وداعا صديقي محمود عبد العزيز

وداعا صديقي محمود عبد العزيز
أحمد الملك
[email][email protected][/email]
لا زالت صورتك تضئ ذاكرتي منذ المرة الوحيد التي رأيتك فيها، رغم أن صوتك الدافئ الحنون سيصبح دائما جزءا من حياتنا، جزءا من صور ذكرياتنا وأحلامنا.
كان ذلك في النصف الثاني من الثمانينات، أيام طيبة الذكر الديمقراطية الثانية، التي حين ضاعت، عرفنا أننا سنفقد كل أشيائنا الجميلة، ولم نكن نظن حينذاك أن الفقد سيتطور الى قمة جمالنا، وأننا سوف نفقدك أنت أيضا . كنت أنت انذاك شابا صغيرا لطيفا. بموهبة لا تخطئها العين ومحبة لا يخطئها القلب وإخلاص لفنك الجميل لا يخطئه أية صاحب ذوق أو محبة للفن وللعالم.
كانت تلك مناسبة زواج في الخرطوم بحري، لكننا عرفناك من قبل ذلك عبر الكاسيت، وكان صوتك ينبئ عن تلك الموهبة الكبيرة التي ستصبح جزءا من حياتنا. لا زالت ترن في أذنى عبر السنوات (البلوم في فرعو غنى) مخلوطة بعبير نوار شجر الليمون، وصوت الريح الراحلة فوق سنابل القمح النابته، تتمايل مع غبار أمشير، وإشارات ذاك الزمان السعيد قبل أن تنقلب حياتنا رأسا على عقب مع مارشات الانقلاب الانقاذي المشئوم.
وداعا يا صديقي، يظل صوتك خالدا أبد الدهر ، أكبر حتى من طموحنا نحو تحقيق الحلم الذى كرست صوتك الجميل وحياتك من أجله. فقدناك وفقدنا أنفسنا يوم أن دخل التتار من ثقوب تسامحنا، وحولوا حياتنا الى جحيم. ولأنك وقفت بسلاح فنك في المقدمة كان طبيعيا ان تنتاشك أول سهامهم الغادرة. فيمعنوا في إذلالنا من خلال محاولة إذلالك وقهرك . لكنك كنت دائما عصيا وقويا. مثل نخيل بلادي الذي يموت واقفا.
وداعا يا صديقي، سيحمل الملايين من عشاقك الأمانة. وستكتسح رياح التغيير أولئك المشغولين بخصخصة الهواء. ويبقى صوتك خالدا، رمزا لكل قيم الزمان القديم.
الردود