أخبار السودان

عودة..الي ..سارقي الثورات…وبائعيها..

عودة..الي ..سارقي الثورات…وبائعيها..

محمد عبد الله برقاوي..
[email protected]..

عطفا علي مقال الزميل الأستاذ/ معاوية يسن ..والذي نشرته الراكوبة نقلا عن صحيفة الحياة بالأمس القريب …والذي لامس الواقع الحالي للوضع السياسي مقرونا بحقب سابقة من تاريخنا المتعلق بتفجر الثورات الشعبية لدوافع معروفة وان تفاوتت الظروف التي رسمت تلك الثورات وتشابهت النهايات فيها والتي شبهها الأخ/ معاوية ..بالسرقة التي تضيع فيها امال واحلام الشارع الذي فجر الانتفاضات بمهر الدم والتضحيات ..الي اخر ما ذهب اليه في ربطه لذلك الواقع الذي طوته السنين في أرفف التاريخ وان بقي تذكارا مريرا في الحلوق .. بالواقع الحالي الذي جدد تلك المرارات ولكن بصورة أكثر عمقا فانداحت الكارثة متمددة كجرح كبير تجاوز معضلة ازمة الحكم الي محك بقاء الوطن ..ان يكون أو لا يكون.. وفيما اعاد المقال الكرة الي ملعب الشارع العريض لحسم اللعبة للمرة الثالثة ..دون ان يعدد الاليات التي تدير المباراة ضد الوضع الحالي .. فانه قفز الي كيفية الحفاظ علي المكسب حتي قبل تحقيقه..وبدأ يتلمس الطريق الي ( نزول سيايسين ملائكة ) للقيام بتلك المهمة في ظل خيبة الأمل حيال كل القيادات التقليدية التي عفي الزمن علي صلاحيتها لادارة دفة الحكم دون ان يستثني نخبة دون اخري وبصورة طرية وعكسية من اليمين الي اليسار وبالعكس ..بيد انه سلط ضوءا بصيصا علي رموز لم يسمها ولكنه وصفها بنظافة اليد من التعاطي مع الانظمة الشمولية وبرأها في ذات الوقت من تهمة سرقة الثورات ..ولعل العبارة الأخيرة التي نحفظ للاخ معاوية حقه الأدبي في اضافتها الي قاموس مفرادتنا السياسية..فانها ايضا تعيدني الي التعليقات التـي ذيلت المقال تجاوبا من القراء الكرام كل انطلاقا من الزاوية التي قرأه.. منها فاتفق البعض مع الكاتب فيها اختلف معه اخرون بلهجة تشاؤمية تستبعد جاهزية الشارع السوداني و( مروة ) نخبه السياسية لاحداث التغيير والذي وان جاء ولو بعد حين من الدهر فلن يكون أقل خيبة من سابقاته..فيما اتسمت بعض التعليقات بالسخرية التي تنم عن تزايد مساحة الوعي السياسي في عقلية الانسان السوداني التي مازجت ما بين التحليل المنطقي والصورة( الكاريكتيرية ) المعبرة في توصيل الفكرة …مثلما جاء في تعليق أحد الظرفاء الذي لخص فكرته قائلا ..ربما كان الأمر في السابق ..وقفا علي سرقة ( الثورات ) فقط اما الآن فان الامر امتد الي سرقة الكلاكلات وأم بدات ..والحاج يوسف وبقية البلاد باثرها.. وهو تعليق علي بساطة عبارته ومكنونه الساخط فانه احتوي في عمقه لب المشكلة المعقدة التي كانت نتيجة طبيعية ليس لفشل النخبة الأسلامية الحاكمة في انفاذ مشروعها ( الثيوقراطي ) ذي الاتجاه الواحد الشمولي ..وانما في ذهابها الي ابعد من مدي الفشل في حد ذاته الي جر البلاد نحو مصائب تقف هي نفسها عاجزة عن مجرد التفكير في ايجاد مخرج لنفسها من مأزقها ناهيك عن مقدرتها علي الخروج بالبلاد الي بر الامان ….فالتعقيدات التي اضافتها العقلية المتزمتة والأقصائية الي المعترك السياسي في ظل انفرادها بالكرة في اغلب شوطي اللعبة الا من مشاركات هزيلة جراء تشظية الفرق الأخري وجذب اللعيبة الهامشيين و غير الأساسين ..للقيام بمهمة جلب الكرات من خلف المرمي ليس الا.. وانتهاء بشراكة مع الحركة الشعبية هي اشبه بشراكة الثعلب والدجاجة في مزرعة الشعير ..اذ ظل كل منهما يبيت النية علي ( المكر ) باستحواذ الحبوب عند الحصاد وترك التبن لشريكه ..فجاء الحصاد وطار التبن و الحبوب ..معا في رياح الغفلة ..ولم يبقي امامها الا الارض التي زرعا عليها خيبتهما ..فجلسا يتناكفان علي اقتسامها دون ان يعرفا من اين ستبدأ القسمة ولا الي اين ستنتهي.
كما اسلفنا فان قيام الثورات الشعبية تولده مكونات عدة ربما تختلف بواعثها من بلد الي اخر فهي في الشكل تبدو مثل مكونات العمل السينمائي من حيث الأدوات والشخوص ومراحل التصوير ..ولكن لكل فيلم قصته المختلفة التي تتفاوت من الرومانسية الي العنف فيما تختلف النهايات وفقا لعقلية الكاتب ورؤية المخرج. من ثم نجاح تسويق الشريط.. فالثورة الفرنسية بالطبع ليست كالثورة الايرانية ..ولا ثورة البلاشفة السوفياتية هي ثور ة رومانيا ..التي انطلقت من ( تيماشورا ) المدينة الريفية وانتهت بسقوط نظام شا وسيسكو في بوخارست العاصمة … وبالمقابل و علي مستوي ثوراتنا المحلية ..فمعطيات اكتوبر ودوافعها ومراحل نضوح شارعها والسواعد التي حركتها من النخب السياسية الوطنية المتمثلة في جبهة الهيئات ..ليست هي المعطيات بالقلم والمسطرة التي فجرت انتفاضة ابريل ..لا من حيث حجم الصخور التي زحزحتها ..ولا الظرف الزمني الذي هيأها لذلك ..اذن نخلص الي ان المكون الحالي لململة الشارع السوداني الضائق ذرعا من سيطرة النظام الاسلامي المتدثربعباءة مهترئة من ديمقراطية فصلت بمقاسات محددة ..والمحبط في ذات الوقت( اي الشارع) من سلبية الفعاليات السياسية الاخري ويأسة من امكانية احداث التغيير الي الاحسن في حالة سقوط النظام الذي يبدو في ظاهره مترنحا..الشيء الذي اوقع ذهنية شارعنا صانع الثورات الموؤدة في فجوة الحيرة مابين……….. ( شيطانين ) كليهما جربناه وخرجنا بنتائج مشابهة ..وذلك يعكس مدي حجم الازمة المتصاعد في النمو ..ويجسد المحنة التي تجعلنا كشعب يقتات سياسة ليست معجونة بماء الوطنية فافرزت حكاما علي مختلف لونياتهم لم يراعوا الله في وطنهم ولا تهمهم حالة الامة التي باتت تتسول حتي الكفاف وتستورد ما نسبته حوالي الاربعة وثمانين في المائة من القمح الذي تستهلكه البطون وليس كل البطون بالتأكيد ..فيما تكور ثلث سكان البلاد في رقعة العاصمة التي ضاقت بهم احشاؤها وتخومها بحثا عن الرزق وعلي هامش الاعمال والحرف ..تاركين بقية ( الشقة ) خالية علي رأي عادل امام ..واي شقة هي تلك الارض التي باتت بلقعا جرداء فيما عيون العالم كلها تتلمظ نحوها وتتمني لو انها حظيت بربعها محزوما بخيط من أحد نيليها..
اذن اخي معاوية لاأقول لك من السهل تحريك الشارع في غياب القدوة النيرة المؤتمنة علي ادارة الحركة السياسية مابعد الثورة ..وفي ظل نظام امتلك المال والسلاح واضعف قدرة الناس علي التفكير جراء تشتيت الاذهان الراكضة خلف التقاط الفتات لاقامة الاود فضلا عن (هد الحيل ) في مجابدة التعليم والصحة وسائر الخدمات التي رفعت الحكومة يدها عنها تطبيقا لسياسة تحرير السوق بل قل استعباده من فئة قليلة لتسقط بقية الحمل علي رؤوس الأغلبية المستضعفة ..ولكني أقول لك ان الأمر برمته هذه المرة جد مختلف فنحن امام خيارين احلاهما مر أما السكوت والطأطأة حيال نظام لايهمه الي اين تذهب البلاد ..المهم ان يحكم كيفما شاء…ونحيا نحن غرباء في وطننا مقابل فئة امتلكت كل شيء ولم تترك لنا شيئا.. واما المغامرة بالنفخ علي خيمة هذا النظام بما تبقي لنا من متقطع الانفاس في غياب القدوة من النخب التي تصون لنا المكسب فنكون كمن حرث في البحر ..ونعود الي مرحلة الصفر الاكتوبري ..وما دون الصفر الابريلي.. او ننتظر الفرج من فاطر السماء .. مثلما تندر علينا أحد الصحفيين الخواجات الذي استطلع شرائح عدة من شعبنا عن كيفية ان يكون الراتب مائتي جنيه والمصروفات الشهرية تفوق الخمسة الاف علي سبيل المثال ..وكيف يستطيعون سد الفجوة ما بين الرقمين فكان رد الجميع عبارة ( الله كريم ) والتي ظنها الخواجة مهنة جانبية للكسب المجزي ..وهي لعمري كذلك بل هي اساسية وليست جانبية اذا ما اخلصنا النية لله الكريم ليخرجنا وبلادنا من المأزق .. الذي نحن فيه وفقا لما يراه بكرمه ورحمته خيارا أمثل .لنا…..وانه من وراء القصد..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..