أخبار السودان

فأين شعارات لا مركزية الخدمات الطبية من الواقع ؟

القطينة ? إمتنان الرضي
لا شك أن الكثيرين يعرفون مفهوم (مسرح الرجل الواحد) في عالم الدراما، ولكننا يمكن أن نضيف (مستشفى الطبيب الواحد)، وهذا واقع ماثل في مستشفى القطينة بالنيل الأبيض الذي لا يبعد سوى بعض كيلومترات عن الخرطوم، ما يشير إلى فشل نظرية توزيع الخدمات الصحية على الأطراف والولايات، وهي الحجة التي استندت عليها وزارة الصحة بولاية الخرطوم في تفكيك مستشفى الخرطوم المركزي، ليكتشف المواطن في أقرب مستشفى خارج الخرطوم نهايك عن المستشفيات داخلها، أن ذلك كان محض شعار وتبرير لا يسنده الواقع المرير، حيث يكابد المريض ومن يرافقه منذ دخوله لمستشفى القطينة بولاية النيل الأبيض كل أشكال المعاناة إلى أن يخرج منها، يطارده نقص الأجهزة الطبية والأطباء والممرضين الذين يعمل بعضهم بعون ذاتي، ويستمر النقص حتى على عمال النظافة، ويضم المستشفى ستة أقسام طبيب عمومي واحد فقط بالمستشفى، مع خلوه من أطباء الامتياز. أما الاختصاصيين فلا يأبهون أن يقبعوا على عياداتهم الخاصة أكثر من بقائهم بالمستشفى والذي يكون لبضع ساعات مما يضطر المرضى لمقابلتهم فيها بمبالغ كبيرة.
يتردد عدد كبير من المرضى على المستشفى من مختلف القرى والمحليات الأخرى، إضافة إلى مرضى الجزيرة الغربية المتاخمة لأطراف القطينة، ويستقبل المستشفى حالات الحوادث الواقعة في طريق الخرطوم ربك المشهور بكثرة حوادثه، ويرى العاملون بالمستشفى أنه رغم تعاقب عدد من المديرينعليه الا انهم لم يحدثوا بها تغييرا يذكر. تجولت (اليوم التالي) داخل مستشفى القطينة وكشفت عن أوضاعه وما يعتري واقعه المزري.
قلة الكوادر:
يعتبر مستشفى القطينة من أعرق المستشفيات بالنيل الأبيض وتم تأسيسه في العام (1960) وأنت تنوي الدخول إليه لابد لذرات الرمل أن تدخل حذاءك إن لم تؤد إلى غطس قدمك بأكملها فربوات الرمال تحدها من كل الاتجاهات، كما أشجار المسكيت المحيطة به وأكوام النفايات التي تستقبلك في أطرافها.
قبل الدخول إلى المستشفى وأنت تنظر لبوابته الرئيسة تفاجأ بأن رأسه خال تماما من أي لافتة تشير إلى أن هناك مبنى يهتم بخدمة المجتمع، ربما تآكلت لافتة البوابة وأصابها الصدأ من عصف الزمن بها، وبعد أن تم تغييرها بأخرى وضعت على الارض بسبب خطأ في تصميمها يبين أنها أسست في عام (1961)م.
يقر بعض العاملين بمكتب خدمة شؤون العاملين بمستشفى القطينة لـ(اليوم التالي) بأن هناك قلة في الكوادر الطبية بالمستشفى من أطباء واختصاصيين وممرضين وعاملين وأجهزة طبية كافية، ويؤكدون أن الاختصاصيين غير مستقرين بالمستشفى رغم الحاجة لهم بهه، ويرى العاملون أن الاختصاصيين مهتمون بعياداتهم الخارجية دون مراعاة للمرضى، بالرغم من صرف مرتباتهم من المستشفى. ويضيف العاملون بالمستشفى أن المرضى يأتون لمقابلة الاطباء منذ الساعة السادسة صباحا، لكنهم يتفاجأون بعدم دخولهم للطبيب الذي يستقبل حوالى خمس أو ست حالات، ويبرر الاطباء ذلك بأنهم لا يستقبلون إلا الحالات المحولة من الطبيب العمومي أو قسم الحوادث خارج المستشفى، ويقولون ان اغلب المرضى يأتون من مناطق بعيدة من خارج مدينة القطينة.
معاناة المرضى:
ويؤكد العاملون أن الاختصاصيين لا يأتون في المساء مما يضطر المريض للذهاب لعياداتهم خارج المستشفى والتي تكلف مبالغ باهظة، ويوضح العاملون أنهم قاموا برفع تقارير للولاية مرات عدة ولكنها لم تف بسد النقص تجاه المستشفى حتى لحظة كتابة هذا التحقيق. وتقول المريضة هاجر إنها تأتي لمستشفى القطينة من منطقة (ود النورة) وتعاني كثيرا في الوصول للقطينة، وتصف هاجر المستشفى بأنه غير مؤهل لاستقبال المرضى. يوضح المريض الطيب أن الرحلة إلى المستشفى تبعد خمسة وأربعين كيلو من منطقة (ود الجترة) مما يجعل معاناته تزيد ببعد المسافة والمرض معاً، ويقول ان بيئة المستشفى غير صحية، وإن الخدمات متدنية، ويؤكد كل من استمعت إليهم (اليوم التالي) من مواطني القطينة، أنهم لا يترددون على المستشفى لسوء الأوضاع الصحية به، ويشكون من نقص الأطباء والاختصاصيين بالمستشفى، وتابعوا أنهم يترددون على المستشفيات بالخرطوم أو العيادات الخارجية، وأضافوا نعاني كثيرا في الفحوصات، إذ أغلبها لا تتوفر بالمدينة، إما لنقص المحاليل أو نقص الأجهزة.
طبيب عمومي واحد:
المدير الإداري لمستشفى القطينة علي النعناعة قال لـ(اليوم التالي) إن المستشفى يعاني من نقص في الكوادر الطبية، حيث يبلغ عدد الممرضين به من الجنسين (12) ممرضا، ويوضح النعناعة انه يحتوي على خمسة أقسام تعمل على مدار (24) ساعة، ويؤكد أن المستشفى به طبيب عمومي واحد، إضافة الى (12) اختصاصيا، وأقر بعدم مواظبتهم على العمل بالمستشفى سوى يوم واحد في الاسبوع، وأحيانا ساعات باستثناء اختصاصيي النساء والتوليد والجلدية.
عدم تعيين العمال:
ويرى النعناعة أنه يجب على المدير العام للمستشفى أن يقوم بمساءلة الاختصاصيين، وأكد النعناعة مطالبتهم بتعيين أطباء وقال إن العمال لم يتم تعيينهم رسميا ويقومون بصرف مرتباتهم من خزينة المستشفى، ويوضح أن إيرادات المستشفى تقسم على الاختصاصيين والنواب، وان هناك التزامات كثيرة على المستشفى من (صيانة-كهرباء ? مياه) والتزامات أخرى، وبين أن المستشفى يضم عنابر شيدت كوقف، وأن إيراداتها تذهب إلى خزينة المستشفى وتستهلك أيضا داخلها. وتابع في ما يختص بالدواء، فإنه يتبع للدواء الدوار، لكن في حالة الحوادث يأتون بالأدوية على حساب المستشفى، وبين أن الإسعاف تقوم المستشفى بتأجيره بمبلغ (550) للمريض، واستنكر النعناعة عدم توزيع عربات الإسعاف لهم، مثلهم وبقية مستشفيات الولاية.
نواقص بقسم الكلى:
يقول العاملون بمستشفى القطينة إن العمل بدأ في قسم الحوادث منذ سنوات ولكنه لم يكتمل، ويشير أحد العاملين بالمستشفى إلى نواقص كثيرة في مركز الكلى التابع للمستشفى حيث لا يوجد به طبيب متخصص، ويعاني المركز من نقص الأجهزة الطبية وعدم وجود المهندسين وحتى الممرضين بالمركز يعملون بالعون الذاتي، ويوضح أحد العاملين به أن المستشفى به طبيب عمومي واحد فقط، مما يعكس معاناة المرضى والعاملين معا بالمستشفى.
تعرض الأدوية للتلف:
واستطردوا في حديثهم لـ(اليوم التالي) أن هناك أدوية تعرضت للتلف في قسم البصريات بسبب عدم استخدامها، لأنه لم يتم تعيين طبيب للعيون بالقسم، رغم أنه قد تم افتتاحه بواسطة والي الولاية.
(500) جنيه مرتب عاملة
تقول الممرضة بالمستشفى فاطمة فضل المولى إنها تعمل بالمستشفى منذ أكثر من عشر سنوات ولم يتم تعيينها رسميا حتى الآن، وتخشى أن تهضم حقوقها بعد كل هذه السنوات. وينطبق حال فاطمة على حال إحدى عاملات النظافة التي لها أكثر من (3) سنوات ولم يتم تعيينها، وبينت أن مرتبها لا يتجاوز الـ(500) جنيه، بالرغم من إرهاق عمل النظافة بالمستشفى.
تقصير وزارة الصحة:
أقر المدير العام لمستشفى القطينة إبراهيم ضيف الله لـ(اليوم التالي) بأن المستشفى به نقص في الأطباء، وأن هناك ثلاثة أطباء معينين بالعون الذاتي، وكذلك الممرضين والفراشين الذين يعملون بجهد المستشفى الذاتي، على الرغم من أن المستشفى قام برفع عدد من التقارير عبر المعتمدية للولاية، إلا انها لم تنظر في الأمر، وقال ضيف الله إن هناك بعض الاقسام تعمل بالجهد الذاتي، منها عنبر النساء والتوليد والأطفال والجراحة، ويوضح المدير العام للمستشفى أن الحوادث تم بناؤها بجهد شعبي ولم تكتمل رغم تبرع الوالي بمبلغ (350) ألف جنيه لها، ولكن وزير المالية بالولاية قال إن لديهم مشكلة في الخزينة، وبين أن قسم الكلى يعمل بطريقة جيدة وأن المكينات المتعطلة به تم إصلاحها بجهد ذاتي، إضافة لتبرع إحدى الشركات بتصليح بعضها. وألقى ضيف الله اللوم على وزارة الصحة بالولاية وقال إنها لا تقوم إلا بالصرف على مرتبات الصف الأول وأحيانا الحوادث.
مشكلة سكن الأطباء:
وقال إن إيرادات المستشفى تأتي بشكل كبير من العمليات الصغيرة بالمستشفى، وبين المدير العام للمستشفى أن هناك أطباء يتم تعيينهم بجهد الزملاء بالمستشفى إلا أنهم يواجهون مشكلة السكن، لأن غالبيتهم من خارج المنطقة، مما يصعب عليهم الاستقرار، وقال إنهم كإدارة مستشفى يسعون لتأهيل (ميس) لاستقرار الأطباء، وبين أنهم كإدارة لا يلزمون الاختصاصيين بالوجود داخل المستشفى أكثر من (48) ساعة، على حسب قانون الخدمة المدنية، وقال إنهم يعملون في العيادات المحولة ويمرون صباح ومساء على المرضى .
شح أطباء الامتياز:
وبين المدير العام للمستشفى أنه يتردد عليها كل سكان قرى ومحليات النيل الأبيض من الجهة الجنوبية لها، وصولا إلى قرية الأعوج والهشابة، وشمالا حتى قرية قوز الرحمة، إضافة إلى قرى غرب الجزيرة (الخروعة، ود الجترة، ود النورة، العزازي) وغيرها من المناطق المجاورة لمدينة القطينة أو من يعتبرونها أقرب إليهم للعلاج. وأردف يوجد شح حتى في أطباء الامتياز، ووصف مطالبتهم لوزارة الصحة بذلك بالتحنيس (تكرار الطلب).

اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..