنه ينحدر من تلك الأثنية أو لأن لونه يصنفه في قائمة غير الموثوق بهم، ففي تلك اللحظة تصبح كل أفكاره وكسبه العقلي شيئاً لا وزن أو قيمة له!! ولا يفرحن أحد بأنه خارج المعادلة، فالمعادلة متغيرة وليست ثابتة، فليس هناك استثناء للون أو عرق أو إثنية مهما كان ما تظنه بنفسها من حسب ونسب ودوحة ظليلة.

وهذه النظرة ليست قاصرة على العامة، الشيء الذي أصابني بصدمة وحيرة.. فأي فخر هو للمرء لـ «فيروس العنصرية» يكون ناشرا!!

أما الصفات التي نطلقها على بعضنا البعض حينما نفقد المنطق ـــ همساً جهيراً ـــ فحدث عنها ولا حرج، فجميعنا نعلمها، وقلمي لا يطاوعني أن أقوم بكتابتها تمرداً واستهجاناً منه لها ولدلالاتها.

لأنتبه أثر ذلك تأملاً وتفكراً وتدبراً لحقيقة أن مسؤولية تفكيك وإبطال ساعة انفجار قنبلة العنصرية وعدم الاعتراف بإنسانية الآخر الموقوتة هذه، تقع على عاتق كل إنسان إصغاءً لضميره الحي .. للآخر بمنظار الإنسانية.. ناظراً. بإنسانيته.. شاعراً. له.. محترماً.

وإني برحمة من الله متفائلة بنجاحنا في معالجتها تعايشاً سلمياً، وإن بتنا على بعد ثانية من انفجارها بوجوهنا .. جميعاً.

تعليق واحد

  1. هذه الاشياء المقيتة التى سميتيها احدى ادوات الدمار النفسى التى استخدمها نظام الانقاذ المتسلط لتفريق ابناء الشعب الواحد لاضعافهم والسيطرة عليهم تفكير متسلط ومستعمر متخلف والفجر الجديد قريب لا تحزنى .

  2. والله يابتى قلتى وماخليتى حاجة.اتمنى مجتمعنا فعلا يتغير وكل واحد يبدا من نفسو والامهات لازم يغيرو المفاهيم دى عشان اجيالنا الجاية.انشالله نصل يوم اى واحد ينظر للاخر نظرة ما صاح المجتمع كلو يلفظو.

  3. لك التحية، اعتقد انو الكلام دخل الحوش عندما قلت «فاقد الشيء لا يعطيه»، وذلك أن شعورنا بإلغاء «الآخر» وتهميشه وقهره معنوياً وفكرياً وأدبياً مصحوب بنظرة استعلائية تتجه نحو من هو منا ملة وديناً وعقيدة وفي أحيان كثيرة لحماً وعظماً!!

    وكانت الخلاصة عنما ذكرت :فكيف بالله عليكم الوصول لتقبل «الآخر» إذا ما كنا «أنا» و«أنت» على مستوى الوطن الواحد نصنف بعضنا بعضاً باللون أو العرق أو الفكر، حيث توجد نسبة لا يُستهان بها تتبنى هذه النظرة! ليؤثر ذلك على جوهر العلاقة الإنسانية التي يمكن أن تنشأ ما بين إنسان وآخر.
    احييك مرة اخرى

  4. لا تحزني. إن كانت هناك بؤر وبثور عنصرية بدأت تظهر على استحياء عبر تقلد الوظائف الوسيطة وصولاً حتى حد المجاهرة بها على أعلى هرم في السلطة، فإن ذلك لا يعني أن مجاميع الشعب وانماطه السلوكية الجمعية على قناعة مما يحدث. أنا شخصياً لم استخرج الرقم القومي حتى الآن، ولكنني مًصر على عدم ذكر قبيلتي في الخانة المخصصة لتحديد القبيلة، لأنني أؤمن أنني مواطن سوداني غير منتم لأي قبيلة أو جهة تشكل قاعدة انطلاق لأفكاري وتصرفاتي تجاه مجتمعي وتجاه الغير بصفة عامة. أما عنصرية الغرب فهي موجودة حتى الآن بل وتمارس حتى اليوم. في هولندا كما أخبرني صديقنا الأثيوبي صوميل أن صديقه الوسيم وسامة مفرطة إلى حد التماثيل الإغريقية اصطحبته صديقته الهولندية إلى إحدى الحانات الراقية، فما كان من مدير الحانة إلا أن أوقفه ومنعه من الدخول وأشار بيده إلى اللافتة الخارجية التي تقرأ (ممنوع دخول السود). خرج الأثيوبي الوسيم واستدعى شرطي من الخارج والذي بدوره حكم بحقه في الجلوس والاستمتاع بوقته كبقية خلف الله، إلا الماجأة كانت هي قبول مدير الحانة على دخول الأثيوبي شريطة أن لا يشرب أي مسكرات!!!!!!! يعني بيبسي بس؟؟؟؟؟؟ الإعلام الغربي غير محايد بل أنه إعلام متسلط عنصري تسيطر عليه اللوبيات اليهودية (مجموعة مردوخ مثلا). والأدلة على ذلك كثيرة ولا تحصى. مثلاً لماذا صمت الإعلام الغربي ولم يبين أو يتبنى فرضية عدم وجود أسلحة كميائية وذرية بالعراق؟؟؟ لماذا سكت نفس هذا الإعلام عن انتهاكات الجيش الأمريكي بالعراق؟؟ ولماذا ولماذا؟ حتى السواح الغربيين عندما يزورون أي دولة من دول العالم الثالث فإنهم لا يصوروا بكاميراتهم أي لقطات جميلة بل على العكس يصورون البؤس والشقاء. أما التقارير الصفحية فحدث ولا حرج فلابد لهم من حشر كلمة انتقاص بين ثنايا السطور حتى يضفوا على مقالاتهم بعض البهار. أمس فقط كنت أقرأ مقال على موقع فرانس برس عن الحملة الفرنسية بمالي، لم ينس المقال وصف باماكاو عاصمة مالي بالعاصمة (المتربة أو الترابية)؟؟؟؟؟
    لم تزل أرضية التفاهم المشترك بيننا وبين الآخر في العالم الأول لزجة ومليئة بالأخاديد العنصرية والخوف منا ومن حضارتنا ومن تصورهم لثقافتنا التي صورها الراحل الطيب صالح أنهم لا يعرفون عن الشرق إلا البخور وريش النعام والأبنوس والحلي والأناتيك. هذا هو الشرق. إذا كان الاستشراق هو الاسفين الذي قصم ظهر التفاهم والتعايش بين الغرب والشرق فيكفي أن تكون أخاديد العنصرية التي بدأت تظهر على الجسم السوداني هي إحدى خطايا الإنقاذ الكثيرة والمتعددة والمتشعبة، ولكنها عنصرية محدودة لا ولن تستطيع أن تغير من لُحمة النسيج السوداني المحبوكة بتناغم خيوط المودة والرحمة والتسامح وقيم عريقة لو شهدها الإسلام لأقرها.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..