ترّكيا / كُرة الثلجْ :

أحمد عمر شيخ*
فاتحة :
إنَّ الدخولَ إلى مفاصلِ المشّهدِ ” الترّكيْ ” في الآونةِ الأخيرةِ يسّتدعيْ الوقوفَ على الدوافعِ الحقيقيَّةِ للسُّلطةِ الحاليَّةِ وبواعثها ومواقفها السّياسيَّة,, وكذا رصد عباءة ” الخلافة العثمانيَّة ” / الأوتوقراطيَّة ,, وإرثها الضَاجّ بـ” ماضيْ التوسُّع / الجغرافيا مترامية الأطرافْ “,,والتيْ استتبعتْ الـ”ترهُّل” المُميتْ الذيْ غدَتْ عليهِ ” الإمبراطوريَّة / الرَّجل المريضْ ” كما أسماها ” الأوروبيونَ ” في ذلك الوقتْ ,, ما جعلَ ” أحفادها ” محمولينَ ” عبر تلكَ الـ” الطموحاتِ ” إلى نعشِ ” قدرهم الرّاهنْ / الماثلْ ” ,, بحيث انعكسَ ذلك ” البُعد الماضويْ ” على أنماطِ تفكيرهمْ ,, كعاملٍ أساسيْ وباعثٍ مهمٍّ فيْ ماتلى مِنْ أحداثِ الواقعِ ” الترّكيْ ” وتبديَاته ,, لتأتيْ ” عَصا الغربْ ” لتلوّح بملفِّ إبادة ” الأرْمنْ ” في الأعوام ” 1914م -2017م ” ,, والذيْ يُمثِّلُ ” ثقلاً أخلاقياً ” لما قامَ بهِ ” الأسلافُ ” مِنْ سوءٍ ,, حيث تحويْ ” الأدانة ” مقتل مابينَ ” مليون – مليون ونصفْ ” من الأرواح في ” تطهيرٍ عرقيٍ مُقزِّز ” ,, ليُنقدَ ” الفرنسيونَ ” حواليْ الـ400 ألفاً منهمْ ? منهنَّ عبر الزوارق البحريَّة ,, ويقومُ ” الغربُ ” كذلكَ بالتلويحِ بـ” جُزرَة ” الانضمام ” إلى ” أوروبا ” ,, حيث دخلتْ ” تركيا ” في ” السّوق الأوروبيَّة المشتركة ” في “العام 1963م” ,, لتغدو” رغبة ” الانضمام إلى ” الاتحادِ الأوروبيْ ” ,, والتيْ بدأتْ المحادثاتُ فيها العام ” 2005م ” هيَ ” المبتغى ” القريبِ / البعيد ” بالنسبةِ للنظامِ الـ” الترّكيْ / الأسلامويْ ” .
قفا نبكِ ..؟!!
وقد لَمْلَمَتْ ” الإمبراطوريةُ ” أطرافها وانكمشتْ إلى ” أرضِ الآباء والأجداد ” تاركة وراءها فصولاً طويلة من القمع والفساد والتجويع للشُّعوب التيْ استعمرتها ,, وطُرُزاً “عمرانيَّة ” وسمتْ بها “المدن” التيْ وطأتها أقدامها ,,وجراحاً ” تعمَّقَتْ ” في ذاكرةِ الشُّعوبِ منَ الصعبِ أنّْ تندملْ ,, وإنّْ برفعِ شعاراتِ الـ” إسلام السّياسيْ ” الذيْ سقطتْ عنه ” أقنعته ” وبدا ” القومُ ” عراة / حفاة ” لا “مغيث” و”لاساتر” لهمْ ,, وهيَ ” مظالمٌ ” كانَ من المفروض أنّْ يتمَّ ” التكفيرُ ” عنها وتنتهيْ بتكريس ( علمنة الدَّولة ) على يدِ ” كمال الدين مصطفى أتاتوركْ ” / بانيْ ” ترّكيا الحديثة ” وفقَ مباديء ” العصّرَنة ” في الـ” 29 مِنْ أكتوبر 1923م / أيّ بعد عامٍ واحد فقط ” مِنْ سقوطِ ” الخلافة العثمانيَّة ” واندحارها ضمنَ تداعياتِ ” الحربِ العالميَّةِ الأولى ” / ” 1914م ? 1918م” وتقاسمِ غنائمها بينْ ” المستعمرينَ / منتصري الحربْ ” في تلك الحقبة .
ترّكيا وكرةُ الثلجْ :
إنَّ ” ترّكيا ” ذات الموقع الإستراتيجيْ على ” مضيقِ البوسفور / Bosphorus Strait” ,, والكثافة السُّكانيَّة ” قرابة الـ80 مليون نسمة ” ,, والتيْ تُعدُّ جسّراً بين القارتينْ ” أوروبا ” و” آسيا ” تحيا بينَ شدِّ ” القديمْ ” و” الخلافة الذاهبة ” مع ” ريحِ ” الوقائع الحاليَّة في عالمها والمحيط ,, و” جذبِ ” رؤى ” الحداثة ” وآفاقها المستقبليَّة .
وفقَ هذين ” العاملينْ ” تأرجحَتْ “الذهنيَّة الحاكمة” في ” ترّكيا ” وعلى قمتها الرَّئيسُ الحاليْ ” رجبْ طيّبْ أردوغانْ ” كبندولِ ” الساعة ” ,, وهاهيَ الآن تتدحرجُ كـ” كرةِ ثلجٍ ” ,, حيثُ تقومُ الأحداثُ والمتغيراتِ بـ” تكويرها ” حدَّ ” الانتفاخ / لتغدو فقاعة ضخمة ” ,, و” أردوغانْ ” الذيْ تسلَّمَ رئاسة ” حزب العدالة والتنميَّة ” في 21الـ” مِنْ مايو 2017م ” ,, محمَّلاً بـ” تصوراتٍ ” لايمكن انّْ تجد لها مكاناً في ” الجغرافيا المعاصِرة ” و” الفكر السياسي الحديث ” ,, فهو يسعى لـ” تكوير الثلج ” / ودفعهِ إلى مثواه الحتميْ .
العدالة والتنميَّة ؟!!:
تمَّ تأسيسَ حزبِ ” العدالة والتنميَّة/ Adalet ve KalkinmA Partisi” فيْ 14 أغسطسْ 2001م بعد انقسامه على الحزبِ الأمّْ / ” الفضيلة ” ومؤسِّسهِ ” نجمُ الدِّين أربكانْ “,, والذيْ قامتْ بحلِّهِ ” المحكمة الدستوريَّة ” في ” تركيا ” قبلها بـ” أشهرٍ معدوداتٍ ” ,, حيث تبنَّى حزبُ ” العدالة والتنميَّة ” أفكار الـ” ليبرالية الإقتصاديَّة ” والـ” محافظة الإجتماعية ” بالاستناد على ” الدين الإسلاميْ ” / وفق التفسير ” الإخوانيْ له ” واتخاذ ” السّريَّة ” أداةً له,, بما استوجبَ لاحقاً أنّْ تكونَ ” ترّّكيا ” و ” حكامها الجدُّد ” هي الحاضنة لـ” تنظيم الإخوان العالميْ ” ورأسِ تحركاته ,, بمساعدةِ ” الأموال القطريَّة ” وآلة قناة ” الجزيرة ” الدِّعائيَّة ,, وهو ماشكَّلَ ملامح تحركات ” السلطة الترّكيَّة ” في المرحلةِ بمجملها ,, ولكنْ ” كرة الثلج ” تتعرضُ في هذه الآونة لـ” ألسنة اللهبْ ” مِنْ كلِّ حدبٍ وصوبٍ ,, حيث ” انهارَ ” المشروعُ الإخوانيْ ” في ” مصر” بتوقيتِ الـ ( 30 مِنْ يونيو 2013م ) بعد حكم ” مرسيْ / الإخوانْ ” والذيْ استمرَ لعامٍ واحدٍ فقطْ ,, وفقدتْ برحيلهِ ” الحكومة الترّكيَّة ” أهمّ أذرعها في المنطقة ,, وهيَ التيْ قطعتْ شوطاً في ” تقليمِ أظافرِ المؤسسة العسكريَّة الترّكيَّة ” و”نسف دعائم علمنة الدولة وتصفيتها” ,, وتحجيم ” الأكراد ” و”محاصرتهمْ ” .
إنَّ ” الأكراد ” يشكلونَ في ” ترّكيا ” نسبة 20% بينما يبلغ ” الأتراكُ” 70% وتتوزعُ الـ10% باقيْ العرقياتْ ,, ولكنَ صعوبة ” المعادلة الكرّديَّة ” تتبدَّى في ” المحيطين الجغرافيينْ ” لـ” الدولة الترّكيَّة “,, حيث هناكَ ” أكراد / ” سوريا ” و “العراقْ” ,, وهو ماجعلَ ” حزبُ العدالة والتنميَّة ” يسعى حثيثاً للـ” تمدُّدَ ” حتى الوصول إلى بناءِ قاعدةٍ عسكريَّةٍ في الـ” صّومالْ ” البعيد عنه كـ” جغرافيا ” ,, ومِنْ قبلها القاعدة ” التركيَّة ” في ” قطر ” ,, وتنظرُ دولُ المقاطعة ” مِصّر / السعوديَّة / الأمارات العربيَّة المتحدَّة / البحرين ” إلى وجود ” القاعدة الترّكيَّة ” أنَّهُ ” تجاوزٌ أمنيٌّ خطيرْ ” ,, وهذا صحيحٌ بالجزْمْ .
أمجاد غاربة :
وماتقومُ به ” الحكومة الترّكيَّة ” في هذه المرّحلة ,, وهي الباحثة عن ” أمجادٍ أفلَتْ ” هو تعبيرٌ عنْ ” تخبطٍ سياسيٍ ” ومحاولة بائسة لكسب مساحاتٍ جغرافيَّة ” ليستْ لها ” ,, و لهاثٌ لـ” تدبير موطيء قدم لـ” الأخوان ” / الرَّاحلين أساساً والمنتهيَّة ” ولايتهمْ ” الإستخباراتيَّة للـ” سيْ آيْ ايه ” و” الماسونيَّة “,, وهي خُطى ليست مفيدة بعد ” تفكّك ” الأجندات الخبيئة برحيلِ ” إدارة أوباما ” من ” البيت الأبيض ” ,, وحلول ” إدارة ترامبْ ” التيْ ” نفضتْ يدها مِنْ ” عمالاتهمْ ” و” ارتزاقهمْ ” لدواعيْ أخرى قد اتناولها في محاورَ قادمة ” ,, وقريباً ستكتملُ وقائعُ ” الرّغبة الترّكيَّة ” أيضاً حول / سَواكِنْ السُّودانيَّة ” ,, والتيْ لنْ تسمحَ بها على أيِّ حالٍ من الأحوال دولُ ” حوضِ البحّر الأحمرْ ” إنّْ رأتْ أنَّها تَمسَّ أمنها ومصالحها الإستراتيجيَّة ,, ولو تحت غطاء ” منتجعاتٍ سياحيَّة ” ؟؟!! وبذريعة ” السّيادة ” الفرديَّة للـ” سُودانْ ” ,, كونَ أمن ” البحر الأحمر ” هو أمنٌ جماعيْ .
عفرينْ / قاصمة الظَهرْ :
إنَّ قصف ” عِفرينْ ” بـ” سوريا ” مؤخراً وقتل وتشريد ” الكرّد ” في هذه المنطقة هو مأساة أخرى تُضاف إلى ” عبءِ الإنسانيَّة ” وسجلها ” الدمويْ ” ,, ولنْ يحتملهُ الضميرُ ” الترّكيْ والعالميْ ” ,, وهو مادفعَ ” روسيا ” لإدانة هذه الـ” الممارساتِ “/ الحاقدة و” التصفويَّة ” تجاه ” العِرقِ الكرّديْ ” ,, والتيْ لايبررها ” الحسّ البشريْ ” النقيّ,, ولاأدريْ كيف لـ” حزبٍ ” يدعِّيْ تبنيه لـ” إسلامويته ” أنّْ يرتكبَ هذه المجازرَ عبر” الطائراتِ ” و”الأسلحة الثقيلة ” ويموت بسبب ذلك ” الأطفال ” و”الأبرياء” و”الشيوخ في قرى ” أوجا / ماكو / ماباقا / دمليا / كويْ / بادنْ .. وغيرها ” ,,بدعوى مطاردة ” الأكراد ” و” المسلحين في بلدٍ ليسَ لكْ ” ؟!!,, ولكن لاغرابة فيْ أمرٍ كهذا ,, فهيْ ممارساتُ ” التعصّب ” القوميْ وسلوك ” الأخوان ” المعتادْ.
ذوبانُ الحلمْ ( الماضويْ – الإخوانيْ ) :
وهاهو مرَّةً ومرَّات يتعرّى كأقبحِ مايكونْ ,, ولتغدو ” النهاياتُ ” ترتسمُ بوضوحِ أشعة شَّمسِ الحقيقة وهيَ تسلطُ أشعتها على ” كرةِ الثلج ” التيْ بدأتْ بالذوبانِ السّريع ,, وعلى مايبدو للـ” مراقب ” فإنَّّ ” الكرة ” ستختفيْ قريباً !! وسيتبخرُ ” العثمانيون الجُدُد ” ورعاياهمْ ” الأخوانْ ” و” مرتزقتهمْ ” مع ” موجاتِ ” الصّدق والتآخيْ والمحبَّة ,, تحياتيْ .
*كاتب وباحث اريتري..
[email][email protected][/email]
مقال رصين وموضوعى .
مقال رصين وموضوعى .