أخبار السودان

الحزب الحاكم طالب نوابه بعدم انتقادها.. لكن المهدي وصفها بأنها الأسوأ، وأعلن الشعبي مقاومة تمريرها، أما المعارضة فاعتبرتها الثقاب الذي يشعل الثورة

الخرطوم ? الزين عثمان
لم يجد النواب في المجلس الوطني بعد قراءتهم تفاصيل الأرقام التي قدمت لهم عبر أوراق الموازنة للعام 2018 نعوتا يمكن ان تصفها غير إطلاق اسم ميزانية (الضرائب) عليها، ووصفها بغير الواقعية والتي لا يمكن أن تحقق طموحات السودانيين في المستقبل وأنها تعبر عن حالة من الاختلال في آليات معالجة الوضع الاقتصادي المتراجع في البلاد ولم يجد بعض النواب حرج في استخدام عبارة أنها (كلام ورق) لن يتحقق على أرض الواقع وهو ما يعني بالضرورة ازدياد معاناة الناس في المستقبل.
بالنسبة لوزير المالية والتخطيط الاقتصادي الفريق محمد عثمان الركابي فإن انتقادات بعض النواب لموازنة وزارته تعبر عن حالة هوى شخصي يخرج من أصحاب الغرض، وقال صراحة: ?منتقدو الميزانية أصحاب هوى ومغرضون?.
(1)
لا تعدو الموازنة كونها مجرد فعل اقتصادي محض فهي عملية يتداخل فيها الاقتصادي بالسياسي، إذ يرى كثير من المراقبين الإشكالات الاقتصادية في البلاد وليدا شرعيا لضعف السياسات المتبعة، ويعتقد هؤلاء يقولون إنه عندما يتعلق الأمر بموازنة سنوية فإن السياسة تكون الواحد الصحيح في معادلة الفعل ورد الفعل.
بعودة لما جرى سابقاً فان السياسات التي اتخذتها الحكومة في ما يتعلق باستراتيجيات رفع الدعم عن بعض السلع كإجراء احترازي كانت هي الثقاب الذي أشعل حراك سبتمبر الشبابي وبالتالي أصبح مسؤولاً في ما بعد عن دماء الضحاياء الذين سقطوا فيه وهو أمر ربما يصبح مدخلا رئيسا للتداول حول الميزانية الجديدة من خلال ردود الفعل السياسية وبالطبع المآلات الأخيرة لها.
(2)
كانت أول ردود الفعل التي تمخضت عن إعلان الميزانية وتقديمها في المجلس الوطني هو ما نطق به لسان الحال عند الحزب الحاكم وهو يحدد الكيفية التي يجب أن يتم من خلالها التعامل مع الموازنة المؤتمر الوطني يطلق توجيهه لعضويته بعد انتقاد الميزانية وبالطبع العمل الموافقة على إجازتها من خلال البرلمان الذي يملك فيه المؤتمر الوطني الأغلبية الميكانيكية وهو أمر يقول البعض بأن خطواته بدت أصلاً حين عبرت عن نفسها في استقبال نواب الحزب الحاكم لما قدمه وزير المالية بالتصفيق وهو ما يمثل البداية لما يمكن أن يأتي لاحقاً استراتيجية الوطني الهادفة لتمرير الميزانية عبر حالة الإجماع السكوتي لا تبدو جديدة في حراك نوابه وفي ذات الوقت يمكن استيعابها في إطار أن من قدمها هو الحزب الذي دفع بهم للبرلمان في الأصل ولا يستوي عقلاً أن يحمل النواب أصابعهم و(يطبزون) بها عين الحزب الذي يمتلكون عضويته.
لم يكن التوجيه بعدم انتقاد الميزانية من قبل نواب المؤتمر الوطني بالحدث الجديد الذي يستهدف من خلاله الحزب الحاكم التقليل من ردود الأفعال السالبة في ما يتعلق بالنظر للوقائع الاقتصادية وعدم توظيفها سياسياً فعقب قرارات رفع الدعم خرجت التوجيهات لوسائل الإعلام بضرورة استخدام الإجراءات الاقتصادية كبديل لرفع الدعم بسبب محمولاته السالبة على الاستقرار.
(3)
وفي ما يتعلق بردود الأفعال السياسية على الموازنة فقد انبرى لها ناقداً إمام الأنصار وزعيم حزب الأمة القومي الصادق المهدي الذي وصفها بأنها الميزانية الأسوأ في تاريخ السودان، وذلك بالإشارة للعجز الذي بلغ 28 مليار جنيه عقب تقديمها للإجازة. واعتبر المهدي العجز في الميزانية وليدا شرعيا للعجز في السياسات العامة التي تتبعها السلطة في تعاملها مع القضايا العامة بالبلاد وأنه لا يمكن الوصول إلى نتائج مختلفة بتبني ذات السياسات السابقة، وتوقع المهدي أن تجد الموازنة مقاومة شعبية واسعة، خصوصاً وأن الأوضاع تمضي في اتجاه المزيد من التأزم، واعتبر المهدي وجود حالة من الارتباط بين الميزانية المقدمة وبين الحراك المحموم من قبل الحكومة لإجازة قوانين تتعلق بإعلان الطوارئ والهدف الأساسي منها قطع الطريق أمام الاحتجاجات الشعبية بفعل الغلاء.
لكن المهدي يؤكد على أن الواقع الاقتصادي المتازم سيقود إلى تفاعلات سياسية قد تصل إلى حد المواجهة، معتبراً أن السياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة الآن هي الثقاب الذي سيشعلها وبالتالي فإن الأمر سيزيد من عدد الحانقين الذين يتبنون النظام الجديد عبر الانتفاضة الشعبية.
(4)
قد يبدو فعل الانتقاد المعارض لموازنة الحكومة أمرا موضوعيا حين يتعلق بحزب الأمة مثلاً، لكن المفارقة المثيرة للدهشة هي أن تأتي ردة الفعل من أحزاب تعد في قائمة المشاركين عبر حصة الحوار الوطني وعلى رأسها الشريك الأكبر في حكومة الوفاق الوطني المؤتمر الشعبي الذي خرجت بعض الأصوات فيه معلنة مقاومتها للموازنة ومعتبرة أنها ستزيد من حدة معاناة المواطنين بشكل كبير. تلك مقاومة المؤتمر الشعبي الذي يشارك بعدد من الوزراء على المستوى المركزي وبوزراء في الولايات ويجلس نوابه داخل المجلس الوطني والمجالس التشريعية.
يبرر كمال عمر عبد السلام عضو البرلمان موقفهم الرافض لإجازة الموازنة بشكلها الحالي بأنه موقف يتواءم ونظرة كلية للأوضاع التي تمضي عكس مجريات الحوار الوطني الذي أخرج من مغزاه حيث زاد من المعاناة بتحوله إلى مجرد محاصصات سياسية زادت من قيمة الصرف على المؤسسات الدستورية والدستوريين بشكل كبير وفي حديث سابق لـ(اليوم التالي) قال عمر إن معظم وزراء حكومة الوفاق الوطني ينفذون برنامج الحزب الحاكم وسياساته، فيما يطرح موقف بعض الشعبيين في مقاومة الموازنة سؤال الكيفية التي سيتم من خلالها هذا الأمر؟ وهو سؤال تبدو إجابته الحاسمة بأن لا شيء يمكن أن يحدث وفقاً للراهن فحزب الشعبي لا يملك الأغلبية التي تمكنه من المقاومة داخل البرلمان ولم يحسم بعد موقفه من المشاركة لينتقل إلى صف المعارضة.
(5)
فيما تظل حالة الرفض للسياسات الاقتصادية الحكومية من قبل مكونات المعارضة خارج حلبة الحوار الوطني محسومة منذ البداية فتحالف قوى الإجماع الوطني الذي تسيطر عليه الأحزاب ذات الصبغة الاشتراكية مثل الشيوعي والبعث والناصري يرفض سياسات السوق التي يتبناها النظام من الأساس وبالتالي يرفض ما يتمخض عنها وعلى رأسها الموازنة.
في أوقات سابقة كانت تلك القوى تصدر البيانات التي ترفض السياسات الاقتصادية المتعلقة برفع الدعم عن السلع باعتبارها مطلوبات البنك الدولي ومنظمة التجارة الدولية ولا ترى في هذه الميزانية سوى كونها استمرارا في مشروع الإفقار وزيادة العبء على عاتق الشعب، وتنتظر قوى الإجماع الآن البدء في تنفيذ الموازنة الجديدة وهي موقنة بأن ثمة ردود أفعال مقاومة ضدها. وفي أخر مؤتمر صحفي لها تؤكد على مواصلة برنامج التعبئة في سبيل تحقيق غاية (إسقاط النظام). وليس بعيداً عن موقف قوي الاجماع الوطني، أعلن حزب المؤتمر السوداني البدء في العمل من أجل مقاومة الميزانية وقيادة الجماهير لتحقيق تلك الغاية، ويؤكد الناطق الرسمي باسم الحزب محمد الحسن عربي أنهم سيقاومون الموازنة الجديدة مثلما فعلوا عند إجازة الموازنات السابقة.
(6)
استباقاً لإعلان موازنة 2018 تؤكد الحكومة على بشريات كبرى على الشعب انتظارها وبالطبع تحمل الصحف الأنباء التي تقر بعدم رفع الدعم عن الكهرباء وهو الأمر الذي ترفضه المعارضة وترسم صورة مغايرة للأوضاع التي تمضي نحو المزيد من المعاناة ولا تكتفي بهذا الأمر وتمضي إلى التشكيك حتى في الأرقام الرسمية، مما يؤشر إلى احتمال نشوب أزمة بين الجانبين في ما يتعلق بمآلات الميزانية، التي فيما يبدو سيدفع فاتورتها المواطن الذي يواجه بزيادات هائلة مرتقبة في أسعار السلع الاستهلاكية، ولن يكون في الوقت نفسه بمنأى عن نيران المعارضة في حال تم توظيفه من أجل مقاومة التدابير الاقتصادية التي تجريها الحكومة.

اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..