عجوز يصارع الحياة وحيداً.. والغد مجهولٌ في روزنامة حياته

أبو عبدو (74 عاماً) عجوز خانه الزمن فأغرقه في بحر الحرمان. خرج إلى الدنيا من بوّابة منسيّة في إحدى ضواحي بيروت. رجل غريب بلا حاضر، وغده يوم آخر من العذاب يُضاف الى روزنامة حياته، حتى بات ضحيّة الرغيف في بلد تتصارع قواه السياسية على كل شيء وتخرج من صراع لتدخل في آخر، فيما معاناة أهله تتقاذفها أمواج التجاذب السياسي والطائفي، من مرحلة لأخرى ومن انتخابات لأخرى.
على كرسيّه المتنقّل في زوايا منطقة الشياح، يعيش العجوز الذي أتعبته الحياة، وترك للأيام أن تتابع مسيرتها على وجهه. في خصال شيْبه ألم، وفي حالته كثير من البؤس والتشتّت. هو المقيم الدائم في تلك المحلّة، حيث الضوضاء الجنونية والفلتان واحتمالات الأذى.
بانتظار المعجزة
يسكن العجوز هنا منذ حوالي عشرين عاماً. كان يمتلك بسطة خضار يتكسّب بها رزقه، لكنه تعرّض للضرب والتعدّي من رجل حزبيّ كان مديناً له بمبلغ من المال. ومنذ ذلك الحين، تدهورت حالته من السيئ إلى الأسوأ. قدمه مهدّدة بالبتر، وثمة معلومات متداولة أن للعجوز ولداً كان «باعه» لعائلة ميسورة كي تهتم بتربيته بعد أن تدهور وضعه المعيشي وتوفيت زوجته.
من يوميّاته
«والله، ميّت من الجوع». بهذه العبارة، يبادر أبو عبدو بالقول فور تيقّنه من اقتراب أحدهم باتجاهه، إذ لا حاجة لاستئذانه من أجل استكشاف أحواله، وهو الذي اعتاد اقتراب الغرباء منه للحظات بقصد التبرّع له بما تيسّر.. وما إن يقترب أحدهم منه، حتى يبادر بالقول: «أهلاً وسهلاً.. شو في أكل؟». يومياته متشابهة.
يستيقظ كلّ صباح على أصوات السيارات والحافلات، تماماً كما ينام كل مساء على الأصوات نفسها. ينظر في عيون العابرين مشياً من أمامه، ليطلب من أحدهم أن يأتيه بدلو ماء من محطة البنزين القريبة.
بعد دقيقة أو بعد ساعة، لا بدّ أن يصل دلو الماء. يستجمع قواه ويشرع بالاستحمام في الهواء الطلق، إذ لا مكان للحياء في هذا المكان. يُنهي حمّامه، وينتظر من يتكرّم عليه بالفطور. ويعود للبحث عن بقايا طعام من اليوم السابق: قطعة خبز يابسة ملقاة على الأرض، أو كعكة صغيرة أو حبة بندورة. لا يحبّ ولا يكره لأنه اعتاد أن يعيش غريباً وليس طرفاً في معادلة.
المصدر : البيان