أخبار السودان

ما عندنا خطًة؟ إذاً… عوجتنا بايتة و مقيٍلة..

مصطفى عمر

في حوش منزلك شجرة “دمس” تضخمت.. إن لم تقتلعها ستنهار الغرف بعد أن تصدعت الجدران القريبة بالفعل نتيجة لتمدد الجذور الكبيرة من تحتها، لا يوجد أي حل آخر ينقذ ما تبقى من المنزل من الانهيار الحتمي إلا باقتلاعها من جذورها…، قررت أن تستأصلها بنفسك..، حسنا فعلت بأن اتخذت القرار…لكن حتى تقوم بالتنفيذ تلزمك خطة …، لتنفذ الخطة تحتاج اللياقة البدنية، و بعض المعدات مثل الفأس ويجب أن تكون حادة، معدات الحفر الأخرى مثل الطورية والكوريق، الأجنة، الشاكوش… الخ، أليس كذلك؟ .. بدون توفر المطلوب لا يمكن اقتلاع الشجرة، .. هل نحن متفقون أن اتخاذ القرار مجرد خطوة أولى تظل بلا قيمة دون العمل، ولا يمكن أن تنجز المهمة إلا بتوفير متطلباتها…؟ نعم، لأن هذا بديهي.

مثال آخر: لو أردنا رصف طريق يتطلب الأمر استراتيجية وخطط عمل بموجبها تتم دراسات الجدوى المبدئية والنهائية وما يليها من توفير المواد والآليات والعمال والمهندسين..، ومتابعة وتقييم مراحل العمل…، بدون ذلك لا يمكن انجاز المهمة، هذا أيضا بديهي ومثله ينطبق على الكثير من أنشطة حياتنا اليومية..

لو أردت تغيير واقعك الاقتصادي والاجتماعي يجب أن تكون لديك استراتيجية للحصول على المال و الوضع الاجتماعي اللائق (بالوسائل المشروعة) ، تبدأ بتوفير المطلوبات، ثم تعزيز الرغبة بالعمل والعزيمة والمثابرة، الكر والفر، وإعادة المحاولة مرات وأخذ العظة من التجارب السابقة، والاستفادة من الفشل، … خطة لتجاوز العقبات وبعد هذا كله قد لا يحالفك الحظ ولا يكون لك سوى نصيب المجتهد…و لكل مجتهدٍ نصيب..

على مستوى الجماعة، العقبات التي تعترض طريق التغيير الاقتصادي و الاجتماعي أكبر حجما وأكثر عددا.. ، إذا يتطلب الأمر استراتيجية ، و خطط للتعامل معها حتى يكون بمقدورنا تحقيق الهدف..، لا يمكننا تخطي العقبات دون عمل و لا يمكن أن تُزال من تلقاء نفسها..، و طالما أن التغيير هو الهدف ، إذا تحقيقه يحتاج استراتيجية يجب أن نمتلكها أولا، أليس كذلك؟…، و إذا كان النظام يمثل أكبر العقبات فمن البديهي أن يكون اقتلاعه ضروري (مثال الشجرة) و من الطبيعي أن يحتاج عمل و تخطيط أي وجود أكثر من خطة عمل واحدة فالمسألة تحتاج استراتيجية داخل إطار الاستراتيجية الكبرى (التغيير) تكون كل واحدة من خططها موجهة لتحقيق هدف معين خلال فترة زمنية محددة ..، هذا في حد ذاته يجيب على أسئلة ما بعد النظام و لا يترك المجال لأي ارتباك بين الناس..

إذا كنا لا نمتلك استراتيجية فلن يحدث تغيير أبدا…، هذا في حدٍ ذاته أكبر حليف للنظام، فعدم وجود خطة واضحة يعني الارتباك…، بالتالي استفحال كل العقبات ومعوقات العمل الجماعي واستحالة توفير الأدوات والآليات التي نحتاجها بقدر أكبر من ذاك الذي يحول دون تحقيق المهمة كما في مثال الشجرة….

أجمع الخبراء والمهتمين بدراسة حركات التحرر والنضال ضدَ الأنظمة الديكتاتورية…، أجمعوا على ستة متطلبات يجب التأكد من توفرها، أضيف إليها سابعا بواسطة البروفيسور جين شارب…، الثلاثة الأولى منها متطلبات تخص امتلاك القدرات، التي تليها ترتبط بخلق الظروف لتحقيق النجاح…والسابع يتعلق بمتطلبات ما بعد النجاح…، يمكن الوقوف عليها جميعا من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:
السؤال الأول: هل نمتلك رؤية موحدة حول الأهداف و القيادة ؟..هل نمتلك ذلك؟ لا ، لا نمتلك قيادة من أساسه..
الثاني: هل نمتلك خطة عمل تمتد إلى ما بعد ستة أشهر؟ إذا كنا لا نمتلك قيادة من البديهي أننا لا نمتلك خطة ليوم واحد ناهيك عن ستة أشهر.
الثالث: هل نمتلك مجموعة من التكتيكات تستند بشكل صارم على الالتزام بالخطة وعدم اللجوء للعنف؟ لا نمتلك هذا الشيء.

المتعلقة بظروف النجاح (الاتجاهات العامة):
السؤال الرابع: هل مستوى المشاركة وتنوع المشاركين في نمو؟ أبدا..، بدليل أن أي تجربة عندنا بدأت قوية ثم اتخذت مسارا نحو الأسفل…حتى أن الكثير من الدعوات أصبحت لا يهتم بها الذين يطلقونها أنفسهم، أكبر دليل الدعوة التي أطلقها البعض للعصيان قبل يومين.
الخامس: هل نعرف الطريقة للحد من تأثير القمع بحيث يؤدي إلى نتائج عكسية ضد الخصم؟ أبدا.
السادس: هل تم تحديد الأشخاص المستهدفين بالانشقاق، وهل هنالك محاولة لحصول ذلك سريعا؟ أبدا..
السؤال السابع: هل تم خلق مؤسسات مستقرة قادرة على استلام السلطة وتسوية النزاعات بعد النجاح؟ أبدا..

كل واحد من الأسئلة السبعة يضم قائمة مرجعية للكثير من المهام مطلوب إنجازها ما يعني الحاجة لتخطيط استراتيجي لا يمكن توفره دون وجود قيادة معروفة …، جميع الأسئلة تكون إجابتها بالنفي في حال كانت الإجابة على السؤال الأول بـ”لا”…إذا السؤال الأول هو الأهم و يجب أن نبدأ باستيفائه أولا.. عندما تكون إجابته بـ “نعم” يعني أننا لدينا قيادة معروفة ويمكننا أن نمتلك استراتيجية، يمكننا النجاح لأنها “الاستراتيجية” مفتاح الكفاءة، والكفاءة مفتاح النجاح…إذ يمكننا الاستخدام الأفضل للموارد والإمكانيات المتوفرة …. الاستراتيجية التي أتحدث عنها تعني ” الطريقة الأفضل لاستخدام الموارد في تحقيق الأهداف …”، كيف ومتى نحقق أهداف معينة”…، الفكرة الأساسية لتجميع ما لدينا من إمكانات متفرقة لتعمل معا لتحقق أهدافها”…ما يعني الحاجة لخطة عمل شاملة…
فشلنا حتى الآن في إجابة السؤال الأول لذلك حصلنا على نتائج وخيمة منها على سبيل المثال: ضياع الجهد و الوقت في قضايا ثانوية/ انصرافيه…، عدم استغلال الفرص لتحقيق مكاسب في طريق الهدف…العجز التام عن الفعل..، النظام هو من يقوم بتحديد خطواتنا و هو من يتحكم في سير الأحداث…المقاومة ضعيفة ، رغم أننا نعرف ما يحرٍك الجماهير إلا أننا لا نعمل عليه بالتالي لم تشارك الجماهير العريضة في المقاومة ، حتى أننا لم نستفد من أهم الفرص المتاحة مثل عداء النظام لغالبية قطاعات الشعب ما أضاع علينا فرصة المشاركة الجماهيرية بصورة واسعة و ما يترتب عليه من انشقاقات كبيرة في صفوف النظام.

في المقابل نجاحنا في إجابة السؤال الأول بـ”نعم” يعني تركيز قوتنا و امتلاكنا خطة نستطيع من خلالها توفير المعدات المطلوبة (مثال الشجرة) و السير في طريق معروف لهدف محدد و تنفيذ استراتيجيتنا التي أعددناها والتركيز على الهدف الرئيسي (انجاز التغيير)…بما في ذلك معرفة كيف نعجٍل بانهيار ركائز دعم النظام الأساسية مستفيدين من الأزمة التي ضربت مفاصله عبر نقاط ضعفه الكثيرة….، و أمر آخر مهم هو أننا نستطيع تقليل عدد الإصابات والخسائر الأخرى إلى أدنى ما يمكن ، أما التضحيات فلن تذهب هباءا إنما لخدمة الهدف الرئيسي بطريقة واضحة يراها الجميع.
مشكلتنا قائمة …، و ستبقى العوجة “بايته و مقيٍله..” ، طالما إجابة السؤال الأول بالنفي، أما كيف ومتى تصبح اجابته بـ”نعم” عندما نخلص النوايا و نعمل بصدق و نرتقي بطموحنا و ننبذ المشاكسات و نوحٍد صفوفنا….، المؤكد أن (الشجرة) مغروسة في فناء منزلنا الكبير الذي يأوينا جميعا….، لا بد من اقتلاعها و لا بد من خطة ، لا بد من قيادة معروفة منا جميعا حتى تمثلنا جميعا ..

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اولا كل التحايا للأخ مصطفى عمر على هذا المقال الرائع جدا.

    فى مؤجز الحديث الشريف إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
    أما فى حالة السودان فأن الجسد هو الذى إشتكى والأعضاء واقفه امامه تتفرج فى نهايته الحتميه بلاشك مع العلم فى مقدورها ان تبعث فيه الحياة لكنها خافت ان تصيبها العدوى وتموت ولاتدرى المسكينه إنها جزء من هذا الجسد وإذا مات الجسد فبالتالى حتما هى سوف تموت لأنهم يتشاركون نفس النبض ونفس الدماء.

  2. نسيت
    أرجوا من إدارة الراكوبه المؤقره رفع هذا المقال لأطول فتره ممكنه ولأهميته حتى يتثنى لأكبر عدد مطالعته.

  3. اولا كل التحايا للأخ مصطفى عمر على هذا المقال الرائع جدا.

    فى مؤجز الحديث الشريف إذا إشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.
    أما فى حالة السودان فأن الجسد هو الذى إشتكى والأعضاء واقفه امامه تتفرج فى نهايته الحتميه بلاشك مع العلم فى مقدورها ان تبعث فيه الحياة لكنها خافت ان تصيبها العدوى وتموت ولاتدرى المسكينه إنها جزء من هذا الجسد وإذا مات الجسد فبالتالى حتما هى سوف تموت لأنهم يتشاركون نفس النبض ونفس الدماء.

  4. نسيت
    أرجوا من إدارة الراكوبه المؤقره رفع هذا المقال لأطول فتره ممكنه ولأهميته حتى يتثنى لأكبر عدد مطالعته.

  5. طالما الهدف محدد لا داعي للتخطيط والاختلافات والاستراتيجيات دعونا نرتجل ونخلق الفوضى وعندما نستلم الكرة نرسلها الي من يقف في المكان المناسب
    هكذا تهب العواصف والسونامي دون سابق انذار وتقتلع وتدمروكفاية تثبيط همم

  6. طالما الهدف محدد لا داعي للتخطيط والاختلافات والاستراتيجيات دعونا نرتجل ونخلق الفوضى وعندما نستلم الكرة نرسلها الي من يقف في المكان المناسب
    هكذا تهب العواصف والسونامي دون سابق انذار وتقتلع وتدمروكفاية تثبيط همم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..