أخبار السودان

حديث الدكتور منصور خالد وشعاع نهاية النفق

حديث الدكتور منصور خالد وشعاع نهاية النفق

محمد عبد الله برقاوي
[email protected]

لفت نظري بصورة جاذبة وربما استوقف الكثيرين ذلك الحديث الصحفي الذي ادلي به الدكتور منصور خالد أخيرا فالرجل من صناع القرار علي كلا المستويين في شراكة الحكم ..بل وأحد أهم المشاركين في كافة المؤتمرات التي بسطت مشكلة الجنوب علي منضدة التحاور او التفاوض او توقيع الا تفاقات ..فهو أحد شهود العصر علي مؤتمر المائدة المستديرة الذي اعقب ثورة اكتوبر في ستينيات القرن الماضي .. بل وكان من المهندسين الأهم الذين رسموا لاتفاقية اديس ابابا في أوائل السبعينيات من ذات القرن ..وساعد في تطبيقها علي ارض الواقع كحكم ذاتي ..حظي خلاله الآقليم بسلام لمدة عشر سنوات من عمر النظام المايوي..هذا فضلا عن دوره الذي لعبه في تفصيل السيناريو الذي افضي الي اتفاق نيفاشا ودخل بموجبه الي القصر الجمهوري كأحد المستشارين ضمن حصة الحركة في اروقة الحكم.. اذن هو رجل عارف ببواطن الأمور فهو من المؤهلين لاستقراء الواقع واستشراف القادم في ذات الوقت .
.مثلما استطاع من خلال طرحه المتنوع في حواره الصحفي علي ان يلعب دورا متوازنا بين مسئؤلياته كمستشار للرئاسة وبين وضعه كعضو في الحركة الشعبية ..فانتهج اسلوب المواطن المثقف المحلل للوضع الحالي لمجريات الأمور دون ان يسفر عن توقعات بعينها حول استحقاق تقرير المصير او ما الذي يمكن ان تفضي اليه ارادة الجنوبين ..بين خيار الوحدة والانفصال.وذلك حتي لا يفتح باب التأثير علي تلك الارادة..ودون ان ينفي عن نفسه شرف تهمة الوحدوية. كما انه لم يستنكر بصورة كلية يأس الحركة من جاذبية الوحدة ..ولم يتحامل علي المؤتمر الوطني او يحمله مجتمعا مآلات التردي الحالي التي اعطت انطباعا علي مستوى الراي العام بان الأمور تتجه نحو الآنفصال لا محالة.. والذي يجيد قراءة ما بين السطور في حديث الرجل ربما يستشف بارقة أمل في ان ترجيح كفة الوحدة يظل احتمالا ليس بالمستحيل اذا ما أحسن الطرفان ادارة مواقفهما خلال الفترة المتبقية.. ليس بالطبع من قبيل المساومات والتسويات الانية..وانما بالرجوع الي ثوابت الاتفاقية المبرمة بينهما ..وفق العقلية التي عاش من اجلها الراحل جون قرنق ومات دونها ..اي الرجوع الي فكرة السودان الجديد الذي يبني علاقة مواطنيه علي اسس تنأي بها عن تغليب دين علي اخر او اثنية علي اخري ..وتحتكم في ادارة الدولة الواحدة علي ديمقراطية حقيقية يسندها دستور دائم ليس مفصلا علي حزب بعينه او ايدلوجية سياسية تتغول علي بقية الافكار الوطنية المنافسة من منطلق حق التداول في السلطة التي تحكم ذلك الوطن ..الذي يتراضي الجميع للتعايش فيه ككيان جديد يقوم علي تلك الدواعي ..نبذا لكل اخطاء الماضي والتراكمات التي عددها الدكتور منصور خالد في رصده التاريخي لدوافع تفجر الصراع منذ حقبة الاستعمار مرورا بكل مراحل صب الزيت علي الحريق ابان فترات الحكم الوطني بصنفيه الديمقراطي المتقطع والعسكري ..طويل التيلة..و..ربما يقول المتشائمون ان فكرة السودان الجديد وكيفية ايجادها كحقيقة محتملة قد دفن نصفها مع الدكتور جون قرنق فيما ابتلع نصفها الآخر الشريكان ..فتبددت كالسراب علي مدي سنوات تطبيق الاتفاق ..الذي تعثر كثيرا ووقف عند عتبات هامة ومفصلية كان عدم تخطيها هو ما أدي الي تغليب الاحساس بغلبة خيار الانفصال عن الاتصال ..وعلي رأسها عقبة ترسيم الحدود التي جعل منها المؤتمر الوطني (عقدة منشار) فيما وصفت الحركة ذلك الموقف ( بكعب اخيل ) اراد من خلاله المؤتمر ايجاد المسوغات التي تبرر التسويف في الايفاء بآخر سطور الاتفاقية وهو تقرير المصير في الموعد المضروب له..
بيد ان شعاع الأمل تظل ومضاته ماثلة في العيون في كيفية اعادة قراءة..كتاب العلاقة بين مواطني الشمال والجنوب قراءة طردية وليست عكسية..وقد استعرض د/ منصور صفحات مهمة من ذلك الكتاب العامر بسطور السرد المنطقي للتداخل القبلي والرعوي علي سبيل المثال و الذي اصبح لا فكاك منه ولو اصبح الانفصال حقيقة واقعة..فستظل حبال الجذب والشد..ممدودة بين طرفي البلاد بالقدر الذي يستعصي علي الفكاك ..وهو بالطبع في ذات الوقت اي د/ منصور لم يعفي الشريكين من مسئؤلية توثيق ذلك الرباط بتوفير المحفزات العقلانية..التي يستوجب توافرها النظر الي ابعد من تحت القدمين..لان مساحة الوطن أكبر من ذلك بكثير وتتسع تماما ليتشكل عليها ذلك السودان الجديد..الذي مات من اجله د/ قرنق وترك بقية الحلم تداعب كل العيون التي تنتظر الغد بقلق وترقب ولنقرأ ما قاله د/ خالد مرة أخري فقد نري شعاعا في نهاية النفق..والله من وراء القصد..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..