أخبار السودان

.يعاني نقصاً في الكوادر والمعدات مستشفى كسلا.. (حال) يغني عن السؤال

اختصاصي: المستشفى يحتاج إلى انتفاضة حقيقية

مواطن: لا تتوفر أبسط المقومات ونعاني كثيراً في العلاج

كسلا: منزل زكريا النور

يشهد مستشفى كسلا تدهوراً مريعاً في بيئته الداخلية والطبية، وأول ما يلفت نظر المريض والزائر الروائح الكريهة التي تنبعث من العنابر بسبب تراكم الأوساخ وعدم النظافة الدورية والمستمرة، وهذا هو الشيء الذي يبعث اليأس والإحباط في نفوس الزائرين وأسر المرضى قبل المريض نفسه، ويقضي الزائر لحظات كئيبة تجعله يفكر أكثر من مرة أن تلك الحجرات ما هي إلا ممرات للحياة الأبدية.

الطوارئ والتردي

بعد أن تلقت الصيحة الكثير من الشكاوى عن تردي مستشفى كسلا توجهت ناحيته لتقصي حقيقة الأمر، وفي عنبر الطوارئ المخصص لاستقبال جرحى الحوادث المرورية وجدنا عدداً من المقاعد والكراسي البالية ذات الطراز القديم يجلس عليها ثلاثة أطباء عموميون يبذلون فوق طاقتهم للاهتمام بأوضاع المرضى رغم حالة الاستياء التي ارتسمت على وجههم بداعي نسبة التردد العالية وقلة الأطباء، ويكشف أحد الأطباء عن أنهم وصلوا إلى قناعة أن الجهات المسؤولة غير حريصة على تطوير المستشفى ليواكب التقدم.

جهاز معطل:

وقالت مصادر طبية عليمة بالمستشفى لـ(الصيحة) إن جهاز تعقيم الشاش معطل منذ أكثر من ثلاثة شهور، بجانب نقص في الكوادر الطبية خاصة الأذن والأنف والحنجرة، إضافة إلى انعدام المقصات وحاملة الشرايين التي تستخدم في خياطة الجروح في الحوادث، ولفتت المصادر إلى أن المعدات التي تستخدم في غرفة العمليات منتهية الصلاحية، وحذر ذات المصدر من مغبة استخدام المعدات بسبب أنها ستسبب مضار صحية متمثلة في نقل الأمراض المعدية، وأوضح المصدر أن الأطباء طالبوا بضرورة توفير معدات جديدة، ولكن إدارة المستشفى لم تحرك ساكناً، وتتعلل بعدم توفر السيولة خاصة بعد تقليص الدعم .

إهمال واضح:

انتقد الطبيب الذي تحدث لنا الإهمال الواضح والمتعمد الذي يتعرض له المستشفى التعليمي من قبل وزارة الصحة بالولاية، الأمر الذي أدى إلى تردي بيئة العمل، مؤكداً أن وزير الصحة بالولاية يتفقد المستشفى بصورة دورية للوقوف على أوجه القصور، ولكنه لم يضف جديداً ولم يعالج مشكلة، ولفت إلى أن المستشفى تستقبل جميع الحوادث المرورية التي تحدث بالطريق القومي الخرطوم بورتسودان كسلا، فضلاً عن الحوادث التي تقع في محليات الولاية، ولكنه يفتقر لأبسط الخدمات الطبية والعلاجية، وأضاف أنه في فترة قليلة استقبلت المستشفى حالات حوادث لمواطنين على متن عربة لوري كانوا في طريقهم إلى العمل، وكشف بجلاء ضعف وهشاشة الخدمات بالمستشفى، حيث كانت حالة الجرحى يرثى لها، وجدناهم راقدين على الأرض داخل العنابر ومرافقوهم قاموا بشراء كافة احتياجاتهم الطبية من الشاش والحقن على الرغم من وجود قانون يلزم المستشفيات بعلاج حالة الطوارئ مجاناً، وناشد الطبيب الجهات المختصة بالولاية بضرورة الاهتمام بالمستشفى وصيانته باعتباره المستشفى الوحيد لاستقبال حوادث الطريق بالولاية بدلاً من ترحيل الحالات إلى الخرطوم ومدني بسبب عدم توفر أطباء العظام بالولاية.

تردي الأوضاع وانهيار البنيات التحتية:

وفي السياق، كشفت جولة (الصيحة) داخل المستشفى عن تصدعات داخل المعمل الخاص بالحوادث، بجانب قلة الاهتمام بالمرضى، على ضوء ذلك شكا المرضى ومرافقوهم من غياب عمال النظافة داخل العنابر، وكشفوا عن انتشار كثيف للبعوض والذباب داخل العنابر، والمحيط الخارجي بسبب عدم النظافة والتنظيم إلى جانب تكدس الأوساخ والقاذورات وأكياس النايلون التي تؤكد الغياب التام لعمليات النظام الصحي والخدمي في المستشفى، ويصف أطباء هذا الواقع بالإشارة إلى أن ولاية كسلا تشهد حالة من التخبط الخدمي والإداري والجفاف الحكومي في معظم المرافق الصحية بفضل منهجية الوزارة المعنية بالصحة حيث يصفها البعض بأنها وزارة الترضيات السياسية، وعلى إثر ذلك تراجعت مستشفياتها التعليمية إلى قاع التدهور المريع حتى باتت تفتقر إلى أبسط مقومات الخدمة التي يمكن أن يقدمها أي مركز صحي في بقعة من بقاع السودان المختلفة، عموماً المستشفيات التعليمية والخاصة في الولاية تعيش حالة احتضار واستغاثة إن لم يكن تشييعاً إلى مثواها الأخير جراء ما لحق بها من الإهمال والنسيان.

نظرة أولى:

النظرة الأولى من الخارج تبدو المستشفى كأنها على درجة عالية من النظافة والرعاية الصحية، ولكن الصورة غير ذلك تماماً كما يبدو، فالمستشفى يتبع سياسة الترميم والتجميل والمكياج بالأشكال الجميلة من الخارج، لتحكم على شكل منظره الخارجي الجميل على أنه تطور صحي، ولكن عندما تدخل من الباب الرئيسي تظن نفسك وـ إن بعض الظن إثم ـ بأنك على أبواب مستشفيات، وسوف ترى تردي الأوضاع والخدمات المتدنية الناتجة عن جهل وإهمال، وتشعر بأنك في مكان آخر تماماً لا يوحي بأنه مستشفى لا من حيث التجهيزات الطبية ولا البيئة المساعدة، فهو مكان خصب جداً لإصابتك بالمرض بدلاً من العلاج، بعض الفقراء حسبوها مشفى ووجدوها دار ممر للحياة الأبدية.

مليارات ضاعت هباء منثوراً:

مليارات من الجنيهات أنفقتها حكومة الولاية وتبرعات أبناء كسلا بدول المهجر بالإضافة لدعم بعض الخيرين من أجل تأهيل وصيانة المستشفى، فرحة أهالي كسلا لم تدم طويلاً فقد ساد الإهمال أرجاء المستشفى ورويدًا رويداً، وتعطلت معظم الأجهزة الطبية وأوضح دليل على ذلك عدم وجود جهاز الأشعة المقطعية وأجهزة التكييف التي كلفت الولاية المليارات، فسرعان ما طفحت مياه الصرف الصحي لتكشف الخلل، وهنا يتساءل موطنون: من يتحمل هذا الخراب والدمار؟ ومن يحاسب من؟ ومن المسؤول عن الاستهتار بالمال العام، ويؤكدون أن الاستهتار بأرواح البشر صار واقعاً يعبر عن مأساة ضحيتها أولاً وأخيراً المواطن المريض الذي لا يبحث سوى عن روشتة رخيصة للشفاء، لكنه لا يجدها الآن، فالأطباء غير موجودين بعد أن تم هدم كل المكاتب الإدارية ومكاتب الاختصاصيين، وهذا يدل على قصر نظر المسؤولين عن أمر الصحة بالولاية.

مشاكل متعددة:

والمشاكل التي تعانيها مستشفى كسلا لا تقف عند حوادث الإهمال وعدم وجود بيئة عمل صحي، بل تشمل نقص الأجهزة والأدوية، وهنا يقول مواطن: حالة التردي الحالية بمستشفى كسلا لا يمكن تفسيرها إلا بالإهمال المتعمد، والاستهانة بأرواح البسطاء الذين يلجأون إلى مثل هذه المستشفيات التعليمية، لتلقي العلاج بالمجان فيضطر البعض منهم إلى شراء المستلزمات التي يحتاجها الطبيب المعالج على نفقتهم الخاصة، بدءاً من الحقن والشاش والأدوية مروراً بأكياس الدم والقسطرة من الصيدليات الخارجية المجاورة للمستشفى لعدم توفرها بصيدلية الطوارئ التي تفتقر إلى كل شيء، فنقص الدواء مشكلة أخرى يواجهها المرضى الذين هم في أمس الحاجة إليه، أي أن الخدمة المجانية الوحيدة داخل مستشفى كسلا التعليمي تنحصر في الكشف الذي يجريه الطبيب تجده في معظم الأوقات سريعاً في إنجاز عمله لمحاولة للتخلص من الأعداد الغفيرة التي تكتظ بها ممرات المستشفى، فمعظم الأطباء حديثو التخرج تنقصهم الخبرة الكافية وللأسف الشديد يتم ذلك على حساب صحة المواطن، أما الأطباء العموميون الاختصاصيون يتواجدون بعياداتهم الخاصة التي أصبحت أداة قطع الوصل بين الفقراء ووجهاء المجتمع.

من الخارج:

منظر المستشفى من الخارج يبين حجم معاناة وهموم أسر المرضى وتكدسهم يتكرر صباح كل يوم ، وبعض الأسر اتخذت من ظلال الشجر سكناً دائماً لحين شفاء مريضهم أو إلى أن يقضي الله أمراً أنه كان مفعولا، ويقول مواطن لـ(الصيحة): تعاني جميع أقسام المستشفى من تدنّ في مستوى الخدمات، ونقص في الأدوية، والإهمال الجسيم الذى يصل إلى حد العبور للدار الأبدية جراء الإهمال واللامبالاة، والتكاليف الباهظة التي يدفعها المرضى من الفقراء والكادحين أصحاب الدخل المحدود، بالإضافة إلى عدم النظافة فمن المناظر الأولية لدخول الإنسان إلى المستشفى يتفاجأ بأكوام القمامة والمخلفات الآدمية تتصدر كل أركان المستشفى وتحيط بجوانبه المختلفة- إضافة إلى مشكلة الصرف الصحي التي تتسبب في حدوث طفح متكرر لمياه المجاري وتنبع منها الفيروسات والجراثيم والروائح الكريهة، وإلقاء المخلفات دون اتباع الأصول الفنية والصحية، ورغم تعدد برامج ومشروعات التنمية والتطوير وجهود الحكومة لقيام المنشآت الطبية في الولاية بين حكومية وخاصة إلا أن تلك المنشآت تفتقر إلى ثقة المواطن بسبب تدني الخدمات الطبية المقدمة في المستشفيات، الأمر الذي يدفع كثيراً من المواطنين للسفر إلى الخرطوم طلباً للعلاج، وقد يلفظ المرضى أنفاسهم قبل وصولهم نظراً لطول المسافة، ورغم أن مستشفى كسلا التعليمى يعتبر أكبر مستشفيات الولاية، إلا أنه يعاني من الإهمال الشديد حيث تآكلت جدران المبنى القديم جراء عوامل الطبيعة والإهمال المؤسسي، فضلاً عن تحول دورات المياه إلى بؤر للأمراض، وانتشار القطط والحشرات بأنواعها المختلفة داخل العنابر.

صرخات:

يقول المواطن أحمد: تعددت صرخات المواطنين وآهاتهم بعض أن فاض بهم الكيل من التقصير والإهمال واللامبالاة، ويبقى المسؤولون داخل مكاتبهم المكيفة غير مبالين بأصوات المرضى وصراخهم، ومن بين كل الملفات والقضايا العالقة في ولاية كسلا يحتاج القطاع الصحي إلى عمليات إنعاش سريعة وعاجلة تعيد لمهنة الطب اعتبارها وتعيد للمواطن إنسانيته المهدرة في المرافق الصحية.

انتفاضة كاملة على كل المستويات:

وعلى ذات الاتجاه ذهب الدكتور علي جعفر أستاذ علوم التشريح بجامعة كسلا إلى أن البيئة الصحية هي نتاج للسلوك الحضاري الراقي من أفراد المجتمع، ويكون ذلك عبر الاهتمام بالبيئة والنظافة اليومية المستمرة على مستوى الأحياء والمحلات التجارية والشوارع، وقديماً قيل لو نظّف كل منّا أمام بيته لأصبح العالم نظيفاً، من ينشدون أن يروا ولاية كسلا خالية من التدهور الصحي دون توعية السلوك الإنساني والحضاري بأهمية النظافة وتجنيب البيئة الملوّثات المختلفة، كمن ينشدون زرعاً في صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا حياة، الملوثات البيئية هي الخطر المهدد لصحة الإنسان، وهي السبب الرئيسي في التدهور الصحي بولاية كسلا، عدم الاهتمام بكيفية التعامل مع النفايات على المستوي الفردي لإنسان الولاية ومن ثم على مستوى المعنيين بالصحة في الولاية، هو السبب الرئيسي في أي تدهور صحي قد يحدث بالولاية، والتدهور الصحي ناتج في بداياته من سوء السلوك الفردي لإنسان الولاية، وهذا هو ديدن الأمر ومحوره، وغياب حملات التثقيف الصحي والتوعية بمخاطر الملوثات هي الخطر الداهم والعامل الرئيسي للتدهور الصحي بولاية كسلا، وعن مشكلات الخدمات بالمستشفى التعليمي.

عمل ضخم:

يواصل أستاذ علوم التشريح علي جعفر ويؤكد أن مستشفى كسلا التعليمي يحتاج الى انتفاضة كاملة على كافة المستويات الخدمية، وخاصة في جانب توفر الكوادر الطبية البشرية التي يشّكل غيابها عن الوجود بساحة العمل بصورة شبه دائمة وعلى مدار الـ24 ساعة أكبر هاجس يهدد الخدمات الصحية بالمستشفى، وهذا التقصير هو مسؤولية وزارة الصحة في عدم اهتمامها بالحضور والغياب للكوادر الطبية بالمستشفى ، ويضيف: كما أن هنالك أقساماً بمستشفى كسلا التعليمي تحتاج لإعادة تأهيل وصيانة، رغم أن الوضع الخدمي بمستشفى كسلا ليس في مستوى التوقعات المطلوبة لكنه أصبح أفضل مما كانت عليه المستشفى في الماضي كثيراً .

وزير لا يمكن الوصول إليه:

بعد وقوفنا على الأوضاع الصحية ومستوى الخدمات بالمستشفى التعليمي وأحوال المرضى والمواطنين المرافقين حاولنا استنطاق وزير الصحة بالولاية حول مخرجات التنمية الصحية ومستوى الخدمات العلاجية، ولكنه لا يرد على المكالمات وقمت بإرسال رسالة هاتفية مع توضيح غرض الاتصال ولم يتم العثور على أقوال له حتى لحظة النشر.

الصيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..