تأمّلات في الدين والفن (هِزة رحيل الفنان محمود عبدالعزيز)

تأمّلات في الدين والفن (هِزة رحيل الفنان محمود عبدالعزيز)
عبدالماجد محمد عبدالماجد الفكي
[email][email protected][/email]
للفنِ رسالةٌ وللدينِ رسالة وكلا الرسالتين تصُبّانِ في خانةِ تحريرِ الإنسان والسموِّ به روحياً ومن ثَمّ أخلاقياً.
وفي كلتا الحالتين يكونُ التعلقُ بالماديّات وما يتبعها من شرهٍ وطمعٍ وأنانية وما إلى ذلك, يكون هدفاً إما بتحطيمه تماماً أو بتقليصهِ بغرضِ التخفيف من غلوائه.
ولا يتحقق هذا الأمل إلا بشرط الحرّية في التأمل والتفكُّر في الوجود الإنساني متمثلاً في الفرد أنّى كان جنسُهُ ونوعهّ وفي المجتمع صغّرت دائرتُه أو اتسعتْ.
ولا مجالَ, إذنْ, لاحتكار فكرة محددة أو فهّمٍ مُعيّنٍ لأهداف البحث أو أدوات الخلق والتجديد, إلا أنه يجب استصحاب الجهد الآخرِ مستحدثاً كان أو موروثاً, وإلا وُلِد الأقصاءُ. وبِمَوْلدْ الإقصاءِ يبتدئ الظُلمُ ثم يكون التناحرُ والاستبدادُ بالرأي. ومتى ما تمّ ذلك ينحدر الأمرُ إلى الجمود فيتسابق الناسُ للاحتكام للنص الديني أو الفني تليداُ لا طارفاً لأن الطارف الجديد يكون قد تحنّط في مهده أو ذروته, لا يهم, يصير تاريخا فحسب ولو بمُضيّيِ فترةٍ زمنيةٍ قصيرةٍ.
إلا أن الإنسان لا يطيق الفراغ بسببٍ توتّره المستمر من غموض قضيته الوجوديّه وأسئلتها المُحَيَّرة. ويهيم الناس في البحث عن بدائل أو ملاذات. وتتجه فئةُ لتهوى في درَك سحيق ? في رأيي, وإن كانت معذورة في هذا التهاوي ? وتُضَخِّمُ من شأنِ حاجياتها الحسيّة وترتفع بها إلى مرتبة النظرية أو المنهج ونتيجة ذلك الغرقُ في النهل من اللذات المفروضة عليها بيولوجياً, ويجدُّ البحث عن وسائل توفير القدر الأعلى من مُمًدِّاتِ الشبع باأنواعه, ولا يُسأل عن وسيلة الكسب المؤدي لها, ويتعدى الأمر وسيلة الكسب إلى مادة الإشباع نفسها ومَحالَ تصريفها, يتلذذون بأيّ مأكلٍ ومشربٍ ويصرّفون مخزونات الطاقة في أيّ خَرقٍ, دُبُرا أو قُبُلاً أو حتّى حائط. (وانظر أخبار الجرائم في الصحُف).
وفئات أخرى تنشدُ الإجابة تخيُّلاً (أي تخلق خيالات) في أشياء هي نفسها صنيعة حيراتٍ إنسانيةٍ مماثلة ونتيجة إبداعات في مجتمعات وجِلَةٍ خائفة, الشعوذة والسحر والأبراج والكفّ والفنجان وهلمجرا. وهي بدائل للدين لمّا يجمًد وللفن لمّا يُقيَّد, بلا شك, لأن لها طقوساً واستعدادات (شعائر؟) من رقصِ ودفوف (الظار) وذبائح قرابين (ديك أبيض ودجاجة القضارف … عِرق بندة … ودم نفساء ..الخ). وهذه البدائل لا تحقق حريّةً شخصية لمتعاطييها, عدا حرية اختيارهم طريقة تؤدي للعبودية في خاتمة المطاف. فالشيخ أو القس أو الكجور هو المسيطر الأوحد والمبدع النهائي في وسط هذه الفئة التي لا ترعوي عن التلذذات الحسية البحتة والوصول إليها بأي خدعة, والخدع هنا يشرعنها رأس الجماعة.
وفئة ثالثة تبحث عن دين آخر أو فنٍ آخر. لا تستصبه ولكن تتبناه بالكليّة, ولا تدري بأنها ستواجه نفس المشكلة أينما اتجهت. فالدين والفن هما الدين والفن, شرقاً أو غرباً , يشتركان في العلو والتجدد أو الهبوط والتجمد, بنسبة مساحة القبول بالآخر كنقيضٍ لا بدّ منه. وتزيد مثل هذه الهجرات العقيمة لما ينعدم التسامح. إن نظرة واحدة متأنية لحالات نسخ فنون أوربية أو من أي بلد آخر تكفي للتدليل على ما عنيتُ بالقول. ومثلها في الجانب الأخر الاتجاه نحو التّنصّر الذي سمعنا عنه قبل أيام, وما قيل من أن هؤلاء الفتيات ثُبن بعد أن تنصّرن, ولو أعفين عن المثاب لما لبثن كثيرا في ما حسبنه دينا أحسن. فالمشكلة نتاج المناخ السياسي الذي قلّص الدين إلى لوائح وأظهرا خُلْفاً بين الشعار والتطبيق.
أمّا الفئة الرابعة فهي التي تتخذ طريقا وعرا, طريق التّدين الإبداعي (إن جازت التسمية) والفن الإبداعي. هنا يجوّل الخيال ويُحلِّق الفكر في طلاقة تستصحب الطارف والتليد في رحلة استكشاف لآفاق ابعد وأعمق. كل نشاط هنا لا ينطلق إلا من خصوصية التجربة الذاتية للفرد في إطار المناخ السياسي الاجتماعي السائد. فإذا كان المناخُ كاتما اضطرّ الفنان أو المُتديّن إلى التحليق في كتمان, يُحَلِّق ولكنه يراقب تحلّقه, ولكنه لا يتنازل, وقد يُقايض مقايضَة تحيقُ خسارتها بالجانب الأخر (الكاتم). ويزهد في كل شيء عدا حقه في التخليق, لأن ملذات الحياة عنده ليست بمادية. إنه يفرح بما أنتج وما اكتشف. ويجود بما عنده للناس فيغنون معه ويترنمون بأهازيجه. ولما ينكشف له ما يحتاجه الناس يُسرّ اكثر فيقدّم اكثر وآصلَ. ولأن الفنان او المتدين المتأمل زاهدٌ في المادّيّات بطبعه فإن كفيه ستنطلقان في إهلاك المال وإرهاق الجسد في سبيل إسعاد الآخرين. هذه حالة توافق نادرة بين الفن والدين تتحقق قد تتحقق في حياة شخص واحد, فيبدو للناس كمن يعيش حياتين في عمُر واحد. وقد يتبين الناس البعد الروحاني للفن ولا يتبين لهم أثر التدين, لارتباط التدين عندهم ببشعائر معيّنة وطقوس مختلفة: أحكام للملبس ولسلوكيات اتفق عليها وإن كانت ? في أغلب الأحيان ? خداّعة.
والفن يحتاج لترويض النفس على التحمل تماما كما هو الأمر عند الزُّهاد في خلواتهم وفي عِشْقِم الشهرَ.
إلى هذه الفئة الرابعة القابضة على الجمر كان انتماء الفنان الزاهد محمود عبدالعزيز. واصل مسيرته بشجاعة وثبات.
ولعل في ما ظهر من اهتمام واضح وحزن شديد لرحيل محمود, لعل فيه بشارة لجماهير الشعوب السودانية. لا بديل للتحرر من القيود التي طالت الدين نفسه من أجل وطنٍ تحتاج كل مكوناته لقبول بعضها البعض. لا ثورة تشتعل بجناح واحد ولا باثنين ولا ثلاثة, الثورة القادمة تتلاحم فيها كل أطياف الدين وأطياف السياسة وأطياف البشر, ولا إقصاء, كل الناس الذين خرجوا والذين لم يخرجوا لا يُستثنون.
رحم الله محمودا , استفز الافهام واستنهض الأقلام.
– – – – – – – – – – – – – – – – –
لا مجال للمقارنة بين الدين والفن فالثاني جزء من الاول لا بد ان يكون خادما له بطريقة مباشرة او غير مباشرة، والفن تعبير عما يعيشه الانسان في نفسه ومجتمعه ويجب ان يكن متناغما مع مبادئ الدين وأهدافه وعلى الأقل لا يصادمه ولا يقف عقبة في طريقه. هذا هو الفنز
اما ان تكون للفنان مبادئ واهداف جزئية أو كلية غير التي يحملهاالدين هنا تحدث المشلكة. فلا بد للفن ان يضبط بمبادئ الدين . فالفن لدى غير المسلمين لا حدود له إلا ذاته.
لا يكفي ان يكون الفنان زاهدا و محبوبا وطيبا ومتعاملا ومتفانيا و..و … وغير ذلك. لكن لا بد أن ننظر غلى ما يقدمه من عطاء . حتى لا يكون من الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا.
يمكن ان تجد مغنيا يجامل الناس في حفلاتهم ولا ياخذ منهم مقابلا ويتواضع لهم ويكون لينا سهلا معهم ويكون مبدعا في مردوده الفني ويحسن التعامل مع الناس لكنه يغني بكلام لا يرضاه الدين أو يساهم بحفلاته في خلق اجواء مناسية للفتنة والخلاعة والمجون وغير ذلك مما ينهى عنه الشرع, او يكون في سلوكه ومظهره مقترفا للمحرمات من سكر ومخدرات وعلاقات مشبوهة وغير ذلك. ففي هذه الحالة يكون قد ضل ضلالا بعيد رغم ما يتصف به من صفات جيدة.
لن يسأل الله سبحانه الفنانين عن تقصيرهم في تجويد غنائهم والحانهم يوم لا ينفع مل ولا بنون ولكن يسألهم عما فرضه عليهم وما نهاهم عنه حينها لا ينفعنا إلا القلب السليم والعقيدة الصحيحة والاعمال الصالحة.
نسأل الله ان يغفر للفنان محمود وغير منىالفنانين وان يهديهم جميعا إلى سواء السبيل
الأستاذ عبدالماجد ، ابن كردفان -كردفال البار ، قلبه معلق بالفن والجمال . فتناولة – كما قال للمتضادين – الدين والفن ، فهما كما الجنة والنار ، والملائكة والشياطين .لا ندري لماذا هذا التنافر؟ فهل الدين جامد ، يحجم ويكبد الرغبات ، والإبداع ؟ الصحابي الشاعر حسان بن ثابت ، قلت شاعريته بعد إلتزامة ، لم ترق أشعار العرب بعد الإسلام للشعر الجاهلي . علماء الفتوي يفتون بحرمان آلات الطرب ، ولكنهم يترنحون طرباً- جذباً – بأنغام مديح المتصوفة من أمثال ( مصر المؤمنة، ليلة المولد ) مع أن الآلات هي اللآلات التى تعزف ( في عز الليل ،وسال من شعرها الذهب ). فأيهما أحلى موسيقة ، ( الأطلال ، أم ولد الهدى ، أم غداً ألقاك ) فالصوت صوت أم كلثوم ، والمعازف هي هي ؟
كثيرا ما نسمع ان نجما من النجوم كما يلقبون من الفنانين ممثل او غنائي يعلن توبته ،فالتوبة معروفة هي التحول من طريق الخطأ والشيطان والاثم الى طريق الصواب .والا عن ماذا يتوبون .