أخبار السودان

السودان ..محنة العقل والفعل ( 2) الديمقراطية الناجحة وحزبي الأمة والاتحادي

عبد المنعم همت

لتفعيل الديمقراطية وجعلها واقع يمشي بيننا بوعي لابد من وجود مؤسسات حزبية ومجتمع مدني واندية فكرية ترفد هذه العملية بعصارة فكرها المصحوب بالممارسة الواعية والفاعلة . ربما عول الكثير من الناس على الاحزاب في السودان في انجاز تغيير حقيقي في البلاد . هنا نحتاج الرجوع الى كيفية نشأت هذه الاحزاب , حزب الامة والاتحادي مثلا خرجا من رحم طوائف دينية ( الانصار والختمية ) واستصحبت معها الارث الطائفي في ادارة شؤون الحزب بدءً من البرنامج والهيكل التنظيمي وشكل القيادة وهذا الارث يعمل بعقلية تقديس الاشخاص مما يجعل اقوالهم وافعالهم ضربا من الصدق المطلق وربما يتم الربط بين القائد المنحدر من الطائفة بإيمان غيبي وقدرات تميزه عن البشر وتدخله في مقام المصطفين الاخيار وبذلك تشكلت الهيئات الحزبية على التقليد المعادي للتجديد وخصوصية المعاملة تبدأ باستخدام ( الامام ) و ( السيد ) من قبل المؤيدين . فتحول الحزب الى منصة جديدة للطائفة تمارس عبرها السياسة المصحوبة بالقداسة فليس هنالك صوت يعلو فوق صوت الامام او السيد والا وجد نفسه خارج هذه المنظومة ذات الحساسية العالية للنقد وفي رايي ان هذا التحول من طائفة الى حزب تم بدواعي نفعية للبقاء وليس خدمة الشعب بالمعنى الدقيق . هذه القطبية التنافسية بين حزبي الامة والاتحادي ومحاولاتهما القفز على واقع الاطار الطائفي الى الحزبي كان نتاجه حزب سياسي يختصر العلاقة بينه والعضوية في المشاركة الانتخابية لتحقيق اهداف محدودة وهي الوصول للسلطة دون امتلاك برنامج قادر على حل المشكلات مما يشكل هزة في الديمقراطية يتبعها نفور المواطن ( الناخب ) والذي ينتهي دوره عند اخر ثانية في عملية الاختراع . هذه الهزة تفتح الابواب للانقلابات وهتك عرض الديمقراطية بسبب العقل النفعي وطموحات العسكر وفي كل التجارب العسكرية التي تمت في السودان كان هنالك حزب وراء انهاء ما يسمى بالديمقراطية والتي جاءت من مخاض عسير وصارت جسدا مجهض . بالنسبة لحزب الامة فلم يحافظ على الديمقراطية الوليدة وتواطأ وسلم الحكم الى عبود وبذلك فتح الباب على مصرعيه الى عقلية الانقلابات والاقصاء وفي ذات المعنى كان (الاتحاديين) قد باركوا وصول عبود للسلطة . وفي الديمقراطية الثانية لم يستطيعا تقديم النموذج المناسب للحكم وتم اجهاض التجربة بواسطة القوميين العرب والشيوعيين , وبعدها دخلوا في حكومة مايو من ابواب متفرقة ولم يدخلوها من باب واحد وصاروا جزءً من تجربة مايو وتم نفس الامر بعد انتفاضة ابريل وتحولت السياسة الى مكايدة بين الحزبين ونتج عنها مكابدة للشعب وانفض الناس عن الديمقراطية وميثاقها المتهافت وجاءت الجبهة الاسلامية لتعبر عن ضيقها بالتعددية والديمقراطية وتمارس الكبت وانتهاك الحريات على اعلى مستوى ورغما عن ذلك دخل جماعات من حزب الامة والحزب الاتحادي مؤيدين لحكومة الجبهة الاسلامية المسماة بالانقاذ . والمشاركة لم تكن حصرا على الحزبين بل امتدت الى الشيوعي والحركة الشعبية …الخ من هنا نلاحظ أن الوعي الديمقراطي والايمان الكامل بالتعددية والحريات ليست جزء اصيلا من تركيبة العقل الحزبي للامة والاتحادي وذلك لتهافت البرنامج السياسي وغياب المؤسسية في البناء الحزبي واختفاء الدور التوعوي لتفعيل الديمقراطية واضعين في الحسبان أن الامة والاتحاديين مجتمعين تجاوز عدد الاصوات التي تحصلا عليها 6 مليون ناخب في انتخابات 1986 , فهل هذا العدد الكبير والذي مكن الحزبين من تكوين حكومة ائتلاف تمثل اغلبية برلمان 1986 جماهير تؤمن بالديمقراطية ولكن لا تدافع عنها ؟ هل اصيبت بمتلازمة اليأس والاحباط وكفرت بالديمقراطية والعسكر و كل مؤسسات الحكم وفوضت أمرها لله أن يخلصها من ضيم ( العسكر_حزبية) .
نستطيع ان نخلص الى ان حزبي الامة والاتحادي لم يستطيعا الحفاظ على الديمقراطية وذلك لا سباب ذاتية منها عدم وجود مؤسسية في الحزبين الكبيرين بالإضافة الى ضبابية الطرح السياسي والاقتصادي والثقافي وهذا ما نتج عنه تعدد الانقسامات في صفوف الحزبين مما اضعف الثقة في المؤسسات الحزبية في السودان ويتم النظر والتقييم لتجربتي الأمة والاتحادي بعدم النضج . نلاحظ هشاشة وفوقية البناء التنظيمي وتباين المواقف فحزب الامة والاتحادي مثلا تجمع من الافراد لا تربط بينهم مصالح و اهداف سياسية محددة ولكن ربما يتفقون على ضرورة الوصول الى السلطة وتغيب عنهم كيفية تنفيذ ذلك وعلينا الاعتراف بان هنالك عناصر في الحزبين تؤمن بالديمقراطية والتعدية وضرورة التغيير وظلت تنافح بوعي كامل عن ضرورة ترقية العمل السياسي وقفل باب الانقلابات ولكن للأسف فان معظم هذه الاصوات لا يتم احترامها وتقديرها والاخذ برايها فهم مدافعين اصيلين عن بناء سودان ديمقراطي تسوده العدالة والحرية وحقوق الانسان , فمن خلال التجربة يتضح ان العقل في الحزبين ( ونقصد العقل المقدس ) لم يحدد أن تحقيق الديمقراطية استراتيجية لا تقبل الحياد عنها وأن صناديق الاقتراع والناخب الواعي هو الخيار ولم يتم تحديد موقف نظري من الانقلابات فعيونهم من الناخب وقلوبهم مع البندقية ولذلك شاركوا في كل الحكومات الديمقراطية والعسكرية وايدوها , بل كانوا سببا في بقاء تلك الانظمة العسكرية وزوال الحقب الديمقراطية . أما الاسباب الموضوعية فهي ضعف المعارضة في الحقب الديمقراطية بل عملها بوعي او دون وعي على تقويض الديمقراطية من خلال تقديم كل الهزائم المعنوية لحزبي الامة والاتحادي . بالإضافة الى ضعف منظمات المجتمع المدني والتي لم تلعب دورا كبيرا في تغيير بنية المجتمع ورفع الوعي السياسي والمساهمة الفاعلة . والعامل الأهم هو هشاشة وتهافت التنمية السياسية في السودان وهي أن يتم تغيير اجتماعي في جوانب يشارك المواطن السوداني في بناء هذه الركائز ومنها أولا : ضرورة سيادة القانون والمساواة مع تطوير الاليات لحكم لا مركزي .ثانيا تحقيق العدالة في الجانب الاقتصادي والتوزيع العادل للثروة والسلطة وتحقيق التنمية المستدامة وهذا ما يعرف بكفاءة الانتاج والعدالة التوزيعية . ثالثا : وجود عقل جمعي يحترم التعددية والديمقراطية ويبتعد عن الاقصاء والتهميش للقوى المنافسة وبناء قاعدة التداول السلمي للسلطة واحترام القانون وتكافؤ الفرص والأداء المتميز للمؤسسات الحزبية والمجتمع المدني وهذا يتطلب مجتمع ذو ثقافة سياسية مقدرة .
نواصل
سنتعرض في الحلقة القادمة للحركة الاسلامية والحزب الشيوعي

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الديمقراطية في عرف الاحزاب السودانية ليست مطلباً لذاتها كما أنها ليست سبيلا للتنمية وارتقاء الأمة ، إنما هي مطية للوصول لسدة الحكم ثم التخلي عنها او الانقلاب عليها ، وقد عبر عن ذلك المرحوم عمر نور الدائم في فترة الديمقراطية حينما خرج على المتظاهرين في التلفاز متوعداً إياهم بكتائب الأنصار – وهو الوزير يومئذ – فأين الديمقراطية في ذلك المسلك، والغريب ان حتى احزاب المعارضة لم تدعو لمحاسبته في ذلك باعتبار ان دعوته تلك تناقض الديمقراطية .
    من ناحية أخرى فإن الحزبين الكبيرين لم يخرجا علينا حتى الآن بنقد ذاتي عن أخطاء ارتكبوها بوعي او بغفلة ، ولا اعلنو تخليهم عن احلام دولتهم الدينية ولم يقيموا المراجعات لها واعلان ذلك ، بل هما مشاركين حتى النخاع في النظام الحالي حيث يضعون قدما في مركب النظام والاخرى في مركب المعارضة محافظين في كل واحدة على امتيازاتهم ، أما قبول الاحزاب الاخرى بهذه الصيغة غير المنطقية فيشي بتورط هذه الاحزاب نفسها في علاقات مشبوهة مع النظام

  2. من مجن السودان المزمنة أنه الكثيرين لا يزالون يسمون الطوائف الدينية يأحزاب وكمان يصفونها بأنه ديمقراطية ويصفوت مرحلة حكمها بأنها ديمقراطية؟؟؟ وشتان ما بين الحزب والطائفة الدينية ؟ إذ يمكن أن نصف تنظيم مملوك حصرياً لأسرة محددة بأنه حزب ديمقراطي ؟؟؟ فيا شباب السودان المستنير تكاتفوا وتوحدوا واعملوا لبناء حزب وطني ديمقراطي حديث ينهي عهد الأسر الإقطاعية التي تبدي مصلحتها علي مصلحة الوطن ؟؟؟ يود الآن في السودان حوالي 100 تنظيم وكلهم يدعون أنهم يسعون لمصلحة الوطن ففلماذا لا يتوحدوا في حزب واحد أو إثنين أو بالكثير أو ثلاثة ؟؟؟ ولا أحد يعرف في ماذا يختلف هؤلاء ال100 مجموعة إن جاز التعبير ؟

  3. ناس المير الغني ديل جدهم كان دجال وجاي من اسيا, كانو مضطهدين هناك وجو مع الانجليز استعملوهم كرت ضد الدرويش القال انه رسول الله (المهدي) ومن يومتها بعد ما قالو للمير الغني قول للسودانيين العورة ديل انك حفيد النبي ومن يومتها والسودانيين واقعين بوس في يدين احفاد الدجال الكبير واحفاد النبي (المهدي) المزيف

  4. الديمقراطية في عرف الاحزاب السودانية ليست مطلباً لذاتها كما أنها ليست سبيلا للتنمية وارتقاء الأمة ، إنما هي مطية للوصول لسدة الحكم ثم التخلي عنها او الانقلاب عليها ، وقد عبر عن ذلك المرحوم عمر نور الدائم في فترة الديمقراطية حينما خرج على المتظاهرين في التلفاز متوعداً إياهم بكتائب الأنصار – وهو الوزير يومئذ – فأين الديمقراطية في ذلك المسلك، والغريب ان حتى احزاب المعارضة لم تدعو لمحاسبته في ذلك باعتبار ان دعوته تلك تناقض الديمقراطية .
    من ناحية أخرى فإن الحزبين الكبيرين لم يخرجا علينا حتى الآن بنقد ذاتي عن أخطاء ارتكبوها بوعي او بغفلة ، ولا اعلنو تخليهم عن احلام دولتهم الدينية ولم يقيموا المراجعات لها واعلان ذلك ، بل هما مشاركين حتى النخاع في النظام الحالي حيث يضعون قدما في مركب النظام والاخرى في مركب المعارضة محافظين في كل واحدة على امتيازاتهم ، أما قبول الاحزاب الاخرى بهذه الصيغة غير المنطقية فيشي بتورط هذه الاحزاب نفسها في علاقات مشبوهة مع النظام

  5. من مجن السودان المزمنة أنه الكثيرين لا يزالون يسمون الطوائف الدينية يأحزاب وكمان يصفونها بأنه ديمقراطية ويصفوت مرحلة حكمها بأنها ديمقراطية؟؟؟ وشتان ما بين الحزب والطائفة الدينية ؟ إذ يمكن أن نصف تنظيم مملوك حصرياً لأسرة محددة بأنه حزب ديمقراطي ؟؟؟ فيا شباب السودان المستنير تكاتفوا وتوحدوا واعملوا لبناء حزب وطني ديمقراطي حديث ينهي عهد الأسر الإقطاعية التي تبدي مصلحتها علي مصلحة الوطن ؟؟؟ يود الآن في السودان حوالي 100 تنظيم وكلهم يدعون أنهم يسعون لمصلحة الوطن ففلماذا لا يتوحدوا في حزب واحد أو إثنين أو بالكثير أو ثلاثة ؟؟؟ ولا أحد يعرف في ماذا يختلف هؤلاء ال100 مجموعة إن جاز التعبير ؟

  6. ناس المير الغني ديل جدهم كان دجال وجاي من اسيا, كانو مضطهدين هناك وجو مع الانجليز استعملوهم كرت ضد الدرويش القال انه رسول الله (المهدي) ومن يومتها بعد ما قالو للمير الغني قول للسودانيين العورة ديل انك حفيد النبي ومن يومتها والسودانيين واقعين بوس في يدين احفاد الدجال الكبير واحفاد النبي (المهدي) المزيف

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..