بعد أن دخل الدعاء الصالح مزاداته التسوُّل.. أساليب ووسائل تواكب روح العصر

اختصاصي اجتماعي: محاربته تحتاج إلى معالجات آنية قاسية
كشفتها تقارير: عقوبات رادعة لكل من يدّعي الفقر ويتم ضبطه متسوّلاً
تحقيق: مي عبد الله
التسول ظاهرة اجتماعية سيئة، وإن كانت عالمية لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات، إلا أن هذه الظاهرة في السودان تختلف من مجتمع لآخر من حيث الأسباب والأساليب والمعالجات، وهي غالباً ما تكون نتيجة للفقر والبطالة وسوء الأحوال المعيشية، إضافة إلى الكوارث والحروب والنزاعات، لكن نجد أنه في العاصمة خاصة (السوق العربي، وشارع المك نمر، ومواقف المواصلات) توجد مجموعة من الأطفال الذين يتسولون عبر المستندات المرضية، وغيرها من الوسائل الأخرى التي تستخدم في التسول، حتى في الأحياء الشعبية نجدهم حاضرين، ومع التقدم التكنولوجي والحداثة التي طالت كل شيء كان لابد للمتسولين مجاراة تلك الحداثة بطرق كثيرة وحديثة بخلاف الأساليب التقليدية التي كانوا يمارسونها في السابق، لذلك غيّر المتسولون من طرق تسولهم، فأصبح البعض منهم يتسول عبر الدعوات الصالحات وبعضهم وصل إلى داخل الأحياء يحملون مستندات تؤكد إعاقتهم بالصم والبكم.
وفي هذه الساحة، نحاول إلقاء الضوء على مستجدات ظاهرة التسول وأساليبها، التي رفعت حاجبي المجتمع من فرط الدهشة .
في المواصلات:
ما يستوقف المارة بالسوق العربي، منظر الأطفال صغار السن تتركهم أسرهم بالقرب من مواقف المواصلات يرتدون ثياباً رثة، منهم من يصعد إلى الحافلات طالباً مبلغاً زهيداً من المال، ومنهم من يتشبثون بالمارة ويمسكون بهم ليعطوهم ما تيسر، والبعض الآخر يمسك يدك ويدعو لك بصوت حنين (الله يخليك ويعرس ليك … ويديك العافية). وبهذه الطريقة (المنمقة) في التسول يحصلون على نصيبهم ويترجلون عن المركبات والابتسامة على وجوههم، ومن على البعد تظهر أسرهم بين الفينة والأخرى لتتفقد دخلهم اليومي بسرعة ثم يختفون عن الأنظار بالتوجه إلى موقع آخر .
من داخل الأحياء:
لعل أحدث طرق التسول الجديدة هي (التسول داخل المنازل) باسم منظمة معينة وهي أن يقرع المتسول باب المنزل وعندما يخرج صاحبه يعطي صاحب البيت فايلاً به أسماء بعض المواطنين وأمام كل اسم من الأسماء المسجلة يكتب قيمة المبلغ الذي تبرع به غيره و يخطره المتسول أنه يتبع إلى منظمة خاصة بالطلاب الذين جاءوا من دولة الكنغو الديمقراطية بغرض الدراسة، وهذه المنظمة تقوم بمساندة الطلاب الذين بحاجة ماسة إلى الدعم ثم يطلب من الشخص من (3ـ 10) جنيهات كمساعدة لهؤلاء الطلاب.
التسول بالموسيقى:
وهي أن يحمل أحدهم آلة موسيقية معينة، تختلف من شخص لآخر وتتنوع ما بين الطبلة والرق، العود، والمزمار، وهؤلاء يتواجدون في (الأسطبات) بلفة الكلاكلة ـ وسراج بأم درمان ويلحنون ويعزفون مقطوعات لكبار المطربين، بعد أن تدربوا عليها حتى تخرج إلى الجمهور بشكل جيد، حيث يجوبون الشوارع والميادين ويقفون أمام كل تجمع فترة ليست قصيرة وبعد سماع الشخص للموسيقى يمرر على جميع الحضور (طاقية) من أجل جمع المبالغ من الحاضرين، وهناك بعض المتسولين يتجمعون في الأستوبات، وعند قدوم عربة صغيرة يقوم المتسول بتنظيف ومسح زجاجها وبعد الانتهاء يطلب من سائق العربة مبلغاً من المال.
تسول أطفال الخلاوى
وهي تعتبر أكثر أنواع التسول انتشاراً في الأسواق والطرقات حتى في المساجد تجدهم حاضرين في منظر يطرح عدة تساؤلات، تجد طفلاً صغيراً يجوب الشوارع حاملاً (لوحاً) مكتوباً عليه آيات من الذكر الحكيم، ويتحدث بصوت خافت وهو يطلب المساعدة، وهذا يعتبر أخطر أنواع التسول لأن يُمنع التجارة بكتاب الله.
الشارع يتحدث:
اشتكى عدد من المواطنين الذين التقتهم (الصيحة) من تكاثر ظاهرة التسول وأبدوا دهشتهم من تنامي ظاهرة التسول التي تفشت مؤخراً في جميع أنحاء العاصمة بصورة لم تعد خافية، وتبدو الصورة أوضح في العاصمة التي تضج أسواقها وطرقاتها بنداءات المتسولين من الفتيات والأطفال.
وقال المواطن عثمان الريح، إن المهنة أصبحت منظمة من قبل جهة ما تقوم بتدريب الأطفال فنون الشحذة، فبالرغم من أن التسول أصبح مهنة رئيسية لكثير من الناس ألا يثير ذلك الخوف والهلع في نفوس الناس؟ وأضاف أن ظاهرة التسول غدت منتشرة بمعدلات مخيفة وأن أساليب الشحذة مزعجة لدرجة أن الطفل يمسك بملابسك ولا يتركك إلا بعد أن تعطيه نقوداً، وهناك فتيات ونساء ورجال كبار السن يحملون روشتات أمام بوابات المستشفيات والصيدليات، والغريب أن تلك الوجوه تتكرر آلاف المرات مما يتطلب من الجهات المسؤولة وضع ضوابط صارمة للحد من هذه الظاهرة.
الله يعرس ليك:
وبنفس اللهجة عبر الموظف سامي الريح عن بالغ سخطه وتذمره جراء تمدد ظاهرة التسول التي قال إنها تفشت مؤخراً، وأضاف في حديثه للصيحة أن الشوارع الرئيسية والأسواق وحتى المساجد أصبحت تعج بالمتسولين الذين جعلوا من التسول مهنة لهم، وأشار إلى وجودهم في شارع النيل أعداد كبيرة ، حيث يأتيك طفل أو فتاة تطلب منك بعض المال وأن لم تعطه يستعطفك قائلاً (الله يعرس ليك البنت المعاك دي) وهكذا، وأحياناً تأتيك متسولة من الفتيات ولكنها تكون من النوع الأنيق، تطلب مبلغاً من المال بحجة أنها (انقطعت) عنها المصاريف، وفي نفس الوقت تجد أنك رأيت هذه الفتاه في مناطق مختلفة، ولذات الأسباب.
مهنة محصورة:
من جانبه قال الأستاذ علي كمال إبراهيم ـ معلم بالمرحلة الثانوية: في السابق كانت مهنة التسول محصورة بين بعض الغرباء من أبناء السبيل الذين تقطعت بهم السبل، فاضطروا إلى مد أيديهم للآخرين بحثاً عن ما يسدون به الرمق أو جمعاً لمبلغ يغطي تكاليف العودة، لكن الملاحظ أن انتشار هذه الظاهرة وسط قطاع كبير من الفقراء والمعوزين من الشعب السوداني بصورة لم يسبق لها مثيل ، رافقها ازدياد في أعداد المتشردين بصورة مخيفة في معظم المدن السودانية، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة المتسولين والمتشردين السودانيين في كثير من دول المهجر، مما يعكس صورة مغايرة لصورة السوداني التقليدي المعتز بنفسه وكرامته.
حالات اجتماعية:
بينما يشير دكتور سليمان الطاهر استشاري علم الاجتماع إلى أن التسول يعتبر مظهراً من مظاهر حالات اجتماعية مثل الفقر والحاجة والبؤس، حتى في حالة التسول المنظم نجد أنهم ضحايا الفقر والحاجة خاصة الأطفال المتشردين. وقال إن محاربة التسول والتشرد يحتاج إلى معالجات آنية قاسية، وأشار إلى أدوار جهات الاختصاص في محاربة الظاهرة عبر آليات ساهمت في التقليل بنسبة (5%) فقط من الظاهرة، ويرى أن الحلول الجذرية تكمن في الريف ومناطق النزاعات التي يأتي منها الوافدون، وأوضح: لابد من الحلول الجذرية، وذلك بتحقيق السلام والتنمية المستدامة بصورة علمية لإيجاد الحلول الجذرية من أجل محاربة ظاهرة التسول.
تقارير مختصة:
وأشار تقرير أعدته وزارة الرعاية الاجتماعية، إلى اهتمام عدد من المؤسسات الرسمية والطوعية بدراسة ظاهرة التسول وإبراز أسبابها مع وضع الحلول لعلاجها والتخفيف من حدتها، كما أدت الحملات العديدة التي قامت بها إدارة أمن المجتمع مع وزارة الشؤون الاجتماعية والثقافية بولاية الخرطوم لمعالجة ظاهرة التسول والتقليل من حدتها، كما قامت وزارة الرعاية الاجتماعية بإجراء دراسة اجتماعية لعدد من المتسولين بمركز سوبا ومهيرة للنساء ومن خلال الدراسة اتضح أن معظم المتسولين يعيشون تحت خط الفقر ووضعهم الاقتصادي يحتاج لإيجاد مشاريع إعاشة دائمة لهم وإعالة أسرهم، وتمثلت المشاريع في (طبالي، كاروهات، أكشاك، شراء أغنام، زرايب فحم، محملات اتصالات).
تشوهات مجتمع:
واعتبرت التقارير التسول ظاهرة اجتماعية حديثة، وهي من التشوهات التي تؤثر عليه وتعتبر انحرافاً عن السلوك السوي وخروجاً عن العادات والتقاليد والقيم السائدة التي تحث على العمل وكفالة الأيتام والمسنين، وتعزى بشكل أساسي للفقر والبطالة وقلة الحالة إضافة إلى الكوارث الطبيعية والحروب والنزاعات، وأن كثيراً من حالات التسول لا تعني أن المتسول بحاجة إلى المال أو هو عاجز عن العمل بل نوع من الدجل والخداع والتضليل والكسب غير المشروع.
عقوبات رادعة:
وفي قانون معالجة ظاهرة التسول يُعاقب كل من وجد متسولاً مدة لا تتجاوز شهرين لكل من وجد متسولاً بغرض التكسّب في الطريق العام أو الأماكن العامة أو الخاصة، بجانب معاقبة كل من وجد متسولاً وهو يتصنّع الإصابة بعاهات أو أي وسيلة أخرى من وسائل الغش لاكتساب عطف الجمهور بغرض التكسب بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر، بينما يعاقب بنفس العقوبة في المادة السابقة كل من حرض أو أغرى أو استخدم شخصاً بغرض التسول، وإذا كان المتهم ذا قوامة أو سلطة على الشخص تكون العقوبة بالسجن من ثلاثة إلى ستة أشهر، وفي حالة إدانة الجاني مرة أخرى يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز سنة ولا تقل عن ستة أشهر، وإذا كان المتسول أجنبياً يتم إبعاده عن البلاد بعد استيفاء العقوبات المنصوص عليها في القانون وفق الفعل المرتكب.
الصيحة.