غير صالحة للشرب “قشلاق” الشرطة بأبوسعد.. هاجس أمني بسبب المياه

مواطن: “نفسي أشرب موية نظيفة من الماسورة مباشرة”
طبيب: (90%) من أمراض الكلى والحصاوى بسبب المياه
62 معياراً لمياه الشرب النقية حدَّدتها منظمة الصحة العالمية
أم درمان:تحقيق: إنتصار فضل الله
تعاني أكثر من (300) أسرة تسكن مربع (15) (قشلاق) أبوسعد بمحلية أمدرمان الذي يقطنه (ضباط وأفراد)، من نقص حاد في مياه الشرب النقية منذ سنوات مضت.. ما انعكس سلباً على صحتهم ووضعهم المعيشي، حيث ازدادت حالات الإصابة بالفشل الكلوي وتكوّن الحصاوى، وغيرها من الأمراض الناتجة عن تناول المياه المالحة المتوفرة حالياً بالمنطقة.
طالت الجيوب:
وعلى إثر مكالمة هاتفية من أحد المواطنين تحدث إلينا ـ مفضلاً حجب اسمه ومنصبه الشرطي ـ موضحاً أنه يسكن في المنطقة منذ عشر سنوات ولم يحدث أن تمتع بشرب المياه ذات اللون والطعم الطبيعي، وقال (والله نفسي أشرب موية عذبة من الماسورة طوالي)، ولكن كيف يتحقق ذلك؟ مشيرًا إلى حجم المشكلة ومعاناة السكان الذين يصارعون مخاطر المياه المالحة المصحوبة بطعم وروائح ورواسب بشكل مستمر، وأعرب عن أمنيته في توفير (موية) نظيفة صالحة يمكن للأسر استخدامها دون معاناة، وأضاف أنهم يعانون من هذه الأزمة التي أفلست بهم وامتدت أضرارها وانعكست على الغذاء وتوفير الاحتياجات الضرورية، حيث إن السكان يتكبدون المشاق لجلب المياه العذبة من مناطق بعيدة جداً وأحياناً يأتون بها من مدينة بانت، أو المربعات الواقعة بالقرب من النيل لتوفر المياه (الحلوة) حسب وصفه بها لملء الجركانات والعودة بواسطة (الرقشات).
وأجاب على سؤال طرحته الصيحة حول وجود (تناكر مياه من المحلية) بالنفي، وأردف قائلاً: لا توجد جهة تهتم بأمر المشكلة وأن السكان يخشون الشكوى حتى لا يفقدون وظائفهم، مطالباً بعدم ذكر اسمه، وناشد المسؤولين بالنظر إلى قضيتهم بعين الاعتبار.
نقطة لقاء:
بعد المكالمة توجهت (الصيحة) إلى المنطقة المتأزمة، التي تحوي أكثر من خمسة (مرابيع) يحيط بهم سور واحد ببوابات متعددة، كل مربوع يحتوي على أكثر من 50 منزلاً، جميعهم التقوا عند مشكلة (الموية المالحة)، والتقيت بالنساء تحديدًا وسألتهن عن المشكلة، حيث أفدن بأنهم يعيشون أزمة حقيقية فاق عمرها السنوات، حيث إن صنابير المياه تمدهم بمياه مخلوطة بالرواسب والطين، وفي كثير من الأحيان يكون لونها بنياً لدرجة أنهم لا يستخدمونها حتى لـ(رش الأرض)، هذا بالإضافة لمرارة طعمها وملوحتها، وحول مجابهتهم للمشكلة تقول المواطنة (نعمة آدم) إنهم يقومون بشراء مياه الصحة بمبالغ مرتفعة جداً، وقد تصل إلى خمسين جنيهاً في اليوم، مما أثر على المستوى المعيشي وأنهم أصبحوا أمام خيارين فقط.. إما تناول مياه نقية أو الإصابة بأمراض متنوعة، وطالبت بمعالجة مياه الصهاريج والآبار لسلامة صحة المواطنين .
أمر مؤسف:
من المؤسف أن تكون المياه أولى المشاكل التي يعاني منها المواطن في بلد مثل السودان، يتمتع بنهر وآبار جوفية كثيرة، هذا ما ذكره المواطن (أحمد)، الذي أشار إلى أن بعض الموظفين يجلبون معهم المياه في جركانات من المؤسسات التي يعملون بها في الخرطوم، ومن ثم تفريغها في الأواني المنزلية (البراميل)، فيما تعاقد البعض الآخر من السكان مع أصحاب عربات (الكارو) لجلب المياه من مستشفى التجاني الماحي ومناطق أخرى تبعد عن المربع كثيرًا، مشيراً إلى أن (90%) من أحياء أبو سعد تعاني من المياه المالحة، ولذلك لاحظت من خلال المربعات التي سكنّا فيها، فيما لا يتوفر الماء النقي إلا في المناطق الواقعة بالقرب من النيل والتي تحسب على أصابع اليد.
حالات مرضية:
أما المواطن (ماجد) فقد اشتكى من إصابته بالحصاوى نتيجة حجم الإملاح المركزة في مياه المربع وغيره من المربعات بأبوسعد، والتي تأتي من مصادرها الرئيسية (الصهاريج والآبار) ، وأفاد أنه خضع لعمليتين (تفتيت حصاوى) خلال الفترة الماضية، وما زال يعاني بالرغم من امتناعه عن تناول المياه، كما ظهرت على جسده أعراض لأمراض أخرى كالالتهابات في المفاصل وتشقق وتورم الأرجل، ويؤكد على تأثر الأطفال صغار السن من هذه المياه لأنهم (يشربون) من الصنابير مباشرة فحجم الأملاح التي قد تترسب في كلاهم كبير جداً، وبات الأمر يتطلب معالجة فورية من الهيئة والسلطات المحلية، لأنه ليس في مقدور كل الأسر شراء مياه الصحة أو مياه الكارو.
عاجزون عن الحل:
وضمت المواطنة (مريم حسين) صوتها إلى مطالب (ماجد)، حيث أنها تناشد السلطات بإنقاذ سكان (قشلاق) الشرطة، لأن الواحد منهم لا يدري ماذا يفعل حيال هذه الأزمة التي أرقتهم لسنوات، هل يطعم أطفاله أم يشتري المياه للشرب أم يصرف على الأمراض التي أصابت بعضهم بسبب الترسبات؟ وأردفت أنهم مضطرين للسكن في ظل هذا الظرف المعيشي لأن المنطقة آمنة وتخلو من اللصوص والحرامية وغيرها من المظاهر السالبة الأخرى.
أما المواطنة (نعمة) فقد أشارت إلى أنهم يستخدمون كميات كبيرة من (الهبهان) لمعالجة الرواسب حتى يتمكنوا من شرب المياه، واستخدامها في الطبيخ اليومي والمشروبات من (شاي وقهوة)، لكنها شددت على مخاطر المادة الجيرية التي آذت السكان والأرض والأشجار.
الظروف صعبة:
لاحظت الجولة انتشاراً لعدد مقدر من مواتر (التكتك) وعند الاستفسار عن أسباب تواجدها قالت المواطنة (رجاء الصادق) إنهم يحملون (جركانات) الأسر لتعبئتها بالمياه (الحلوة) حسب وصفها، من مربع واحد بالفتيحاب مقابل أجر مادي مناسب تدفعه كل أسرة بشكل يومي، واشتكت من الظروف السيئة التي تحيط بالأسر حيث هناك أسر لا تملك المال لشراء جركانة ماء سعرها خمسة جنيهات فقط، وأشارت إلى وجود شبكة وخطوط مياه نقية بالمنطقة لها سبع سنوات غير أن الجهات المختصة تماطلت في تكملة توصيلها إلى السكان دون أسباب واضحة، مما يتوجب أهمية العمل في توصيلها والاستفادة منها بدلاً من وجودها شبه المعدوم نتيجة دفنها في الأرض وحرمان المواطن منها.
الانتقال الآمن:
رائحة الصدأ التي تميزت بها (موية القشلاق ) أدت ببعض الضباط إلى ترك منازلهم والانتقال إلى مناطق سكنية أخرى تتمتع بالمقومات وعلى رأسها الماء الذي يعتبر أساس الحياة، هذا ما أشار إليه أحد السكان ـ فضل حجب اسمه كما طلب عدم تصوير الذين تحدثوا إلى الصحيفة من داخل السكن ـ وأوضح أن الأسر تستخدم الماء في غسيل الملابس والأواني وتملأ بها المكيفات، لكنها ساهمت في تلف عدد كبير من أجهزة التكيف وأدت إلى تعطلها نتيجة ترسب الأملاح وتآكل الأجسام الخارجية للأجهزة، كما أنها تسببت في تشويه الأرض حيث إنها تتحول إلى اللون الأبيض في شكل خرائط، بالتالي يمكن القول بأن هذه المياه قاتلة ومشوهة للبيئة ويجب معالجتها.
وأشار في ختام حديثه إلى أنه يقوم بجلب الماء معه نهاية اليوم من جامع (الغفران) الواقع بمدينة المهندسين لأنه لا يستطيع شراء موية صحة لعشرة أفراد يعولهم يومياً، ووصف هذا الأمر بالمجهد وبإمكانه القضاء على المرتب بالكامل .
المعاناة واحدة:
حي (قشلاق) الشرطة بأبوسعد ليس وحده الذي يعاني مشكلة المياه المالحة فهناك مناطق كثيرة بأمدرمان ومحلية كرري وأمبدة تشكو ذات الوضع، وعجزت عن توصيل صوتها إلى الجهات المختصة للقيام ببعض المعالجات بدافع الخوف والفصل من الوظائف، وبحسب المهندس (أحمد سالم) الخبير في المياه الجوفية أن مياه الآبار بولاية الخرطوم بحاجة لمعالجات لأن أغلبها غير صالحة للشرب، وتميزت بالترسبات الكثيرة مما يزيد من مخاطرها على صحة الإنسان، ويرى أن ذلك يتطلب دراسات متأنية والاستعانة بالخبراء لتفادي أي ضرر من شأنه إحداث مشاكل كبيرة وسط المواطنين، مؤكداً أن أكثر من 1200) حي بولاية الخرطوم تشكو من المياه المالحة ومخاطرها، وأن أمراض الفشل الكلوي وجرثومة المعدة المنتشرة في الوقت الراهن سببها المباشر مياه الصهاريج والآبار التي لم تخضع لمعالجات، ويرى أن معالجة مشكلة مياه حي القشلاق مسؤولية المحلية أولاً وأخيراً.
مواصفات الماء:
لمياه الشرب الصحية (62) معياراً حددتها منظمة الصحة العالمية من المفترض أن تتوفر للمواطنين، منها المعايير(الفيزيائية والكيميائية والميكروبيولوجية)، وأخرى حسية يتعرف عليها الإنسان من خلال الحواس، ومن الخصائص التي ذكرتها المنظمة أن يكون اللون مقبولاً لا يتجاوز (50) وحدة بمقياس الكوبالت البلاتيني، وأن تنعدم فيها الروائح بالإضافة إلى أن تكون صافية على أن يكون الحد الأقصى لـ(لعكارة) في المياه المعالجة (5) وحدات، وفي المياه الجوفية (52) وحدة مقاسة بجهاز جاكسون وغيرها من الخصائص المطلوبة، وبحسب التجارب التي أجرتها بعض المراكز البحثية العالمية على الماء بمختلف أنواعها (بلدية ـ صحة ـ آبار)، اتضح أن الآبار تحتوي على نسبة أملاح مرتفعة جداً مما يتطلب توفير الفلاتر بنسب محددة، فيما حددت نسبة الأملاح في المياه الطبيعية تتراوح ما بين (100 ـ 300) وحدة.
ضرورية ولكن:
فيما عدّد دكتور (أحمد محمدين) استشاري أمراض الكلى والمسالك البولية مخاطر المياه المالحة على صحة الإنسان، مشيراً إلى أنها تساهم في الإصابة بأمراض الضغط والفشل الكلوي وتكوين الحصاوى، إضافة لتكوين الأملاح بالجسم الذي يؤدي إلى تورم الأعين والأطراف، لكنه أكد على ضرورة تناول المياه المالحة في موسم الصيف بكميات مناسبة لا تزيد لعن تر واحد في اليوم، وذلك لمد الجسم بالأملاح التي يفقدها من خلال التعرق نتيجة الجو الحار، مع المحافظة على الكلى بواسطة المشروبات مثل الشعير والصمغ العربي والهبهان الذي يقضي على جراثيم المعدة المتسببة فيها الماء وترسباتها.

الصيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..