عمود سلام ياوطن

واقعنا السياسي المنكود كلما أصبح صباح جديد يرمينا بواحدة من الإحن وكثير من المحن، وآخرها رئيس حزب الوسط يوسف الكودة الذي عرفناه يتعامل مع الفعل الديني والسياسي تعامل (الوداعية) مع ضرب (الودع) فالرجل من السلفية إختار الوهابية منهاج حياة ودعوة.. وهو القادم من بيئة يعيش فيها قومه وهم يقسمون بالسيد الحسن أب جلابية ويرتادون ضريح السيد علي الميرغني عند الملمات.. ويحضرون المولد وينشدون: نسمات هواك لها أرج * تحيا وتعيش بها المُهج

ففارقهم إلى دعوة هدم الأضرحة عندها قربى إلى الله.. وإنحصر في بوتقة ذلك الفهم الديني الذي ينكفئ على إرسال اللحى وحف الشوارب وتعدد الزوجات.. متأخرين بفهمهم للدين عن دقائق وحقائق الدين وحقائق العصر.. فوقفوا عند الشورى وحاجة العصر إلى الديمقراطية.. والشورى ما هي إلا وصاية القصر على القصر في يومنا هذا.. وهذا ما لا عبرة به.. وهو إنشغل بالواقي الذكري دون الإنشغال بقيم التربية الإسلامية الرفيعة.. التي تقول في حدها الأدنى: (عفوا تعفّ نساؤكم) وغادر السلفية الغليظة ولكنه لم يتجاوز محطات الهوس الديني.. فجاء بحزب الوسط لينضاف إلى البقالات السياسية المتعددة التي لم تقدم للسودان برامجاً أو مذهبية رشيدة أو فلسفة حكم أو حتى فهم للشريعة متقدم.. وبسذاجة سياسية أعد وثيقة لتوحيد المعارضة إتسمت بالضعف الفكري والسياسي وهشاشة البناء العضوي.. ودعا لها قيادات الأحزاب المنضوية تحت لواء قوى الإجماع الوطني.. هو ومدعويه كانوا كمن يرقصون خارج الحلبة.. فلا المدعوين واتتهم الجرأة ليقولوا له إنهم تحت لافتة قوى الإجماع الوطني.. ولا هم جاملوه بحل منظومة قوى الإجماع الوطني.. إنما دخلوا الغرف المكيفة يتبادلون الحديث المكندش ومراوح الكلام تدور.. وإنفض السامر.. وشبابنا الذكي يكابد العطالة والبطالة وإنعدام العيش الكريم وإنبهام السبل التي تفضي به لأن يكون شيئاً في مسالك الحياة المختلفة.. ولكن هيهات إنهم يمارسون في شبابنا الإغتيال المنظم لأحلامهم وطموحاتهم وآمالهم ووطنهم.. وهذا الإغتيال هو فعل الحكومة والمعارضة والنخب والكودة.. ستون عاماً أو زهاؤها.. لم يجدون متكأ يتكئون عليه أفضل من أن يعتصموا أياماً لأجل هيثم مصطفى.. ويبكون لذهاب هيثم مصطفى.. ويهتفون (نموت ويحيا الحوت).. ويكرمون محمود عبد العزيز حياً ومنتقلاً.. غير عابئين إذا وقعت الأحزاب على وثيقة الفجر الجديد أو القديم.. ولا مكترثين إذا غضبت الحكومة أو رضيت.. فكل ممارسات الساسة لا ينظرون إليها أكثر من أنها أفيون الشباب.. فوسط كل هذه الكوارث السياسية والإقتصادية والإجتماعية يخرج علينا السيد الكودة بتوقيعه السامي على وثيقة الفجر الجديد.. في ذات الوقت الذي حاورته فيه الأستاذة النابهة سعاد الخضر بجريدة الجريدة: (قال أنه يخشى الإنتفاضة ويعتبر الرئيس البشير قائداً محترماً وأنه يقدم النصيحة للمؤتمر الوطني وأنه عضو في لجنة إعداد الدستور الذي سيقوم [على شريعة غير مدغمسة]) وفجأة يغادر حزبه لجنة الدستور.. ويحج هو إلى كمبالا.. ويستقبله الفريق مالك عقار بأدبه الرفيع وحميميته العالية.. ويوقع على الميثاق.. وهنا لا نلوم السيد عقار إلا في الإطار الذي نعيناه عليه حين تكوين الجبهة الثورية.. فإنضمام المومياوات السياسية من حزب الأمة والأتحادي يجعل الجبهة تحمل عوامل فناؤها إذ أن آفة السياسة في السودان كانت هي الطائفية ثم جماعة الإسلام السياسي الوريث لكل الخطل السياسي الذي عمق جراحاتنا وأشاع فقرنا وعطل وعينا ثم إنضاف عليهم صاحبنا الكودة الطامع في دورٍ لا يملك له مقدمات.. لأنه على رأس حزب التكفير فيه قبل التفكير.. والزعيم كل فتاويه يباب ومواقفه السياسية (هباب) وهو الباحث عن أضواء كان الأجدى أن يبحث عن ثقب ضوء يسوق إلى إضاءة الليل السوداني البهيم.. فالتصريحات التي أطلقها الرجل قبيل السفر إلى كمبالا مفادها أنه ذاهب لإقناع الجبهة الثورية بوضع السلاح.. فهل نفهم من توقيعه أن الجبهة الثورية قد وضعت السلاح؟! أم هو رفع السلاح؟! وهل توقيعه يعني إغلاق أبواب النصيحة مع المؤتمر الوطني؟! أم أنه سيقوم بدور الناصح وهو قائد عسكري؟! والأهم من كل ذلك كيف يرى حكم السودان الآن؟! هل وفق الشريعة أم إنه وافق على فصل الدين عن الدولة؟! جملة القول: أن أزمتنا هي أزمة نخبة لا رجل الدين يتعامل بأخلاق الدين.. ولا رجال الدنيا يملكون الذهنية الإبداعية لإدارة شئون دنياهم.. ومن نكد الدنيا أن الكودة سياسياً..

وسلام يا وطن
حيدر أحمد خير الله
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..