دراسة نقدية لرواية الكشر للروائي النوبي المصري حجاج حسن أدول (2-2)

دراسة نقدية لرواية الكشر للروائي النوبي المصري حجاج حسن أدول (2-2)

على تولي

أقامت الرواية الخصوصية للمراداب وبخاصة عائلة زين الدين بن مراد في خطب ود أهل التيار وعدم مبالاتهم بما يخشى منه الناس من شر العفاريت ودجور فزين الدين كان مخالفاً لكل أهل توماس حين بنى بيته بعيدا عنهم واكتشافه سر الربوة الجنوبية التي تحول منها إلى الربوة الشمالية حين ظهر له الكاهن الطوَّاف وصارحه..

ثم الخرزات التي وجدها زين الدين وفاطُم زوجته بجوار رأس كل من ساماسيب وأخواته أصيلة وشريفة ونعمة في صباح يوم ما.. دلالة عميقة على احتفاء أهل التيار بهذه الأسرة التي حملت سر الهمبول، ثم ما كان من أمر اختيار الضحية أو القربان وفق ما جر عليه تقاليد أهل النيل عبر قرون سحيقة ومع العلم بأن الإسلام قد قضى على هذه العادة.. إلا أن الموقف جعل الناس تستدعي هذه العادة القديمة التي تكون ضحيتها حسناء بكراً شريفة.. من أسرة مرموقة.. وكانت إشارة الناس واجماعهم على شاري التي أحبها ساماسيب.. جاء الإقناع باستدعاء الفكرة واختيار شاري تحريضياً من قبل أكاشة بن أوادة نظراً لما يضمر من الأحقاد تجاه أسرة المراداب.

انقسام الناس بين المؤيد لفكرة أكاشة ومعارض لها وممن عارضوا فكرة الضحية العمدة ليلاب وحسن زناتي وعبدالله شاتي والد حميدة وجعفر إمام المسجد ومعهم الكثير من الرجال والنساء خاصة أسرة المراداب.. التي تتبع لها شاري وساماسيب.. ويقف كبو ايضا إلى جانبهم.

الخيال المبدع أمام المصير المجهول:

يمثل الخروج بشاري لتخليصها من براثن فكرة أكاشة بن أوادة بداية خروج الحلم المرعب والمروع ليصير أمراً واقعاً تتشابه فيه أحوال ومظان أهل قرى النوبة كلها لتتلاقى أفكارهم في ما ارتأؤه من حلم الطوفان.. كما أن الخروج بشاري يضع حداَ فاصلاً ونقطة فارقة في حياة اللهو عند ساماسيب ومداعبة الفتيات أو استجابته لهليمة التي كادت أن توقع عليه الفتنة.. من العوامل المصاحبة للخروج احتشاد الناس في زيارة ضريح الشيخ شبيكة حيث تم ذبح الضحايا.. ثم صلاة الظهر التي أعقبها الإمام جعفر بخطبة في شأن إثناء الناس عن فكرة الضحية الآدمية.. صاحب كل هذا موت الجدة أصيلة الذي عرف عن طريق الطفلة راضية.. تزامن كل هذا مع خروج شاري بصحبة أمها سكينة وساماسيب.. في مركب إلى قرية الذِّر..

تراوح الرواية وتزاوج بين الواقعية التاريخية وبين الميثولوجيا القائمة على المفاهيم السائدة بل وتدخل القوى الخفية في النص الإبداعي لدى أنساقه السردية، فيقوم المحمول الدلالي في النص مع الاحتفاظ بالخاصية السردية العالية للعملية الإبداعية.. ولعل ما كان من أنساق تتبع في مؤدَّاها لشخصية ساماسيب أن يفكر في عالم آخر تترجم في أن يخلص ابنة خالته التي احبها بعد أن أصبح الخطر ماثلاً ولم يكن من بد من تخليصها بواسطة الزواج من عبد الشكور.. مما يطرح تساؤلات عديدة .. نعم فعل ذلك ليكون هو الباحث عن الكشر والمنقذ لأهل قرى النوبة من الطوفان الحلم.. الذي يراه حقيقة كما بات يراه الآخرون..

نعم هناك مصير مجهول ينتظره.. ما رآه في المركب بالقرب من المعبد.. الكاهن الطواف ودلالات أخرى في مظهر الكاهن..

-اتضاح حقيقة كبو لدى ساماسيب.. حين دخولهم المعبد ونوع الخطاب أو الحوار الغريب الذي دار بين كبو والكاهن الطواف أي؛ أنهما لم يلتقيا منذ مائتين وخمسة وعشرين فيضاناً.. وما كرره الكاهن لساماسيب في حديثه عن الكشر .. بالصعود إلى الهضبة وأن مصاعبه تهون بالاعتماد على مربع القوة..

-هنا ما يشي باستدعاء المكون الإبستيمي ( المعرفي) للراوي في الوعي بالتاريخ بما كان من تفوق عقلي تجلى في بناء الأهرامات وتتضح هذه المعرفة بما كان يقول به كبو الأبله في بيت العمدة حين رفع طرف الكليم وكشف فانكشف الرمال ورسم هرماً، ثم شكَّل مربعا أعلى قمة الهرم بقليل ثم أعلاهما دائرة تهبط منها قطرات.. وقال إن الهرم أساس كل مجتمع.. ولكل هرم مربع قوة يواجه به ناس الهرم كل التحديات.. و(الدائرة? فإنها بركات من الله الذي ليس كمثله شيء. ولا تنزل على ناس الهرم إلا بوجود هذا المربع). ص47 كما أن كبو الذي يعتقده أهل توماس أبلهاً كان يشرح لهم وظائف الأضلاع التي اشتمل عليها الهرم معرفة المهندس الخبير ببناء الأهرامات.. (وكبو يتحول في إلى كبو مختلف مخلوق يجبر من يجالسه أن يهابه أن يخاف غضبه)ص46.

-تفتحت عينا ساماسيب على عالم مختلف مجهول لديه سيعيشه.. وقد تفرغ له مهيئاً نفسه تماماً خاصة بعد أن أمن حياة شاري بتزويجها من عبد الشكور.. وهي يتخبطها الارتياب والهواجس في تصرف ساماسيب باقناعها الزواج من عبد الشكور رغم قناعتها من حبه لها.. فعالم ساماسيب أصبح يتشكل له شيئاً فشيئا أصبح جزءا منه فهو عالم الأحياء الأموات المفضي إلى الأموات الأحياء.. أو شيئاً من هذا تشي به العملية الابداعية في أنساق سردية محكمة.. ولعلها تفتح آفاقاً لأنساق فلسفية ورؤى معرفية في حقائق التاريخ البشري ودقائقه.. وتستلهم في طياتها الأسطورة والمعرفة الكونية ومسلمات وقصص أتت بها الكتب السماوية.. فكأن العالم الذي يغوص في أعماقه ساماسيب يمثل مكونات مختلفة في الأديان والمسلمات الفلسفية والفرضيات والمعتقدات وتستدعي الخرافة والأسطورة..

-تجسد لساماسيب وكل أهل النوب ما كان يخطر ببال جميع أهل النوب أي أنهم في انتظار تقديمه قرباناً للنيل.. اكتشف شبح الكاهن الذي كان هاجساً يؤرقه ودخل في حقيقة مفادها أن كبو والكاهن وأخيراً حميدة هم يتلاقون في مناداته بـ(ساما) وهذا الاختصار في اسمه لم يناديه به إلا من عرف حياة المناسيب النيلية التي عاش في جياتها وبين ناسها من أهل المناسيب النيلية تحت الماء.. وأنهم يعيشون أحياء وغير أحياء أي أن حياتهم مرهونة بوظائف محددة.. بدليل أن الكاهن وكبو لم يلتقيا منذ مائتي وخمس وعشرين فيضانا..

– ?نادته حميدة بـ(ساما) حين زارها قبل أن يلقي بنفسه في النيل في الهالة النورانية بين فتيات آمون- نتو.. بعد أن غاب عن عينه كبو والكاهن الطواف وتحوم حول الهالة النورانية وتذب عنه وحوش آمون- دجور..

– وفي زيارته لحميدة عرف أنها تحمل سراً كأسرار كبو والكاهن.. نادته بساما .. تفحصت الخرزة في ذراعه وتأكد له أنها تعرف أن مصدرها جيرانه أهل التيار..

– ويجعل الراوي من هذه الحياة لهم الأربعة حياة موازية للأسوياء من البشر كما أنها تعيش أيضاً في خط مواز للعالم الآخر بل ويختلف الأم بأن لديهم ارتباط بعالم الأحياء وهم ابناء القرون السحيقة.. والكاهن وكبو وحميدة كانو في انتظار قدوم ساماسيب إلى هذا العالم الغريب.

الميدان

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..