في ذكرى مفاصلة الإسلاميين الوطني والشعبي .. تبدل الحال

تقرير: محمد البشاري
قبل نحو (18) عاماً أي في 12 ديسمبر من العام 1999م كان الإسلاميون وهم على سدة الحكم بالبلاد على موعد مع مفاصلة أفضت إلى انقسامهم إلى حزبين هما المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، تلك المفاصلة ظلت محفورة في أذهان السودانيين بصفة عامة والإسلاميين بصفة خاصة، غير أن مياه كثيرة جرت تحت جسر العلاقة بين الحزبين شهدت تنافراً شديداً في أوقات سابقة، وأفضت لاحقاً إلى تبدل الحال والأحوال بأن التقى الطرفان مجدداً بأمر مبادرة الحوار الوطني.
تحالفات مناوئة
بداية المفاصلة بين الإسلاميين كانت حينما صدرت قرارات رئاسية وصفت بـ(الحاسمة)، وعرفت وقتها بقرارات الرابع من رمضان، أعلن من خلالها رئيس الجمهورية حل المجلس الوطني الذي كان يرأسه الراحل د.حسن الترابي وإعلان حالة الطواريء وتجميد المادة المتعلقة بانتخاب الولاة، القرارات الرئاسية سبقتها في العام 1998م (مذكرة العشر)، والتي سحبت السلطة من الأمين العام للمؤتمر الوطني الراحل الترابي لكنها ألغيت لاحقاً، وأعيدت السلطة للترابي، قرارات أخرى لاحقة صدرت وتم بموجبها تجميد نشاط الأمين العام الراحل الترابي والأمانات وأمناء الولايات، تلك القرارات مثلت اكتمال لحلقات مفاصلة الإسلاميين، فأسس الراحل الترابي حزب المؤتمر الشعبي، عقب المفاصلة اختار المؤتمر الشعبي صفوف المعارضة، وانخرط في عدة تحالفات مناوئة للنظام، هذه المواقف كلفت الحزب كثيراً باعتقال الترابي وعدد من قيادات الحزب وإغلاق دوره، غير أن العداء الذي ظل يناصبه الشعبي للنظام تغير وتبدل عقب إطلاق الرئيس البشير لمبادرة الحوار الوطني، حيث أعلن الشعبي تأييده للحوار ومشاركته فيه، بل وأصبح أحد اللاعبين الأساسيين في حوار الوثبة الذي أفضي في خواتيمه إلى مشاركة الشعبي في الحكومة والبرلمان.
خلاف غير موضوعي
القيادالاسلامي البارز قطبي المهدي ابتدر حديثه قائلاً: مفاصلة الإسلاميين كانت نتيجة لخلاف غير موضوعي، وأضاف (البعض حاول أن يلبس الخلاف بأنه خلاف عقدي) ، وأشار إلى أن الخلاف كان حول الصلاحيات في القيادة، وقال القواعد كانت غير واعية بالخلاف، لكنهم بعد اكتشاف الخلاف إضطروا إلى الانقسام، وأضاف (القاعدة أخذت على حين غرة)، وأتجه قطبي في حديثه لـ(آخرلحظة) للتأكيد على أنه الآن وبمرور الزمن والتحديات التي تواجه الإسلاميين، رأوا أنه ليس هنالك خلاف مبدئي، ومن ثم كانت المشاركة في الحكومة، وأقر قطبي بوجود مرارات كتيرة تحتاج إلى زمن طويل، وقال (ستظل التنظيمات منفصلة لكن العمل المشترك والتحديات التى تواجه الاسلاميين ستقربهم أكثر في المستقبل).
مشاركة فوقية
بالمقابل ابتدر القيادي بالمؤتمر الشعبي أبوبكر عبد الرازق حديثه بالقول إن مفاصلة الإسلاميين نسبت إلى شهر رمضان زوراً وبهتاناً، لأن رمضان أكبر من أن يكون شهراً للخيانة أو البغي والعدوان، وقال لـ(آخرلحظة): (فالأولى أن تسمى بـ(12) ديسمبر، لأن الذي حدث فيه استعمال للقوة العسكرية، وفرض الأمر الواقع بأمر طواريء ما كان يتيحه الدستور ولا يخوله حكم القانون)، ومضى قائلاً: إن المفاصلة هى بداية لاقصاء الاسلاميين جميعاً من مركز اتخاذ القرار، وأضاف أما فيما يتعلق بمبادرة الحوار فنحن لم نستجب لها بقدر ما نحن أصحاب المبادرة كحزب مؤتمر شعبي، قدمناها في ورقة مكتوبة صادفت القبول من الرئيس ورتبنا كل أدوارها وأطوارها وخارطة طريقها، إلى أن وصلنا إلى مخرجات مرضية إلى حد ما للجميع)، وزاد: (وكانت مشاركتنا بطلب من الرئيس لا برغبة من الحزب، من أجل رمزية للوفاق بمشاركة رمزية فحسب لا تمثل حجم الحزب ولا مساحة انتشاره ولا قدراته الحركية كأكبر حزب موجود في البلاد الآن والأكثر تاثيراً ونشاطاً)، وأردف (نعم نتحمل المسؤولية السياسية بحكم المشاركة، ولكن ينبغي أن يعلم الكافة أن الموتمر الوطني اسم بلا فعل)، واختتم حديثه قائلا : (الوطني يريد من كل الناس مشاركة شكلية، ولن نوافق على ذلك، ولذلك رفضنا المشاركة في ورشة الانتخابات، وأعلنا مقاطعتنا لها للرأي العام).
مشاركة صورية
المحلل السياسي د. راشد التجاني قال إن ارتباط ذكرى المفاصلة بالرابع من رمضان كأنها دلالة مربوطة بالجانب الروحي التعبدي أكثر من التاريخ الهجري، وأشار إلى أن الإسلاميين ظلوا يؤكدون على أنها اختلافات فكرية وليست مصالح شخصية، وقال راشد لـ(آخر لحظة) كثير من التحليلات تذهب إلى أنها مصالح شخصية، وبعض التحليلات يرون أنها تمثيلية وأنها ليست مفاصلة حقيقية، وأضاف (لكن بمرور الزمن أثبتت الأيام أنها مفاصلة حقيقية نتيجة خلافات فكرية)، وأردف (انخراط المؤتمر الشعبي في الحوار ومشاركته في الحكومة جاءت بعد خطوات مرة يقدم ويأخر ودخوله جاء متعثراً، لأن هنالك تيارين أحدهما رافض للمشاركة وآخر مع المشاركة)، مشدداً على أن الحزب حسم موقفه بالمشاركة حسماً تنظيمياً، لجهة أن الرأي الراجح كان في صالح المشاركة، راشد أكد أن مشاركة الشعبي في الحكومة قد تتطور لدرجة أنها تصل لحد الاندماج مرة أخرى، اذا أفرزت أفكاراً جديدةً وتقارباً في الأفكار، وتلبيةً للجوانب الفكرية، وأشار راشد إلى أن التيار الرافض للمشاركة يرى أنها صورية وغير حقيقية، وتابع إذا تعثرت المشاركة سيرتفع صوت المطالبين بالتراجع عن المشاركة، وقطع راشد بإمكانية أن تزيل مشاركة الشعبي مرارات الماضي، لجهة أن المرارات سببها إقصاء لأفكار.
آخر لحظة.