أخبار السودان

الشاعر عبد الوهاب هلاوي: إذا كان الأمر بيدي لقدت مظاهرات مطالباً (بالحق الإنساني) وليس بالخبز وحده

* لا أدري لماذا الانتظار وهذه البلاد تخصصت في خيانة مبدعيها
* كبار الفنانين يعانون.. ورد الوفاء لهم فقراً وجوعاً
* لو أدركت السلطة الحاكمة ماهية الثقافة والفن لانتهت الحرب وأنعدم الرصاص
* هزيمة الثقافة جعلتنا (كالجثث المتحركة)
* إذا سقط الفنان تزلزلت الحياة وتعذب الناس
* الأغنية ابنة الإذاعة (المدللة) وتخليها عنها أفقدها عذريتها وباتت متسكعة دون حياء
* تهشمت حجارة المسطبة ولم يبقى منها إلا تلك الأعمال الخالدة (قلت أرحل والعزيزة وعن حبيبتي بقولكم)
* كلما تساقطت نخلة تبعتها أخرى وأخشى أن تمضي الأيام القادمة وليس لدينا حفنة تمر
* عقد الجلاد زي (الهلال والمريخ) لا تتأثر بالشطب أو الاعتزال
* أجمل الأغنيات تلك التي لم تجزها لجان النصوص وأروعها لم يتغنى بها المطربون
* سعد الدين إبراهيم دُفق إبداعه وعانى من عدم الأنصاف

أعرب الشاعر الكبير عبد الوهاب هلاوي عن حزنة الشديد للحالة التي وصل إليها الابداع في البلاد وقال إنه لو كان الأمر بيده لقاد مظاهرات طالب فيها (بالحق الإنساني) وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، وإستنكر تجاهل السلطة ممثلة في مؤسساتها الثقافية للعمل الابداعي مما تسبب في هزيمة نبض الحياة مما جعلنا كالجثث المتحركة على حد تعبيره ولفت انتباه المؤسسات الثقافية عن الدور الذي يلعبه الفن والثقافة في تحقيق السلام والوحدة مما يترتب علية نهاية الحرب وانعدام الرصاص ألا أنة عاد متاسفاً بقوله (إن كبار الفنانين محكوم عليهم بالفقر والجوع وأن هذه البلاد تخصصت في خيانة مبدعيها) وتتطرق لقضايا أخرى تتطالعونها عبر مضابط الحوار..؟

حوار: علي أبو عركي

* وصفها أهلها بأنها جنة الله الثانية في الأرض وأن كانت الشمس تغرب في الهند فإنها تشرق من توتيل أنت أبنها
فاحكي لنا قليلاً عن بلاد الطير الخداري الساحرة والمسحورة بالجمال؟

كسلا مدينة ذات خصوصية عالية ولدت فيها وعشت فيها بواكير الصبا، تخصصت هذه البلدة في أنتاج الجمال ببعده المادي والروحي ويكفي أنها أنجبت العشرات من الكتاب الشعراء والمطربين والرسامين.

* هناك شكلاً محدداً للكتابة عن الأم إلا أنك انتهجت لوناً مغايراً في (حاجة أمنة اتصبري) لماذا؟
عشرات الأغنيات كتبت عن هذه العلاقة المقدسة ولتبقى الرؤية مختلفة بين شاعر وأخر كتبت حاجة أمنة تصبري التي دونت فيها مذكرات حياتي.

*أعتصرت وجعك بنصها ومبررنا أن احتمالات الألم تتضاعف عندما نرى بأعيننا شقاء أمهاتنا لماذا كل هذا؟
أنا صادق مع نصي وكل ما كتبته فيها عشته حرفياً وأقول أنني كتبت نصاً آخر أكثر جراءة أعترف فيه بقصوري تجاه هذه العلاقة وأعلم انه ربما كان مجرد شعور ولكن أرى أن لأحد في الكون قادر على وصف إحساسه بصورة كاملة عن أمه ويكفي أنها الحبيبة التي لا يغيرها الزمن فهي التي تعلمنا منها الحب ونعيش ونموت بحبها.

*رغم اعترافك بالقصور تجاه هذه العلاقة التي تبنتها القصيدة ألا أن الأغنية باتت نصاً أسطورياً؟
وجدت النجاح لأنها مثلت شريان الشعب السوداني وأي قصيدة لا تمس عصب الناس قصيدة ميتة وبالمقابل أي نص لا ينتمي لتيار الشارع بلا هوية.
من أغرب وأجمل الحوارات التي عاشتها الأغنية السودانية حوارك مع القاش وغرابة النص ترجع إلى أنك استنتطقت نهراً متمرداً لماذا؟
بالضرورة أن يجد الفنان دائما ما يحاوره ولعل سر هذه الأغنية غنية يكمن في محاورتي كما ذكرت لنهر متمرد مثل القاش وعن الأغنية فأنها تعد من خواص أعمالي وأجمل حوارتي وأصدقها تلك التي تكون مع الأشياء والأشياء لا تكذب
أنا ولدت بجواره واستمعت لصرخته وهمساته فبديهياً أن يكون هناك حواراً بيني وبينه.

*هل الظروف هي التي اختارت حنجرة زيدان للتغني بها أم أنك خططت لذلك؟
لا أومن بالظروف بل هي الأقدار وحدها هي التي ساقت أقدام ذاك الطالب لمنزل زيدان وشاءت الأقدار أن تتمدد العلاقة بيني وبينة لتثمر ستة أغنيات كانت بدايتها لو تعرف اللهفة والريد والعذاب، والعذاب، عشان خاطر عيون حلوين، وبتتبدل مع الأيام.
*الرزاز الذي سقى حدائق بستانك الشعري هل له من عودة في الراهن الآن؟

الظروف الآن غير مواتية لتقديم عمل غنائي ينفع الناس، ما عادت الأشياء هي الأشياء وقد تخلت المؤسسات الثقافة المختلفة عن القيام بدورها وأنا أشك في أمر القائمين ومسؤولي الثقافة والفنون، ولو أن الأمر بيدي لقدت مظاهرات حتى بوابة الوزارة مطالباً بحق الإنسان وليس بالخبز وحدة نحيا وهزيمة الثقافة هزمت نبض الحياة فينا، وأصبحنا (كالجثث المتحركة)، والقبح بات عنواناً لنا، أجسادنا لا ينبض شريانها بالدم مصحوبة بأفعال لا يحكمها المنطق ولا ضمير.

*حديثك يعني أنك رفعت الراية البيضاء؟
لا يعني ذلك فأنا مازلت وسأظل منتجاً وعلى المبدع أو الفنان أن يحافظ دوماً على اتزانه فهو وحدة القادر بعد الله على منح القدرة للآخرين لمجابهة الحياة واذا سقط انهارت الحياة وتعذب الناس.

*ولكننا نرى أنك تعيش على أغنيات مر عليها زمان؟
لا لا كتبت العديد من الأغنيات لمطربين شباب ومتواصل مع كل الأجيال وراضي تماماً عن رصيدي الفني، وأنا صاحب أكبر رصيد غنائي من أغنيات الأطفال لدرجة ترجمة جزء من قصائدي للألمانية والإنجليزية.

*أبرزها؟
يا طالع الشجرة.. جيب لي معاك ثمرة والعديد منها.
وأين هي الأن؟
تيتم أطفالنا بتخلي مؤسسات الثقافة عنهم وأتساءل ببراءة متى سجلت الإذاعة لهم؟ في زمان مضي كانت الأغنية ابنتها المدللة والآن فقدت عذريتها وباتت الأغنية دون وجيع متسكعة فوق حناجر دون حياء.

*كنت شاهداً على جل كتاباته ومقرباً منه.. سعد الدين إبراهيم ماذا أنت قائل عنه؟
إن قلت توأم روح فهذا لا يكفي وأراه قد أتى الدنيا سابقاً لآوانه كنا ننتظره في المستقبل الذي لم يأتي من بعد مثله ومصطفى سيد أحمد ومحجوب شريف وأشباههم من مبدعي بلادي، كنت شاهداً على ميلاد الكثير من أبياته وللحقيقة دفق إبداعه وعانى من عدم الأنصاف مثله مثل غيره.

*ما هي حكاية المسطبة التي جلس على بلاطها الأفذاذ من الشعراء والفنانين؟
المسطبة عالم تلقائي أوجدته المحبة التي جمعت لفيف من المبدعين فقد جلس على بلاطها سعد الدين إبراهيم التجاني سعيد ومحجوب شريف والدوش ومحمد نجيب وكل من في قلبه بعضاً من حب، تكسرت المسطبة وتهشمت حجارتها ولم يبقى منها إلا تلك الأعمال الخالدة: (قلت أرحل، والعزيزة، وعن حبيبتي بقولكم) وأخريات فهي كما اللجنة العفوية والعبقرية في ذات الوقت ولدت بذات الطريقة التي يولد بها الحب وليس بالصورة القيصرية التي تولد بها الأعمال الآن.

*ولماذا تولد الأعمال الآن بطريقة القيصرية؟
لأن المبدع الحقيقي يعيش حالة من الهزيمة والانكسار وكلما تساقطت نخلة تبعتها أخرى وأخشى أن تمضي الأيام القادمة وليس بين يدينا حفنة من تمر.

*هل تنفي حقيقة أن المعاناة تولد الإبداع؟
على الرغم من حالة الألم والانكسار ألا أنني أرى بصيصاً من ضوء هذه ضرورة وتظل هذه رسالة المبدع الوقوف أمام ضربات الرياح وسهام الواقع والظروف.

*لكن هناك مبدعين وجدوا الاحتفاء والتكريم؟
هذا ليس تكريماً هذه مضحكة، فتكريم المبدع لا يتثنى إلا بتوفير الحياة الحرة والكريمة له وجعله يتنفس بكامل رئتيه يقول ما يشاء في من يشاء يقود أمته نحو الفجر، والتكريم لا يأتي إلا بتقديمه للناس بالصورة التي تليق به وتتناسب مع مكانته وإبداعه وتوثيق أعمالة وكفى المبدعين عطية مزين.

*لو أنصف المبدع وتوفر المناخ الملائم للإبداع ما النتائج؟
لو أدركت الأنظمة السياسية في السودان دور الثقافة والفن لانتهت الحروبات وأنعدم الرصاص.

*إلفة وإحساس عميق ربط بينك وعقد الجلاد جعلها تنظر إليك كأب روحي؟
فرقة أراها متقدمة عن غيرها شكلاً ومضموناً تغنت لي بحاجة أمنة تصبري وسوداني جد وفي الطريق أعمال أخشى عليها من كثره الحب.

*ما رأيك في الخلافات التي تعيشها الفرقة حالياً؟
هذه الفرقة تأسست على مبدأ وظلت منهجاً ومسلكاً فهي كما الهلال والمريخ لا تتأثر بالشطب أو الاعتزال.

*(الملام) كسرت حاجز المألوف عند مصطفى سيد أحمد بتعديها للبعد الفلسفي وإشارتها إلى ما وراء القصد المباشر فماذا عنيت بنصها بالتحديد؟
عبقرية الأغنية لا تكمن في نصها البسيط المتقدم ولكن في الصوت الأسطورة الذي تغنى بها، فهو فنان ذكي ولماح وقادر على إخراج اللحن المخبأ داخل الحروف والكلمات.

*بأي مقياس تقاس مدرسة الشعر الرمزي؟
ليس من الذين يحبذون الإمعان في الرمزية فالقصيدة تعد منتوجاً تلقائياً وبسيطاً لتناسب فهم كل الناس وأنا أتساءل هل بالضرورة أن يكون المعنى الجميل في كلمات غامضة؟

* وماذا عن الكلمات التي طُمرت تحت طاولات لجان النصوص؟
أجمل الأغنيات في نظري تلك التي لم تجزها لجان النصوص والألحان وأروع النصوص التي لم يتغنى بها المطربون.

* هل النص أكبر وأعمق من مخيلة وفهم أعضاء اللجان؟
لا هذا ولا ذاك وليس بالضرورة أن يكون أعضاء اللجان أو الألحان هم الأعلى كعباً ومداركاً، الكلمة لا تحتمل (أعلى وأفضل وأعظم) فالأمر نسبياً ليس إلا.

* كيف تنظر للمشهد الابداعي؟
لا أدري لماذا الانتظار والمبدع السوداني محكوم علية بالفقر والجوع، فالقلق شعور ملازم للفنان وكأنه شرط من شروط الكتابة، وأفذاذ النص واللحن ليس لديهم طموح دنيوي والقليل (يسعدهم ويحزنهم).

*هل تضررت من جدلية السياسة والمبدع؟
أنا لم ولن يكن لي علاقة بالسياسة ولا يعجبني الذين يخلطون الوطن بالحكومة وكما يقول نصي:
ما بريد يمه السياسة
ولا الحكومات من أساسا….
………….
لاني جبهة.. ولا شيوعي
لاني أمة.. ولا اتحادي
عشقي ساكن بين ضلوعي ..
لي عيون شعبي وبلادي..
وجني جن لعب الكراسي
المآسي ورا المآسي
انتكاسة ورا انتكاسة..
……
جني جن شمساً تبقبق
غير تنور ليها ضلمة
جني جن ناساً تصفق
لما تسمع ليها كلمة
الطواحين التدقدق غير توفر ليها لقمة
ودمعة الناس التعاسة
…………..
الله لي زراع بلدنا
رجعة ساعة المغربية
والله لي أصوات رعدنا
في الأراضي السندسية
والله لي صوت المصانع
البيوتات والشوارع
والنفوس الصادقه نية..

الجريدة

تعليق واحد

  1. تماما كآسحق الحلنقي لا طعم لا لون
    كيف يكون الإنسان مبدعا دون انتماء؟
    يا أخي الأحزاب التي ذكرتها تحمل قضايا الم تجد قضية تحملها؟

  2. تماما كآسحق الحلنقي لا طعم لا لون
    كيف يكون الإنسان مبدعا دون انتماء؟
    يا أخي الأحزاب التي ذكرتها تحمل قضايا الم تجد قضية تحملها؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..