اليانكي في محمية الدندر .. !

الدندر: نور الدين جادات
زيارة غير متوقعة قادها نائب القائم بالأعمال الأمريكي أرقين جي ماسنقا إلى محمية الدندر الطبيعية بولاية سنار، مثلت حجراً في بركة ساكنة ظلت بعيدة عن الاهتمام الحكومي طوال عقود. وفد السفارة الذي ضم مسؤولين بالسفارة على رأسهم مديرة المعونة الأمريكية ومساعدة رئيس القسم السياسي والاقتصادي والملحق الاقتصادي بالسفارة جعل من الزيارة أهمية خاصة. فالجميع تساءل عن سر الزيارة التي بدت شعبية أكثر من كونها رسمية، ليلتان قضاها الوفد بمعسكر ?قلقو? في قلب المحمية جعلت منها رحلة ذكريات وشجون ليعاد بها اكتشاف كنوز تزخر بها المحمية، فهي التي تحتاج لتسليط الضوء عليها لتنافس السياحة العالمية. الوفد تجول بأحراشها، شوارعها، أشجارها، حيواناتها الأليفة والمفترسة، سمائها وأرضها ومائها، وأنهارها التي تجري لتبعث فيها الحياة، وبحث بشغف للإجابة عن تساؤلات المشاكل التي تعاني منها؟. العقبات التي تقف سداً منيعاً لانسياب حركة السياح. ماذا قال المسؤولون، وما هي رؤية المواطنين؟ وماذا عن الكثير الذي يبعث بالمرارة والألم. قضايا مستعجلة وحكايات، في هذه المساحة تقديراً لمجهود قائم الآن وصيحة علها تصل مسؤولي المركز في ?الخرطوم? و?سنار? مفادها.. الدندر تناديكم.. فهل من مستجيب؟.
وصول الوفد:
خمس سيارات فارهات استقبلها أهالي محلية الدندر إيذاناً ببداية رحلة الوفد الأمريكي الذي طاف بين منزل المعتمد ومبنى المحلية، لم تكن هناك تعزيزات أمنية فالذاكرة التي صنعتها بعض الأيادي باتخاذها لمحمية الدندر لإطلاق أعمال إرهابية محدودة لم يكن لها أثر بعد كل هذه السنين، الموكب انخرط في اجتماع مع والي ولاية سنار بمدينة سنجة قبل أن يستقبله معتمد الدندر في ضيافة ووجبة غداء بمنزله، ومن ثم قضاء ليلته الأولى باستراحة إدارة المحمية، والتحرك صباحاً إلى معسكر ?قلقو? في منتصف المحمية الذي كان الطريق إليه طويلاً، فالشارع الذي تم تصديقه من جانب الحكومة لم يتنزل لأرض الواقع حتى الآن واكتفى جميع وزراء الطرق والمالية السابقين بتأكيده دون الحرص على إنزاله على أرض الواقع، فالمعاناة كانت حاضرة حتى الوصول إلى المعسكر.
رقص وقفشات:
الرحلة في طوال أيامها غلب عليها الطابع الاجتماعي فنائب القائم بالأعمال والوفد كان بمثابة الأسرة الواحدة، فجميع البرامج كانت تقام بمشاركة الجميع، فالفرق الشعبية صنعت اليوم الأول مشاركة الوفد في الرقص والتصوير. زوجة نائب القائم بالأعمال كانت الأكثر فرحاً بذلك، الأمر امتد حتى داخل المحمية فالجولات التي تقام في قطاعات المحمية المختلفة قسمت على أزمان لمناطق ?رأس عامر، في مصغرة من فرق شعبية ومحلية بادل فيها الوفد الأمريكي الفرقة بالرقص، ومن ثم الدخول في الاجتماع الذي ضم الإدارات الأهلية بالوفد.
بحسب الدراسات العالمية التي تشير إلى انخفاض المسطحات الخضراء وازدياد مشاكل الاحتباس الحراري، لا زالت المحميات السودانية تحتفظ بطبيعتها، فبالرغم من مواجهتها لمشاكل عدة أخطرها الجفاف الذي يمثل تهديداً لوجودها ومعالجة الأمر تحتاج إلى دراسات كثيرة من وزارة الري لمعرفة أسباب جفاف (الميعات) التي تعتمد عليها الحيوانات في شرابها. وينقل الجفاف أعشاباً غير مرغوبة تعمل على تحطيم المرعى، إلاَّ أنها تظل الأكثر محافظة فيما يعرف بالميعات التي تشرب منها الحيوانات تتواجد بكثرة ووزعت بنقاط تسمى (رأس عامر، قلقو، بريريطة، عبد الغني، والدبكرة، بيت الوحش، فرش النعام، سمسير، السمعاعاية، عين الشمس، قريريصة، وغيرها). طوال مسير الوفد في المحمية الطريق تحيط به الأشجار، وتنظر على امتداده لأسراب من الغزلان (الباشمات والكتمبور والمور وأب عرف) وجداد الوادي، والجَاموس، والأرانب، وأنواع من الطيور، والقرود، وقد تصادف الأسود وهي على مسافة منك، في ضرى الحَشائش الكثيفة. وبحسب ما ذكرت في وقت سابق فإنَّ الأسود بمحمية الدندر قد تولت عملية وداع وفد السفارة الأمريكية في اليوم الختامي، ففي الثالثة من فجر نفس اليوم استيقظ الوفد على زئير أسود ارتجت له الغرف التي يقيم بها السياح، المشهد جعل كل فرد يسرع نحو النوافذ في منظر قّلت رؤيته في عدد من محميات العالم، بحسب إفادة خبير الأسود الذي تصادف وجوده ضمن الوفد. فقد هرع في ذلك الظلام الذي تخللته خيوط الفجر مستقلاً سيارته وسلاح التخدير لمكان الأسود، وهو في كامل السعادة بتلك الخدمة التي قدمتها الأسود بالقدوم لجوار المعسكر دون عناء بحث. الخبير الذي جاء للدندر بعد بحوث أجراها بالمحمية الإثيوبية بدا متفائلاً وبعث برسائل تطمين عديدة عن مستقبل الحياة البرية بالمحمية والأسود على وجه الخصوص. فالأبحاث ستدون في توصيات لها ما بعدها في تاريخ حياة الأسود في جميع أفريقيا وليست محمية الدندر فحسب.
وكأنَّ الأسود كانت تصر بزئيرها الذي أوقف قلوب البعض، برغم نكرانهم ذلك لاحقاً، تحرص على إيصال رسالتها بأنَّ أرض الدندر لا تزال تحتفظ بتنوعها الحيواني وسجيتها. في وقت يبحث فيه العالم عن هذه الخاصية، عطفاً على إصرارها في سياق منفصل لإنصاف مجهود عاشرت الضباط والجنود المتواجدين بأرضها حماية لإرث قومي بكل نكران ذات.
حديث الدبلوماسية:
حكومة الولاية بدأت متعاونة لحد كبير عطفاً على حضور مدير إدارة الحياة البرية اللواء جمال البلة وإشرافه بصورة مباشرة على خدمة الضيوف، في الوقت الذي كان فيه مدير المحمية بعيداً عن الضيوف. معتمد محلية الدندر عبد العظيم آدم يوسف تحدث للوفد ذاكراً أنّ محمية الدندر، تمثل مصدراً سياحياً طبيعياً مساعداً في قضايا المناخ. المعتمد ذكر أنَّ العقوبات الأمريكية التي تم رفعها كان لها أثر كبير على المكونات المحلية والإنتاج، إلاَّ أنه عاد وقال شاكرين خطوة رفعها باعتبارها عقوبات أحادية. نائب القائم بالأعمال أرفين ماسنقا قال إنَّ سفارة بلاده أوفدتهم لرؤية المحمية على الطبيعة ومدى تأثير رفع العقوبات الأمريكية على السودان في مختلف مناحي الحياه، وزاد بإعلانه أن عدداً من المستثمرين ورجال الأعمال الأمريكيين في طريقهم للسودان بتخصصات مختلفة الزراعة، النقل الطيران، والاقتصاد.
حديث حذر:
الإدارات الأهلية التي تمت دعوتها للقاء الوفد لوحظ عليها التحفظ في الحديث، فقد تحدث أغلب المتداخلين من الإدارات الأهلية بعبارات تحث السفير على ضرورة استغلال الموارد من المستثمرين الأمريكان والفرص الاستثمارية في البلاد، بينما جاءت مطالبات أخرى بالتأكيد على أنَّ السودان آمن تماماً ولا يعرف ما تعاني منه أغلب الدول من إرهاب وغيره، عطفاً على أنَّ التعايش السلمي هو السمة المميزة لمواطن السودان. عدد من المتحدثين كذلك ذكروا ضرورة رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لأنَّ التأثير كبير جداً على المواطنين، فيما شددت الناشطة السياسية هاجر إدريس بابكر على ضرورة إيلاء عناية خاصة لمحمية الدندر، باعتبارها محمية قومية لجهة أنها واعدة في حالة تأهيل بنيتها التحتية وتوفر الأمن بها.
البحث عن إجابة:
بحسب المراقبين والمعطيات على أرض الواقع، فإنَّ الزيارة أتت أكلها وخرجت بصورة تليق بالمحمية، لكن ما يدعو للقلق هو وجود المعاناة التي تواجه مستقبل السياحة البرية في السودان، فالطريق الذي تم تصديقه كما ذكرت لا زال على الورق، في الوقت الذي تحجم فيه الشوارع الترابية المؤدية للمحمية السياح. جانب آخر إعلامي وهو كذلك قصور حكومي في إقناع المواطن السوداني بما تحتويه المحمية من كنوز طبيعية. أما الجانب الأهم الذي سنتعرض له في حلقات قادمة هو مستقبل المحمية، في ظل التدخل من بعض المجتمعات المحلية بشقيها المحلي والإقليمي، بجانب المخالفات التي قد تحد من عودة المحمية لطبيعتها في ظل الانحسار الكبير للحيوانات وندرتها الذي تعيشه معظم محميات العالم؟.
المدارية.