مولانا الحافظ والمهندس عمر الدقير.. مليون شارة نصر

فضيلي جمّاع
يعرف كل من يتأمل تاريخ بلادنا المكتوب والشفاهي أنّ هناك مواقف شديدة الوهج لرجال ونساء ترفع لهم ولهنّ القبعات. وبدون ذكر نماذج لبطولات لا تحصى، فإنّ العبرة أنّ حواء السودانية ولود، وأنّ الجسارة صفة أصيلة من صفات الشخصية السودانية عبر تاريخنا وفي كل ركنٍ من أركان وطننا العريض، ففي هذه المساحة العريضة نما عبر التاريخ غرس الشجاعة والوفاء والأمانة وإغاثة الملهوف. لن أطلب شهادة سوداني على ما أقول فشهادة السوداني على نفسه مجروحة. لكني أستدعي شهادة من صدّرنا إليهم عمالتنا من الراعي الأمي والعامل ومعلم الإبتدائية إلى حامل درجة الماجستير والدكتوراه من رجال ونساء في كل المهن ? أستدعي من بعثنا إليهم هؤلاء ليدلوا بشهادتهم عنا. أعرف وتعرفون أنّ شهادتهم السمحة عنا،كانت وستظل شارة شرف على صدورنا أينما سعينا.
لكن من حقي أن أطرح سؤالاً مشروعاً طالما ردده الملايين غيري: كيف ? ونحن بهذه الصفات التي في بياض الحليب- أن ولدت حواء السودانية هذا الرهط من المشوهين سلوكياً، لينزلوا بشعبنا على مدى ثلاثة عقود أبشع أنواع المهانة والذل؟ والسؤآل الأشد قسوة: متى تهب عاصفة النخوة والكرامة فينا لنعرف أنّ طريقاً واحداً لا آخر سواه لعودة كرامتنا المغتصبة، أعني عاصفة الشارع..فالشارع لا يخون!
في ذات يوم وفي بلد جار وشقيق، التقيت مولانا محمد الحافظ:
وأنا في ردهة فندق صغير ذات ضحى، فاجأني صوت الصديق الشاعر كمال الجزولي، فاتحاً ذراعيه عند مدخل الفندق. كنت قد سبقتهم إلى الجارة إثيوبيا بيوم، قادماً إليها من بلد بعيد. تعانقنا بعاطفة الصديق الذي لا يخون حبل الود أبداً. وقبل أن أدخل كثيراً في السلام السوداني الطويل وملحقاته قال لي كمال بطريقته السريعة والحاسمة: شوف.. كنت جايب معاي صديقك عالم عباس..لكن عالم مدعو لجاليتنا في البحرين! وقبل أن أبدي أسفي – وهو يعلم كم أفتقد توأم شعري عالم عباس – أضاف كمال الجزولي: لكن جيتك بمولانا محمد الحافظ. ونعمّا فعل الرجل. ماذا أقول عن مولانا محمد الحافظ؟ سبعة أيامٍ من الإجتماعات الماراثونية في مؤتمر بأديس أبابا..كان أكثرنا صمتاً وأحلانا ابتسامة وأفضلنا سبقاً للرأي الذي يقطع قول كل خطيب! جلسنا ذات يوم في مطعم (سمكنا) في أديس أبابا- مطعم شعبي حتى النخاع. اشتقنا للسمك النيلي والفول- بالجد كانت تلك وجبتنا مضافاً إليها ما خصني به مولانا الحافظ من شعر أنيق في التصوف. وأقول خصني به لأننا – هو وأنا – سبقنا زملاءنا الآخرين للمطعم. في حوالي نصف الساعة استمعت للرجل الهادئ هدوء البحر وهو يتلو على مسمعي شعراً للمتصوفة وبعض أخبارهم.
واليوم تمتد يد الإجرام لتضع القاضي الشجاع والنزيه محمد الحافظ في السجون دون توجيه تهمة إليه أو محاكمة (ذاك طبعهم في الحقد والتشفي من الخصوم) فهم قد عجزوا عن منعه الدفاع كمحامٍ ناصع الحجة عن البؤساء والمحرومين من أبناء وبنات شعبنا.
يا مولانا محمد الحافظ، لم يفعلوا شيئاً غير أن علقوا على صدرك وساماً فاز به قبلك أجدادك: المك نمر وشهداء كرري والسلطان عجبنا والسلطان تاج الدين وكثيرون غيرهم، عندما قالوا “لا” في وجه الطاغية. ذهب الطغاة مع لعنة التاريخ وبقيت سيرة أجدادك الذين ذكرت ناصعة ليرثها شعبنا الأبي وأبناؤه وبناته الذين تمثلهم في سجنك – رغم المرض الذي لن يهد عزيمة من هو مثلك!
وتستدعي الذاكرة في منفاي نزيلاً آخر بسجون الإنقاذ – المهندس عمر يوسف الدقير..وحين أكتب عن عمر الدقير، فإنني أعترف أن شهادتي عنه مجروحة، ذلك لأنّ عمر – رغم علو منزلته السياسية التي حصدها بمواقفه السياسية النظيفة والشجاعة – هو في منزلة أخي الأصغر. عرفته منذ طفولته. فقد شربنا ماء الوطن الأصغر – المجلد. ولأهلنا في المجلد (أو دينقا أم الديار كما ينادونها) مقولة شعبية وهي : اليشرب ألميها لابد يعود ليها ! وأنا أوفر المهندس عمر الدقير لوطننا الكبير. مشكلة الإسلامويين مع عمر يوسف الدقير هي مشكلتهم “العويصة” مع كل وطني صعب الإرادة، قوي الشكيمة، عفيف اليد واللسان. وحسناً فعلوا إذ رموه في السجن، فهو رغم شعبيته وحب الملايين له، يصبح في سجنه مثل الحجر الكريم، لا يزيده لهب النار التي تصليه إلا توهّجاً. إنّ وطننا يحتاج قيادة شابة من أمثال عمر الدقير، وأظن أن الإسلامويين سيعضّون بنان الندم ذات يوم لأنهم منحوه وسجناء الضمير من المناضلين والمناضلات – منحوهم وسام شرف السجن السياسي الذي نعرف جيداً أنّه إحدى آلات القمع لأنظمة الإستبداد.
ويا مستبد (زيد السجن ترباس) ..ستذهب أنت وسجنك قريبا جداً إلى مزبلة التاريخ. ونحوّل سجونك وبيوت أشباحك سيئة السمعة إلى رياض أطفال كما حلم بذلك شاعر الشعب محجوب شريف- له الرحمة والخلود.
ويا مولانا الحافظ والمهندس عمر الدقير..يا كل نزلاء السجون السياسية في بلادنا: نرفع من أجلكم مليون شارة نصر !
وعرفت المهندس عمر الدقير زميلاً في المدرسة الثانونة وكان قليل الكلام وان تكلم لا يقول إلا خيراً…وعرفته نشيطاً في جامعة الخرطوم …. يتحرك كثيراً و يتكلم قليلاً ..فك الله قيده و قيد كل مناضلي بلادي
كمأنت كبير شاعرنا المجيد المناضل فضيلي حماع .. إسم والدك وحده خير عنوان لوطننا في مستقبله الأخضر والزاهي زالقادم قريباً .. قريباً جداً بعد التخلص من زبالة الكيزان الواطيين .. شكراً أستاذي فضيلي على حروفك بحق إثنين من أبناء الشعب العظيم.
وعرفت المهندس عمر الدقير زميلاً في المدرسة الثانونة وكان قليل الكلام وان تكلم لا يقول إلا خيراً…وعرفته نشيطاً في جامعة الخرطوم …. يتحرك كثيراً و يتكلم قليلاً ..فك الله قيده و قيد كل مناضلي بلادي
كمأنت كبير شاعرنا المجيد المناضل فضيلي حماع .. إسم والدك وحده خير عنوان لوطننا في مستقبله الأخضر والزاهي زالقادم قريباً .. قريباً جداً بعد التخلص من زبالة الكيزان الواطيين .. شكراً أستاذي فضيلي على حروفك بحق إثنين من أبناء الشعب العظيم.