أخبار السودان

حوار مع رئيس شورى الحركة الإسلامية بالجزيرة السابق الدكتور محمد عبد الله كوكو: انضمامي لـ(الشعبي) سببه انعدام المؤسسية في (الوطني)

رؤساء الأحزاب السياسية تفهّموا مشاكلنا ووعدوا بالوقوف معنا
رئيس الحزب بالولاية همّش مؤسسات الحزب تماماً
حاولنا الإصلاح عبر أجسام أخرى ولكن فشلنا
من الطبيعي أن تطالب الأحزاب بإعادة النظر في الموازنة
لابد من التوقف عن تجنيب المال العام وتقليل الإنفاق الحكومي
حاوره: صديق رمضان
إنه لم يكن عضواً عادياً بالحزب الحاكم، فهو من الذين يطلقون عليهم أصحاب السبق والبدريين، تولى عدداً من المناصب أبرزها في المؤتمر الوطني، منها أمين أمانة المال والاستثمار بمحلية الكاملين في الدورة قبل السابقة، أما في الحركة الإسلامية فالمناصب التي شغلها كانت أمين الحركة الإسلامية بمحلية الكاملين… رئيس شورى الحركة بولاية الجزيرة، أمين أمانة التعليم بالحركة بولاية الجزيرة، أما المناصب الدستورية، فقد كان رئيس لجنة التعليم بمجلس تشريعي الجزيرة، وفوق ذلك فالرجل الأكاديمي الدكتور محمد عبد الله كوكو قائد كيان الفزعة، اختار اخيراً ترك حزبه المؤتمر الوطني بالجزيرة وراء ظهره وفضل الانضمام للمؤتمر الشعبي، جلسنا إليه واستمعنا لإجاباته وتوضيحاته، وفي المساحة التالية نستعرض حوارنا معه:
*ما أسباب انضمامك المفاجئ للمؤتمر الشعبي؟
– حقيقة انضمامي لم يكن مفاجئاً… فقد فكرت في هذا الأمر طويلاً وقبل فترة ليست بالقصيرة…. والسبب في ذلك ابتعاد الوطني شيئاً فشيئاً عن المبادئ والقيم التي ننادي بها… والممارسة الشورية غابت حتى داخل مؤسسات الحزب نفسه إذا سلمنا جدلاً بوجود مؤسسات.
*نرجو التوضيح أكثر؟
– أريد أن أعطي القارئ مثالاً لذلك من ولاية الجزيرة فالأخ رئيس الحزب همش مؤسسات الحزب تماماً… الشورى… المجلس القيادي… المكتب القيادي.. وصار هو وحيد زمانه…لا وجود لهذه المؤسسات..إذن السلطة السياسية كلها صارت في يد رئيس الحزب.
*لكن توجد سلطة تنفيذية لا يسيطر عليها؟
– لا.. كذلك السلطة التنفيذية فهو الآمر الناهي…لا وزير يتصرف.. لا معتمد.. وفي غيابه وإجازاته التي يأخذها كل خريف أيام السيول والفيضانات والأمطار والموسم الزراعي بالمشروع يتوقف دولاب العمل لأن سعادته في إجازة.
*وأين السلطة التشريعية؟
– السلطة التشريعية عندما حاولت القيام بدورها الرقابي والتشريعي وحاولت محاسبته على مخالفاته دخل معها في خلافات إلى أن تم حلها، الآن هو كل شيء… السلطة السياسية في قبضته وكذلك التتفيذية في حين لا توجد سلطة تشريعية.
*ولماذا لم تحاولوا إصلاح هذا الواقع؟
هذه الأسباب جعلتنا نحاول الإصلاح عبر أجسام أخرى
ولكن أيضاً فشلنا… فكان لابد من الانضمام لحزب نشعر أننا نستطيع أن ننفذ من خلاله القيم التي ظللننا ننادي بها.. قيم الشورى والحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية… وننهض من خلاله بأمتنا وبلادنا.
*هل تتوقع هجرة مماثلة من قيادات أخرى من الوطني للشعبي.؟
لا أتوقع وحسب، بل على ثقة من ذلك… فهم يحسون ويعيشون نفس ما أحسه وأعيشه وسوف تكون الهجرة بالعشرات من القيادات النوعية ذات التأثير على مجتمعاتهم التي يعيشون فيها والذين كان لهم الفضل في فوز الوطني في كل الانتخابات، وقد أكد لي عدد كبير منهم استعدادهم للهجرة للشعبي.
*الشعبي مشارك في الحكومة ولا يختلف عن الوطني في شيء؟
مشاركته تتوقف على الالتزام بمخرجات الحوار… وإذا لم يلتزم الوطني بمخرجات الحوار فإنه سوف ينسحب من الحكومة كما صرح بذلك الأمين السياسي.
*إذا كان الشعبي يشعر بقضايا الجماهير لانسحب من الحكومة هذا ما يردده البعض؟
بالتأكيد الشعبي يشعر بنبض الجماهير، ولذلك سعى للحوار لوقف الحرب والالتفات للتنمية وحل أزمات السودان الاقتصادية.. وكما قلت آنفاً إذا لم يلتزم الوطني بمخرجات الحوار فليس أمامه إلا الانسحاب حسب تصريحات الأخ الأمين السياسي.
*موازنة الجزيرة لم يجزها المجلس التشريعي؟
نعم، لا يوجد مجلس لإجازة الموازنة، وهذا خلل واضح. ولقد سمعت ولكني غير متأكد من هذا الكلام وما قادر استوعبه كمان أنهم اعتمدوا ميزانية 2017…(دي سمعتها سمع لكن ما قادر أفهمها).
*ما هي الجهة التي تتابع تقرير المراجع العام الذي حوى الكثير من التجاوزات؟
طبعاً تكونت لجنة من المجلس لمتابعة تنفيذ توصيات المراجع العام، ولكن تم حل المجلس… وبالتالي لا أحد يتابع.
*لماذا بات إنسان الجزيرة محبطاً ويتعاطى نظرية المؤامرة؟
لأن الجزيرة تسير من سيئ إلى أسوأ دمر مشروعها العملاق الذي لم يكن لصالح أهل الجزيرة فقط بل كان الرافد الأساسي والأول للخزينة العامة، وكان يستفيد منه كل أهل السودان…. بيعت أصوله … تعطلت المصانع… شردت العمالة… توقفت المحالج وتعطلت سكك حديد الجزيرة خردة… ذاق المواطن طعم البؤس… وأخيراً جاء إيلا وبدلاً من الاهتمام بالزراعة والخدمات الأساسية من تعليم وصحة وماء وكهرباء والاهتمام بمعاش الناس انهمك في المهرجانات والرقص والغناء وكمل الناقصة… فأحبط مواطن الجزبرة… وفقد الأمل في كل شيء وشعر وكأنه مستهدف.
*ما هي شروط عودة الجزيرة ومشروعها لسابق عهدهما؟
أعتقد أن الحل في تنفيذ لجنة توصيات د. تاج السر.
*إيلا لا يعمل منفرداً.. فمعه عدد مقدر من قيادات الجزيرة والمواطنين؟
ليست الحشود هي التي تخطط وتنفذ وتراقب… وإنما هذا عمل المؤسسات. ولا توجد مؤسسات حكم في الجزيرة.. وبالتالي إيلا يعمل لوحده… هو الذي يخطط وهو الذي ينفذ، ويجمع البسطاء في لقاءات مصنوعة ليقولوا إيلا حديد.
*لقاءات الفزعة بالقوى السياسية بالخرطوم، الأسباب والنتائج؟
– في الحقيقة ليست لقاءات الفزعة وإنما لقاءات ميثاق الجزيرة والذي تعتبر الفزعة جزءاً منه. أسباب اللقاءات معروفة، وهي الأزمة التي تعيشها الولاية وشرح ذلك بالتفصيل لرؤساء الأحزاب.. وقد تفاعلت القوى السياسية مع أزمة الجزيرة لدرجة لآن بعضها هدد بالانسحاب من الحوار في حال لم تحل مشكلة الجزيرة… كما أن اللقاءات أصبحت تتحدث عن هموم المواطن في كل السودان وغلاء المعيشة ومعالجة التشوهات الاقتصادية وبسط الحريات.. وغير ذلك من هموم الوطن.
*الفزعة موجودة في الأسافير فقط؟
– بل متغلغلة في المجتمع ومعايشة لمشكلاته وهمومه… وقفت مع الناس في السعي لحل مشكلة العطش في مشروعي الجزيرة والرهد، وقفت مع المواطنين وناهضت قرار تجفيف 200 مدرسة الذي أصدره إيلا، وقفت مع المواطنين عندما تعرضوا للكوارث الطبيعية من سيول وفيضانات وهي في الحقيقة سند للجهاز التنفيذي، وليس خصماً عليه لأنها عبارة عن قرني استشعار تبصره بمواقع الخلل ليعالجها، ولكنها الحساسيات وعدم قبول الرأي الآخر والنصيحة هي التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.
*كيف تنظر لبرنامج إصلاح الدولة؟
– إصلاح الدولة يتمثل في احترام المؤسسات وعدم تهميشها أو تعطيلها وبسط الحريات واحترام الرأي الآخر وإعمال مبدأ المحاسبة والشفافية وسيادة القانون واحترام الدستور والفصل بين السلطات، وعموماً الالتزام بمخرجات الحوار الوطني يعتبر مخرجاً حقيقياً من الأزمات الحالية.
*برأيك ما هي حلول المشكل السوداني؟
– الحل لمشكلات السودان السياسية يتمثل في التحول الديمقراطي الحقيقي والتداول السلمي للسلطة والاعتراف بالآخر.
*كيف تنظر لتجربة الفدرالية؟
ولاية الجزيرة مثال حي لفشل تجربة الحكم الاتحادي عملياً، إن نظام الحكم اللامركزي من الناحية النظرية يعتبر أكثر تطوراً من النظم السابقة، ولكنه فشل عملياً في تحقيق الأهداف التي أنشئ من أجلها … لتقاطعاته مع المركزية من ناحية وعدم قدرته على التمويل الذاتي من ناحية أخرى الشيء الذي عطّل التنمية وتقديم الخدمات الأساسية الضرورية للمواطنين مما أثر سلباً على حياتهم المعيشية.
*أين تكمن علة الاقتصاد السوداني؟
– العجز في الميزان التجاري وتراكم الديون والتضخم والبطالة هي أهم أسباب الأزمة الاقتصادية، وأيضاً العجز في الميزان التجاري وذلك نتيجة لتراجع الصادرات، بالإضافة إلى التضخم الذي حدث نتيجة لفقدان العائدات النفطية وانخفاض الإنتاج الزراعي والصناعي، عطفاً على تراكم الديون والبطالة.
*وما هي الحلول؟
– أما الحلول فإنها تتلخص في التوقف عن تجنيب المال العام، تقليل الإنفاق الحكومي وتقليص دور هيكلة الدولة، الاهتمام بالإنتاج والإنتاجية، تفعيل السيطرة الحكومية.
*هل زيادة الضرائب حل؟
– للأسف أصبحت معالجات قضايا التمويل تتم من خلال فرض الضرائب مما أثقل كاهل للمواطنين وأضعفت الإنتاجية كنتيجة حتمية لعدم توفر مدخلات الإنتاج .
*ثم ماذا؟
– بالإضافة إلى أن ضعف القدرات الإدارية على المستوى الولائي والمحلي أدى إلى ضعف ملحوظ في استخدام الموارد الطبيعية وجعل الفساد والاختلاسات والمخالفات المالية كأنها ممارسات طبيعية، وهذا ما نلاحظه بصورة واضحة في ولاية الجزيرة (تقرير المراجع العام يوضح ذلك).. فقد عمد الوالي إيلا إلى اختيار أضعف الكوادر حتى لا يجد من يقول له لا، وصار يعمل لوحده بدلاً من المؤسسات التي تم تهميشها…. وعندما حاول المجلس التشريعي تصحيح الأوضاع والقيام بدوره الرقابي والتشريعي تم حله.
*كيف السبيل إلى الانفراج السياسي؟
إذا أردنا انفراجًا سياسياً فإنه لابد من إفساح المجال للقوى السياسية والمدنية لتعبر عن رؤاها وأفكارها من خلال برامجها وأشكالها التنظيمية المختلفة وبصورة سلسة وبشفافية تامة، والتأكيد على التداول السلمي للسلطة، وأعتقد أن عدم الاستماع للرأي الآخر وتمهيش المؤسسات وضعفها كانت من أهم أسباب انتقالي من الوطني للشعبي.
*كيف تنظر إلى حراك الشارع؟
– المظاهرات السلمية وسيلة حضارية يعبر بها الشعب عن رضاه أو عدم رضاه عن سياسة معينة وحق التظاهر مكفول بالدستور ومعمول به في كل العالمالمتحضر… وكان ينبغي أن تحرس الشرطة المظاهرة منذ خروجها وحتى عودتها أدراجها وألا تستخدم العنف لأن العنف يولد العنف (لكل فعل رد فعل).
*عدد مقدر من أحزاب الحوار طالبت بإعادة النظر في الإجراءات الاقتصادية؟
– من الطبيعي أن تطالب الأحزاب بإعادة النظر في الموازنة لأن الأحزاب تمثل المواطن وتدافع عن حقوقه وقد ألقت الموازنة بأعباء كبيرة على كاهل المواطنين… فرفع الدولار الجمركي من 6 إلى 18 جنيهاً أدى إلى رفع أسعار كل السلع بنسبة تفوق الـ100%… والسوق لا يفرق بين السلع المدعومة وغير المدعومة وأصبح كل تاجر يبيع أي سلعة بمزاجه، وأصبح هناك انفلات واضح في السوق والزيادات مستمرة وبصورة يومية… ودائماً الحكومة تلجأ للحلول السهلة وتجعل المواطن هو الذي يضحي. .فكان لابد للأحزاب أن تطالب بمراجعات للموازنة… والموازنة ليست قرآناً منزلاً حتى لا تراجع… وكثير من نواب البرلمان رفضوا الموازنة، ولكن الحزب الحاكم مررها بالأغلبية الميكانيكية.
*بالعودة إلى الجزيرة، ماذا فعلتم في أمر استعادة أصول المشروع؟
أجرينا اتصالات ببعض النواب في البرلمان ومعظم رؤساء الأحزاب السياسية وشرحنا لهم مشكلات مشروع الجزيرة، بل وكل مشكلات الجزيرة وكلهم تفهموا مشاكلنا ووعدوا بالوقوف معنا والتنسيق مستمر بيننا وبينهم.
*صدرت أخيراً تصريحات من بعض الساسة، وكانت تحمل قدراً يعتبره البعض غارقاً في الاستفزاز؟
تصريحات غير مسؤولة إما صادرة من أناس في روضة سياسة أو أنهم يقصدون تحريض الشارع وخروجه على الحكومة. فعندما تجد نائب رئيس وزراء يعني مسؤول في أعلى الهرم يقول لن نغير شولة في الموازنة… فهذا تحدٍّ صارخ واستفزاز لمشاعر الناس، وكذلك من يقول كلما ضاقت لجأنا لرفع الدعم… والذي يقول البمد راسه بنقطعه… مثل هذه التصريحات تجعل الحكومة وكأنها عدو للشعب بدلاً من أن تكون هي المسؤولة عنه وعن توفير احتياجاته وخدماته وأمنه.
*هل تعتقد أن البلاد في خطر أم إن الأمر عادي؟
-إحساس المواطن بالظلم من أعظم الأخطار التي تواجه أي دولة… لأن المواطن ينفصل عن الدولة ويصاب بالإحباط واللامبالاة… لذلك على الدولة أن تكسب شعبها بتخفيف أعباء المعيشة وتقديم الخدمات له من صحة وتعليم ومياه وكهرباء ويتأتى ذلك بزيادة الإنتاج والإنتاجية وتقليل الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد ومحاكمة المفسدين وإرجاع الأموال لخزينة الدولة والاستغلال الأمثل للموارد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب بعيداً عن الترضيات والولاءات الضيقة والمحسوبية.

الصيحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..