?هجرة عكسية? تتدوال وسائل الإعلام الاجتماعي هذه الأيام صورا لمئات اللاجئين الإثيوبيين يلملمون أغراضهم في عودة طوعية إلى بلادهم،

الخرطوم ـ حسيبة سليمان
(زريهون) واحد من العمالة الإثيوبية وقد قرر مع عدد كبير من مواطنيه، العودة إلى بلادهم بعد الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها السودان، يرغب الشاب في العودة بهدوء ودون ضوضاء، فهو يحترس ملاحظته من قبل السلطات السودانية، كونه ظل يقيم ويعمل لسنوات في السودان دون أي أوراق رسمية معتمدة من الجهات المختصة.
(زريهون) ليس وحده من قرر الرحيل، فنحو (400) إلى (500) إثيوبي يغادرون الخرطوم يومياً حسب إحصاءات لجهات إثيوبية بالخرطوم، ويعد هؤلاء من بين أكثر من (5) ملايين مهاجر بمعدل تدفق يومي لنحو (700) متسلل إلى العاصمة الخرطوم ومدن سودانية أخرى سعياً للعمل والبحث عن حياة انقطعت أسبابها في بلادهم، بيد أن الوضع الآن قد اختلف، فقرروا أن يغادروا خلسة من الدولة التي يُفترض أنها ظلت راعية لهم طيلة السنوات السابقة، إذ يقتسم السودانيين في بلادهم مع الأجانب كل سبل الحياة بما فيها (الرغيف والدواء والمواصلات)، وفي المقابل فإن السودان يحتاج أيضا إلى العمالة الأجنبية.
(1)
تساهم الأزمة الاقتصادية التي تضرب السودانيين بعنف، في عودة المئات من الإثيوبيين إلى موطنهم، وذلك في نتيجة سريعة المفعول لتراجع الجنيه السوداني مقابل البر الإثيوبي، وتأكيداً لما يحدث استقصت (اليوم التالي) حول هذه الهجرة العكسية المفاجئة.
وعند لقاء موفد (اليوم التالي) بــ(زريهون)، كانت ترتسم على وجهه علامات الخوف من أن تكون ممثلة لجهة حكومية تريد منه إثبات هويته، قال بصوت مرتعد أنه لا يجيد اللغه العربية، ولكن بعدما تداول أطراف الحديث وعرف من الشاب الإثيوبي هوية موفد الصحيفة، قال إن إعدادا كبيرة من الإثيوبيين قصدوا بلادهم لعدة أسباب، وعزا ذلك لضعف العائد المادي وضيق المعيشة التي أصبحت لا تطاق في السودان.
وأضاف زريهون أن العمل في السودان كان يحقق لهم مكاسب مالية كبيرة لكن الآن الوضع تغير بحيث أن العملة الإثيوبية (البر) أصبحت أعلى من الجنيه السوداني، لذلك قرر بعض الإثيوبيين الذين يمارسون أعمالاً هامشية العودة الطوعية، لأن الأجر الذي يتقاضونه لا يمكنهم من التوفير، وزاد: الذين سيبقون هم أصحاب الأعمال الخاصة.
ويعرب زريهون عن بالغ سعادته بفترة وجوده في السودان على الرغم من أنه ظل يعمل في وظيفة صغيرة بأحد المطاعم، وختم زريهون حديثه بأنه ما كان يريد أن يعود لبلده لأنه يرى السودان أفضل من دول كثيرة لسهولة الاندماج في المجتمع والحصول على فرص عمل بسيط قد لا تتوفر في بلدان أخرى.
في ذات السياق تقول (ألماظ) التي جاءت إلى السودان عام 2016 ولديها خمسة أطفال، إن الوضع في السودان اصبح غير مطمئن بالنسبة لهم إذ أن السلطات أصبحت تقوم بحملات مكثفة في مواجهة من هم لا يحملون أوراق إقامة رسمية، مشيرة إلى أن مبلغ الغرامة يبدأ من (2000) جنيه ويصل عند نهاية الاجراءت إلى (5000) جنيه، وهي تكلفة مرتفع جداً مقارنة بدخل الفرد بالنسبة للأجانب، مما يجعل المقيم من هؤلاء الأشخاص لا يستطيع توفير بعض المدخرات لإرسالها إلى الوطن على حد قول ألماظ، وتضيف: ?أفكر حاليا في الرجوع?. وأردفت: ?ليس في مصلحتي أن أبقى هنا مكتوفة الأيدي..! لأن لدى نفقات كثيرة عليّ تغطيتها كما علي أن أطعم هؤلاء الأطفال وأوفر لهم نفقات كسائهم وتعليمهم إضافة إلى دفع الإيجار الذي أصبح يوم بعد يوم يتضاعف?.
(2)
نائب رئيس الجالية الإثيوبية في السودان وتدعى (نبرات) قالت لـ(اليوم التالي): ?أغلب الإثيوبيين الموجودين في السودان بدأوا بالعودة الطوعية دون تدخل أو طلب من السفارة الإثيوبية بالخرطوم?، فيما عزت هذه العودة الطوعية أو الهجرة العكسية للإثيوبيين لما وصفته بالظرف الاقتصادي الصعبة.
وأضافت نبرات: ?أسباب العودة تعددت لكن أهمها على الإطلاق هو أن (البر) الإثيوبي صار قريبا من العملة السودانية، إضافةً إلى زيادة الحملات التي تقوم بها السلطات وطلب البطاقات، وارتفاع تكلفة المعيشة في السودان?.
وعن التعداد الرسمي للسفارة حول أعداد المغادرين قالت: ?بدأت العودة الطوعية من يوم 15 يناير 2018 والإحصائية الرسمية للسفارة تقول إن هناك 7-8 بصات يومياً وعدد ركاب البص الواحد (55) شخصا?.
(3)
د. عادل عبد العزيز مدير دائرة المستهلك بوزارة المالية، يستبعد عودة الإثيوبيين إلى موطنهم بشكل مفاجئ أو لأن الظروف الاقتصادية تدفعهم إلى ذلك حاليا، ويقول لـ(اليوم التالي): ?لم تظهر في ولاية الخرطوم أي آثار للهجرة المزعومة للإثيوبيين من السودان، وبحسب معرفتي بمناطق القضارف والقلابات والولايات الشرقية عموماً فإن ما تم تداوله من صور هو عبارة عن صور لعودة موسمية عادية لمجموعة من عمال الحصاد الذين يحضرون موسمياً إلى مناطق إنتاج السمسم والذرة في السودان خصوصاً ولاية القضارف?، وأضاف: ?بعد نهاية موسم الحصاد يعودون لقراهم بإثيوبيا?، وأردف قائلاً: ?السودان يحتاج للعمالة الإثيوبية لأن العمالة السودانية بسيطة ونسبة مقدرة منها ذهبت وراء البحث عن الذهب?.
(4)
يرى الخبير الاقتصادي السوداني (محمد الناير): أن هنالك عدة أسباب وراء عوده الإثيوبيين لوطنهم تأتي في مقدمتها الأسباب الاقتصادية وحالة عدم الاستقرار الاقتصادي الذي وقع على السودان مؤخراً، والتراجع المستمر للعملة الوطنية أمام الدولار خلال الفتره الماضية.
واضاف الخبير الاقتصادي (الناير) هذه من الأسباب التي جعلت العمالة الإثيوبية تعود لوطنها، وأكد أنهم لن يمكثوا فيها كثيراً إذا تحسنت الأوضاع في السودان وسيعودون مرة أخرى، ووصف عودة الإثيوبيين إلى بلادهم بالخطوة الجيدة لأنه ?بذلك يتم تخفيف الضغط على النقد الأجنبي لأنهم كانوا يقومون بإرسال النقد من السوق الموازي إلى بلدهم، وبالتالي يقل الطلب على سعر الصرف والعملة الوطنية?.
وأضاف: ?بعودتهم سيتركون فراغا في عدد من مواقع العمل بالإضافة لتخفيف العبء على الخدمات الأساسية والبنية التحتية الخدمية السودانية حيث كان المواطن السوداني يجد الكثير من المزاحمة منهم في خدمات الصحة والتعليم وغيرها?.
ودعا الناير المواطنين السودانيين إلى أن يهيئوا أنفسهم لما قد يحدث من فجوة في مجال الأعمال التي كانت هذه الشريحة تعمل فيها، وهو ما قد يشكل خللاً وظيفياً نوعياً في بعض المهن أو ذات الأجر البسيط التي كانوا يقوم بها الأجانب المغادرون.
(5)
يقول أبرار محمد عمر ـ (إثيوبي الجنسية) أستاذ في مركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا العالمية، إن الأسباب الاقتصادية والتدهور المريع للعملة السودانية مقابل الدولار مع ارتفاع العملة الإثيوبية مقابل العملة السودانية وارتفاع تكاليف المعيشة في السودان تسبب في عدم قدرة الإثيوبيين في السودان على التوفير في حالة تحويل العملة السودانية في الوضع الراهن، مضيفاً: ?كل الأجر يذهب في إيجارات السكن والحياة اليومية لذلك هم يعودون لانعدام الفائدة وبحثاً عن وضع اقتصادي أفضل، مؤكداً على أنهم سيغادرون جميعاً في حال استمر الوضع الاقتصادي في السودان على هذا المستوى، فأي إثيوبي يأتي إلى السودان يبحث عن الفائدة المتمثلة في توفير مبالغ لإرسالها إلى أهله أو له وأصبحت عملية التوفير هذه مستحيلة في ظل الظرف الاقتصادي الراهن?.
وأشار إلى أن البطاقات الموجودة هي في الأصل للتنقل وليست رخصة للعمل وأن تكاليف استخراجها مرتفعة، وهي لا تحل أي مشكلة مرتبطة بالعمل في السودان فقط تساعد في التنقل، مضيفاً أنها تحتاج للتجديد كل فترة قليلة مابين (2 ? 3 أشهر) وذلك يضيف أعباء جديدة على العامل الإثيوبي، وقال محدثي: ?نسعى مع مكتب العمل الآن وبالتنسيق مع مجلس الصداقة السودانية الإثيوبية لتطوير هذه البطاقات بمد الفترة الزمنية لسريانها ولتحويل صلاحيات هذه البطاقة لتصبح صالحة للعمل وككرت اقامة مقبول في مكاتب العمل?.