مقالات سياسية

(عبودية الجُبن).. خاطرات على أبواب الثورة..!

عثمان شبونة

* الرُّسل الكِرام لم يُمَكّنوا في بواكير دعواتهم من الوصول إلى غايات رسالاتهم؛ فكان التبليغ يسير وِفقاً لسنن التدرُّج والحكمة..! لم يسلموا من أذى العامة والزعماء في عصورهم.. وهكذا كل صاحب سراج منير عبر التاريخ؛ يُجابه برياح الرفض ومحاولات الإطفاء.. لكن الهِممُ تمضي بكل هميم لكسر الحاجز الأخير للعبور اصطياداً للقِمم وارتجاءً للقِيم بظلها وشعاعها..! وهل الثورة سوى (قِيم وقِمم) أو هكذا ينبغي أن تكون؟! لا ثورة تأتي من فراغ إن لم تكن مشاعلها تلتمس سبل القيم الكلية التي من أجلها تتفجّر.. والثورات والحركات التصحيحية مجابهة بذات السوام التي تجابه المصلحين كما جابهت أصحاب الرسالات السماوية عبر أزمنة غابرات.. نفهم من هذه الرسالات في بُعدها العميق (أن مواقيت الظلم لو دامت لما ظفر مصلح أو رسول بمبتغاه لاستقامة ميزان الحياة) لكن آجال الظلم تتمدد وفق حكمة البارئ التي سبقت وجودنا وهو القائل (ولا تحسبنَّ الله غافلاً عما يعملُ الظالمون؛ إنما يُؤخرُهُمْ ليومٍ تشخصُ فيه الأبصارُ). فإذا كان المذكورون هم الغافلون عن هذا اليوم؛ هل ننتظر على ظلمهم بلا دفع؟! الإجابة بالعقل: كلا.. إذا لم ندفع الجور ونحن مستخلفون للخير في شموله فلن يسود عدل فوق البسيطة.. والعدل غاية مَاسِية كما الثورة النبيلة التي تزحف فتحتوي البغي لتجهز عليه..! إن أبواب (الثورة والظلم والعدل) واسعة العرصات لمن أراد الدخول والنظر؛ والجامع بينها خيط..! فلننسج السؤال للذات والأخرى على منوال هذا الخيط لمن يخذل الحق: لماذا تعرّض نفسك لضواري السلطان الجائر بكلمة الحق والدعوة لعصيانه؟! وفي الحقيقة إن الداعي للحق هو الإيمان به وليس الإدعاء؛ فما من بناء يتماسك بالدعاية والباطل إلّا سقط ولو بعد حين.. ومن هذا النحو افترعُ قناعاتي ببعض البساطة:

1 ــ الحق تحقيق لآدميتنا وإن شئت (إنسانيتنا).

2 ــ يشهرُ البعض في أقوالهم بطاقة خضراء للخوف بمنطق يصادم الحقيقة؛ يقولون: (الخواف ربَّى عياله) وتجوز هذه السلبية ببساطة للخواف ولغيره؛ كلاهما يمكن أن يربِّي عياله وإذا أمكن سيضم معهم أبناء الجيران! لكن المعنى عندي في لحظات الثورة على الباطل؛ أن الموصوف يربِّي فقط عيال العبودية (لوجاز لنا أن نتخيل ملامحهم البائسة الخليعة المنكسرة) أي العيال الذين يتقافزون في قلبه الخرِب.. إنها بالضبط عبودية الجُبن..! وإذا استعبدك الجبن لا تصرخ من استعباد طاغية؛ فهذا منتهى الظلم للطاغية نفسه..!

3 ــ الأهم مما تقدّم؛ أن الخوف من الخروج الجماهيري السلمي الرافض لسياسات المتسلطين المستعمرين للسودان الآن بقيادة عمر البشير؛ هذا الخوف اعتبره عناد (لله) قبل أن يكون عناداً للوطن! باعتبار أن الخروج والثورة حق تجاه من سرق الكرسي بغير اختيارك؛ وبقىَ بغير اختيارك؛ وفسد بغير اختيارك؛ وسفك الدماء بغير اختيارك؛ وقسّم المجتمع ونشر العنصرية فيه والأمراض والرشوة والمحسوبية بغير اختيارك؛ وتجبّر وتكبّر بغير اختيارك أيضاً.

* رغم صيغة المفرد؛ أتحدث عن عصابة مختزلة في مجرم.

خروج:

* الثورة بنيان لا يُنجز في يوم.. المهم أن يتراص البنيان فيقوى مع الأيام.. ولنثق بأن الخروج في الشوارع ضد جلادينا مُدماك للثورة.. والرفض الذي تبديه تجاه معاناتك المحفورة بأزميلِ حاكمك الفاسد يقوِّي حائط الثورة.. وحتى تشجيعك للخروج على الطاغية وأنت عاجز لأي سبب؛ هو كالدفء للثائرات والثائرين الذين تضربهم كرابيج الفقر والشتاء؛ وإن شئت سياط الدكتاتور..!
أعوذ بالله
الجريدة الالكترونية

تعليق واحد

  1. الثورة بنيان لا يُنجز في يوم.. المهم أن يتراص البنيان فيقوى مع الأيام.. ولنثق بأن الخروج في الشوارع ضد جلادينا مُدماك للثورة…..
    يكفي فخراً أنك أول طوبة في هذا المدماك.
    فليضع كل منا طوبة في بنيان الثورة المرصوص.
    ولنرفع راية الثورة عالية حتي نكنس عفن تجار الدين وآخر بقايا التتار في بلادنا.

  2. مسيرة الخلاص لإسقاط النظام ‏
    ضربة لأسس النظام
    إن نجاح مسيرة الخلاص الأخيرة (الأربعاء 31/01/2018م) و ماسبقها من إحتجاجات وما عبرت ‏عنه من أن الشعب السوداني قد إنقلب على كل أسس النظام (الإخواني) برمته. أي أن الشعب إنتفض في ‏أغلبيته الساحقة على نظام (المشروع الحضاري) بكل أسسها ومقوماتها وشخوصها (الترابي و البشير و ‏الحركة الإسلامية و تنظيم الأخوان والمؤتمر الوطني والشعبي) وأصبح يطالب بنظام جديد (البديل ‏الديمقراطي). هذا هو ما جسدته الشعارات التي تم رفعها أثناء الإنتفاضة والمواقف والمطالب التي عبر ‏عنها المحتجون. أن الشعارات التي رفعها الشعب أثناء الإنتفاضة إمتدت إلى الرفض الصريح للأسس ‏التي يقوم عليها النظام وللشخصيات المحورية فيه. وقالت : على سبيل المثال الشعار (إستقلال.. حرية.. ‏كرامة). و هتفوا (ثوري ثوري لن يحكمنا لص كافوري). أي أن الشعب أصبح يتطلع إلى نهاية عهد ‏الإنقاذ بكل أسسه ومقوماته. إن الإنتفاضة في جوهرها بمثابة ضربة لأسس نظام الإنقلابيين المتأسلمين ‏الذي تأسس على وعد مثالي بعالم أفضل للمظلومين والفقراء. لكن الذي حدث مع مرور السنوات أن ‏الفساد حل محل مثل هذه المباديء وطحنت المصاعب الإقتصادية والحياتية الشعب.. وهذا بالضبط هو ‏الذي يفسر لماذا عبروا عن غضبهم العارم في هذه الإحتجاجات على كل النظام وإستهدفوا ليس (بكري ‏حسن صالح) وحده وإنما (البشير) أيضا. وقد إنتشرت على نطاق واسع شعارات (الموت للديكتاتور) ‏والموت لـ(الكيزان). كما إنتشر شعار آخر هو لنظام جديد (ديمقراطي تقدمي مستقل). بعبارة أخرى فإن ‏المحتجين كما يقول هاجموا النظام برمته بكل أجنحته بدائله الزائفة وأسسه. وفي الوقت الذي رفعوا فيه ‏شعارات ورددوا هتافات تندد بإرتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة عموما فإنهم في نفس الوقت ‏نددوا بالرأسمالية الطفيلية المتأسلمة وأعتبروهم (لصوص) تحت حماية النظام. ولهذا يعتبر أن النظام ‏برمته نظام ظالم إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا. لكن ماذا يعني هذا بالضبط؟.. ماذا يعني أن يكون جوهر ‏الإنتفاضة هو رفض أسس النظام الإخواني؟
    سقوط شرعية النظام
    كل الجوانب السابقة تمكنا من الوصول الى نتيجة نهائية هي إن شرعية النظام سقطت بهذه الإنتفاضة ‏وأن العقد الإجتماعي و الطائفي الذي ربط بين النظام وبعض فئات الشعب منذ إنقلاب (الإنقاذ) حتى ‏اليوم إنتهى تماما. حيث أن قادة النظام فوجئوا تماما بإتساع نطاق الإحتجاجات والأماكن التي إندلعت ‏فيها حيث إمتدت إلى معظم عواصم الويلايات و المدن الكبيرة ومنها يعتبر تقليديا منتيميا لقواعد تأييد ‏النظام. والأخطر من هذا هو ما إنطوت عليه الإنتفاضة من ضرب لشرعية النظام (الشعب يريد إسقاط ‏النظام) و ذلك رغم إنفاق النظام الباذخ على الأجهزة والمؤسسات (الدينية و الأمنية و الإعلامية) وفي ‏نفس الوقت إهمال توفير حاجات الشعب الضرورية وتدهور أوضاع غالبية الشعب أشعل إحساسا عاما ‏بالظلم وعدم المساواة. وهذا يمثل ضربا لشرعية النظام وتدميرا للعقد الإجتماعي بين النظام والشعب. ‏حيث كانت ثورة (الإنقاذ) قد وعدت الشعب بتنمية متوازنة ورفاه إجتماعي ضمن خططها المختلفة ‏لمعالجة الأزمة الإقتصادية جنبا إلى جنب مع حديثها عن سياسة خارجية مستقلة معادية (للكفار) ‏الإمبريالية. وعلى عكس السنوات الأولى بعد الثورة أصبح أثرياء النظام يتفاخرون بثرواتهم في مختلف ‏مناسباتهم على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي و يسوقون السيارات الفارهة في شوارع العاصمة ‏تحت أنظار الفقراء ويتفاخرون بثرواتهم على الشعب المحروم وهم يرون صورا لعوائل أركان النظام ‏وهم يتنزهون على الشواطيء التي يرتادها أثرياء العالم في الخارج وفي الوقت الذي يتم فيه إعتقال ‏بناتهم بسبب اللبس الفاضح و المشية غير المناسبة ويتم فيه إعتقال وسجن أبنائهم لمشاركتهم في ‏مسيرات سلمية ضد الغلاء وإرتفاع أسعار السلع الأساسية. وهذا ما فجر الإحتجاجات التي فضحت كذب ‏الشعارات الإسلامية والأهداف التي وعدت بها ثورة (الإنقاذ).. التي عمقت الإحساس العام بأن النخبة ‏الحاكمة أصبحت متخمة ومنفصلة عن الشعب ولا تعرف حال الناس العاديين وكيف يعيشون.وهذا ما ‏يؤكد سقوط شرعية النظام بخروج مسيرة الأربعاء 31/01/2018م الهادرة بشعاراتها التي تطالب ‏بسقوط النظام و عودة ثورة أكتوبر و أبريل المجيدتين. ‏
    سقوط جدار الخوف
    بالإضافة إلى ما سبق يمكن ملاحظة الآتي أولا: ما أقدم عليه المحتجون من الهجوم مباشرة على رأس ‏النظام (البشير) الأمر الذي وصل إلى حد ليس فقط وصفه بالديكتاتور ورفع شعار (لن يحكمنا لص ‏كافوري) وإنما أيضا المطالبة صراحة بسقوطه. ما يعني أن هيبة النظام سقطت إلى غير رجعة. ‏وثانيا: حقيقة أن هذه الإنتفاضة أظهرت أن قطاعات كبيرة من الشعب أسقطت جدار الخوف عموما ولم ‏تعد تبالي بإظهار رفضها للنظام ومطالبته بالرحيل على النحو الذي أوضحناه. حيث أن السلطات ‏والأجهزة القمعية لن تجد صعوبة في السيطرة على الإحتجاجات لكن ما يفزعها هو حقيقة أن المحتجين ‏كشفوا عن وجودهم ورددوا الهتافات ضد (البشير) في كثير من المدن الصغيرة والبعيدة عن الخرطوم. ‏وفي المدن الكبيرة يمكنك أن تتوه وسط الزحام لكن الأمر يختلف حين تفعل هذا في بلدة يمكن التعرف ‏عليك فيها بسهولة. هذا يعني أن الناس لم تعد تخاف من الدولة نفسها ولا أجهزتها القمعية ومليشياتها ‏الإرهابية. هذا أمر له أهمية كبرى. على ضوء كل هذه الجوانب التي إرتبطت بالإنتفاضة نستطيع أن ‏ندرك بسهولة سر رعب النظام لأنه أدرك أن هذه الإنتفاضة ليست مجرد حركة إحتجاج على أوضاع ‏إقتصادية وإجتماعية ولم تكن مجرد رفض لسياسات للنظام داخلية أو خارجية وإنما هي إنتفاضة ضد ‏النظام بأسره ترفض إسسه بكاملها (الشعب يريد إسقاط النظام) وتطالب بتغييره وتأسيس نظام آخر ‏‏(البديل الوطني الديمقراطي التقدمي المستقل). ومما زاد من رعب النظام أن الإنتفاضة إندلعت في ‏المناطق التي كان يعتبرها قاعدته والقطاعات الشعبية التي شاركت فيها هي القطاعات التي تعتبر تقليديا ‏قاعدة تأييد النظام. هذا تحول في منتهى الخطورة. ويدرك النظام إنه إذا كان هذا هو جوهر الإنتفاضة ‏ومطالبها فمعنى هذا إنها من الممكن أن تتجدد في أي وقت على الرغم من قدرته على إخمادها حاليا. ‏
    الخرطوم 01/02/2018م

  3. الثورة بنيان لا يُنجز في يوم.. المهم أن يتراص البنيان فيقوى مع الأيام.. ولنثق بأن الخروج في الشوارع ضد جلادينا مُدماك للثورة…..
    يكفي فخراً أنك أول طوبة في هذا المدماك.
    فليضع كل منا طوبة في بنيان الثورة المرصوص.
    ولنرفع راية الثورة عالية حتي نكنس عفن تجار الدين وآخر بقايا التتار في بلادنا.

  4. مسيرة الخلاص لإسقاط النظام ‏
    ضربة لأسس النظام
    إن نجاح مسيرة الخلاص الأخيرة (الأربعاء 31/01/2018م) و ماسبقها من إحتجاجات وما عبرت ‏عنه من أن الشعب السوداني قد إنقلب على كل أسس النظام (الإخواني) برمته. أي أن الشعب إنتفض في ‏أغلبيته الساحقة على نظام (المشروع الحضاري) بكل أسسها ومقوماتها وشخوصها (الترابي و البشير و ‏الحركة الإسلامية و تنظيم الأخوان والمؤتمر الوطني والشعبي) وأصبح يطالب بنظام جديد (البديل ‏الديمقراطي). هذا هو ما جسدته الشعارات التي تم رفعها أثناء الإنتفاضة والمواقف والمطالب التي عبر ‏عنها المحتجون. أن الشعارات التي رفعها الشعب أثناء الإنتفاضة إمتدت إلى الرفض الصريح للأسس ‏التي يقوم عليها النظام وللشخصيات المحورية فيه. وقالت : على سبيل المثال الشعار (إستقلال.. حرية.. ‏كرامة). و هتفوا (ثوري ثوري لن يحكمنا لص كافوري). أي أن الشعب أصبح يتطلع إلى نهاية عهد ‏الإنقاذ بكل أسسه ومقوماته. إن الإنتفاضة في جوهرها بمثابة ضربة لأسس نظام الإنقلابيين المتأسلمين ‏الذي تأسس على وعد مثالي بعالم أفضل للمظلومين والفقراء. لكن الذي حدث مع مرور السنوات أن ‏الفساد حل محل مثل هذه المباديء وطحنت المصاعب الإقتصادية والحياتية الشعب.. وهذا بالضبط هو ‏الذي يفسر لماذا عبروا عن غضبهم العارم في هذه الإحتجاجات على كل النظام وإستهدفوا ليس (بكري ‏حسن صالح) وحده وإنما (البشير) أيضا. وقد إنتشرت على نطاق واسع شعارات (الموت للديكتاتور) ‏والموت لـ(الكيزان). كما إنتشر شعار آخر هو لنظام جديد (ديمقراطي تقدمي مستقل). بعبارة أخرى فإن ‏المحتجين كما يقول هاجموا النظام برمته بكل أجنحته بدائله الزائفة وأسسه. وفي الوقت الذي رفعوا فيه ‏شعارات ورددوا هتافات تندد بإرتفاع الأسعار والأوضاع المعيشية الصعبة عموما فإنهم في نفس الوقت ‏نددوا بالرأسمالية الطفيلية المتأسلمة وأعتبروهم (لصوص) تحت حماية النظام. ولهذا يعتبر أن النظام ‏برمته نظام ظالم إقتصاديا وإجتماعيا وسياسيا. لكن ماذا يعني هذا بالضبط؟.. ماذا يعني أن يكون جوهر ‏الإنتفاضة هو رفض أسس النظام الإخواني؟
    سقوط شرعية النظام
    كل الجوانب السابقة تمكنا من الوصول الى نتيجة نهائية هي إن شرعية النظام سقطت بهذه الإنتفاضة ‏وأن العقد الإجتماعي و الطائفي الذي ربط بين النظام وبعض فئات الشعب منذ إنقلاب (الإنقاذ) حتى ‏اليوم إنتهى تماما. حيث أن قادة النظام فوجئوا تماما بإتساع نطاق الإحتجاجات والأماكن التي إندلعت ‏فيها حيث إمتدت إلى معظم عواصم الويلايات و المدن الكبيرة ومنها يعتبر تقليديا منتيميا لقواعد تأييد ‏النظام. والأخطر من هذا هو ما إنطوت عليه الإنتفاضة من ضرب لشرعية النظام (الشعب يريد إسقاط ‏النظام) و ذلك رغم إنفاق النظام الباذخ على الأجهزة والمؤسسات (الدينية و الأمنية و الإعلامية) وفي ‏نفس الوقت إهمال توفير حاجات الشعب الضرورية وتدهور أوضاع غالبية الشعب أشعل إحساسا عاما ‏بالظلم وعدم المساواة. وهذا يمثل ضربا لشرعية النظام وتدميرا للعقد الإجتماعي بين النظام والشعب. ‏حيث كانت ثورة (الإنقاذ) قد وعدت الشعب بتنمية متوازنة ورفاه إجتماعي ضمن خططها المختلفة ‏لمعالجة الأزمة الإقتصادية جنبا إلى جنب مع حديثها عن سياسة خارجية مستقلة معادية (للكفار) ‏الإمبريالية. وعلى عكس السنوات الأولى بعد الثورة أصبح أثرياء النظام يتفاخرون بثرواتهم في مختلف ‏مناسباتهم على مختلف مواقع التواصل الإجتماعي و يسوقون السيارات الفارهة في شوارع العاصمة ‏تحت أنظار الفقراء ويتفاخرون بثرواتهم على الشعب المحروم وهم يرون صورا لعوائل أركان النظام ‏وهم يتنزهون على الشواطيء التي يرتادها أثرياء العالم في الخارج وفي الوقت الذي يتم فيه إعتقال ‏بناتهم بسبب اللبس الفاضح و المشية غير المناسبة ويتم فيه إعتقال وسجن أبنائهم لمشاركتهم في ‏مسيرات سلمية ضد الغلاء وإرتفاع أسعار السلع الأساسية. وهذا ما فجر الإحتجاجات التي فضحت كذب ‏الشعارات الإسلامية والأهداف التي وعدت بها ثورة (الإنقاذ).. التي عمقت الإحساس العام بأن النخبة ‏الحاكمة أصبحت متخمة ومنفصلة عن الشعب ولا تعرف حال الناس العاديين وكيف يعيشون.وهذا ما ‏يؤكد سقوط شرعية النظام بخروج مسيرة الأربعاء 31/01/2018م الهادرة بشعاراتها التي تطالب ‏بسقوط النظام و عودة ثورة أكتوبر و أبريل المجيدتين. ‏
    سقوط جدار الخوف
    بالإضافة إلى ما سبق يمكن ملاحظة الآتي أولا: ما أقدم عليه المحتجون من الهجوم مباشرة على رأس ‏النظام (البشير) الأمر الذي وصل إلى حد ليس فقط وصفه بالديكتاتور ورفع شعار (لن يحكمنا لص ‏كافوري) وإنما أيضا المطالبة صراحة بسقوطه. ما يعني أن هيبة النظام سقطت إلى غير رجعة. ‏وثانيا: حقيقة أن هذه الإنتفاضة أظهرت أن قطاعات كبيرة من الشعب أسقطت جدار الخوف عموما ولم ‏تعد تبالي بإظهار رفضها للنظام ومطالبته بالرحيل على النحو الذي أوضحناه. حيث أن السلطات ‏والأجهزة القمعية لن تجد صعوبة في السيطرة على الإحتجاجات لكن ما يفزعها هو حقيقة أن المحتجين ‏كشفوا عن وجودهم ورددوا الهتافات ضد (البشير) في كثير من المدن الصغيرة والبعيدة عن الخرطوم. ‏وفي المدن الكبيرة يمكنك أن تتوه وسط الزحام لكن الأمر يختلف حين تفعل هذا في بلدة يمكن التعرف ‏عليك فيها بسهولة. هذا يعني أن الناس لم تعد تخاف من الدولة نفسها ولا أجهزتها القمعية ومليشياتها ‏الإرهابية. هذا أمر له أهمية كبرى. على ضوء كل هذه الجوانب التي إرتبطت بالإنتفاضة نستطيع أن ‏ندرك بسهولة سر رعب النظام لأنه أدرك أن هذه الإنتفاضة ليست مجرد حركة إحتجاج على أوضاع ‏إقتصادية وإجتماعية ولم تكن مجرد رفض لسياسات للنظام داخلية أو خارجية وإنما هي إنتفاضة ضد ‏النظام بأسره ترفض إسسه بكاملها (الشعب يريد إسقاط النظام) وتطالب بتغييره وتأسيس نظام آخر ‏‏(البديل الوطني الديمقراطي التقدمي المستقل). ومما زاد من رعب النظام أن الإنتفاضة إندلعت في ‏المناطق التي كان يعتبرها قاعدته والقطاعات الشعبية التي شاركت فيها هي القطاعات التي تعتبر تقليديا ‏قاعدة تأييد النظام. هذا تحول في منتهى الخطورة. ويدرك النظام إنه إذا كان هذا هو جوهر الإنتفاضة ‏ومطالبها فمعنى هذا إنها من الممكن أن تتجدد في أي وقت على الرغم من قدرته على إخمادها حاليا. ‏
    الخرطوم 01/02/2018م

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..