الترابي.. قوش.. ود إبراهيم.. وآخرهم هلال.. إنقاذيون.. من قصور السلاطين إلى الزنازين

الخرطوم: عبد الرؤوف طه

إن من شيء ثابت في الملعب السياسي فهو حركته الدائبة، وتقلباته التي لا تعرف استقراراً على فرضية معينة. ولذا كثيراً ما تجد الأضداد ما بين غمضة عين وانتباهتها وقد أصبحوا في حلفٍ واحد إن لم يكونوا حزباً واحداً. في السياسة كما يقال (لا صداقة دائمة ولا خصومة دائمة كذلك)، لذا كثيراً ما تحول الساسة في سني عمر الإنقاذ من صولجان السلطة إلى قعر السجون في دليل بائن على التحولات الدراماتيكية التي شهدتها حقبة تحالف الإسلاميين والعسكر.

من السجن وإليه

في العام 2003م قام والي شمال دارفور الفريق إبراهيم سليمان باعتقال موسى هلال وإرساله إلى سجن الفاشر. اعتقال الرجل الذي كان يمثل أبرز أعيان قبيلة الرزيقات لم يكن رائقاً للحكومة التي سارعت إلى إخراجه من الزنازين وخلق وضعية خاصة به وتقريبه إلى المؤسسات العسكرية والأمنية ومنذاك الحين ظل موسى هلال رقماً ثابتاً في المعادلة الدارفورية.
ولعبت الأزمة الشهيرة في إقليم دارفور دوراً بارزاً في ذيوع صيته حتى وصل الرجل إلى مرحلة الاستوزار ونال نصيبه من بريق السلطة والإعلام ثم نائباً برلمانياً قبل عامين من الوقت الراهن. بيد أن تسارع وتيرة الأحداث جعل الرجل يتحول بطريقة فجائية إلى مغاضب وناقم على السياسات الحكومية وعلى حزبه المؤتمر الوطني، وفشلت كل محاولات تهدئته في العودة إلى حوش المؤتمر الوطني، متخذاً من بادية مستريحة معقلاً له. بعدها أصبح الرجل بعيداً عن قلب وعقل الحكومة التي أدارت ظهرها لهلال، وأصبح الفريق محمد حمدان دقلو (حميدتي) ملء العين والبصر. بعدها بدأت وتيرة المناوشات بين ابن العمومة (هلال – حميدتي) ترتفع بصورة ملحوظة خاصة بعد إحساس هلال بالإهمال الحكومي.
وفي إطار حملة جمع السلاح التي أطلقتها الحكومة مؤخراً رفض هلال تسليم سلاحه والإذعان للمطالب الحكومية مما اضطر السلطة للتعامل معه بصورة حاسمة واعتقاله بالقوة وترحيله من مستريحة إلى سجن كوبر بالخرطوم رغم أن هلال لا يزال يحتفظ ببطاقة عضويته في الحزب الحاكم التي لم يتم إسقاطها عنه رغم التقلبات الكبيرة التي حدثت له مؤخراً.

أكبر التحولات
في عشرية الإنقاذ الاولى كان عرّاب الإسلاميين، الراحل د. حسن الترابي، أبرز الأسماء التي تسيطر على المشهد السياسي ورقم لا يمكن تجاوزه، واسم من المستحيل تخطيه. ومع أن الترابي كان بأمر التنظيم الإسلامي آمراً وناهياً لا يجرؤ أحد على تجاوز قراراته، قذفت به تقلبات السياسة خارج كابينة السلطة بعدما حدثت مفاصلة شهيرة بين الإسلاميين في السودان، انفرد على إثرها الرئيس البشير بالسلطة.
يومها حِيل بين الترابي ومبنى البرلمان بدبابة، فكوّن مع مناصريه حزب المؤتمر الشعبي المعارض. وبعد مرور عام من تأسيس الحزب وجد الترابي نفسه قيد الاعتقال بأمر تلاميذه بعد توقيعهم على مذكرة التفاهم مع الحركة الشعبية 2001م، وهي المرة الأولى التي يزور فيها الترابي المعتقل بأمر من الحكومة التي خرجت من مشكاة فكره تاركاً الأمر لتلامذته الذين تولوا مقاليد الحكم، تلاميذه في الحركة الإسلامية. وعقب ذلك الاعتقال أصبح الترابي صديقاً دائماً للزنازين والسجون قبل أن يتحول الراحل الترابي وحزبه من ضفة الحزب المعارض الشرس إلى حزب محاور ومهادن في مطلع العام 2014م.

السجّان خلف القضبان
يُعد الفريق أمن صلاح عبد الله (قوش) من أبرز الذين أرسوا دعائم حكومة الإنقاذ وساهموا في تثبيت ركائز حكمها خاصة بعد توليه إدارة الأمن والمخابرات عقب مفاصلة الإسلاميين الشهيرة، فكانت الحقبة (القوشية) في إدارة الأمن من أصعب الحقب على مر التاريخ بحسب شهادة مراقبين، حيث اشتدت المضايقات والاعتقالات على المعارضين في تلك الحقبة، فكانت كلمة (قوش) تثير الرعب حينما تُلقى على مسامع المعارضين والموالين كذلك.
فقد كان للرجل جبروت وعنفوان لا يُقاوَم، بيد أن رمال الملعب السياسي المتحركة جرفت ذلكم العنفوان وألقت به خلف القضبان سجيناً، بعد اعتقاله في العام 2013م بُعيد اتهامه بتدبير محاولة انقلابية بمعية العميد (م) محمد إبراهيم عبد الجليل “ود إبراهيم”. وتم إيداعهم سجن كوبر الذي كان يرسل له قوش جحافل المعارضين.
وعقب اعتقال قوش الذي كان يعمل رئيساً لمستشارية الأمن القومي خرج على وسائل الإعلام مسؤول الاتصال التنظيمي بالمؤتمر الوطني يومذاك قطبي المهدي قائلاً إن طموحات قوش الشخصية الزائدة ساهمت في اعتقاله قبل أن يتهمه بالضلوع في المحاولة الانقلابية، من ثم اعتقاله وإيداعه السجن قبل أن يخرج بعفو رئاسي.
قوش نفسه قال في حوار صحفي سابق إنه تعرض لتحريات وتحقيقات قبيل إيداعه المعتقل بواسطة ضابط برتبة رفيعة كان يعمل تحت إدارته. مشيداً بالمعاملة الإيجابية التي حظي بها من قبل تلاميذه في المؤسسة الأمنية.
ومذاك الحين فارق قوش صوالين السلطة وبريقها بل أصبح بعيداً عن الملعب السياسي وقريباً من مجال المال والأعمال مع الاكتفاء بإطلالات متباعدة عبر نافذة البرلمان الذي يشغل فيه منصب عضو برلماني عن الدائرة (5) مروي القومية.

أيقونة المجاهدين.. سجيناً
كان العميد (م) محمد عبد الجيل (ود إبراهيم) بمثابة أيقونة لجموع المجاهدين الإسلاميين، وكانت أناشيده أهزوجة للمقاتلين في أحراش الجنوب كـ (ليش ليش يا مجاهد).
وكان ود إبراهيم يتقدم الصفوف ومن خلفه المئات في سوح القتال، وفي سبيل ذلك حققوا انتصارات كانت محل إعجاب من قبل الدولة.
دارت الأيام فانقلبت الموازين السياسية، وتحول ود إبراهيم من بطل قومي إلى سجين عقب اتهامه بالتورط في محاولة انقلابية 2013م بمعية العشرات من الضباط ثم خرج بعفو رئاسي قبل أن يُحال للمعاش ثم توارى تماماً عن المشهد والاكتفاء بالظهور في المناسبات الرمضانية من خلال تنظيم إفطار رمضاني درج عليه بصورة سنوية.

أرضية متحركة
حول ظاهرة التحولات الخطيرة في السياسة السودانية يقول عبد الماجد عبد الحميد: لا توجد ثوابت في السياسة السودانية ونصل بسرعة متفاوتة إلى سقف العدوات والإدانات رغم أن معظم الخلافات تقوم على أسباب مرحلية وتكتيكية، وأضاف (للصيحة): هذه الظاهرة خطيرة وتحتاج لقوانين ثابتة، تقلل من حدة العداوات والخلافات.

الصيحة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..