أخبار السودان

عفاف الصادق.. وقلتي معاك سلامة .. !!

والمُوسيقى تَهز وجدان الجمهور الذي تناثر كالوَرد في المَكان، وقفت “عفاف الصادق حمد النيل” تريد الوصول إلى حيث يشدو “أبو عركي البخيت”، بإحساسه الدافق نحوها شعر “عركي” أنّ الدمع لن يفارق مُقليته إن جاءت. سريعاً همس لـ “محمدية” عازف الكمان الأشهر أن يطلب منها العودة الى مكانها.. لكن”محمدية” لا ينجح وتأتي الى “عركي” ويفيض الدمع منهما وأكف الحاضرين التي انبهرت لروعة المشهد تلتهب بالتصفيق والهتاف والدمع يطفر من أعين الجميع.. ولسان حالهم يُردِّد: “يا لهذا الحُب ويا لهذا الشوق ويا لهذا الحنين”.

الخرطوم: خالد فتحي

بعض أقوالي أمام الله
تلك المشاهد كانت بعضاً من سيرة الحُب الأُسطورية التي جمعت بين الفنان الباذخ “أبو عركي البخيت” والإذاعية والشاعرة “عفاف الصادق” التي أسبلت الجفن وارتحلت إلى الدار الآخرة نهار أمس “السبت”.. وفي عيد زواجهما الأخير في 24 فبراير الماضي كتبت عفاف لـ “أبو عركي” في صفحتها الرسمية بـ “فيسبوك” كلمات ليست كالكلمات وقالت: “الشكر لله على نعمة عركي.. وشكري لأيام وهبتني من براحاتها ألواناً نديةً.. طعماً شهي المذاق.. ندي الملمس.. حفي العطاء.. لأيامي معك مَذاقٌ مُتفرِّد.. وطعمٌ له لون الماء وانسياب ضفائر السحب حين يمشط جدائلها رذاذ المَطر فيغني وقعها أغنية لقصة سطّرناها ولم تكتمل.. كان احتفاء لا بانقضاء أيامه يحسب.. ولا بمرور السنين تطفئ شُمُوعه.. مضيئة هي أيامنا.. رائعة هي أيامنا.. شمعاتها فلذاتنا وإحساس لن تمسه عواصف الزمان.. وكأنه لم تستوعب سره العقول.. كل عام أنت متكئ وملاذي ورجائي.. وكل أقوالي أمام الله”.
وردّ عليها عركي بقوله:
من قبل أكون وإنتي تكوني
في رحم الغيب كنا أجنة
ربنا بارك في أرواحنا
وبمبدأ حبنا شكلنا
غصنين يانعات من الخُضرة
من شجر الجنة اتفرّعنا…
كل سنة ونحن أكثر تماسكاً
في هذا الزمن
وإلى الأبد.
عركي
ظلال في حياة إنسان
وُلدت “عفاف الصادق حمد النيل” قبل عامين من رفرفة عَلَم الاستقلال على سارية القصر الجمهوري في العام 1954م.. نالت درجة البكالوريوس من كلية الموسيقى والدراما بجامعة السودان وتخصّصت في النقد الأدبي والدراسات المسرحية.. ثُمّ نالت درجة الماجستير من معهد الخرطوم الدولي لتعليم اللغة العربية وتخصّصت في طرائق تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.. وأخيراً الدكتوراه من جامعة أمدرمان الإسلامية عن المناهج وطرق التدريس الخاصة.
ذاع صيت عفاف الصادق كمُعدّة ومُقدِّمة برامج إذاعية.. وتحتفظ لها ذاكرة المُستمعين في السودان ببرامج إذاعية باهرة حُظيت بمُتابعةٍ واسعة النطاق وحقّقت مُعدّلات استماع عالية للغاية بينها (ظلال في حياة إنسان ? الشنطة ? الإذاعة والمُستمع ? الدروب الضائعة).. من أبرز الشخصيات الذين استضافتهم الراحلة عفاف الصادق في برنامجها الشَّائق “ظلال في حياة إنسان” رئيس وزراء حُكومة الانتفاضَة الدكتور الجزولي دفع الله العاقب.
نثرت د. عفاف الصادق عصارة علمها وتجربتها للأجيال الشابة بالجامعات والمعاهد العليا في السودان، حيث ظهرت كأستاذ مشارك في عُدّة جامعات بينها جامعة أمدرمان الأهلية وجامعة الأحفاد قبل أن تيمِّم وجهها شطر الجزيرة العربية قبل عدة أعوام للعمل ضمن طاقم التدريس رئيساً لقسم التربية وعلم النفس بجامعة جازان بالمملكة العربية السعودية، وامتد عطاؤها هناك حتى رحيلها المُفاجئ أمس “السبت”.. تقع منطقة “جازان” أو “جيزان” في أقصى الجنوب الغربي للمملكة العربية السعودية وتحديداً غرب المنطقة على ساحل البحر الأحمر.
يا دنيا ليه عذرتي
ارتبط اسم عفاف الصادق بـ “أبو عركي البخيت” بطريقة نادرة المثال، وطالما سارت الركبان بقصة حبهما التي طبقت شهرتها الآفاق وجعلت الجميع يتساءلون عن سر تلك المَودّة الدافقة المُفعّمة بالشوق والاحترام، ولا يكف لسان “أبو عركي” من اللهج بالثناء على عفاف، وقال في أكثر من مُناسبة: “عفاف.. امرأة بقامة وطن.. إنسانة.. أبسط ما يُقال عنها، إنّها من أعز النساوين الرجال، أنثى ولا دستة رجال”..!
وحَسب الصحفي “نشأت الإمام” فقد كَتب فيها أبو عركي في بداياته عن عفاف:
يا دنيا ليه عذرتي
أبعدتي حبيبي وجرتي..
أبعدتي أنضر زهرة نادية في الورود..
أبعدتي أجمل فكرة زاهية في الوجود..
وكتب غيرها “أبو عركي”، عدداً من القصائد الغنائية عن زوجته “عفاف”، وكذلك كتبت “عفاف الصادق” أيضاً قصائد شعرية رداً على زوجها “أبو عركي”، وكَانَ “أبو عركي” عندما يغني يضع ذات “عفاف” في مضامين (حنجرته) ليقول:
بوعدك يا ذاتي يا أقرب قريبة..
بكرة أهديك دبلة الحُب والخُطوبة..
أهدت عفاف الصادق، أبو عركي “7” أطفال بينهم محمد ونيلوفر وسماهر.. وكانت عفاف روحاً سمحةً مُفعّمة بالإنسانية والبَسَاطة حتى أنّ الشاعر هاشم صديق قال عنها في واحدةٍ من حواراته الصحفية: “عفاف أُخت لم تتشكّل في رحم أمي”.
وطنه بحاله..
(التيار) استفسرت الصحفي الأشهر “محمد عبد الماجد”، عن عذابات الرحيل الفاجع على “أبو عركي” إنساناً وفناناً: “سوف ينظر كثيرون الى الفنان أبو عركي البخيت بعد رحيل زوجته عفاف الصادق بعين الشفقة و(الخوف)، لأنّهم يعلمون ما ظلّت تمثله عفاف الصادق لأبو عركي البخيت التي كانت وستظل أحد الأركان المُهمّة والراسخة ليس في مسيرة أبو عركي البخيت (الفنية) أو (الإبداعية) وحدها، وإنّما في (صمود) أبو عركي البخيت، أو دعني أقول في (الصمود) بصورة مُطلقة، لأنّ عفاف الصادق تمثل ذلك الأمر، لا أقول لأبي عركي البخيت وحده، وإنّما لجيل كامل ولوطن بحاله.. فهي (عزة) وهي (مهيرة)، وهي (أمونة) وهي (ست التوب) وهي (اضحكي) وهي (واحشني) وهي (بخاف) وهي (الجميل السادة) وهي (عن حبيبتي بقول لكم) وهي (أهلي الغُبُش) وهي (صاحبة في الزمن الصعب) وهي (يوم رحيلك).
ويمضي “محمد عبد الماجد” ليقول: “عفاف الصادق تمثل نافذة أشراق مُهمّة في مسيرة أبو عركي البخيت، استمد منها الفنان أبو عركي قوته وتميُّزه، واستمدّ منها قبل ذلك مواقفه التي نقلت أبو عركي من خانة الفنان (المُبدع) إلى الفنان (الموقف).. إذ يستطيع المُستمع لأغنيات أبو عركي البخيت أن يلمحها أو يراها بصورةٍ قاطعةٍ في أغنياته بثوبها ومحياها وضحكتها ووجعها ومواقفها القوية، فقد كانت عفاف هي (الرمزية) العَميقة في أغنيات أبو عركي البخيت، وكانت هي (الوطن) بكل ما يعني الوطن من سُموٍ وخلودٍ ومساحةٍ ونِيلٍ وشَمسٍ وتَعدُّد ثقافاتٍ وأعراقٍ”.
وينهي “محمد عبد الماجد” حديثه لـ (التيار) بالقول: “عفاف الصادق مثلت فعلياً مقولة (وراء كل رجل عظيم امرأة)، وكانت أشمل من تلك العبارة فقد جسّدت عظمتها لنفسها بصورة مُستقلة، فهي شاعرة وأديبة ومُدرِّسة مُتفرِّدة وناشطة سياسياً واجتماعياً، في الوقت الذي كانت فيه عفاف دافعاً وسنداً قوياً لعظمة أبو عركي البخيت (الفنية) و(الموقفية)”.
(التيار) سألت نجمة الدراما السودانية “تماضر شيخ الدين” عن ذكرياتها مع الراحلة، فقالت: “عفاف الصادق صديقة عُمر، دخلنا معهد الموسيقى في نفس السنة وتخرّجنا مع بعض وعشنا في الداخلية مع بعض أربع سنوات.. والزمالة في معهد الموسيقى بتتمدّد وتبقى صلات بين الأهل وحتى والدتي الله يرحمها وهي من العركيين كانت بتحب عفاف بطريقة خاصة لأنّهم بتلاقوا في الأسرة بالقرابة.. العلاقة بيننا في العمل هي أقل كثيراً من العلاقة الشخصية والصداقة الأُسرية.. كنساء في المُجتمع ذاك.. حاملين لراية التغيير عن طريق الفنون والثقافة.. كانت ثقتنا في بعض كبيرة ومَحَبّتنا للبعض فيها كثير من التفاؤل لعالم جديدٍ ومُستقبلٍ زاهرٍ”.
وتضيف تماضر المُقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية: “عفاف الصادق إنسانة مرحة جدًا جداً وبتجيد الحكي وقص الحكايات المُضحكة.. وكل البنات اللائي سكنّ في الداخلية بمعهد الموسيقى والمسرح كنّ يعرفنّ عنها الموهبة دي، وبتجيد الضحك والإضحاك.. وفي نفس الوقت غزيرة الإنتاج في الشعر والكتابة.. أمومتها وأنوثتها طاقات جَبّارة وكل المُعجبين بفنها وفن رفيق عُمرها يمكن عاشوا تجاربها الجميلة والحزينة والحلوة والمُرّة من خلال إنتاجها الشعري والأغنيات التي تغنى بها أبو عركي تقول الكثير عن هذه الطاقة الملتهبة الزاخرة”.
وعن قصة حبها مع أبو عركي قالت تماضر: “حضرنا قصة حبها للفنان أبو عركي وعشناها لحظة بلحظة وأتذكّر عملنا لهما سيرة من قسم الموسيقى لقسم الدراما.. بالدلاليك والغُنا.. كان يوماً مُفرحاً وجميلاً وما بتنسي”.
وتواصل تماضر شيخ الدين: “أهو الناس كلهم بتزوجوا وبحبوا وبخلفوا عيال.. لكن هي.. عفاف دي.. عملت قصة حبها وزواجها وأمومتها ملحمة للناس يتداولوها.. ملأتها بالشعر والموسيقى والغُنا.. وبقيت ملحمة زيّها وزي الاوديسا والالياذة.. لأنها فنانة.. والفنان ما بحب الرتابة ولا بحب الأشياء تتشابه وتكون عادية.. أي حالة حب وحالة انفعال لازم تصحبها ريشة ألوان.. ووتر موسيقى.. وكلمة شعر.. وعمق.. ومحبة وإحساس”.
وتنهي تماضر حديثها الباكي قائلةً: “دموع الناس دي لو صارت بحر.. ما بتبرد نار فرقتها.. ولا بتحصل قدرها في الجمال والرقة وحُبها للسودان ولشعب السودان والمساكين والحيارى وشُفّع العرب الفتارى وأقول لعركي حبيناها معاك.. وحنبكيها معاك”.
رباح الصادق: كان موعد لقائنا العاشر من يناير هذا بأمدرمان
الراحلة المُقيمة عفاف رمز عرفه الشعب السوداني، مذيعة وشاعرة ثم أكاديمية ومُحاضرة جامعية.. وقد شكّلت مع توأم روحها الأستاذ أبو عركي مثالاً للنبل والصمود والوطنية الباذخة والعطاء الفيّاض، ومصادمة الشموليات والوقوف الى جانب الشعب وقضاياه.. وقدّما مثالاً للتعاضد والمحبة المشعة التي تفيض بخيرها ونورها على الآخرين أشعاراً جميلة وأغانٍ خالدة ومواقف نبيلة.. كانت مثالاً للمرأة القوية والحنونة في نفس الوقت، المُصادمة والعطوفة والأم الرؤوم والعاملة التي تغترب لسنين مُمتدة لتساهم في رفد أسرتها بمعاني الصمود أمام سني القحط.
عرفتها كغيري من نساء جيلي ومن تلانا، مثلاً ساطعاً لنساء يرفعن جبينهن بأنوثة علية فخورة بنوعها، عَصيّة على الكسر، ثم شاءت الأقدار أن يربطنا وصال خاص مُؤخراً، حيث تحاضر بجامعة جازان بالقرب من مكان إقامتي بأبها في المملكة العربية السعودية.. فغمرتني رُوحها الدفّاقة بالخير والوطنية، كان موعد لقائنا العاشر من يناير الحالي في أمدرمان، حيث عُدت للوطن وودّعتها وقد كانت مشغولة بالامتحانات في الجامعة، وتزمع المجئ للوطن بفارغ الصبر وتتحدث عن شوقها اللا محدود.
شقّ عليّ نعيها على نحو خاص وقد كان فاجعة بحق ولكن لا نقول إلا ما يرضى الله (إنا لله وإنا إليه راجعون).
أحر التعازي لزوجها الفنان الإنسان وبناتها وبنيها وكل محبيها وهم كثر ولشعب السودان الذي كم اقتات على صوتها وشعرها وصدقها وحنانها وروحها الوضيئة.
أحسن الله وفادتها وتقبل دعاء مُحبيها وشهاداتهم لها وأنزلها أعلى عليين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

التيار

تعليق واحد

  1. قصة تدمي القلوب وتقرح الجروح رحمة الله عليها وللفنان أبوعركي وأبنائها حسن العزاء وللشعب السوداني الصبر والسلوان

  2. رحمة الله عليها وللفنان أبوعركي وأبنائها حسن العزاء وللشعب السوداني الصبر والسلوان

  3. اللهم ارحم الفقيدة الاستاذة الانسانة عفاف الصادق حمد النيل وادخلها فسيح جناته والهم ذويها واسرتها وزوجها الفنان عركى الصبر وحسن العزاء وان لله وان اليه راجعون

  4. عفاف الصادق : غيّم حزن كل اليتامى

    لم تكنُ السيدة عفاف رفيقة درب ، بل شاعرة وإعلامية ذائعة الصيت ، وشريكة الفنان العظيم أبوعركي .
    قدمت للسودان كنوزها التي لا تنضب . كتب لها الفنان أبوعركي البخيت :
    ختيتى قلبك فوق أيدي
    وقتي ليهو عزيز على
    عليك الله احرسو لي
    فى صباح وفى عشى
    وقلتى لي معاك سلامه
    يوم رحيلك من البلاد
    دارك مرصع بالسواد
    غيم حزن كل اليتامى
    وانشر بين كل العباد
    وفارقت الناس السلامة

    لم تكُن القصيدة التي كتبها لها الفنان أبوعركي ، حين فارقت لرحلة قصيرة ،
    وها هي اليوم تعود تلك القصيدة وذات الأغنية ، كأنها ترثيها لنا.

  5. رحم الله الاستاذه عفاف والبركة فيكم استاذ عركي والاسرة الكريمة…انا لله وانا اليه راجعون

  6. قصة تدمي القلوب وتقرح الجروح رحمة الله عليها وللفنان أبوعركي وأبنائها حسن العزاء وللشعب السوداني الصبر والسلوان

  7. رحمة الله عليها وللفنان أبوعركي وأبنائها حسن العزاء وللشعب السوداني الصبر والسلوان

  8. اللهم ارحم الفقيدة الاستاذة الانسانة عفاف الصادق حمد النيل وادخلها فسيح جناته والهم ذويها واسرتها وزوجها الفنان عركى الصبر وحسن العزاء وان لله وان اليه راجعون

  9. عفاف الصادق : غيّم حزن كل اليتامى

    لم تكنُ السيدة عفاف رفيقة درب ، بل شاعرة وإعلامية ذائعة الصيت ، وشريكة الفنان العظيم أبوعركي .
    قدمت للسودان كنوزها التي لا تنضب . كتب لها الفنان أبوعركي البخيت :
    ختيتى قلبك فوق أيدي
    وقتي ليهو عزيز على
    عليك الله احرسو لي
    فى صباح وفى عشى
    وقلتى لي معاك سلامه
    يوم رحيلك من البلاد
    دارك مرصع بالسواد
    غيم حزن كل اليتامى
    وانشر بين كل العباد
    وفارقت الناس السلامة

    لم تكُن القصيدة التي كتبها لها الفنان أبوعركي ، حين فارقت لرحلة قصيرة ،
    وها هي اليوم تعود تلك القصيدة وذات الأغنية ، كأنها ترثيها لنا.

  10. رحم الله الاستاذه عفاف والبركة فيكم استاذ عركي والاسرة الكريمة…انا لله وانا اليه راجعون

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..