لكي نكون شعبا حسن السير والسلوك..

بلا حدود – هنادي الصديق

حتى لحظة كتابة هذا العمود كانت الأخبار تتوالى تباعاً ومثلها من الاشاعات، بأخبار إعفاء وإحلال وإبدال في صفوف جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وكبار المسؤولين بالدولة، وأخبار اخرى تتحدث عن اعتقال كبار رجال الأعمال وقيادات بالمؤتمر الوطني والمؤسسات الرديفة لمؤسسات الدولة، وما أكثر الاشاعات التي تتناولها الوسائط خاصة برامج ومجموعات التواصل الاجتماعي.
منذ أن تولي الفريق صلاح عبدالله قوش مقاليد الأمور مرة أخرى بجهاز الأمن والمخابرات الوطني، ولا سيرة في الشارع السوداني غير اسمه ونسج الكثير من القصص والحكاوي عن بطولاته الخارقة أو تجاوزاته الخارقة، ونسى الجميع القضية الأساسية وهي انهيار الدولة على كافة المستويات.
وتصريح مدير الجهاز الخاص بأن اطلاق سراح بقية المعتقلين مرهون بتحسن سلوك أحزابهم، أثار الكثير جداً من ردود الأفعال الغاضبة خاصة وسط أحزاب المعارضة التي لا زال قادتها وعدد مقدر من عضويتها رهن الاعتقال، وأضم صوتي للأصوات المطالبة بإصلاح سلوك النظام أولاً ثم مطالبة أحزاب المعارضة به.
ومنذ متى كان التظاهر ومعارضة الحكومة سلمياً يعتبر سوء سلوك ؟ وهل في قانون الأحزاب مادة تحدد ماهية سوء السلوك أو تحرم المعارضة السلمية أو تمنع التظاهر السلمي؟
سوء السلوك من وجهة نظري ونظر الكثيرين والذي يستوجب المحاسبة والعقوبة الرادعة هو التدهور الذي تبدى في مرافق الدولة والفشل في تقديم الخدمات للمواطن، فضلاً عن الغلاء الذي استحكم بسبب الموازنة الأخيرة وإذا كانت الحكومة عاجزة وقاصرة في مهامها يمكن أن يُصنف سوء سلوك، وإهدار الموارد العامة للدولة يندرج تحت باب سوء السلوك أيضاً، وإستباحة المال العام من قبل نافذين أو اقاربهم أو اصهارهم أواصدقاءهم، كله يدخل وبالبنط العريض تحت مسمى سوء سلوك، فضلا عن تشريد الكفاءات واحلال اصحاب الولاء فقط مكانها والذي يعتبر ايضا سوء سلوك.
ان كان النظام يريد من المعارضة واحزابها ان تحسن من سلوكها، فلا بد من ان يبدأ بنفسه حتى لا ينطبق عليه المثل (إن كان رب البيت بالدف ضارب، فشيمة أهل الدار الرقص)، فلابد من كشف المستور وتعرية من قاموا بالفعل الحقيقي الذي دعا هذه الأحزاب والأفراد القابعين خلف الزنازين لإساءة الأدب والسلوك بالخروج والتظاهر ورفض السياسات العقيمة ومحاولة إسقاط النظام، المواطن لم يعد لديه الثقة في النظام بعد ان استنفذ كافة فرص بقاءه ولم يستفد منها.
تم تهريب الذهب عبر موانئ البلاد الجوية والبرية وضاعت مليارات الدولارات، وضُبطت حاويات من المخدرات لم يعرف حتى الآن من المسؤول عنها، وضاعت أموال النفط لسنوات، ولم تكتمل هياكل (المطار الجديد)، باعوا المساحات الشاسعة والاراضي الخصبة لمستثمرين اجانب ومحليين مقابل عمولات شخصية كما يدور بين الناس.
إن كان النظام حقا يريدنا شعبا حسن السير والسلوك وأحزاباً (تسمع الكلام)، فعليه ان يرمي في سلة المهملات العديد من الثوابت التي في قاموسه، والتي عبرها تسلق من تسلق، وحدث ما حدث، وأولها (فقه السترة)، وفقه (التحلل)، وأن يبادر بتخصيص نشرة يومية تكشف اسماء المتورطين في عمليات السلب والنهب للمال العام، منذ مجيئ الإنقاذ الى يومنا هذا، ومحاكمة كل من تسبب في قتل وتشريد أي روح من أرواح أبناء الوطن، ومحاكمتهم في ميدان عام حتى ولو كانوا أقارب من الدرجة الاولي لكبار المسؤولين.. بعدها يمكن أن تلتزم المعارضة والمواطنين بشروط الأدب التي وضعتها الإنقاذ.
الجريدة